رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقال رئيس التحرير

أين وفاء الأمة.. للبررة الأوائل؟؟!! «5»

هل‭ ‬تردوا‭ ‬غيبة‭ ‬ابنة‭ ‬الصديق‭ ‬؟؟‭!! ‬ «الجزء الخامس».. 

عائـــشة‭ ‬بنت‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‮»‬‭.. ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬قحافة‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عامر‭.. ‬أفقه‭ ‬نساء‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.. ‬زوج‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬الزاهدة‭ ‬العابدة‭ ‬الصوامة‭ ‬القوامة‭... ‬التى‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لنبيه‭ ‬إذ‭ ‬رآها‭ ‬فى‭ ‬المنام‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬الصحيحين‭ ‬واللفظ‭ ‬لمسلم‭.. ‬عَنْ‭ ‬عَائِشَةَ؛‭ ‬أَنَّهَا‭ ‬قَالَتْ‭: ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬اللهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬أُرِيتُكِ‭ ‬فِى‭ ‬الْمَنَامِ‭ ‬ثَلاثَ‭ ‬لَيَالٍ،‭ ‬جَاءَنِى‭ ‬بِكِ‭ ‬الْمَلَكُ‭ ‬فِى‭ ‬سَرَقَةٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَرِيرٍ،‭ ‬فَيَقُولُ‭: ‬هَذِهِ‭ ‬امْرَأَتْكَ،‭ ‬فَأَكْشِفُ‭ ‬عَنْ‭ ‬وَجْهِكِ،‭ ‬فَإِذَا‭ ‬أَنْتِ‭ ‬هِىَ،‭ ‬فَأَقُولُ‭: ‬إِنْ‭ ‬يَكُ‭ ‬هَذَا‭ ‬مِنْ‭ ‬عِنْدِ‭ ‬اللهِ،‭ ‬يُمْضِهِ‮»‬‭..‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬بكرًا‭ ‬غيرها‭... ‬وكانت‭ ‬تفخر‭ ‬بذلك‭... ‬فعنها‭ ‬قالت‭: (‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬أرأيت‭ ‬لو‭ ‬نزلتَ‭ ‬واديًا‭ ‬وفيه‭ ‬شجرة‭ ‬قد‭ ‬أُكِل‭ ‬منها‭ ‬ووجدتَ‭ ‬شجرًا‭ ‬لم‭ ‬يؤكل‭ ‬منها‭ .... ‬فى‭ ‬أيها‭ ‬كنت‭ ‬ترتع‭ ‬بعيرك؟‭ ‬قال‭: ‬فى‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يرتع‭ ‬منها،‭ ‬تعنى‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬بكرًا‭ ‬غيرها‭) ‬رواه‭ ‬البخارى‭ .... ‬وهى‭ ‬زوجته‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬كما‭ ‬ثبت‭ ‬فى‭ ‬الصحيح‭...‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬أحب‭ ‬النساء‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬النبى‭ ‬بعد‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭.. ‬لما‭ ‬روى‭ ‬عن‭ ‬أبى‭ ‬عثمان‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‮»‬‭.. ‬بعث‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬على‭ ‬جيش‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬السلاسل‮»‬‭.. ‬قال‭: ‬فأتيته‭.. ‬فقلت‭: ‬أى‭ ‬الناس‭ ‬أحب‭ ‬إليك؟‭... ‬قال‭: ‬عائشة‭.. ‬قلت‭: ‬من‭ ‬الرجال‭.. ‬قال‭: ‬أبوها‭.. ‬قلت‭: ‬ثم‭ ‬من؟‭ .. ‬قال‭ ‬عمر‭ ... ‬فعد‭ ‬رجالًا‭ ‬فسكت‭ ‬مخافة‭ ‬أن‭ ‬يجعلنى‭ ‬فى‭ ‬آخرهم‮»‬‭... ‬أخرجه‭ ‬الشيخان‭..‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يداعبها‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭... ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬نسائه‭.. ‬فعنها‭ ‬قالت‭: ‬والله‭ ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬حجرتي‭... ‬والحبشة‭ ‬يلعبون‭ ‬بالحراب‭... ‬ورسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬يسترنى‭ ‬بردائه‭ ‬لأنظر‭ ‬إلى‭ ‬لعبهم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أذنه‭ ‬وعاتقه‭.. ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬من‭ ‬أجلى‭ ‬حتى‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬التى‭ ‬أنصرف،‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد،‭ ‬وعن‭ ‬عروة‭ ‬بن‭ ‬الزبير‭ ‬أن‭ ‬عائشة‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬أخبرته‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬اشتكى‭ ‬نفث‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بالمعوذات،‭ ‬ومسح‭ ‬عنه‭ ‬بيده‭... ‬فلما‭ ‬اشتكى‭ ‬وجعه‭ ‬الذى‭ ‬توفى‭ ‬فيه‭.. ‬طفقتُ‭ ‬أنفث‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بالمعوذات‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬ينفث،‭ ‬وأمسح‭ ‬بيد‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬عنه‭ ....‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬يناديها‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬بقوله‭: (‬يا‭ ‬عائش‭) ‬تحببًا‭... ‬وتحسنًا‭ ‬لمكانتها‭ ‬المميزة‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭... ‬ففى‭ ‬الصحيحين‭ ‬عن‭ ‬عائشة،‭ ‬قالت‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭: ‬يا‭ ‬عائش‭! ‬هذا‭ ‬جبريل‭ ‬يقرئك‭ ‬السلام‭. ‬قلت‭ ‬وعليك‭ ‬السلام‭ ‬ورحمة‭ ‬الله‭ ‬وبركاته‮»‬‭...‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬يناديها‭ ‬بالموفقة‭ ‬لتوفيق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تقول‭ ‬أو‭ ‬تفعل‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنها‭.... ‬روى‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬قال‭: ‬‮«‬من‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬فرطان‭ ‬من‭ ‬أمتى‭ ‬أدخله‭ ‬الله‭ ‬بهما‭ ‬الجنة‭.. ‬فقالت‭ ‬عائشة‭: ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬فرط‭ ‬من‭ ‬أمتك‭... ‬قال‭: ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬فرط‭ ‬يا‭ ‬موفقة‭......‬‮»‬‭ ...‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يلقبها‭ ‬بأم‭ ‬المؤمنين‭.. ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬المؤمنين‭ ‬وبيان‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬النَّبِيُّ‭ ‬أَولَى‭ ‬بِالْمُؤْمِنِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَنْفُسِهِمْ‭ ‬وأَزْواجُهُ‭ ‬أُمَّهَاتُهُمْ‭ ‬وأُولُوالْأَرْحَامِ‭ ‬بَعْضُهُمْ‭ ‬أَولَى‭ ‬بِبَعْضٍ‭ ‬فِى‭ ‬كِتَابِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمُؤْمِنِينَ‭ ‬والْمُهَاجِرِينَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬أَنْ‭ ‬تَفْعَلُوا‭ ‬إِلَى‭ ‬أَولِيَائِكُمْ‭ ‬مَعْرُوفًا‭ ‬كَانَ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬فِى‭ ‬الْكِتَابِ‭ ‬مَسْطُورًا‮»‬‭ ..‬‭.‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬خصها‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‮»‬‭.. ‬بالدعاء‭.. ‬فعن‭ ‬عائشة‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬ما‭ ‬رأيتُ‭ ‬مِنَ‭ ‬النبيِّ‭ ‬صلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليهِ‭ ‬وسلمَ‭ ‬طِيبَ‭ ‬النَّفْسِ‭ ‬قلتُ‭: ‬يا‭ ‬رسولَ‭ ‬اللهِ‭ ‬ادعُ‭ ‬اللهَ‭ ‬لي،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬اللهمَّ‭ ‬اغفرْ‭ ‬لعائشةَ‭ ‬ما‭ ‬تقدَّم‭ ‬من‭ ‬ذنبِها‭ ‬وما‭ ‬تأخَّرَ‭ ‬وما‭ ‬أسرَّتْ‭ ‬وما‭ ‬أعلنَتْ‮»‬‭..... ‬فضحكتْ‭ ‬عائشةُ‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬رأسُها‭ ‬فى‭ ‬حِجرِ‭ ‬رسولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬‮«‬صلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليهِ‭ ‬وسلَّمَ‮»‬‭ ‬من‭ ‬الضَّحِكِ‭... ‬فقال‭: ‬‮«‬أيسرك‭ ‬دعائي‮»‬‭... ‬فقالتْ‭: ‬‮«‬وما‭ ‬لى‭ ‬لا‭ ‬يسرنى‭ ‬دعاؤك‮»‬‭...‬فقال‭ : ‬‮«‬واللهِ‭ ‬إنها‭ ‬لَدَعْوتى‭ ‬لأُمَّتى‭ ‬فى‭ ‬كلِّ‭ ‬صلاةٍ‮»‬‭.‬

