إلهام شرشر تكتب: مايك .. ومصر .. ولعبة الأمم
يبدو أن الفوضى الخلاقة التي سعت إليها الولايات المتحدة تمضي في طريق تحقيقها بخطوات ثابتة وثابة .. وأن الشرق الأوسط الجديد معالمه أخذت في الظهور والذيوع ..
ولعل أكبر دليل على ذلك ما يحدث في سوريا التي تفاقمت حدة الصراعات بها وتعقدت إلى مستوى أصبح من المستحيل في هذه المرحلة أن تجد طريقًا للحل فيها .. خاصة أن هناك اتجاها واضحًا بألا تنتهي مأساة بلد بلغ سقف الفوضى ذروة الانهيار ..
ومن هنا بات واضحًا أن جميع الاتفاقيات الدولية والأممية قد فشلت فشلًا ذريعًا في الوصول إلى نقطة من الممكن أن تكون ركيزة لحلول .. فلا “جنيف” ١-٩ .. ولا “سوتشي” ١-٣ .. ولا حتى “استانا” التي اختارتها روسيا وتركيا وإيران سبيلا للحل والخروج من المأزق السوري ..
لماذا ؟؟؟؟؟؟!!!!!.. لأن إرادة الحل السياسي مفقودة من الجميع والرغبة منعدمة تمامًا .. فجميع أطراف الصراع فيها من قوى دولية وإقليمية وشرق أوسطية لا تبذل جهدًا للوصول إلى هذا الحل ويسيطر عليها مجرد تأمين مصالحها والوصول إلى أهدافها .. ولو كان على حساب الدولة السورية ..
وإلا فما معنى أن تدخل إسرائيل طرفًا في صلب الصراع بمباركة دولية وأمريكية .. وتضرب ما تشاء من مواقع وأهداف لها فيها ؟؟؟؟؟!!!!!!!!!..
من المخزي والمحزن أن الجميع يحرص على ألا ينطق باسم اسرائيل صراحة يعلن علـى الملأ أنها هي صاحبة هذه الاعتداءات لا أحد يستطيع أن يصرح بأنها صاحبة هذه الصواريخ .. على الرغم من أن كافة الأدلة تشير إليها لا محالة ..
وأتساءل ….!! إذا كان دخول إسرائيل طرفا في النزاعات المسلحة في سوريا فهل هذا يعني أنه من الممكن إثارة حفيظة العالم العربي والإسلامي هذه المرة ؟؟؟؟؟!!!!!!!!.. أم أنه يزيد من وطأة الأزمة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي لتصعيد “الصراع العربي الاسرائيل” الذي هكذا سيضع الأمة العربية والإسلامية في مأزق جديد إلى ما شاء الله ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!.. .
إن الأحداث في سوريا تسير وفق ما تم تخطيطه لأمتنا وعالمنا وخاصة أن دولًا إقليمية تستخدم نحو تحقيق هذا الهدف الخبيث الذي سيغير خريطة العالم العربي وديمجرافيته وسيفقدها لا محالة ما تبقى لها من مكان ومكانة ..
خصوصًا أن هناك تواكب وتوافق عجيب الشأن بين الأحداث التي تجري على أرض “فلسطين المحتلة” والتي تنذر بلطمة جديدة بعد أن تأكد أن الولايات المتحدة ماضية في نقل سفارتها من “فلسطين المحتلة” إلى القدس .. وأن ترامب سيشارك إسرائيل احتفالاتها بنقل السفارة ..
ومن هنا نتفهم .. لماذا اختار وزير الخارجية الأمريكي الجديد زيارته الأولى لدول بعينها دون غيرها ؟؟؟؟؟!!!!!..
علما بأن له خلفية استخباراتية على اعتبار أنه كان المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية “سي أي إيه ” .. كما أن له مواقف تختلف عن نظيره السابق من إيران واتفاقها النووي فضلا عن ارتباطه ارتباطًا وثيقًا بإسرائيل .. فبينما كان “تريلسون” وزير الخارجية الأمريكي السابق بدبلوماسيته يمثل حائط صد لأكثر مما يسميه المراقبون بشطحات “ترامب” وقراراته الصادمة .. فإن “مايك” على النقيض من ذلك كما أشرنا .. لدرجة أنهم قالوا عنه: «إن الاتفاق النووي الإيراني بمجيئه أصبح في مهب الريح مع استمرار حلقة العسكريين حول “ترامب” ».. ومنهم بالضرورة الصقر المتشدد “جون بولتون” مستشار الأمن القومي الأمريكي .. الذي تم تعيينه من قبل ترامب مؤخرًا .. والذي يفضل تماما مثلما قيل عنه “القنبلة” على “الدبلوماسية” .. وهكذا ينتهي زمن الحوار ليبدأ زمن القرار الذي لن يكون وبالًا إلا على أمتنا العربية والإسلامية ..
فمن المعلوم عنه أنه عارض الرئيس السابق للولايات المتحدة “أوباما” في “الاتفاق النووي” مع إيران وكان يعلن ذلك صراحة .. إلا أن مواقفه المتشددة تتسق وعقلية “ترامب” ..
