الزمان
جريدة الزمان

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

أبحث‭ ‬عنك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬خاوية‭ ‬من‭ ‬الأحبة‭ ‬خالية‭ .. ‬

-

‭ ‬الحلقة التاسعة 

‭           ‬إنها‭ ‬أيام‭ ‬تسلمنا‭ ‬لبعضنا‭ ‬البعض‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ .. ‬أو‭ ‬أننا‭ ‬نسلم‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ .. ‬ليأتي‭ ‬القران‭ ‬الكريم‭ ‬ويحسم‭ ‬ذلك‭ ‬التسليم‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التداول‭ ‬بقوله‭ ‬الحكيم‭ .. ‬‮«‬وتلك‭ ‬الأيام‭ ‬نداولها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭..‬‮»‬‭ ... ‬

 

‭          ‬دروس‭ ‬وعبر‭ ‬ومواعظ‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعتبر‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستوعبها‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يركن‭ ‬إليها‭ ‬ويعمل‭ ‬لها‭ ‬حسابا‭ ... ‬ليكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬معظم‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭ .. ‬يحسبون‭ ‬دوما‭ ‬أنهم‭ ‬مخلدون‭ .. ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬حقا‭ ‬أنهم‭ ‬ضيوف‭ ‬عابرة‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ... ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يستشعروا‭ ‬أنهم‭ ‬ضيوفا‭ ‬عليها‭.. ‬

 

‭           ‬أم‭ ‬أنني‭ ‬ألتزم‭ ‬الصمت‭ .. ‬لأني‭ ‬استبعد‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭ ... ‬وإنما‭ ‬هم‭ ‬يعروفونها‭ ‬جيدا‭ ‬ولكنهم‭ ‬يتجاهلون‭ ‬وللاسف‭ ‬لسبب‭ ‬واحد‭ ‬تعلقهم‭ ‬بالدنيا‭ ... ‬الذي‭ ‬أعماهم‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬قدومهم‭ ‬إليها‭ .. ‬

 

‭           ‬ليكون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التمسك‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬الفناء‭ ‬بعينه‭ .. ‬الفناء‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬أحياء‭ .. ‬لأنهم‭ ‬لن‭ ‬ولم‭ ‬يعملوا‭ ‬للحظة‭ ‬الرحيل‭ ... ‬فتكون‭ ‬لهم‭ ‬الذكرى‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬بالقول‭ ‬الصالح‭ ‬والعمل‭ ‬النافع‭ ... ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬طمسوا‭ ‬معالم‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ .. ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يعدوا‭ ‬العدة‭ ‬لها‭ .. ‬ودوما‭ ‬ما‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬نفسي‭ ‬بذلك‭ ‬الرحيل‭ .. ‬أراه‭ ‬سطور‭ ‬وصفحات‭ ‬القران‭ ‬الكريم‭ .. ‬فكأني‭ ‬لا‭ ‬أعيش‭ ‬إلا‭ ‬للعمل‭ ‬له‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬وبالطبع‭ ‬يشاركني‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ... ‬

 

‭          ‬لتزيد‭ ‬أسباب‭ ‬عملي‭ ‬لهذا‭ ‬الرحيل‭ ‬وقناعتي‭ ‬به‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ .. ‬مراجعة‭ ‬سير‭ ‬الأنبياء‭ ‬و‭ ‬الصالحين‭ .. ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬النبي‭  ‬‭... ‬‮«‬إنك‭ ‬ميت‭ ‬وإنهم‭ ‬ميتون‮»‬‭ .. ‬

 

‭          ‬ليكون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجاز‭ ‬لما‭ ‬سيئول‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬أنهم‭ ‬ميتون‮»‬‭ .. ‬وكأنه‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬اللامبالة‭ ‬وهذه‭ ‬الغفلة‭ ‬قبل‭ ‬السكرة‭ .. ‬ولكن‭ ‬‭ : ‬هيهات‭ ‬هيهات‭ ... ‬هكذا‭ ‬هم‭ ‬قالوا‭ ‬ولا‭ ‬يزالوا‭ ‬يقولون‭ ‬وكأنه‭ ‬ميراث‭ ‬تلك‭ ‬الغفلة‭ ‬و‭ ‬العصيان‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يسلموه‭ ‬لجيل‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭ ‬والأيام‭ ...  .. ‬‮«‬هيهات‭ ‬هيهات‭ ‬لما‭ ‬توعدون‭ * ‬إن‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬حياتنا‭ ‬الدنيا‭ ‬نموت‭ ‬ونحيا‭ ‬‮»‬‭ ‬

 

‭          ‬وحين‭ ‬ينتابني‭ ‬اليأس‭ ‬لأنني‭ ‬أشعر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬لنفسي‭ .. ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طاقة‭ .. ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬تدفعني‭ ..‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحركني‭ ‬وتتملك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذرة‭ ‬في‭ ‬كياني‭ ... ‬

 

‭       ‬انصتوا‭ ‬إلى‭ ‬الأيام‭.... ‬ارجعوا‭ ‬النهاية‭ ‬والمآل‭ .. ‬راجعوا‭ ‬من‭ ‬سبقونا‭ .. ‬كفوا‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬جاه‭ ‬أو‭ ‬مال‭ .. ‬

‭       ‬ابحثوا‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الباقي‭ ‬الخالد‭ .. ‬اتقوا‭ ‬فيها‭ ‬الله‭ ‬العزيز‭ ‬المتعال‭ .. ‬

 

‭            ‬لن‭ ‬تكونوا‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ... ‬الذي‭ ‬تركها‭ ‬على‭ ‬المحجة‭ ‬البيضاء‭ ... ‬ليلها‭ ‬كنهارها‭ .. ‬حلوها‭ ‬كمرها‭ .. ‬لا‭ ‬يزيغ‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬هالك‭ !!!!!!!!!!!! .... ‬

 

‭           ‬إنها‭ ‬كلمات‭ .. ‬إنها‭ ‬رسائل‭ .. ‬إنه‭ ‬حديث‭ ‬النفس‭ ‬الطاهرة‭ .. ‬إنه‭ ‬نداء‭ ‬الروح‭ ‬الصافية‭ .. ‬إنه‭ ‬مٌنية‭ ‬القلب‭ ‬السامية‭ .. ‬إنها‭ ‬ذلك‭ ‬الرجاء‭ ‬الذي‭ ‬يلتقي‭ ‬رغم‭ ‬دنو‭ ‬الجسد‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬العليين‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ... ‬

 