لذلك‭ ‬صح‭ ‬عنه‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‮»‬‭.. ‬فيما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬الصحيحين‭ ‬عن‭ ‬أبى‭ ‬موسى‭ ‬الأشعرى‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬قال‭: ‬‮«‬كمُل‭ ‬من‭ ‬الرِّجال‭ ‬كثير‭ ‬ولم‭ ‬يكمل‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬إلا‭ ‬مَريم‭ ‬بنتُ‭ ‬عمران،‭ ‬وآسية‭ ‬امرأةُ‭ ‬فرعون،‭ ‬وفضلُ‭ ‬عائشة‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬كفضل‭ ‬الثريد‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬الطعام‮»‬‭...‬

ولمزيد‭ ‬فضلها‭ ‬ولعلو‭ ‬مكانها‭ ‬روى‭ ‬عن‭ ‬عَائِشَةَ‭ .... ‬قَالَتْ‭: ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬‮«‬صَلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّم‮»‬‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬عَائِشَةُ‭ ‬هَذَا‭ ‬جِبْرِيلُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬السَّلامُ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬يَقْرَأُ‭ ‬عَلَيْكَ‭ ‬السَّلامَ‮»‬‭.... ‬فَقُلْتُ‭: ‬‮«‬وَعَلَيْهِ‭ ‬السَّلامُ‭ ‬وَرَحْمَةُ‭ ‬اللَّهِ‮»‬‭ ... ‬وَقَالَتْ‭ ‬عَائِشَةُ‭: ‬‮«‬وَهُوَ‭ ‬يَرَى‭ ‬مَا‭ ‬لا‭ ‬أَرَى‮»‬‭..‬

إنــها‭ ‬عائـــشة‭ ‬التى‭ ‬وهبها‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬ذكاءً‭ ‬وفطنة‭ ‬وسرعة‭ ‬الحافظة‭.. ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يَكُن‭ ‬فى‭ ‬الأُممِ‭ ‬مثلُ‭ ‬عائشةَ‭ ‬فى‭ ‬حِفْظها‭ ‬وعِلْمها،‭ ‬وفصاحتِها‭ ‬وعَقْلِها‮»‬‭... ‬كيف‭ ‬لا؟؟‭!!.. ‬وقد‭ ‬ترعرت‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬فى‭ ‬منزل‭ ‬الوحي‭.. ‬ومهبط‭ ‬الرسالة‭.. ‬منبع‭ ‬العلم‭.. ‬غرفت‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬لها‭... ‬من‭ ‬العلم‭ ‬الغزير‭ ‬والفقه‭ ‬الأصيل‭ ‬والحكمة‭ ‬البالغة‭ ‬والرأى‭ ‬الثاقب‭... ‬كيف‭ ‬لا؟؟‭!!.. ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬نور‭ ‬الوحى‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬فكيف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يغشاها‭ ‬نور‭ ‬رسول‭ ‬الله؟‭!!!... ‬فحتى‭ ‬لحظات‭ ‬الخلوة‭ .. ‬كانت‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تشاركه‭ ‬فيها‭.. ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬خلوته‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬سقطت‭ ‬مغشى‭ ‬عليها‭.. ‬فحملها‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‮»‬‭.. ‬فأخرجها‭.. ‬وحين‭ ‬سألوها‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬حدث؟؟‭!!... ‬فقالت‭: ‬‮«‬كأن‭ ‬عمودًا‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬واصل‭ ‬إلى‭ ‬السماء‮»‬‭...‬

