الزمان
جريدة الزمان

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

الستر يفعل ما لا تقوم به الفضيحة

-


 

استطاع الإنسان عبر القرون الأخيرة أن يلين الحديد على ما فيه من بأس شديد ويطوي الأرض على سعتها وامتدادها ..

وكان من نتاج هذه التطورات البالغة التي شهدتها الإنسانية ... ما كان من ثورة المعلومات والاتصالات التي جعلت الكون الفسيح الأركان قرية صغيرة لا يغيب عن أحد فيها ما يحدث بها ...

بالضرورة خلفت هذه الثورات المعرفية أثار جانبية وأضرار خُلقية ... ولم تحقق على ما لها من ثمار السعادة الإنسانية المنشودة بل على العكس في كثير من الاحيان ...

وذلك لأننا انغمسنا فيها وأخذتنا من واقعنا بكل ما فيه حتى من مرار .... وأصبح عالمنا الافتراضي ... هو الذي يشكل وجداننا ويحدد أولوياتنا ... ويرسم حياتنا بصورة دقيقة للغاية .. فضلا عن استغراق أوقاتنا إلى حد كبير للغاية ..

ومن هنا بدأنا نسمع عن إدمان النت الذي ضرب بسور عظيم لجانب هام في حياتنا هو الجانب الإجتماعي .... فتمزقت أواصر الصلة ... وضعفت العلاقات الإنسانية .. إلى حد لا يخفي علي أحد ...

وامتدت هذه السلبيات لنفتح علينا بابا خطيرا ... يضاف إلى سلبيتها وهو يتعلق بالعلاقات العاطفية وبما يسمى في لغة الفقه بالعرض ...

التي أولته الشريعة الإسلامية اهتماما بالغا .. وجعلت صيانته وحمايته من كليات هذا الدين ... وحق للمجتمع ينبغي أن تتظافر الجهود من أجل الحفاظ عليه ...

يكفي أن النبي «صلى الله عليه وسلم» في حجة الوداع وهو يرسى لمبادئ حقوق الإنسان .. يوصي به .. ويلفت النظر إليه في قوله تعالى :«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذه» ...

ومما يؤسف له استخدم «الفيس بوك »خصوصا والنت عموما في نقل ثقافات غريبة... غريبة عن ثقافاتنا فيما يتعلق بالعرض.. وبدأنا نئن من المشاهد الصريحة.. والمناظر القميئة ... التي تتصدر هذه الأدوات التي كان من الممكن أن نستفيد منها أكثر من ذلك وأنفع ....

وأخيرا انتشرت على الفيس بوك مجموعة من النساء وكذلك الرجال بعمل مجموعة مغلقة يطلق عليها «أنا أعرفه»«I know him or her» والتي وصل عددها إلى ما يزيد عن ٤٠ ألف ...

تقوم بنشر اسم صورة لرجل اكُتشفت خيانته ... أو أنه شخص غير مسئول ويتم فضحه بين نساء الجروب ... حتى لا تسقط أخرى فريسة له ... وفي المقابل بدأت مجموعة الرجال بالقيام بنفس المهمة ...

ومن المزري أن بعضا يرى الموضوع من التفاهه التي لا تستحق التعليق أو التوجيه ... والبعض يصف الأمر بأنه تحول إلى ساحة حرب بين الفتيات على الفيس ...

والحقيقة وإن كان الموضوع لم يصل لمستوى الظاهرة الإجتماعية ... التي تنذر بالشر إلا أنه يعكس مدي ما انتهى إليه المجتمع من تفلت أخلاقي ... وتفسخ وانعدام ضمير ...

اسمحوا لي أن أقول إن هذا الأمر من الخطورة بمكان .. التي تستوجب الاستنكار والمؤاخذة في بعض الأحيان بل في كثير منها لما له من آثار إجتماعية سلبية من تدخل في الحريات الشخصية بالنكاية والانتقام والتشفي ومن تتبع العورات المنهي عنه شرعا لقول النبي «صلى الله عليه وسلم» :«من تتبع عورة أخيه ...» ...

ومن الخوض في أعراض الخلق بما يعود علي المجتمع بالضرورة والأفراد من نتائج وخيمة من الضعف و الوهن وفقدان الثقة وإشاعة البلبلة بين الناس.. لذا أوجب الشرع فيه حدا يسمى بحد القذف ...

ومن إشاعة الفواحش والاستهانة بشأنها وفي هذا يقول تعالى : «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون» سورة النور

ومن التجسس والتحسس على الآخرين والذي حذر منه النبي «صلى الله عليه وسلم» :«ولا تجسسوا ولا تحسسوا وكونوا عباد الله أخوانا» ...

ومن التشهير بالآخرين وهو أمر مرهون شرعا بأحكام لا ينبغي أن نخطأها... «من شهر شهر الله به» ...