‭          ‬للحظات‭ ‬أسكن‭ ‬ألم‭ ‬الفراق‭ .. ‬فراق‭ ‬الأحبة‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬واله‭ ‬وصحابته‭ ‬الأوفياء‭ ‬الكرام‭ ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬رموز‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬على‭ ‬الدرب‭ ... ‬وحفظوا‭ ‬العهد‭ .. ‬ثم‭ ‬الغاليين‭ ‬الذي‭ ‬فرغت‭ ‬علينا‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬بعدهم‭ .. ‬ولكن‭ ‬انشغلوا‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬شيئ‭ ‬واحد‭ .. ‬أضع‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬همي‭ ‬وحزني‭ ‬لذلك‭ ‬الفراق‭ .. ‬وهو‭ ‬إعداد‭ ‬العدة‭ ‬لحظة‭ ‬اللقاء‭ .. ‬اللقاء‭ ‬بهم‭ ‬جميعا‭ ..... ‬

 

‭          ‬فتهون‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬حولي‭ .. ‬يصغر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬عظائم‭ ‬حلوة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬مرة‭ .. ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬حلقي‭ ‬إلا‭ ‬حلو‭ ‬اللقاء‭ .. ‬لأشعر‭ ‬أنني‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬عروس‭ ‬أتزين‭ ‬وأتجهز‭ ‬لعرس‭ ‬ولكنه‭ ‬حقيقي‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬المعاناة‭ ‬والشقاء‭   ... ‬

 

‭         ‬فما‭ ‬أعيش‭ ‬إلا‭ ‬قلبا‭ ‬ويدا‭ ‬وروحا‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلا‭ ‬التسامح‭ ‬والعفو‭ ‬وشيم‭ ‬الكرام‭ .. ‬بحلو‭ ‬الكلام‭ ‬يتوجه‭ ‬العطاء‭ .... ‬

‭         ‬مع‭ ‬رحيل‭ ‬آخر‭ ... ‬مع‭ ‬رحيل‭ ‬‮«‬الصديق‮»‬‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬نتمزق‭ ‬معه‭ .. ‬تكاد‭ ‬روحنا‭ ‬من‭ ‬ملاصقتنا‭ ‬له‭ ‬ترحل‭ ‬معه‭ .. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يثبتنا‭ ‬إيمانه‭ ‬وحبه‭ ‬لله‭ ‬ولرسوله‭ .. ‬لنتعلم‭ ‬منه‭ ‬كيف‭ ‬أننا‭ ‬نحب‭ ‬الرحيل‭ .. ‬أننا‭ ‬نحترمه‭ .. ‬كيف‭ ‬أننا‭ ‬نكون‭ ‬أقوياء‭ ‬متسامين‭ .. ‬نثبت‭ ‬الغاليين‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬رغم‭ ‬هول‭ ‬اللحظة‭ ... ‬وحين‭ ‬نثبتهم‭ ‬إنما‭ ‬نثبت‭ ‬اليقين‭ ‬والإيمان‭ ‬بداخلهم‭ .. ‬لعلهم‭ ‬يحبوا‭ ‬الرحيل‭ ‬معنا‭ ... ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لا‭ ‬يجزعوا‭ ‬منه‭ .. ‬حتى‭ ‬نترك‭ ‬الدنيا‭ ‬ونحن‭ ‬مطمئنين‭ ‬عليهم‭ ... ‬

 

‭         ‬لأنهم‭ ‬سوف‭ ‬يكملون‭ ‬مشوار‭ ‬حياتنا‭ ...  ‬إذن‭ ‬سوف‭ ‬نحمل‭ ‬الأمانة‭ .. ‬لأننا‭ ‬سوف‭ ‬نلقاهم‭ .. ‬ونلقى‭ ‬من‭ ‬قبلهم‭ .. ‬إذن‭ ‬لن‭ ‬ينقطع‭ ‬التواصل‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم‭ .. ‬لإستكمال‭ ‬مشاور‭ ‬حياة‭ ‬توقفوا‭ ‬هم‭ ‬عنه‭ .. ‬لأنهم‭ ‬تركوه‭ ‬أمانة‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ .. ‬فكيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفرط‭ ‬فيه‭.. ‬فهل‭ ‬يهون‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقطع‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وصال‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم‭ !!!!! .... ‬

 

ها‭ ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬‮«‬الصديق‭ ‬أبو‭ ‬بكر‮»‬‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬عليه‭ ‬ابنته‭ ‬عائشة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭ .. ‬فتتمثل‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭ ‬قائلة

 

‭ ‬لعمرك‭ ‬ما‭ ‬يغني‭ ‬الثراء‭ ‬عن‭ ‬الفتى‭ .... ‬إذا‭ ‬حشرجت‭ ‬يوماً‭ ‬و‭ ‬ضاق‭ ‬بها‭ ‬الصدر‭ ‬

 

‭            ‬فنظر‭ ‬إليها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬كالغضبان‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬سكرات‭ ‬الموت‭  .. -‬وكأنه‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لها‭-  : ‬ليس‭ ‬كذلك‭ ‬‭... ‬و‭ ‬لكن‭ ‬قولي‭ : ‬‮«‬و‭ ‬جاءت‭ ‬سكرة‭ ‬الموت‭ ‬بالحق‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬منه‭ ‬تحيد‮»‬‭ ... ‬

 

‭              ‬لما‭ ‬اشتد‭ ‬المرض‭ ‬بأبي‭ ‬بكر‭ ‬جمع‭ ‬الناس‭ ‬إليه‭.... ‬فقال‭: ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬نزل‭ ‬بي‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬ترون‭ ‬ولا‭ ‬أظنني‭ ‬إلا‭ ‬ميت‭ ‬لما‭ ‬بي‭ ‬وقد‭ ‬أطلق‭ ‬الله‭ ‬أيمانكم‭ ‬من‭ ‬بيعتي‭.... ‬وحل‭ ‬عنكم‭ ‬عقدتي‭... ‬ورد‭ ‬عليكم‭ ‬أمركم‭ ‬فأمروا‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬أحببتم‭ ‬فإنكم‭ ‬إن‭ ‬أمرتم‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬كان‭ ‬أجدر‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تختلفوا‭ ‬بعدي‭.... ‬وتشاور‭ ‬الصحابة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭... ‬وكل‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الأمر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬ويطلبه‭ ‬لأخيه‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬فيه‭ ‬الصلاح‭ ‬والأهلية‭.... ‬لذا‭ ‬رجعوا‭ ‬إليه‭.... ‬فقالوا‭: ‬رأينا‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬رأيك‭.... ‬قال‭: ‬فأمهلوني‭ ‬حتى‭ ‬أنظر‭ ‬لله‭ ‬ولدينه‭ ‬ولعباده‭.... ‬فدعا‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عوف‭....‬‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬أخبرني‭ ‬عن‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭.... ‬فقال‭ ‬له‭: ‬ما‭ ‬تسألني‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬إلا‭ ‬وأنت‭ ‬أعلم‭ ‬به‭ ‬مني‭: ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭: ‬وإن‭ ‬فقال‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭: ‬هو‭ ‬والله‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬رأيك‭ ‬فيه‭.... ‬ثم‭ ‬دعا‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭.... ‬فقال‭: ‬أخبرني‭ ‬عن‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬،،،‭. ‬فقال‭: ‬أنت‭ ‬أخبر‭ ‬به‭... ‬فقال‭: ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬عبد‭ ‬الله‭... ‬