وإذا كانت زيارة “مايك” للسعودية مفهومة على خلفية “الأطماع الإيرانية” التي لا تنتهي في “الخليج العربي” ومحاولاتها الحثيثة لإثارة القلاقل في العديد من الدول العربية والإسلامية باعتبار أن إيران تقوم بزعزعة الأمن في منطقة الشرق الأوسط وكذلك تزويدها “الحوثيين” بالسلاح والصواريخ البيلاستية التي تضرب من بين حين وآخر “المملكة العربية السعودية” مما يمثل تهديد صريح لأمنها القومي .. ويكفي ما يجري على أرض سوريا واليمن بسببها من قتال ودماء وخراب ودمار وتهجير وتغيير للخصائص السكانية .. واضعاف وتشتيت لعالمنا العربي والإسلامي .. هذا بالإضافة إلى ما قامت به إيران بذرع أذرع لها في العديد من الدول العربية .. في العراق ولبنان ..
إذا كانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي للسعودية واضحة إذن لما تمثله السعودية من قوة اقتصادية كبرى .. ولما لها أيضًا من استثمارات في الولايات المتحدة نفسها تبلغ بالمليارات .. ولما يجري بينهما من اتفاقيات حول شراء السلاح .. ولما لها من ثقل كبير في منظمة “أوبيك” والتي تمتلك السعودية ثلثها .. كل ذلك رشح المملكة لتكون هي المحطة الأولى في زيارة “مايك”..
وصحيح أن هناك العديد من القضايا المشتركة بينهما .. التي لم يعلن عنها …… إلا أنه من الواضح أن محادثات قد أجريت بين البلدين بخصوص قضايا كثيرة .. وعلى رأسها “القضية الفلسطينية” ..
أما عن زيارة “مايك” لإسرائيل .. فقد جاءت في موعدها ليقدم الولاء لها .. ويؤكد على نقل “السفارة الأمريكية إلى القدس” في موعدها .. لذلك عبر “نتنياهو” مرحبًا به بقوله :«إن وزير الخارجية الأمريكي مايك صديق حقيقي لإسرائيل وأن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل اليوم أقوى من أي وقت مضى» ولم يخف أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ولو باستخدام القوة ضد الفلسطينيين العزل .. لذلك نشرت جريدة “هارتس” :«أن مايك من أكثر المتشددين في دعم السياسة الإسرائيلية» ..
وإذا كانت الزيارة قد جاءت لتؤكد ولاء الولايات المتحدة ودفاعها عن إسرائيل .. واحتمالية مشاركة “ترامب” في مراسم نقل السفارة إلى “القدس المحتلة” .. فقد تناول لقاء “مايك” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي التطورات الإقليمية والعدوان الإيراني المتزايد وناقشا الملف “النووي الإيراني” .. حيث حاول “نتنياهو” الضغط على الجانب الأمريكي لإلغاء أو تعديل هذا الاتفاق الذي يؤيده “مايك” ..
لذلك لم تتورع إسرائيل بضرب “مواقع إيرانية في سوريا” وتهدد بالمزيد منها .. فقد أشارت الأنباء أن قوى معادية “إسرائيل” وأحيانًا مجهولة المصدر قد أطلقت ١٢ صاروخًا على القاعدة الإيرانية الموجودة في سوريا وهي أقدم قاعدة لها وأهمها في سوريا حيث تم تأسيسها في عام ٢٠١٥ .. وأسفر الضرب عن سقوط ضحايا في المعدات والأشخاص .. وقد استمرت الإنفجارات مدة ساعة ونصف ساعة متصلة حتى وصف الأمر بأنه أشد وأعتى من تأثير الزلازل .. ومن ناحية أخرى تحاول إسرائيل بكل ما تملك الضغط على “الولايات المتحدة” .. من خلال ما أعلن عنه “نتنياهو” بالأمس القريب من وصول المخابرات الإسرائيلية لوثائق تدين إيران لتجاوزها بنود الاتفاق النووي ..
وإذا كانت السعودية تقترح على أمريكا تحسين الاتفاق النووي الإيراني … فإن إسرائيل تسعى بكل ما تملك من قوى في إلغاء هذا الاتفاق أو تعديله .. ويبدو أن الولايات المتحدة تشرع بالفعل في إصلاح “الإتفاق النووي الإيراني” ..
أما عن زيارة “مايك” للأردن فقد انصبت حول القضية الفلسطينية .. ولا شك أن القضية الفلسطينية تمر بأصعب مراحلها على الإطلاق .. ففضلا على “الممارسات الصهيونية” على الأراضي الفلسطينية والتي تسعى بكل ما تملك إلى تهويدها وما تقوم به إسرائيل من استيطان وتهجير واعتداءات على الممتلكات والأشخاص في العديد من الأراضي الفلسطينية المحتلة .. فإن أزمتها انتقلت إلى مرحلة أخرى بتسليم إسرائيل رسميًا “القدس المحتلة” .. لتنتزع المدينة العربية والإسلامية الضاربة في جذور التاريخ ..