لذلك‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬حفيًا‭ ‬بها‭ ‬يعلمها‭ ‬ويعتنى‭ ‬بها‭ ... ‬قدر‭ ‬إقبالها‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬وعلى‭ ‬الإسلام‭.. ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يغرس‭ ‬فيها‭ ‬بكل‭ ‬قوته‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬فحوى‭ ‬الإيمان‭ ‬وعظمة‭ ‬الإسلام‭... ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬مغازيه‭.. ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬أخبر‭ ‬الناس‭ ‬بتاريخ‭ ‬الرسول‭ ‬والمسلمين‭ ‬وغزواتهم‭ ... ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لصيقة‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬كان‭ ‬ينتقل‭ ‬إليه‭... ‬لينقل‭ ‬معه‭ ‬الإسلام‭ ‬ونور‭ ‬الله‭ ‬يعمر‭ ‬به‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬ويفتح‭ ‬به‭ ‬قلوبًا‭ ‬غلفًا‭ ‬ويشق‭ ‬به‭ ‬آذانًا‭ ‬صمًا‭.. ‬وأعينًا‭ ‬عميًا‭..‬

هكذا‭ ‬كانت‭ ‬تقاسمه‭ ‬شظف‭ ‬الحياة‭ ‬وهى‭ ‬تراها‭ ‬تتبدل‭ ‬بنور‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬وهدايته‭ ‬اللذين‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬ليكون‭ ‬لها‭ ‬نصيب‭ ‬منهما‭..‬

ما‭ ‬أصعب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭.. ‬وما‭ ‬أحلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭.. ‬وما‭ ‬أعظم‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬كان‭.. ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬المرء‭ ‬أعينه‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭.. ‬أن‭ ‬تشرق‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬الإلهي‭.‬‭. ‬حين‭ ‬يعيش‭ ‬تنزيل‭ ‬الرحمات‭ ‬مع‭ ‬نزول‭ ‬الوحى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.. ‬ليخلق‭ ‬إنسانًا‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬رحيم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬قويًا؟‭.. ‬ليكون‭ ‬إيمانه‭ ‬آية‭ ‬يحكى‭ ‬عنها‭ ‬وتكون‭ ‬قوته‭ ‬فى‭ ‬الزود‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬رسالة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتهى‭ ‬بنهايته‭ ‬أو‭ ‬بنهايتها‭...‬

‭ ‬كان‭ ‬نور‭ ‬الإيمان‭ ‬الذى‭ ‬اخترق‭ ‬قلبها‭ ‬باقترابها‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬الله‭ ‬والكتاب‭ ‬المبين‭ .. ‬فاستحقت‭ ‬أن‭ ‬تأخد‭ ‬الشرف‭ ‬العظيم‭.. ‬نعم‭ ‬وسبحان‭ ‬الله‭.. ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬الوحى‭ ‬فى‭ ‬حجرها‭ ‬لتتساوى‭ ‬هكذا‭ ‬مع‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬وأرضاها‮»‬‭.. ‬جدة‭ ‬الحسنين‭ ‬سبطا‭ ‬الجنة‭ ‬ورحيقها‭ ‬وعبيرها‭ ‬ونسيمها‭ .. ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬التى‭ ‬احضتنت‭ ‬الوحى‭ ‬باحتضانها‭ ‬لنبى‭ ‬الرسالة‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬السند‭ ‬والظهير‭ ‬وصمام‭ ‬الأمان‭ ‬بمالها‭ ‬وحسبها‭ ‬ونسبها‭..‬

وكأن‭ ‬رسول‭ ‬الكريم‭ ‬هكذا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يجهز‭ ‬من‭ ‬يأتمنه‭ ‬على‭ ‬تبليغ‭ ‬الرسالة‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭.. ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬عاشت‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا‭..‬

مات‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.. ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه‭.. ‬فما‭ ‬زادها‭ ‬بعده‭ ‬إلا‭ ‬تمسكًا‭ ‬ويقينًا‭ ‬بأمانة‭ ‬الرسالة‭.. ‬ألا‭ ‬يكفى‭ ‬أنها‭ ‬اللصيقة‭ ‬له‭ .. ‬ليكون‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الحرمة‭ ‬التى‭ ‬تجعلنا‭ ‬نكرم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬فيها؟؟؟‭!!!.... ‬مات‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬وقد‭ ‬خلفها‭ ‬هكذا‭ ‬مرجعًا‭ ‬وحجة‭.. ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الجميع‭...‬