 

‭            ‬فقال‭ ‬عثمان‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬علمي‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬سريرته‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬علانيته‭... ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬فينا‭ ‬مثله‮»‬‭... ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭: ‬‮«‬يرحمك‭ ‬الله‭.... ‬والله‭ ‬لو‭ ‬تركته‭ ‬ما‭ ‬عدتك‭... ‬ثم‭ ‬دعا‭ ‬أسيد‭ ‬بن‭ ‬حضير‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬مثل‭ ‬ذلك‭.... ‬فقال‭ ‬أسيد‭: ‬اللهم‭ ‬أعلمه‭ ‬الخيرة‭ ‬بعدك‭ ‬يرضى‭ ‬للرضا‭.... ‬ويسخط‭ ‬للسخط‭.... ‬والذي‭ ‬يسر‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭.... ‬ولن‭ ‬يلي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أحد‭ ‬أقوى‭ ‬عليه‭ ‬منه‭.... ‬وكذلك‭ ‬استشار‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬وعدداً‭ ‬من‭ ‬الأنصار‭ ‬والمهاجرين‭.... ‬وكلهم‭ ‬تقريباً‭ ‬كانوا‭ ‬برأي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬إلا‭ ‬طلحة‭ ‬بن‭ ‬عبيد‭ ‬الله‭ ‬خاف‭ ‬من‭ ‬شدته‭.... ‬فقال‭ ‬لأبي‭ ‬بكر‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬قائل‭ ‬لربك‭ ‬إذا‭ ‬سألك‭ ‬عن‭ ‬استخلافك‭ ‬عمر‭ ‬علينا‭ ‬وقد‭ ‬ترى‭ ‬غلظته؟؟؟‭.... ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭: ‬أجلسوني‭ ‬أبالله‭ ‬تخوفونني؟؟؟‭!!... ‬

 

‭               ‬خاب‭ ‬من‭ ‬تزود‭ ‬من‭ ‬أمركم‭ ‬بظلم‭ ‬أقول‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬استخلفت‭ ‬عليهم‭ ‬خير‭ ‬أهلك‭ ‬وبين‭ ‬لهم‭ ‬سبب‭ ‬غلظة‭ ‬عمر‭ ‬وشدته‮»‬‭.... ‬فقال‭: ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يراني‭ ‬رقيقاً‭ ‬ولو‭ ‬أفضى‭ ‬الأمر‭ ‬إليه‭ ‬لترك‭ ‬كثيراً‭ ‬مما‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬كتب‭ ‬عهداً‭ ‬مكتوباً‭ ‬يقرأ‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وفي‭ ‬الأنصار‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أمراء‭ ‬الأجناد‭ ‬فكان‭ ‬نص‭ ‬العهد‭ :‬

 

‭             ‬‮«‬بسم‭ ‬الله‭ ‬الرحمن‭ ‬الرحيم‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬عهد‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬قحافة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬عهده‭ ‬بالدنيا‭ ‬خارجاً‭ ‬منها‭.... ‬وعند‭ ‬أول‭ ‬عهده‭ ‬بالآخرة‭ ‬داخلاً‭ ‬فيها‭.... ‬حيث‭ ‬يؤمن‭ ‬الكافر‭.... ‬ويوقن‭ ‬الفاجر‭.... ‬ويصدق‭ ‬الكاذب‭.... ‬إني‭ ‬لم‭ ‬آل‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬ودينه‭ ‬ونفسي‭.... ‬وإياكم‭ ‬خيراً‭..... ‬فإن‭ ‬عدل‭ ‬فذلك‭ ‬ظني‭ ‬به‭ ‬وعلمي‭ ‬فيه‭.... ‬وإن‭ ‬بدل‭ ‬فلكل‭ ‬امرئ‭ ‬ما‭ ‬اكتسب‭..... ‬والخير‭ ‬أردت‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬الغيب‭.. ‬‮«‬وَسَيَعْلَمُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬ظَلَمُوا‭ ‬أَيَّ‭ ‬مُنقَلَبٍ‭ ‬يَنقَلِبُونَ‮»‬سورة‭ ‬الشعراء‭.... ‬

 

‭              ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬أخبر‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ ‬بخطواته‭ ‬القادمة‭.... ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬عليه‭ ‬عمر‭... ‬فعرفه‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بما‭ ‬عزم‭ ‬فأبى‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭..... ‬فتهدده‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بالسيف‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬عمر‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭.... ‬وأراد‭ ‬الصديق‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬الناس‭ ‬بلسانه‭ ‬واعياً‭ ‬مدركاً‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬أي‭ ‬لبس‭.... ‬فأشرف‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭: ‬أترضون‭ ‬بمن‭ ‬استخلف‭ ‬عليكم‭..... ‬فإني‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬ألوت‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬الرأي‭..... ‬ولا‭ ‬وليت‭ ‬ذا‭ ‬قرابة‭..... ‬وإني‭ ‬قد‭ ‬استخلفت‭ ‬عليكم‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬فاسمعوا‭ ‬له‭ ‬وأطيعوا‭...... ‬

 

‭            ‬فقالوا‭: ‬سمعنا‭ ‬وأطعنا‭.... ‬وتوجه‭ ‬الصديق‭ ‬بالدعاء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬يناجيه‭ ‬ويبثه‭ ‬كوامن‭ ‬نفسه‭.... ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬وليته‭ ‬بغير‭ ‬أمر‭ ‬نبيك‭....‬ولم‭ ‬أرد‭ ‬بذلك‭ ‬إلا‭ ‬صلاحهم‭.... ‬وخفت‭ ‬عليهم‭ ‬الفتنة‭.... ‬واجتهدت‭ ‬لهم‭ ‬رأيي‭.... ‬فولَّيت‭ ‬عليهم‭ ‬خيرهم‭.... ‬وأحرصهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أرشدهم‭.....‬‭ ‬وقد‭ ‬حضرني‭ ‬من‭ ‬أمرك‭ ‬ما‭ ‬حضر‭.... ‬فأخلفني‭ ‬فيهم‭ ‬فهم‭ ‬عبادك‭.... ‬

‭            ‬وكلف‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬عثمان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭....‬بأن‭ ‬يتولى‭ ‬قراءة‭ ‬العهد‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬وأخذ‭ ‬البيعة‭ ‬لعمر‭ ‬قبل‭ ‬موت‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ختمه‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التوثيق‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إمضاء‭ ‬الأمر‭.... ‬دون‭ ‬أي‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭...‬

‭            ‬وقال‭ ‬عثمان‭ ‬للناس‭: ‬أتبايعون‭ ‬لمن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب؟‭ ‬فقالوا‭: ‬نعم‭. ‬

 