وعلى ذلك فإن نقل السفارة يعني انتهاء فكرة حل الدولتين .. حيث ينتهي معها “المسار التفاوضي” لتكون أمريكا هكذا قد أوقعت نفسها في تناقض واضح في موقفها على اعتبار أنها تولت رعاية المفاوضات بين الجانبين .. وكانت “مسألة القدس” مؤجلة حتى المراحل النهائية في المفاوضات ..
الأمر الذي سيترتب عليه إعادة النظر من جانب الفلسطينيين في الاعتراف بدولة إسرائيل وسينفذون خطوات إحتجاجية أخرى متعلقة بالمسار السياسي .. علمًا بأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد توقفت منذ أربع سنوات كاملة .. بعد أن رفضت إسرائيل وقف الاستيطان والإفراج عن المعتقلين القدامى في سجونها والالتزام بحل الدولتين على أساس حدود ٦٧ ..
وفي ظل الوضع المتدهور “عن عمد” الذي تمر به المنطقة العربية وعدم وجود تأثير دولي .. بات الأمر من التعقيد الشديد بمكان..
لذلك إذا كان الجانب السعودي حريص على إيجاد حل للقضية الفلسطينية فإن من الصعوبة الوصول إلى نقطة إيجابية يبنى عليها .. نتيجة التداعيات الخطيرة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ..
وعلى هذا .. وكما فهمنا من “وزير خارجية الأردن” .. «أن التحديات التي تواجهها المنطقة العربية والوصول إلى السلام فيها .. كذلك مبدأ حل الدولتين الحل الذي نقبل به بينهما .. وأن “القدس” عاصمة للدولة الفلسطينية مواقف صعبة نتمنى أن لا تسوء» ..
لذلك كان كلام “وزير الخارجية الأمريكي” بخصوص القضية الفلسطينية يعكس طبيعة الأزمة وخطورتها .. التي تمر بها القضية الفلسطينية حينما قال في كلمات مقتضبة عن ضرورة الوصول إلى حل يرضي إسرائيل والفلسطينيين ..
لذلك لا أعول على هذه الزيارة حلًا ولو مبدأيًا بشأن المسألة الفلسطينية .. وخاصة أن المناخ العام والخاص لا يرشح طريقًا إلى الحل .. ولا يفتح بابًا للحوار ..
ومن هنا نؤكد علي أن أهداف هذه الزيارة تدور حول “المشروع الفارسي” الذي تسعى إليه “إيران” بكل ما تملك ومحاولة أمريكا وإسرائيل الضغط عليها لتكف بأسها .. وتوفق غيها .. كي تنتهي عن ممارساتها في منطقة الشرق الأوسط والتي تتعارض مع أهدافهما في “المنطقة العربية” ..
كما أن الزيارة -كما يقول بعض المحللين- كشفت تغيير خطة الحلفاء الخمسة والتي اقتضت المصلحة الأمريكية في المرحلة الراهنة أن تقتصر على ثلاث دول فقط ..
وهنا يطفو على سطح هذه الزيارة سؤالًا يتعلق بمصر .. وهو …
لماذا لم يزر “مايك” مصر ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!…. على رغم من مكانتها وموقعها ودورها البارز والقوي خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ..
نقول:.. إذا كان بعض من المحللين يرجع هذا الأمر للمغالطات الإعلامية الغربية عن مصر بقيادة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” .. ومدى تأثيرها على أصحاب القرار في أمريكا ..
فإني أصحح هذه المبررات الواهية والضعيفة والتي ليس لها أساس من الصحة .. تلك التي يتبناها الإعلام الغربي الموجه وأقول: أن عدم زيارة “مايك” لمصر .. يرجع إلى مواقف مصر الثابتة المعلنة والصريحة في العديد من القضايا محل الحوار الذي جاء به وزير الخارجية الأمريكي ..
فمصر لا تقبل التدخل الدولي والإقليمي في سوريا .. كما لا تقبل الحول العسكرية فيها .. فضلًا عن تقسيم سوريا الذي كثيرًا ما تعلن أمريكا عنه .. كما أن مصر قد أثبتت في “الأمم المتحدة” موقفها الرافض مطلقًا من نقل “السفارة الأمريكية إلى القدس” على اعتبارها عقبة كئود تقف حائلًا دون أي تقدم بشأن التسوية الفلسطينية الإسرائيلية .. بل ترى أنها تنسف أي مفاوضات من الممكن اتخاذها .. وأن مصر بلد لا تقبل أن تقاد .. أو حتى يملى عليها إرادتها ..
لذلك اقتصرت زيارة وزير الخارجية على هذه الدول .. في هذا الوقت .. ومصر إذ ترحب بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وغيرها ترفض تمامًا المساس بشأنها الداخلي مهما كانت هذه الدولة .. رغم كل الزيارات المكوكية وتغير السياسات والتكتلات والتحالفات والضغوط التي تحاول أن تحاصر مصر من كل اتجاه ..
وخير دليل على قوة مصر كمكان ومكانة و ريادة وقوة وتأثير هو كل ما يحاك حولها في لعبة الأمم التي لا تنتهي وفي الوقت نفسه لن تصل إليها ..