إلهام شرشر تكتب: قراءة في فكر «فوكوياما»
ليس بالغريب أن تنال محاضرة الدكتور فرانسيس فوكوياما الأستاذ الجامعي الأمريكي المعروف والتي ألقاها قبل أيام قلائل في دولة دبى.. هذا الاهتمام البالغ من جميع الأوساط السياسية كانت أم الثقافية، وذلك لأن شخصية فوكوياما أثارت جدلًا واسعًا، منذ ما يزيد عن ربع قرن، عندما أخرج إصداره الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» وفيه تبنى حتمية الصراع بين الغرب والإسلام، مما أثار حفيظة الكثير من المعنيين بشأن الفكر الإسلامي، وقام العديد منهم بالرد عليه، في ضوء إمكانية التوافق الحضاري الذي يمتلك العالم مقوماته الرئيسية، وأن بإمكانية الشعوب على اختلاف ثقافاتها وتاريخها ولغتها أن تلتقي.
والإسلام كدين بما احتواه من نظام ومنهج من قواعد ومبادئ تشتمل على أسس من أهمها، أن الإنسانية أسرة واحدة، على ترامى أطرافها وتباعد دولها، وأماكنها، أنها جميعًا من أصل واحد، تكونت من أسرة واحدة، قال تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» صدق الله العظيم، سورة الحجرات، الآية ١٣.
وإذا كان الإسلام قد وحد الإنسانية في أصلها، فإنه كذلك.. أقر مبدأ الاختلاف، وجعله اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، قال تعالى: «ولا يزالون مختلفين» فليس شرطًا أن يكون الاختلاف صراعًا أو نزاعًا، أو غيرهما، لأن الطبيعة البشرية من عاداتها الجنوح، والرغبة في المنافسة، قال تعالى: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض»، فالتدافع سنة إلهية باقية، بها يتحقق العمران.
كانت هذه هي الملامح العامة فى الرد على ما جاء به فوكوياما، نعود إلى محاضرته التى ألقاها مؤخرًا في دبى، فلقد كانت حول محاور بعينها، من أهمها: ١- تنامي النزاعات الشعوبية نتيجة غياب العدالة في ظل العولمة، ٢- التحولات الاجتماعية والسياسية التي تمر بها بعض الدول بسبب المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، ٣- العولمة باعتبارها من أهم وسائل التواصل بين المجتمعات والثقافات، ٤- تحدث عن التحديات التي أفرزتها التكنولوجيا الحيوية، ٥- التغيرات الجوهرية في النظام العالمي الجديد والتي تجلت بصعود الصين كقوة اقتصادية مؤثرة، ٦- إيران ومستقبلها السياسى في المنطقة والتي تعانى من مخاطر ناتجة عن نظامها السياسي الذي قد يصل بها إلى حد الانفجار.
وقال فوكوياما إن إيران تمر بثورة اجتماعية كبيرة نتيجة لأسباب اقتصادية، وأسباب راجعة إلى المناخ، كما تحدث عن الرجل القوي ومدى تأثيره وأثره وذكر العديد من الأمثلة، كما أنه تحدث عن الإرهاب والإسلام السياسي، ولعل من أخطر الموضوعات التي تستوجب الوقوف حولها ما جاء في محاضرته عن الهوية وعندما يفتقدها الإنسان، عندها يصبح أداة سهلة في يد الإرهابيين.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما معنى الهوية؟؟؟ ولماذا تحتل هذه المكانة فى نفوس أصحابها أشخاصًا كانوا أو مجتمعات ودولًا؟؟؟
نقول: تحتل هذه المكانة لأنها بالضرورة قضية محورية وعنصر هام للغاية من الممكن أن نطلق عليه أنه عنصر استراتيجي.
فالهوية تمثل ذات الأمة ووجودها وما يحفظ بالضرورة سياج شخصيتها، وبدونها يتحول الإنسان إلى كائن مقلد، أما عن تعريفها، فهي تعنى كامل الانتماء بكل أبعاده «المادية، والمعنوية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية»، ولا تقتصر على مجرد الانتماء العصبي أو القبلي أو الجغرافي.
وإذا كانت هذه هي عناصر الهوية بصفة عامة فإن الهوية الإسلامية تعنى صبغ الإنسان، بصبغة خاصة في عقيدته، وفكره، ومشاعره، وتصوارته، وآماله، وأهدافه، وسلوكه، وأعماله.
في القرآن الكريم، يقول الله: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة»، ويقول الإمام القرطبي: «وكما يظهر أثر الصبغ على الثوب يظهر الدين».
إذن فالإسلام يعد بالنسبة للمسلمين الركيزة الرئيسية للهوية، صحيح أن هناك مجموعة من المقومات الأخرى للهوية، منها اللغة العربية، التي تعبر عن صاحبها وتكشف بصورة واضحة، عن اتجاهاته ومآلاته.
إذن اللغة الأداة المثلى التى عبرت عن الفكر الإسلامى والركيزة المهمة.
وإذا كان الدين هو المقوم الأول للهوية فإن اللغة هي المقوم الثاني، والتراث الثقافى هو المقوم الثالث.
ويمثل التراث الثقافى بعدًا مهما من أبعاد الهوية، لأنه السجل الحافل بالأحداث المتلاحقة، والنتاج العلمى والفكرى لها، كما أنه يشتمل على كل ما كان لها من عادات وتقاليد وأعراف.
وتمتاز هويتنا الإسلامية، ببعد وهو أنها هوية لا تقبل الذوبان.
نعم.. تستفيد من غيرها، وتتفاعل معه، ولكن نتاجها منطلق، من أصولها وجذورها ومنبثق من معانيها ومراميها.
نقول هذا الكلام.. ونحن نتحدث عن محاضرة «فوكوياما» لنؤكد أن هويتنا على الرغم من تعرضها لهذا الهجوم الشرس، من العولمة، فصحيح أنها تأثرت بروافدها، إلا أن أمتنا مهما تعرضت لهزات فكرية فإنها ستبقى أمة، لها شخصيتها التي تميزها عن غيرها ولما كان موضوع العولمة والهوية من أخطر الموضوعات الفكرية التي تقتضي طرحها وإعادة النظر فيها فى ضوء الصراعات والتحديات التي تواجه أمتنا العربية والإسلامية.
لذا كان لزامًا علينا أن نفتح هذا الموضوع المهم، في لقائنا المقبل إن شاء الله.