‭           ‬فأقروا‭ ‬بذلك‭ ‬جميعاً‭ ‬ورضوا‭ ‬به‭.... ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬قرأ‭ ‬العهد‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ..... ‬ورضوا‭ ‬به‭ ‬أقبلوا‭ ‬عليه‭ ‬وبايعوه‭ ‬واختلى‭ ‬الصديق‭ ‬بالفاروق‭ ‬وأوصاه‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬التوصيات‭ ‬لإخلاء‭ ‬ذمته‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭..... ‬حتى‭ ‬يمضي‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تبعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهده‭ ‬واجتهاده‭.... ‬

 

‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الوصية‭:‬

‮«‬‭ ‬اتق‭ ‬الله‭ ‬ياعمر‭.... ‬واعلم‭ ‬أن‭ ‬لله‭ ‬عملاً‭ ‬بالنهار‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬بالليل‭.... ‬وعملاً‭ ‬بالليل‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬بالنهار‭.... ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬نافلة‭ ‬حتى‭ ‬تُؤدى‭ ‬فريضة‭..... ‬وإنما‭ ‬ثقلت‭ ‬موازين‭ ‬من‭ ‬ثقلت‭ ‬موازينه‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬باتباعهم‭ ‬الحق‭ ‬غداً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ثقيلاً،‭..... ‬وإنما‭ ‬خفّت‭ ‬موازين‭ ‬من‭ ‬خفَّت‭ ‬موازينه‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬باتباعهم‭ ‬الباطل‭ ‬غداً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خفيفاً‭..... ‬وإن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ذكر‭ ‬أهل‭ ‬الجنة‭ ‬فذكرهم‭ ‬بأحسن‭ ‬أعمالهم‭ ‬وتجاوز‭ ‬عن‭ ‬سيئه‭...‬‭.. ‬فإذا‭ ‬ذكرتهم‭ ‬قلت‭: ‬إني‭ ‬أخاف‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ألحق‭ ‬بهم‭..... ‬وإن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ذكر‭ ‬أهل‭ ‬النار‭..... ‬فذكرهم‭ ‬بأسوأ‭ ‬أعمالهم‭.... ‬وردّ‭ ‬عليهم‭ ‬أحسنه‭....‬‭ ‬فإذا‭ ‬ذكرتهم‭....  ‬قلت‭: ‬إني‭ ‬لأرجو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليكون‭ ‬العبد‭ ‬راغباً‭ ‬راهبا‭.... ‬لا‭ ‬يتمنى‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬يقنط‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭.... ‬فإن‭ ‬أنت‭ ‬حفظت‭ ‬وصيتي‭ ‬فلا‭ ‬يك‭ ‬غائب‭ ‬أبغض‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ولست‭ ‬تُعجزه‭..... ‬

 

‭          ‬باشر‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬أعماله‭ ‬بصفته‭ ‬خليفة‭ ‬للمسلمين‭..... ‬فور‭ ‬وفاة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭.... ‬

 

‭           ‬أي‭ ‬خلق‭ .. ‬أي‭ ‬إسلام‭ ... ‬أي‭ ‬ضمير‭ .. ‬أي‭ ‬مسئولية‭ .. ‬أي‭ ‬حب‭ ‬لله‭ .. ‬أي‭ ‬حب‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ .. ‬أي‭ ‬أمانة‭ .. ‬تحملها‭ ‬وتودعها‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ .. ‬يا‭ ‬صديق‭ ‬يا‭ ‬صدوق‭ ‬يا‭ ‬صديق‭ ‬نبي‭ ‬الرحمة‭ ‬للعالمين‭ ... ‬

 

‭          ‬وكما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الخلافة‭ ‬يودعها‭ ‬الصديق‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬كطفل‭ ‬رضيع‭ ‬يؤمن‭ ‬عجزه‭ .. ‬ليتأكد‭ ‬من‭ ‬رعايته‭ !!!! ... ‬وكما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الخلافة‭ ... ‬قطعة‭ ‬نفيسة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬أغلى‭ ‬الأحجار‭ ‬الكريمة‭ .. ‬أو‭ ‬من‭ ‬الماس‭ .. ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬لفافة‭ ‬حريرية‭ ‬في‭ ‬خزنة‭ ‬خشية‭ ‬خدشها‭ .. ‬

 

‭         ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬الحالين‭ .. ‬يلقي‭ ‬ضوءا‭ ‬مبهرا‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬ذلك‭ ‬الشيئ‭ .. ‬لعله‭ ‬يلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إليه‭ ... ‬وهو‭ ‬يراعي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ليس‭ ‬الخليفة‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬وإنما‭ ‬يراعي‭ ‬الله‭ ‬وأمانته‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ .. ‬يراعي‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬رسالة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ... ‬يراعي‭ ‬الرسالة‭ ‬نفسها‭ ‬لمن‭ ‬يحافظ‭ ‬عليها‭ .. ‬ولا‭ ‬يخدشها‭ .. ‬ولا‭ ‬يلوث‭ ‬بريقها‭ .. ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يراعي‭ ‬الرعية‭ .. ‬لعله‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬فحوي‭ ‬وسمو‭ ‬ورفعة‭ ‬وعلو‭ ‬وخطورة‭ ‬وأهمية‭ ‬الرسالة‭ ... ‬بضمان‭ ‬الخليفة‭ ‬الصالح‭ ‬لحمل‭ ‬وأداء‭ ‬تلك‭ ‬الأمانة‭ .. ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬‮«‬عمر‮»‬‭ ... ‬

 

 

‭      ‬

‭          ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشنف‭ ‬أذانه‭ ‬ويطرب‭ ‬نفسه‭ ‬ويسعد‭ ‬قلبه‭ .. ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬عمر‭ ‬كأنه‭ ‬يواسي‭ ‬نفسه‭ ... ‬

 

‭         ‬ولكني‭ ‬أستشعر‭ ‬أيضا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يواسي‭ ‬نفسه‭ ‬وكأنه‭ ‬مقصر‭ ‬في‭ ‬حقها‭ ‬بذلك‭ ‬الرحيل‭ ‬يطمئنها‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬وأمام‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬وأمام‭ ‬السنة‭ ‬الشريفة‭ .. ‬وأمام‭ ‬أتباع‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬مهاجرين‭ ‬وأنصار‭ .. ‬

 

‭        ‬إن‭ ‬أمانة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مصانة‭ .. ‬ولكنه‭ ‬قدر‭ ‬استطاعته‭ ‬ولاّها‭ ‬لخير‭ ‬الولاة‭ ‬من‭ ‬بعده‭ .. ‬من‭ ‬يصونها؟؟‭!!... ‬

لا‭ ‬يصونها‭ ‬إلا‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ .... ‬وكأنه‭ ‬يشهد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬و‭ ‬كأنه‭ ‬يشهد‭ ‬الرسول‭ ‬وكأنه‭ ‬يشهد‭ ‬الكون‭ ‬ويشهد‭ ‬ملائكة‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ .. ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬قصر‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الرسالة‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬وفاته‭ .. ‬حتى‭ ‬رحيله‭ .. ‬