فكان‭ ‬الفاروق‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يحيل‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬بأحوال‭ ‬النساء‭ .. ‬أو‭ ‬بأحوال‭ ‬النبى‭ ‬فى‭ ‬بيته‭.. ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يضارعها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الاختصاص‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.. ‬إذ‭ ‬نقل‭ ‬عنها‭ ‬وحدها‭ ‬بالفعل‭ ‬ربع‭ ‬الشريعة‭ .. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ويقوله‭ ‬الحاكم‭ ‬فى‭ ‬مستدركه‭ ‬وصححه‭... ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تبين‭ ‬ما‭ ‬أخفى‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ .. ‬فعن‭ ‬أبى‭ ‬بردة‭ ‬عن‭ ‬أبيه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أشكل‭ ‬علينا‭ ‬أصحاب‭ ‬محمد‭ ‬حديث‭ ‬قط‭ ‬فسألنا‭ ‬عائشة‭ ‬إلا‭ ‬وجدنا‭ ‬عندها‭ ‬منه‭ ‬علمًا‮»‬‭...‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬قول‭ ‬الإمام‭ ‬الذهبيُّ‭ ‬فى‭ ‬مدح‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭: ‬‮«‬أفْقَهُ‭ ‬نِساء‭ ‬الأمَّة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭... ‬ولا‭ ‬أعْلمُ‭ ‬فى‭ ‬أمَّة‭ ‬محمَّد،‭ ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬النِّساء‭ ‬مطلقًا‭ ‬امرأةً‭ ‬أعلمَ‭ ‬منها‮»‬‭.‬

وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬بحق‭ ‬المرجع‭ ‬الكبير‭ ‬لكبار‭ ‬الصحابة‭ ‬فى‭ ‬المواقف‭ ‬والملمات‭.. ‬تغنى‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬وفقه‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬الناس‭..‬

هذا‭ ‬وقد‭ ‬روت‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬‮٢١٠٠‬‭ ‬حديث‭... ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬روت‭ ‬عن‭ ‬أبيها‭ ‬وعن‭ ‬عمر‭ ‬وعن‭ ‬فاطمة‭ ‬وعن‭ ‬سعد‭ ‬وعن‭ ‬حمزة‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬الأسلمى‭ ‬وعن‭ ‬حدامة‭ ‬بنت‭ ‬وهب‭..‬‭.‬

إنها‭ ‬عائشة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬المؤمنين‭ ‬التى‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬فى‭ ‬إعظامهن‭ ‬وفضلهن‭ ‬قرآنًا‭ ‬يتلى‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬يسمعه‭ ‬المؤمن‭ ‬فيمتلئ‭ ‬صدره‭ ‬إجلالًا‭ ‬لمن‭ ‬شاركن‭ ‬الرسول‭ ‬فى‭ ‬سرائه‭ ‬وضرائه‭ ‬وصبرن‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬شظف‭ ‬العيش‭ ‬وتحملن‭ ‬فى‭ ‬صحبته‭ ‬الكريم‭ ‬أشكال‭ ‬الأذى‭ ‬وأنواعها‭.. ‬كما‭ ‬خففن‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬آلام‭..‬

لتكون‭ ‬هكذا‭ ‬تلك‭ ‬البيوت‭.. ‬بيوت‭ ‬أمهات‭ ‬المؤمنين‭ ‬منافذ‭ ‬رحمة‭ ‬وأبواب‭ ‬خير‭ ‬وهدى‭.. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لما‭ ‬انتقل‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭.. ‬رحمة‭ ‬العالمين‭.. ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه‭ ‬بقيت‭ ‬هذه‭ ‬البيوت‭ ‬مثابة‭ ‬للناس‭ ‬يقصدونها‭... ‬متعلمين‭ ‬مستفتين‭ ‬أو‭ ‬ملتجئين‭ ‬فكانت‭ ‬بحق‭ ‬بيوتًا‭ ‬تهدى‭ ‬الحائر‭ ‬وتعلم‭ ‬الجاهل‭ ‬وترد‭ ‬الجائر‭ ‬وتحمى‭ ‬اللاجئ‭ ‬وتلبى‭ ‬الحاجة‭ ‬للمستغيث‭..‬

لذلك‭ ‬لبس‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬طبائعهم‭ ‬الخلفاء‭ ‬فمن‭ ‬دونهم‭ ‬يخضعون‭ ‬لأزواج‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬خضوع‭ ‬الأبرار‭ ‬لأمهاتهم‭.. ‬فلقد‭ ‬رفعهنّ‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬مقام‭ ‬تندق‭ ‬دونه‭ ‬الرقاب‭ ‬وأحاطهن‭ ‬برعاية‭ ‬وتقديس‭.. ‬أذعن‭ ‬لهن‭ ‬بقية‭ ‬البيوت‭.. ‬فكن‭ ‬بحق‭ ‬مدارس‭ ‬مفتحة‭ ‬الأبواب‭ ‬وجامعات‭ ‬يتعلم‭ ‬الناس‭ ‬منها‭ ‬جميعًا‭.. ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬نِسَاءَ‭ ‬النَّبِيِّ‭ ‬لَسْتُنَّ‭ ‬كَأَحَدٍ‭ ‬مِّنَ‭ ‬النِّسَاءِ‭ ‬إِنِ‭ ‬اتَّقَيْتُنَّ‭ ‬فَلَا‭ ‬تَخْضَعْنَ‭ ‬بِالْقَوْلِ‭ ‬فَيَطْمَعَ‭ ‬الَّذِى‭ ‬فِى‭ ‬قَلْبِهِ‭ ‬مَرَضٌ‭ ‬وَقُلْنَ‭ ‬قَوْلًا‭ ‬مَّعْرُوفًا‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الأحزاب‭.. ‬هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنساء‭ ‬النبي‭.. ‬فما‭ ‬بال‭ ‬عائشة‭!!!..‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬بهذه‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬أطال‭ ‬عمرهن‭ ‬بعد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬فنقلن‭ ‬لأمته‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬سنته‭.. ‬ومن‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬وحكمته‭ ‬أنه‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬أزواج‭ ‬صاحب‭ ‬الرسالة‭.. ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬التى‭ ‬أعادت‭ ‬سيرته‭ ‬المطهرة‭ ‬الهادية‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬تنشر‭ ‬تفاصيلها‭ ‬للناس‭ ‬كأن‭ ‬الوحى‭ ‬لم‭ ‬ينقطع‭ ‬وكأن‭ ‬أنوار‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بينهم‭.. ‬لم‭ ‬يلم‭ ‬بها‭ ‬أفول‭ ‬ولا‭ ‬تحجبها‭ ‬ظلمة‭...‬