لقد بالغ الإسلام في الستر لكي يحفظ المجتمع من براثن الإنحراف .. لذلك يشدد النبي «صلى الله عليه وسلم» علي من ستر الله تعالي بالليل وهو يفضح نفسه بالنهار .. « كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ»...

دعونا ننظر إلى الموضوع من ناحية أخرى ومن زاوية مختلفة إلى هذا الحد بلغ الاستهتار بقيمة الوقت وخطورة الكلمة وأمانة السر والاستغلال الأسوء للفراغ ..

ولا يختلف أحد على أن الفراغ إذا لم نحسن استثماره والاستفادة منه يصبح فرصة سانحة لإرتكاب الموبقات واتيان المحرمات ..

لذلك حرص الإسلام على النظر إليه بعين الإكبار قال «صلى الله عليه وسلم» :«نعمتانِ مغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصِّحَّة والفراغ» ..

والسؤال هنا : أين الدولة ؟؟!!! .. لا يسعني الحديث وأنا اتساءل عن الدولة ودورها إلا عن الأجهزة الرقابية .. بعد غياب الدولة .. في دور الأسرة والتنشئة الإجتماعية ... ووسائل الإعلام .. ودور الدين ..

لايسعني في الحديث عن دور الدولة إلا عن الأجهزة الرقابية.. وذلك حتى تتعافى الأجهزة المعنية .. بالتربية والتثقيف والتعليم والإعلام والدين والأخلاق والقيم والسياسة من وعكتها الصحية ...

نعم هذا هو الحل .. لإنقاذ ما تبقى لنا من تراث وقيم .. وعادات وتقاليد .. ما تبقى لنا من حياء وأدب وأخلاق .. ما تبقى لنا من حلم .. نحو مجتمع أفضل .. ما تبقى لنا من جيل تنازعته الحضارات جيل مزقته المصالح .. جيل انتزعته الخيانات .. من الأصول والجذور ... فشرخت الدعامات .. جيل يحتضر بين أيدينا .. ينتظر الإسعافات والإغاثات من كل يلوث الهواء الذي يتنفسه من انتهاك الحرمات .. وارتكاب الموبقات .. والسقوط في الفشل رهينة الفراغ بجميع أسبابه و الإفلاس بكل صوره ..

فطوق النجاة الوحيد هنا .. هو القانون .. تفعيل القانون .. وإن كان قاصرا أو أعرجا ... فعلينا تقديمه لجراحة عاجلة للقضاء على قصوره وفورا .. وإلا لا نلومن إلا أنفسنا ... «هو ده اللي ناقص» شيوع الفاحشة واختراق بيوتنا ورجالنا ونساءنا و زرعها بهذه القوة ليكون فيها البتر .. والاستئصال .. لأخلاقنا وقيمنا التي هي أساس ديننا .. وبالتالي إبادة الوطن .. إبادة كاملة شاملة شافيه .. لأحقاد وغل أعداء الدين والوطن الذي كان من شأنها كل تلك الآليات للوصول إلى ذلك السقوط الرهيب دينيا ووطنيا .. بذلك الاختراق عن طريق وسائل الاتصال هذه .. السكين البارد وإن كان المسموم للإجهاز على الأمة ... تلك الأسلحة التي هي بالتأكيد أشد أثرا وتأثيرا للنيل من الشعوب حتى يسهل تفريط الشعوب نفسها في نفسها بنفسها بعد أن غابت عن نفسها ...

وعندما أردت أن أوجه رسالتي إلى الآباء .. أتساءل أين الآباء ؟؟؟!! .. تذكرت أنهم هم أبطال الفساد تبدل دورهم من القدوة إلى الإفلاس والخواء والإنحطاط ...

يترك بيته وزوجته وعمله .. لنوعية من نساء الفيس بوك الساقطات .. وياليته فيس بوك فقط .. وكذلك الحديث عن هذه النوعية من النساء .. مـــع الرجال ..

وأذكركم نساء ورجال .. وإن كنتم لا تزالون تتذكرون أنكم أمهات وآباء... أو أنكم لا تزالون تتذكرون الله من أصله .. وأن هذه سحابة صيف ويمكن أن تمر ..

أذكركم بالمثل القائل : «دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا» ... أذكركم بالجوهرجي الذي حين حاول انتهاك حرمة امرأة بلمس يدها داخل محل عمله .. ردت إليه في عقر داره من مجرد سقا لامرأته وفي نفس اليوم وفي نفس اللحظة ..

كلمة للذكرى أتركها لضمائركم أو وجدانكم .. وياليتها تكون نذيرا بتصحيح سوء فعالكم ... إن نشر الفضائح لا يمكن أن يردع أحد ويزجر مخلوقا أو يمنعه ... بل الستر يفعل ما لا تقوم به الفضيحة ... لذلك قالوا «إن النصيحة في الملأ فضيحة» ..