 

‭          ‬وما‭ ‬كان‭ ‬أصدق‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الشرعية‭ .. ‬التي‭ ‬أوصت‭ ‬بأحقية‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬بالخلافة‭ .. ‬

‭     ‬

‭         ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬جاء‭  ‬في‭ ‬نص‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬وعثمان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭ ‬وعلى‭ ‬وجوب‭ ‬الطاعة‭ ‬لهم‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قال‭ ‬مخاطباً‭ ‬نبيَّه‭....‬‮«‬فَإِنْ‭ ‬رَجَعَكَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬إِلَى‭ ‬طَائِفَةٍ‭ ‬مِنْهُمْ‭ ‬فَاسْتَأْذَنُوكَ‭ ‬لِلْخُرُوجِ‭ ‬فَقُلْ‭ ‬لَنْ‭ ‬تَخْرُجُوا‭ ‬مَعِي‭ ‬أَبَدًا‭ ‬وَلَنْ‭ ‬تُقَاتِلُوا‭ ‬مَعِي‭ ‬عَدُوًّا‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬التوبة‭... ‬

 

‭         ‬وكان‭ ‬نزول‭ ‬‮«‬براءة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬غزوة‭ ‬تبوك‭ ‬بلا‭ ‬شك‭.... ‬التي‭ ‬تخلف‭ ‬فيها‭ ‬الثلاثة‭ ‬المعذورون‭ ‬الذين‭ ‬تاب‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭...‬‭.  ‬ولم‭ ‬يغز‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬بعد‭ ‬غزوة‭ ‬تبوك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مات‭...  ‬وقال‭ ‬تعالى‭ ‬أيضاً‭: ‬‮«‬سَيَقُولُ‭ ‬الْمُخَلَّفونَ‭ ‬إِذَا‭ ‬انطَلَقْتُمْ‭ ‬إِلَى‭ ‬مَغَانِمَ‭ ‬لِتَأْخُذُوهَا‭ ‬ذَرُونَا‭ ‬نَتَّبِعْكُمْ‭ ‬يُرِيدُونَ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُبَدِّلُوا‭ ‬كَلاَمَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬قُلْ‭ ‬لَنْ‭ ‬تَتَّبِعُونَا‭ ‬كَذَلِكُمْ‭ ‬قَالَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلُ‮»‬‭ ... ‬فبين‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يغزون‭ ‬مع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.... ‬بعد‭ ‬تبوك‭ ‬لهذا‭.... ‬ثم‭ ‬عطف‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عليهم‭ ‬أثر‭ ‬منعه‭ ‬إياهم‭ ‬من‭ ‬الغزو‭ ‬مع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ... ‬فقال‭ ‬تعالى‭:‬‮«‬‭ ‬قُلْ‭ ‬لِلْمُخَلَّفِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬الأعْرَابِ‭ ‬سَتُدْعَوْنَ‭ ‬إِلَى‭ ‬قَوْمٍ‭ ‬أُوْلِي‭ ‬بَأْسٍ‭ ‬شَدِيدٍ‭ ‬تُقَاتِلُونَهُمْ‭ ‬أَوْ‭ ‬يُسْلِمُونَ‭ ‬فَإِنْ‭ ‬تُطِيعُوا‭ ‬يُؤْتِكُمْ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬أَجْرًا‭ ‬حَسَنًا‭ ‬وَإِنْ‭ ‬تَتَوَلَّوْا‭ ‬كَمَا‭ ‬تَوَلَّيْتُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلُ‭ ‬يُعَذِّبْكُمْ‭ ‬عَذَابًا‭ ‬أَلِيمًا‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الفتح‭ ‬

 

‭           ‬وقد‭ ‬أخبر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬نبيه‭ ‬أنه‭ ‬سيضعهم‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الامتحان‭ ‬الأعظم‭ .. ‬حين‭ ‬يدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬يقاتلونهم‭ ‬أو‭ ‬يسلمون‭...  ‬ووعدهم‭ ‬على‭ ‬طاعة‭ ‬من‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بخير‭ ‬الجزاء‭ .. ‬وتوعدهم‭ ‬على‭ ‬عصيان‭ ‬الداعي‭ ‬لهم‭ ‬بشر‭ ‬العاقبة‭ ‬والعقاب‭ .. ‬

‭    ‬

‭          ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬حزم‭: ‬وما‭ ‬دعا‭ ‬أولئك‭ ‬الأعراب‭ ‬أحد‭ ‬بعد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.... ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬يقاتلونهم‭ ‬أو‭ ‬يسلمون‭ ‬إلا‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬وعثمان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭..... ‬

 

 

‭        ‬فإن‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬قتال‭ ‬مرتدي‭ ‬العرب‭ ‬بني‭ ‬حنيفة‭ ..‬وأصحاب‭ ‬الأسود‭ ..‬وسجاح‭ ..‬وطليحة‭ ..‬والروم‭ ..‬والفرس‭ ..‬وغيرهم‭...... ‬

‭         ‬ودعاهم‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬قتال‭ ‬الروم‭ ..‬والفرس‭.... ‬

‭         ‬وعثمان‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬قتال‭ ‬الروم‭ ..‬والفرس‭ ..‬والترك‭ ‬

 

‭           ‬فوجب‭ ‬طاعة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬وعثمان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭ ‬بنص‭ ‬القرآن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬تأويلاً‭ ‬وإذ‭ ‬قد‭ ‬وجبت‭ ‬طاعتهم‭ ‬فقد‭ ‬صحت‭ ‬إمامتهم‭ ‬وخلافتهم‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭..... ‬

 

‭          ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭: ‬‮«‬أريت‭ ‬في‭ ‬المنام‭ ‬أني‭ ‬أنزع‭ ‬بدلو‭ ‬بكرة‭ ‬على‭ ‬قليب‭.... ‬فجاء‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬فنزع‭ ‬ذنوباً‭ ‬أو‭ ‬ذنوبين‭ ‬نزعاً‭ ‬ضعيفاً‭ ‬والله‭ ‬يغفر‭ ‬له‭.... ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬فاستحالت‭ ‬غرباً‭ ‬فلم‭ ‬أر‭ ‬عبقرياً‭ ‬يفري‭ ‬فريه‭ ‬حتى‭ ‬روى‭ ‬الناس‭ ‬وضربوا‭ ‬بعطن‮»‬‭ .... ‬

‭       ‬

‭         ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬يتضمن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬خلافة‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تستمر‭ ‬طويلا‭ .. ‬على‭ ‬خلاف‭.. ‬خلافة‭ ‬الفاروق‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭..... ‬التي‭ ‬ستستمر‭ ‬طويلا‭ .. ‬وتشهد‭ ‬كثرة‭ ‬الفتوح‭ ...‬وظهور‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬زمنه‭.... ‬

 