لذلك‭ ‬كان‭ ‬يتهافت‭ ‬الرواة‭ ‬عليهن‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عموم‭ ‬الناس‭.. ‬وتنافسوا‭ ‬فى‭ ‬الأخذ‭ ‬عنهن‭ ‬كل‭ ‬التنافس‭.. ‬ولقد‭ ‬عقد‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬الجوزية‮»‬‭ ‬فائدة‭ ‬فى‭ ‬المفاضلة‭ ‬بين‭ ‬عائشة‭ ‬وفاطمة‭.. ‬قال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬ريب‭ ‬أن‭ ‬عائشة‭ ‬أعلم‭ ‬وأنفع‭ ‬للأمة‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يؤد‭ ‬غيرها‭.. ‬واحتاج‭ ‬إليها‭ ‬خاصة‭ ‬الأمة‭ ‬وعامتها‮»‬‭..‬

ومع‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬من‭ ‬مناقبها‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬السطور‭ ‬القليلة‭ ‬أن‭ ‬توفيها‭ ‬حقها‭... ‬فعلم‭ ‬وفضل‭ ‬وعقل‭ ‬وذكاء‭ ‬وفقه‭ ‬ومنطق‭ ‬عائشة‭ ‬كان‭ ‬كبيرًا‭ ‬جدًا‭ ‬وغزيرًا‭ ‬جدًا‭ ‬جدًا‭ ‬وعزيزًا‭ ‬جدًا‭ ‬جدًا‭ ‬جدًا‭.. ‬فهى‭ ‬الناقلة‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.. ‬هى‭ ‬الناقلة‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬المحمدية‭... ‬فمن‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬تلك‭ ‬الأمة‭ ‬فى‭ ‬زمانها‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬زمان‭ ‬آخر؟؟‭!!.. ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬لتلك‭ ‬المكانة‭ ‬العظيمة‭... ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬رجلة‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬أى‭ ‬أنها‭ ‬رجلة‭ ‬الرأي؟؟‭!!.... ‬فكان‭ ‬كلامها‭ ‬مسموعًا‭.. ‬وحديثها‭ ‬ناقذًا‭.. ‬ورأيها‭ ‬ثاقبًا‭.. ‬وعقلها‭ ‬راجحًا‭.. ‬ونظرتها‭ ‬لا‭ ‬تخيب‭.. ‬أمنها‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬دينهم‭.. ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬محط‭ ‬أنظارهم‭.. ‬وعنايتهم‭.. ‬كانت‭ ‬كبيرتهم‭..‬

هذا‭ ‬الوصف‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬السيدة‭ ‬الطاهرة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬عائشة‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭... ‬من‭ ‬منزلة‭ ‬ودرجة‭ ‬وسمو‭ ‬ورفعة‭ ‬فى‭ ‬علمها‭...‬

هذا‭ ‬الوصف‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬المكانة‭ ‬العظيمة‭ ‬والقيمة‭ ‬الكبرى‭ ‬والقامة‭ ‬العظمى‭ ‬لبنت‭ ‬الصديق‭ ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬أبيها‭..‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعرضت‭ ‬إلى‭ ‬ابتلاء‭ ‬شديد‭ ‬وفتنة‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬عمرها‭ ... ‬تعرضت‭ ‬وهى‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬النبوة‭ ‬حيث‭ ‬طعن‭ ‬فى‭ ‬شرفها‭ ‬وعرضها‭ ‬المنافقون‭ ‬فى‭ ‬المدينة‭.. ‬فأنزل‭ ‬الله‭ ‬براءتها‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬سبع‭ ‬سموات‭.... ‬وقد‭ ‬قالت‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭... ‬كما‭ ‬فى‭ ‬الصحيحين‭: ‬‮«‬ثُمَّ‭ ‬تحولتُ‭ ‬واضطجعتُ‭ ‬على‭ ‬فِراشي‭... ‬والله‭ ‬يعلم‭ ‬أنِّى‭ ‬حينئذٍ‭ ‬بريئةٌ‭.. ‬وأنَّ‭ ‬الله‭ ‬مُبرِّئى‭ ‬ببراءتي‭.... ‬ولكن‭ ‬واللهِ‭ ‬ما‭ ‬كنتُ‭ ‬أظنُّ‭ ‬أنَّ‭ ‬الله‭ ‬منزلٌ‭ ‬فى‭ ‬شأنى‭ ‬وحيًا‭ ‬يُتْلَى‭... ‬لشأنى‭ ‬فى‭ ‬نفْسى‭ ‬كان‭ ‬أحْقرَ‭ ‬مِن‭ ‬أن‭ ‬يتكلَّم‭ ‬الله‭ ‬فيَّ‭ ‬بأمْر‭... ‬ولكن‭ ‬كنتُ‭ ‬أرْجو‭ ‬أن‭ ‬يرَى‭ ‬رسولُ‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلَّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلَّم‮»‬‭ ‬فى‭ ‬النومِ‭ ‬رُؤيَا‭ ‬يُبرِّئنى‭ ‬الله‭ ‬بها‭... ‬فواللهِ‭ ‬ما‭ ‬رام‭ ‬رسولُ‭ ‬الله‭ - ‬صلَّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلَّم‭ - ‬مجلسَه‭... ‬ولا‭ ‬خرَج‭ ‬أحدٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ ‬حتَّى‭ ‬أُنزِل‭ ‬عليه‭.... ‬فأخَذَه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يأخُذُه‭ ‬من‭ ‬البُرَحَاء‭.... ‬حتى‭ ‬إنَّه‭ ‬ليتحدَّر‭ ‬منْه‭ ‬مِن‭ ‬العَرَق‭ ‬مثل‭ ‬الجُمَان‭..... ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬يومٍ‭ ‬شاتٍ‭ ‬مِن‭ ‬ثِقَلِ‭ ‬القوْل‭ ‬الذى‭ ‬أُنزِل‭ ‬عليه‭....‬

