خطيب الجامع الأزهر: الأعياد دين وشعيرة من شعائر الله ومنسك من مناسكه
*الأعياد في الإسلام تدعونا إلى التقارب والتراحم لتصفو النفوس وتطمئن القلوب*
*فلسفة العيد تدعونا إلى صلة الأرحام والسؤال عن الأقارب*
*قطيعة الرحم لا تتفق مع فرحة العيد*
*لابد أن تكون الفرحة بالأعياد منضبطة بضابط الشرع*
أدى الآلاف من المسلمين، رجالا وأطفالا ونساءا، اليوم الاثنين، صلاة عيد الفطر المبارك في رحاب الجامع الأزهر، حيث امتلأت أروقة وصحنه بالمصلين منذ صلاة الفجر، وهزت تكبيرات العيد أركانه، ابتهاجًا بالعيد وسط أجواء من الفرحة والسرور.
وألقى خطبة العيد بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق، حيث كبر الله وحمده وأثنى عليه، وصلى على رسوله الكريم، وقال " جاء العيد بعد أن انتهى شهر رمضان وامتثل المسلمون لأمر ربهم، فصاموا نهاره وقاموا ليله، وأتم الله عليهم نعمته فأكملوا صيامه، فحُقَ لهم أن يجمعوا بين عيدهم وفرحهم بإتمام صيامهم، وينتظرون من الله الأجر والمثوبة، تُزاحمهم ملائكة الرحمن الرحيم الطرقات كلها، ويباهي بهم الله تعالى ملائكته.
وأوضح خطيب العيد بالجامع الأزهر، أن فلسفة العيد في الاسلام تبين لنا عظمة التشريع الإلهي، حيث أن الله تعالى يعلم ما للنفس البشرية من حق في الاسترواح والاستجمام، فشرع لها الأعياد، كي تأخذ استراحة، ثم تعود بعد تجديد نشاطها مستأنفة علاقتها بربها، كما أن الأعياد في الإسلام تدعونا إلى التقارب والتراحم والتواد وأداء التحايا والهدايا، كي تصفو النفوس وتطمئن القلوب ويستشعر الإنسان مدى حاجته لأخيه في المجتمع الذي يعيش فيه، مؤكدا أن الأمم التي تتحقق فيها تلك الصفات هي أمم حية لن تموت، اجتمع أبناؤها على توحيد الله، وهز صوتهم الكون وهم يكبرون "الله أكبر" على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأعراقهم.
وأوضح د. العواري أن الأعياد في الإسلام ذات صلة قوية وراسخة بالدين، فهي أمر من الله تعالى، ومن هنا يستشعر المرء قيمة العيد وقدره ومكانته، حيث تأتي الأعياد في الإسلام عقب آداء المسلمين للفرائض، فيأتي عيد الفطر بعد قضاء شهر كامل من الصيام، وعيد الأضحى يأتي بعد قيام العباد بأداء مناسك الحج، مؤكدا أن الأعياد هي دين وشعيرة من شعائر الله ومنسك من مناسكه، يستشعر فيها المسلم أنه في نعمة أتت بعد نعمة التوفيق له بآداء ما فرضه الله عليه، موضحا أن هذا هو أعظم رد على من يدعون بأن الأعياد أتت افتراضا وليس شرعة ومنهاجا.
وأضاف عميد أصول الدين السابق، أن فلسفة العيد تدعونا إلى صلة الأرحام، ووصل ما كان مقطوعا منها، والسؤال عن الأقارب، للتقارب بدل التباعد، والتآلف بدل التنافر، وليعلم الصائمون إن جوائزهم قد تحجب إن أصروا على قطيعة الأرحام، مؤكدا أن قطيعة الرحم لا تتفق مع فرحة العيد، فصلة الرحم واجبة، وقطعها حرام بإجماع الأمة، ومهما تقرب العبد من الله بالتعبد والإنفاق على اليتامى والمساكين وهو قاطع لرحمه، فلا يخدع نفسه ويظن أن فرحة العيد قد أغنته عنها، داعيا الجميع لصلة رحمه، سواء بالزيارة أو المراسلة أو غير ذلك من وسائل التواصل.
ونوه د. العواري إلى أن فلسفة الأعياد في الإسلام فلسفة تدعو أصحابها إلى البحث عن اليتامى الذين فقدوا أبائهم، ومساعدتهم حتى يتجاوزا مصاعب المعيشة ويستطيعوا الانخراط في المجتمع، كما أن فلسفة العيد في الاسلام تدعونا للبحث عن من نظنه غنيا لا يسأل الناس إلحافا، هذا بالإضافة إلى أن فلسفة الأعياد تدعونا إلى البحث عن العوامل التي تؤدي إلى استقرار المجتمع وتماسكه وترابطه وتعاونه حتى يتحقق الأمن ويعم السلام.
واختتم خطيب الجامع الأزهر خطبة العيد بقوله "ما أكثر المعاني التي تؤديها فلسفة الأعياد في الإسلام، فحري بنا أن نبحث عن هذه القيم والمعاني السامية فنطبقها تطبيقا عمليا، كي يشعر الناس بأثر هذا الدين في واقع المجتمعات، ويشعر الناس بكرامة هذه الشعيرة وهيبة هذا النسك، مشدد على أنه لابد أن تكون الفرحة بالأعياد منضبطة بضابط الشرع، فلا يتفلت المسلم من حدود الله متعللا بالعيد وفرحته، بعد أن بدأ عيده بالتكبير وصلى لربه الكريم، ونال الموعظة، فليفرح بضابط الشرع، كما فرح نبينا وأقر الفرح واللهو المباح، مادام في إطار الشرع وفي طاعة الله، بعيدا عن الفسوق والفجور، داعيا المولى عز وجل أن يعيد الأعياد على المسلمين أعواما مديدة وسنين عديدة وهم في خير وطاعة وصحة وعافية وأمن واستقرار.