‭         ‬فهذا‭ ‬المنام‭ ‬النبوي‭ ‬مثال‭ ‬واضح‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬لأبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‮»‬‭ ‬في‭ ‬خلافتهما‭ ..‬وحسن‭ ‬سيرتهما‭ ... ‬وظهور‭ ‬آثارهما‭ ...‬وانتفاع‭ ‬الناس‭ ‬بهما‭ ...‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬مأخوذ‭ ‬عن‭ ‬المصطفى‭ ...‬وآثار‭ ‬صحبته‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬الأمر‭ ‬فقام‭ ‬به‭ ‬أكمل‭ ‬قيام‭ ‬حيث‭ ‬قرر‭ ‬قواعد‭ ‬الدين‭ ...‬ومهد‭ ‬أموره‭ ...‬وأوضح‭ ‬أصوله‭ ..‬وفروعه‭ ..‬ودخل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬أفواجاً‭ ...‬وأنزل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عليه‭ ‬قوله‭:‬‮«‬‭ ‬الْيَوْمَ‭ ‬أَكْمَلْتُ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬دِينَكُمْ‭ ‬وَأَتْمَمْتُ‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬نِعْمَتِي‭ ‬وَرَضِيتُ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬الأسْلاَمَ‭ ‬دِينًا»سورة‭ ‬المائدة

‭        ‬

‭        ‬عن‭ ‬حذيفة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬كنا‭ ‬عند‭ ‬النبي‭ ‬جلوسا‭....‬ً‭ ‬فقال‭: ‬إني‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬ما‭ ‬قدر‭ ‬بقائي‭ ‬فيكم‭!!!!.....  ‬فاقتدوا‭ ‬باللذين‭ ‬من‭ ‬بعدي‭..... ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‮»‬‭ ....‬وتمسكوا‭ ‬بهدي‭ ‬عمار‭ ‬وما‭ ‬حدثكم‭ ‬ابن‭ ‬مسعود‭ ‬فصدقوه‭..... ‬

 

‭           ‬دل‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬دلالة‭ ‬صريحة‭..... ‬على‭ ‬أحقية‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ .... ‬فقوله‭: ‬اقتدوا‭ ‬باللذين‭.... ‬بفتح‭ ‬الذال‭ ‬أي‭: ‬‮«‬الخليفتين‭ ‬اللذين‭ ‬يقومان‭ ‬من‭ ‬بعدي‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‮»‬‭..... ‬

 

‭             ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬قال‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭: ‬من‭ ‬رأى‭ ‬منكم‭ ‬رؤيا؟؟؟‭!!... ‬فقال‭ ‬رجل‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬رأيت‭ ‬كأن‭ ‬ميزاناً‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬فوزنت‭ ‬أنت‭ ‬وأبو‭ ‬بكر‭ ‬فرجحت‭ ‬أنت‭ ‬بأبي‭ ‬بكر،‭ ‬ووزن‭ ‬عمر‭ ‬وأبو‭ ‬بكر‭ ‬فرجح‭ ‬أبو‭ ‬بكر،‭ ‬ووزن‭ ‬عمر‭ ‬وعثمان‭ ‬فرجح‭ ‬عمر،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬الميزان‭ ‬فرأينا‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬رسول‭ ‬الله‮»‬‭ ..... ‬

‭ ‬

 

 

‭              ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ !!!! ..  ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬سوف‭ ‬تسعفني‭ .. ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬أمينة‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬إحساسي‭ ‬وإعزازي‭ ‬وإكباري‭ ‬وإجلالي‭ ‬للنبي‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ... ‬ومدى‭ ‬الشفافية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يحيط‭ ‬بنبي‭ ‬الأمة‭ .. ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الصدق‭ ‬والأمانة‭ ‬‭.. ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬نور‭ ‬يشع‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬حوله‭ .. ‬تحديدا‭ ‬لمن‭ ‬أحبه‭ .. ‬ليمتد‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬النبوة‭ ... ‬ليكون‭ ‬مدادا‭ ‬لروح‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ... ‬

 

‭           ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬لا‭ ‬تسعفني‭ .. ‬وأنا‭ ‬أرصد‭ ‬حلم‭ ‬أحد‭ ‬جلوس‭ ‬النبي‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ .. ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المقربين‭ .. ‬ضمن‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأربعة‭ .. ‬

 

‭          ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كيف‭ ‬بالصدق‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬والإيمان‭ ‬الكامل‭ .. ‬ينكشف‭ ‬الحجاب‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬عنهم‭ .. ‬ليكون‭ ‬بهذه‭ ‬الدقة‭ .. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬فقط‭ ‬الصالح‭ ‬والطيب‭ ‬ونور‭ ‬الله‭ .. ‬بل‭ ‬ينكشف‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ .. ‬حين‭ ‬توقف‭ ‬الحلم‭ ‬بعد‭ ‬عثمان‭ ... ‬

 

‭         ‬لنحكيه‭ ‬نحن‭ ‬بمحمر‭ ‬الدمع‭ .. ‬ونستكمله‭ ‬نحن‭ ‬بحرقة‭ ‬القلب‭ .. ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬عليّ‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬ويصير‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬فتنة‭ ‬المسلمين‭ ... ‬

 

‭        ‬ولكن‭ ‬يستوقفني‭ ‬أن‭ ‬سؤال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ .. ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬هذا‭ ‬الرد‭ .. ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحد‭ ‬الصحابة‭ .. ‬بملئ‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬والفؤاد‭ .. ‬أنهم‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ... ‬

 

‭       ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ .. ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يحذر‭ ‬الأمة‭ ‬حيث‭ ‬توقف‭ ‬الحلم‭ ‬عن‭ ‬حالها‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬عثمان‮»‬‭ ... ‬

‭          ‬

‭           ‬ومما‭ ‬دل‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬أحقية‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‮»‬‭ ‬عنه‭ ‬اجتماع‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقدمون‭ ‬إلا‭ ‬أفضلهم‭ ‬وأخيرهم‭ ‬مع‭ ‬قول‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعلي‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‮»‬‭ ‬فيه‭ .....  ‬

‭           ‬فأما‭ ‬قول‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬فيه‭ ‬فهو‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬أمرت‭ ‬عليهم‭ ‬خير‭ ‬أهلك‮»‬‭ ‬

‭           ‬وأما‭ ‬قول‭ ‬علي‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭ ‬عن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬الحنفية‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬علي‭ ‬بن

أبي‭ ‬طالب‭ ‬قال‭: ‬قلت‭ ‬لأبي‭ ‬أي‭ ‬الناس‭ ‬خير‭ ‬بعد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭: ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬قلت‭: ‬ثم‭ ‬من؟‭ ‬قال‭: ‬ثم‭ ‬عمر‭ ‬وخشيت‭ ‬أن‭ ‬يقول‭: ‬عثمان‭. ‬قلت‭: ‬ثم‭ ‬أنت؟‭ ‬قال‭: ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬إلا‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬المسلمين‮»‬‭ ... ‬سلمت‭ .. ‬وعظمت‭ .. ‬وبوركت‭ .. ‬يا‭ ‬خير‭ ‬خلق‭ ‬البرية‭ ... ‬