قالت‭: ‬فَسُرِّى‭ ‬عن‭ ‬رسولِ‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلَّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلَّم‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يَضْحَك‭... ‬فكانتْ‭ ‬أوَّل‭ ‬كَلمةٍ‭ ‬تَكلَّم‭ ‬بها‭ ‬أنْ‭ ‬قال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬عائشةُ‭.. ‬أمَّا‭ ‬اللهُ‭ ‬فقدْ‭ ‬بَرَّأكِ‮»‬‭... ‬قالت‭: ‬فقالتْ‭ ‬لى‭ ‬أُمِّي‭: ‬قُومِى‭ ‬إليه‭... ‬فقلتُ‭: ‬‮«‬واللهِ‭ ‬لا‭ ‬أقومُ‭ ‬إليه،‭ ‬فإنِّى‭ ‬لا‭ ‬أحْمَدُ‭ ‬إلاَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭....‬

قالت‭: ‬وأنزَل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬جَاءُوا‭ ‬بِالْإِفْكِ‭ ‬عُصْبَةٌ‭ ‬مِنْكُمْ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬النور‭....‬

وفى‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬وهذه‭ ‬البراءة‭ ‬الإلهية‭ ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭: ‬‮«‬فغار‭ ‬الله‭ ‬لها‭ ‬وأنزل‭ ‬براءتها‭ ‬فى‭ ‬عشر‭ ‬آياتٍ‭ ‬تُتلى‭ ‬على‭ ‬الزمان‭... ‬فسما‭ ‬ذكرها‭.. ‬وعلا‭ ‬شأنها؛‭ ‬لتسمع‭ ‬عفافها‭ ‬وهى‭ ‬فى‭ ‬صباها‭.... ‬فشهد‭ ‬الله‭ ‬لها‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬الطَّيِّبات‭.. ‬ووعدَها‭ ‬بمغفرةٍ‭ ‬ورزق‭ ‬كريم‮»‬‭...‬

ومع‭ ‬هذه‭ ‬المنزلة‭ ‬العالية‭... ‬والتبرئة‭ ‬العالية‭ ‬الزكية‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭... ‬تتواضع‭ ‬وتقول‭: ‬‮«‬ولَشَأنِى‭ ‬فى‭ ‬نفْسى‭ ‬أهونُ‭ ‬مِن‭ ‬أن‭ ‬يُنزِل‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬قرآنًا‭ ‬يتلى‮»‬‭...‬

ألم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬برهان‭ ‬عظيم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السيدة‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬وأرضاها‭ ‬يسكنها‭ ‬إيمان‭ ‬عظيم‭.. ‬لدرجة‭ ‬تسكثر‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬يبرئها‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬بنفسه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.. ‬ولم‭ ‬تغتر‭ ‬ولم‭ ‬يصبها‭ ‬الكبر‭ .. ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنوى‭ ‬حقدًا‭ ‬أو‭ ‬عدوانًا‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬صحابة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭... ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يساندها‭ ‬أحدهم‭ ‬فى‭ ‬شدتها‭.. ‬ومهما‭ ‬يعز‭ ‬عليها‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إيمانها‭ ‬وشخصيتها‭ ‬القوية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يوثر‭ ‬على‭ ‬موقفها‭..‬‭ ‬إذ‭ ‬تربت‭ ‬وتأسست‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬النبوة‭.. ‬ومن‭ ‬تربى‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬النبوة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬إيمانه‭ ‬وعقيدته‭ ‬ودينه‭... ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الهوى‭ ‬ومصلحة‭ ‬الدين‭ ‬الأمة‭ .. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬هواها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬فى‭ ‬نفسها‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬صداه‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬والأمة‭ ... ‬الدين‭ ‬الذى‭ ‬شهدت‭ ‬هدايته‭ ‬وعزته‭ ‬وشموخه‭ .. ‬ولا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأمة‭ ‬التى‭ ‬تعلم‭ ‬تمامًا‭ ‬أنها‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬الأمانة‭ ‬فى‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭..‬‭.‬

حتى‭ ‬أدلل‭ ‬على‭ ‬حديثى‭ ‬هذا‭ ‬استشهد‭ ‬بقول‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬المحكم‭ ‬آياته‭ ‬حين‭ ‬سبح‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬موضعين‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭... ‬فكان‭ ‬الموضع‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬سورة‭ ‬الأنبياء‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: ‬‮«‬وَقالُوا‭ ‬اتَّخَذَ‭ ‬الرَّحْمنُ‭ ‬وَلَدًا‭ ‬سُبْحانَهُ‭ ‬بَلْ‭ ‬عِبادٌ‭ ‬مُكْرَمُونَ‮»‬‭.. ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬تنزيه‭ ‬نفسه‭ ‬عز‭ ‬وجل‭.. ‬أما‭ ‬تنزيهه‭ ‬لنفسه‭ ‬الآخر‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ففى‭ ‬سورة‭ ‬النور‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬وَلَوْلا‭ ‬إِذْ‭ ‬سَمِعْتُمُوهُ‭ ‬قُلْتُمْ‭ ‬ما‭ ‬يَكُونُ‭ ‬لَنا‭ ‬أَنْ‭ ‬نَتَكَلَّمَ‭ ‬بِهذا‭ ‬سُبْحانَكَ‭ ‬هذا‭ ‬بُهْتانٌ‭ ‬عَظِيمٌ‮»‬‭... ‬وهنا‭ ‬سبح‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬تنزيه‭ ‬عائشة‭ ‬كما‭ ‬سبح‭ ‬نفسه‭ ‬لنفسه‭ ‬فى‭ ‬تنزيهه‭...‬