 

 

 

 

خير‭ ‬البرية‭ ‬نظرة‭ ‬إليّ‭ .. ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬إلا‭ ‬كنز‭ ‬العطية‭ ‬

 

‭           ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬اتغنى‭ ‬بك‭ ‬يا‭ ‬فخر‭ ‬البشرية‭ .. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬صحابتك‭.. ‬فماذا‭ ‬كنت‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬حبيبي‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬أحبوا‭ ‬الله‭ ‬وأحبوك‭.. ‬فكانوا‭ ‬خيرة‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ .. ‬استحقوا‭ ‬أن‭ ‬يتسلموا‭ ‬الراية‭ ‬منك‭ .. ‬أن‭ ‬يحملوا‭ ‬الأمانة‭ ‬عنك‭ .. ‬

 

‭          ‬عمر‭ ... ‬عمر‭ ... ‬عمر‭ ... ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حبي‭ ‬وإعزازي‭ ‬للصحابة‭ ‬الكرام‭ .. ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أشعر‭ ‬بمنزلة‭ ‬خاصة‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ .. ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬سرها‭ .. ‬مهما‭ ‬اقرأ‭ ‬عنك‭ ‬يزداد‭ ‬يقيني‭ ‬بك‭ .. ‬ولا‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬اعجابي‭ ‬لك‭ .. ‬

 

‭        ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لإستدعاء‭ ‬نبي‭ ‬لك‭ .. ‬واستجابة‭ ‬ربي‭ ‬لإسلامك‭ .. ‬فتثبت‭ ‬يقيني‭ ‬بك‭ .. ‬لما‭ ‬رأيت‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬كانت‭ ‬ترجمة‭ ‬وتفصيلا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رائعة‭ .‬‭. ‬لأمل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬فيك‭ .. ‬لله‭ ‬وللإسلام‭ .. ‬

 

‭        ‬و‭ ‬هكذا‭ ‬نقل‭ ‬إجماع‭ ‬الصحابة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‮»‬‭  ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬على‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬النقل‭ ‬منهم‭:‬

‭              ‬روى‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬الحسين‭ ‬البيهقي‭ ‬بإسناده‭ ‬إلى‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭ ‬قال‭: ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬عمر‭ ‬حين‭ ‬طعن‭. ‬فقلت‭: ‬أبشر‭ ‬بالجنة‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أسلمت‭ ‬حين‭ ‬كفر‭ ‬الناس،‭ ‬وجاهدت‭ ‬مع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ? ‬حين‭ ‬خذله‭ ‬الناس،‭ ‬وقبض‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.... ‬وهو‭ ‬عنك‭ ‬راض‭ ‬ولم‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬خلافتك‭ ‬اثنان‭..... ‬وقتلت‭ ‬شهيداً‭ ‬فقال‭: ‬أعد‭ ‬علي‭ ‬فأعدت‭ ‬عليه‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬والله‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬غيره‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬صفراء‭ ‬وبيضاء‭ ‬لافتديت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المطلع‮»‬‭ ...... ‬

‭          ‬

‭           ‬وقال‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬ذكره‭ ‬لإجماع‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬عهد‭ ‬الصديق‭ ‬بالخلافة‭ ‬لعمر‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬عهده‭ ‬إلى‭ ‬عمر‭......‬

 

‭           ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬أتت‭ ‬بعد‭ ‬شيئ‭ ‬من‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأنصار‭ .. ‬حتى‭ ‬حسمها‭ ‬عمر‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يراجع‭ ‬معهم‭ ‬مكانة‭ ‬الصديق‭ ‬عند‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭  ... ‬فإن‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬كانت‭ ‬قاطعة‭ ‬بالإجماع‭ ‬عليه‭ .. ‬

 

‭          ‬معا‭ ‬نبدأ‭ ‬مع‭ ‬عمر‭ ‬رحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬والحب‭ .. ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬وتسليم‭ ‬الأمانة‭ .. ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬لحقوق‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ .. ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الرعية‭ .. ‬حسبما‭ ‬طلبها‭ ‬رب‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ .. ‬

 

‭          ‬معا‭ ‬مع‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬سطر‭ ‬أروع‭ ‬سطور‭ ‬في‭ ‬الخلافة‭ ‬والحكم‭ .. ‬وليكون‭ ‬نبراسا‭ ‬وتاجا‭ .. ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ .. ‬بصمة‭ ‬وعلامة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ... ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬الامتثال‭ ‬له‭ .. ‬بمثابة‭ ‬العصى‭ ‬السحرية‭ .. ‬للعودة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بالإنسانية‭ ‬الشاردة‭ ‬أو‭ ‬الإنسانية‭ ‬الضالة‭ ‬إلى‭ ‬صحيح‭ ‬مسارها‭ .. ‬الذي‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬فطرتها‭ ‬وضميرها‭ .. ‬والذي‭ ‬معها‭ ‬لن‭ ‬يضل‭ ‬الإنسان‭ .. ‬ولن‭ ‬يجمح‭ ‬أبدا‭ ... ‬

 

‭            ‬بدأت‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬بسطور‭ .. ‬كلمات‭ .. ‬هي‭ ‬وخذات‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الحكام‭ .. ‬ميزان‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الزمان‭ .. ‬نبضا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العدل‭ .. ‬طعنا‭ ‬في‭ ‬ظهر‭ ‬الظلم‭ .. ‬سُما‭ ‬في‭ ‬حلق‭ ‬الباطل‭ .. ‬رصاصة‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الغدر‭ ... ‬سكينا‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬منافقا‭ ‬لعينا‭ ... ‬ناقوسا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬النسيان‭ .. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الإسلام‭ ‬غريبا‭ ‬الآن‭! ... ‬زلزالا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انهد‭ ‬الكيان‭ .. ‬اطلالا‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬صروح‭ ‬البنيان‭ .. ‬

 

‭              ‬اختلف‭ ‬الرواة‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬خطبة‭ ‬خطبها‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭...‬

 

‭              ‬فقال‭ ‬بعضهم‭..... ‬إنه‭ ‬صعد‭ ‬المنبر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬شديد‭ ‬فليِّنِّي‭.. ‬وإني‭ ‬ضعيف‭ ‬فقوني‭.. ‬وإني‭ ‬بخيل‭ ‬فسخِّني‭.... ‬

 