كيف‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أصدق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الكريمة‭ ‬المؤمنة‭ ‬العظيمة‭ ‬التى‭ ‬خصها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بكريم‭ ‬ذكره‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬ألا‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الدين‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬رفعة‭ ‬الأمة‭.. ‬ليحكمها‭ ‬هواها‭ ‬مهما‭ ‬عز‭ ‬عليها‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬شدة‭ ‬عظيمة‭ ‬لا‭ ‬تقبلها‭ ‬أى‭ ‬امرأة‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭!!!...‬

أيها‭ ‬الناس‭...‬

إن‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬وأزواج‭ ‬النبى‭ ‬وصحابته‭ ‬صحيح‭ ‬أنهم‭ ‬بشر‭.. ‬ولكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬كسائر‭ ‬البشر‭.. ‬فدماؤهم‭ ‬الشريفة‭ ‬التى‭ ‬تجرى‭ ‬من‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ..‬‭ ‬الذى‭ ‬انتزع‭ ‬من‭ ‬قلبه‭ ‬النكته‭ ‬السوداء‭.. ‬إذن‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬مختلفين‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬البشر‭... ‬لابد‭!!... ‬حساباتهم‭ ‬مختلفة‭ ‬عنا‭.. ‬وبالتالى‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نتعدى‭ ‬حدودنا‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬حساباتنا‭ ‬تختلف‭ ‬عنهم‭!!!... ‬ومن‭ ‬الأدلة‭ ‬الدامغة‭ ‬الأخرى‭ ‬التى‭ ‬استوقفتنى‭ ... ‬والتى‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬المعدن‭ ‬النفيس‭ ‬للسيدة‭ ‬عائشة‭.. ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬موقفها‭ ‬عند‭ ‬نزول‭ ‬آية‭ ‬التخيير‭.. ‬والتى‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّبِيُّ‭ ‬قُل‭ ‬لِّأَزْوَاجِكَ‭ ‬إِن‭ ‬كُنتُنَّ‭ ‬تُرِدْنَ‭ ‬الْحَيَاةَ‭ ‬الدُّنْيَا‭ ‬وَزِينَتَهَا‭ ‬فَتَعَالَيْنَ‭ ‬أُمَتِّعْكُنَّ‭ ‬وَأُسَرِّحْكُنَّ‭ ‬سَرَاحًا‭ ‬جَمِيلًا‭ ‬وَإِن‭ ‬كُنتُنَّ‭ ‬تُرِدْنَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَرَسُولَهُ‭ ‬وَالدَّارَ‭ ‬الْآخِرَةَ‭ ‬فَإِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬أَعَدَّ‭ ‬لِلْمُحْسِنَاتِ‭ ‬مِنكُنَّ‭ ‬أَجْرًا‭ ‬عَظِيمًا‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الأحزاب‭..‬

قال‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭: ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬لرسوله‭ ‬‮«‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬يخَيّر‭ ‬نساءه‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يفارقهن،‭ ‬فيذهبن‭ ‬إلى‭ ‬غيره‭ ‬ممن‭ ‬يَحصُل‭ ‬لهن‭ ‬عنده‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬وزينتها‭... ‬وبين‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬الحال‭.. ‬ولهن‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الثواب‭ ‬الجزيل،‭ ‬فاخترن‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهن‭ ‬وأرضاهن‮»‬‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬والدار‭ ‬الآخرة‭... ‬فجمع‭ ‬الله‭ ‬لهن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬خير‭ ‬الدنيا‭ ‬وسعادة‭ ‬الآخرة‭...‬

وعن‭ ‬أبى‭ ‬سلمة‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن،‭ ‬أن‭ ‬عائشة‭ ‬‮«‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬زوج‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬أخبرته‭: ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬جاءها‭ ‬حين‭ ‬أمره‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يخير‭ ‬أزواجه‭.... ‬فبدأ‭ ‬بى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬فقال‭: ‬‮«‬إنى‭ ‬ذاكر‭ ‬لك‭ ‬أمرًا،‭ ‬فلا‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تستعجلى‭ ‬حتى‭ ‬تستأمرى‭ ‬أبويك‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬علم‭ ‬أن‭ ‬أبويّ‭ ‬لم‭ ‬يكونا‭ ‬يأمرانى‭ ‬بفراقه‭....‬

قالت‭: ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬وإن‭ ‬الله‭ ‬قال‭: {‬يا‭ ‬أيها‭ ‬النبى‭ ‬قل‭ ‬لأزواجك‭} ‬إلى‭ ‬تمام‭ ‬الآيتين‭... ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬ففى‭ ‬أى‭ ‬هذا‭ ‬أستأمر‭ ‬أبوي؟‭ ‬فإنى‭ ‬أريد‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬والدار‭ ‬الآخرة‭.... ‬قالت‭: ‬ثم‭ ‬فعل‭ ‬أزواج‭ ‬النبى‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭...‬

‭ ‬بهذا‭ ‬الدليل‭ ‬الآخر‭ ‬أدافع‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬دفاعًا‭ ‬مستميتًا‭ ‬وأنحاز‭ ‬إليها‭ ‬وأعلن‭ ‬عن‭ ‬انحيازى‭ ‬لها‭.. ‬فكم‭ ‬أبكتنى‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬عنها‭ ‬وأحكى‭ ‬عن‭ ‬سيرتها‭.. ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ومستحيل‭ ‬أنها‭ ‬تكن‭ ‬عداءً‭ ‬لمن‭ ‬نام‭ ‬فى‭ ‬فراش‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬نبيًا‭ ‬يفديه‭.. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ومن‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬بغضًا‭ ‬للإمام‭ ‬على‭ ‬أبو‭ ‬الغاليين‭.. ‬الحسنين‭ ‬وعقيلة‭ ‬بنى‭ ‬هاشم‭.. ‬إنه‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭.. ‬الذى‭ ‬يكمل‭ ‬الصورة‭ ‬الشريفة‭ ‬الكريمة‭ ‬بعلاقته‭ ‬مع‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬الشريفة‭ ‬الكريمة‭ ‬لأقرب‭ ‬المقربين‭ ‬لنبى‭ ‬الإسلام‭ ‬والسلام‭.. ‬لنبى‭ ‬الرحمة‭.. ‬‮«‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وعلى‭ ‬صحابته‮»‬‭ ‬وحتى‭ ‬أحشر‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬ألقاه‭...‬

إن‭ ‬شخصية‭ ‬الإمام‭ ‬على‭ ‬وموقفه‭ ‬وحلو‭ ‬لسانه‭ ‬وطيب‭ ‬كلامه‭ ‬وفلسفته‭ ‬الإيمانية‭ ‬ونظرته‭ ‬للحياة‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬هى‭ ‬أكبر‭ ‬مدافع‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬أغلق‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عينيه‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬عليها‭.. ‬بين‭ ‬يديها‭.. ‬وهى‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ...‬

ودليل‭ ‬آخر‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الصحبة‭ ‬اللصيقة‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ .. ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬الإيمان‭ ‬ونوره‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يظللهم‭ .. ‬يكفى‭ ‬قربهم‭ ‬من‭ ‬النبي‭... ‬لئلا‭ ‬يكون‭ ‬بينهم‭ ‬الحب‭ ‬والرحمة‭ ‬الوئام‭.. ‬لأنهم‭ ‬أناس‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬نور‭ ‬وجه‭ ‬الله‭ ‬الكريم‭.. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمتعوا‭ ‬بخير‭ ‬متع‭ ‬الدنيا‭ ‬وهى‭ ‬رفقة‭ ‬الحبيب‭ ‬والشفيع‭..‬

أيها‭ ‬الناس‭..‬

إنهم‭ ‬قد‭ ‬علوا‭ ‬فى‭ ‬الدرجات‭ ‬وتعالوا‭ ‬فى‭ ‬المكانات‭ .. ‬فبالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مثلنا‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬بشرًا‭ ‬يطئون‭ ‬الأرض‭.. ‬فإيمانهم‭ ‬بالله‭ ‬وصحبة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬فى‭ ‬قلوبهم‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬وبات‭ ‬بين‭ ‬أمة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الحقد‭ ‬والغل‭ ‬والعداء‭ ‬والكراهية‭ ... ‬كم‭ ‬كنت‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭ ‬ونحن‭ ‬نحكى‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬فاضل‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ولو‭ ‬لثوانٍ‭.. ‬كم‭ ‬كنت‭ ‬أود‭ ‬ونحن‭ ‬نحكى‭ ‬عنهم‭ ‬أن‭ ‬نراهم‭ ‬بقلوبنا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كى‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬ننقل‭ ‬عنهم‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقة‭ ‬التى‭ ‬كانوا‭ ‬عليها‭ .. ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬نغسل‭ ‬أنفسنا‭ .. ‬أن‭ ‬نطهر‭ ‬أرواحنا‭ .. ‬أن‭ ‬نصطفى‭ ‬ألسنتنا‭.. ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬وعبثها‭ ‬وأسباب‭ ‬فنائها‭ ‬ولو‭ ‬لثوانٍ‭.. ‬ونحن‭ ‬نتناول‭ ‬سيرهم‭ ‬الشريفة‭. ‬احترامًا‭ ‬وتقديرًا‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حياءً‭ ‬ومهابة‭ ‬ورهبة‭ ‬وخشوعًا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وخشية‭ ‬غيرته‭ ‬عليهم‭ ‬عز‭ ‬وجل‭..‬

وهكذا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬والمكانة‭.. ‬التى‭ ‬استحقت‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬شهادة‭ ‬السماء‭... ‬التى‭ ‬حملت‭ ‬براءتها‭ ‬ودافعت‭ ‬عنها‭ ‬وشهدت‭ ‬لها‭ ‬بالفضل‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مع‭ ‬أخواتها‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬المؤمنين‭ ‬ارتضت‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭.. ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬زخارف‭ ‬الدنيا‭ ‬وأطماعها‭... ‬أفلا‭ ‬يرسم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬شخصية‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬عائشة‭.. ‬ويعطى‭ ‬عنها‭ ‬انطباعًا‭ ‬لا‭ ‬يخيب‭ ‬عنها‭ ‬ولا‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬الصواب‭ ..‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬والذكريات‭ ‬المؤلمة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيرة‭ ‬امرأة‭.. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬امرأة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أحب‭ ‬زوجات‭ ‬الرسول‭ ‬بعد‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭...‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سولت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬النيل‭ ‬منها‭.. ‬وبكل‭ ‬أسف‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬النيل‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬إساءة‭ ‬بالغة‭ ‬لا‭ ‬أرتضيها‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أغلى‭ ‬الصحابة‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬عدى‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭.. ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬فيمن‭ ‬نقل‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬قرأوه‭ ‬أو‭ ‬يستقرئه‭.. ‬للضرب‭ ‬فى‭ ‬الدين‭ ‬بالنيل‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭.. ‬وتقييمهم‭ ‬بأحكام‭ ‬سائر‭ ‬البشر‭.. ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬بيننا‭ ‬جميعًا‭.. ‬وأنهم‭ ‬كسائر‭ ‬البشر‭!!!...‬

لا‭ ‬نزال‭ ‬مع‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬فى‭ ‬الافتراءات‭ ‬والأكاذيب‭ .. ‬ومع‭ ‬الإمام‭ ‬على‭ ‬خير‭ ‬الأوصياء‭.. ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬والحسين‭ ‬قبل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الفتنة‭ ‬الكبرى‭..‬‭ ‬فى‭ ‬الحلقة‭ ‬المقبلة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭...‬

موضوعات متعلقة