‭              ‬وروي‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬خطبة‭ ‬كانت‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬ابتلاكم‭ ‬بي‭ ‬وابتلاني‭ ‬بكم‭ ‬بعد‭ ‬صاحبيّ‭... ‬فوالله‭ ‬لا‭ ‬يحضرني‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أمركم‭ ‬فيليه‭ ‬أحد‭ ‬دوني‭... ‬ولا‭ ‬يتغيب‭ ‬عني‭ ‬فآلو‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬أهل‭ ‬الجزء‭ - ‬يعني‭ ‬الكفاية‭ - ‬والأمانة‭...‬والله‭ ‬لئن‭ ‬أحسنوا‭ ‬لأحسنن‭ ‬إليهم‭.... ‬ولئن‭ ‬أساءوا‭ ‬لأنكلنّ‭ ‬بهم‮»‬‭...  ‬

 

‭             ‬فقال‭ ‬من‭ ‬شهد‭ ‬خطبته‭ ‬ورواها‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬فوالله‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬فارق‭ ‬الدنيا‮»‬

 

‭           ‬وروي‭ ‬أنه‭ ‬لما‭ ‬ولي‭ ‬الخلافة‭ ‬صعد‭ ‬المنبر‭.... ‬وهمّ‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬مكان‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭... ‬فقال‭: ‬‮«‬ما‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬ليراني‭ ‬أرى‭ ‬نفسي‭ ‬أهلاً‭ ‬لمجلس‭ ‬أبي‭ ‬بكر‮»‬‭.... ‬فنزل‭ ‬مرقاة‭.... ‬‮«‬فحمد‭ ‬الله‭ ‬وأثنى‭ ‬عليه‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ : ‬‮«‬اقرؤوا‭ ‬القرآن‭ ‬تعرفوا‭ ‬به‭... ‬واعملوا‭ ‬به‭ ‬تكونوا‭ ‬من‭ ‬أهله‭... ‬وزنوا‭ ‬أنفسكم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬توزنوا‭... ‬وتزيَّنوا‭ ‬للعرض‭ ‬الأكبر‭ ‬يوم‭ ‬تعرضون‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬منكم‭ ‬خافية‭... ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يبلغ‭ ‬حق‭ ‬ذي‭ ‬حق‭ ‬أن‭ ‬يطاع‭ ‬في‭ ‬معصية‭ ‬الله‭...‬‭. ‬ألا‭ ‬وإني‭ ‬أنزلت‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬الله‭ ‬بمنزلة‭ ‬ولي‭ ‬اليتيم‭.... ‬إن‭ ‬استغنيت‭ ‬عففت‭.... ‬وإن‭ ‬افتقرت‭ ‬أكلت‭ ‬بالمعروف‮»‬‭ .... ‬

 

‭                ‬ويمكن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭... ‬إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬ألقى‭ ‬خطبته‭ ‬أمام‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬الحاضرين‭... ‬فحفظ‭ ‬بعضهم‭ ‬منها‭ ‬جزءاً‭ ‬فرواه‭... ‬وحفظ‭ ‬آخر‭ ‬جزءاً‭ ‬غيره‭ ‬فذكره‭... ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يمزج‭ ‬الفاروق‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬خطبة‭ ‬له‭ ‬بين‭ ‬البيان‭ ‬السياسي‭... ‬والإداري‭ ‬والعظة‭ ‬الدينية‭...‬

 

‭                ‬فذلك‭ ‬نهج‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأئمة‭ ‬الأولين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يروا‭ ‬فارقاً‭ ‬بين‭ ‬تقوى‭ ‬الله‭ ‬والأمر‭ ‬بها‭ ‬وسياسة‭ ‬البشر‭ ‬تبعاً‭ ‬لمنهجه‭ ‬وشريعته‭...‬‭. ‬

 

‭                ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬على‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬يراعي‭ ‬حق‭ ‬سلفه‭ ‬العظيم‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭.... ‬فلا‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬فيساويه‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الناس،‭.....‬فراجع‭ ‬عمر‭ ‬نفسه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬ونزل‭ ‬درجة‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬الصديق‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭..... ‬

‭               ‬وفي‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬استخلافه‭... ‬تحدث‭ ‬الناس‭ ‬فيما‭ ‬كانوا‭ ‬يخافون‭ ‬من‭ ‬شدته‭.. ‬وبطشه‭...  ‬وأدرك‭ ‬عمر‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تجليه‭ ‬الأمر‭ ‬بنفسه‭.... ‬فصعد‭ ‬المنبر‭ ‬وخطبهم‭ ‬فذكر‭ ‬بعض‭ ‬شأنهم‭ ‬مع‭ ‬النبي‭ ‬وخليفته‭... ‬وكيف‭ ‬أنهما‭ ‬توفيا‭ ‬وهما‭ ‬عنه‭ ‬راضيان؟؟‭!!.. ‬ثم‭ ‬قال‭: ...‬‭ ‬ثم‭ ‬إني‭ ‬قد‭ ‬وليت‭ ‬أموركم‭ ‬أيها‭ ‬الناس‭... ‬فاعلموا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشدة‭ ‬قد‭ ‬أضعفت‭.... ‬ولكنها‭ ‬إنما‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الظلم‭ ..‬والتعدي‭ ..‬ولست‭ ‬أدع‭ ‬أحداً‭ ‬يظلم‭ ‬أحداً‭ ..‬أو‭ ‬يتعدى‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬أضع‭ ‬خدّه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭... ‬وأضع‭ ‬قدمي‭ ‬على‭ ‬الخد‭ ‬الآخر‭ ‬حتى‭ ‬يذعن‭ ‬للحق‭....‬

 

‭              ‬وإني‭ ‬بعد‭ ‬شدتي‭ ‬تلك‭ ‬أضع‭ ‬خدي‭ ‬لأهل‭ ‬العفاف‭ ‬وأهل‭ ‬الكفاف‭.... ‬ولكم‭ ‬عليّ‭ ‬أيها‭ ‬الناس‭ ‬خصال‭ ‬أذكرها‭ ‬لكم‭ ‬فخذوني‭ ‬بها‭..... ‬لكم‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أجتبي‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬خراجكم‭..... ‬ولا‭ ‬مما‭ ‬أفاء‭ ‬الله‭ ‬عليكم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬وجهه‭.... ‬ولكم‭ ‬عليّ‭ ‬إذا‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬ألا‭ ‬يخرج‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حقه‭.... ‬ولكم‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أزيد‭ ‬عطاياكم‭ ‬وأرزاقكم‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأسُدّ‭ ‬ثغوركم‭.... ‬ولكم‭ ‬عليّ‭ ‬ألا‭ ‬ألقيكم‭ ‬في‭ ‬المهالك‭ ‬ولا‭ ‬أجمّركم‭ ‬في‭ ‬ثغوركم‭.... ‬وإذا‭ ‬غبتم‭ ‬في‭ ‬البعوث‭... ‬فأنا‭ ‬أبو‭ ‬العيال‭ ‬حتى‭ ‬ترجعوا‭ ‬إليهم‭... ‬فاتقوا‭ ‬الله‭ ‬عباد‭ ‬الله‭... ‬وأعينوني‭ ‬على‭ ‬أنفسكم‭ ‬بكفها‭ ‬عني‭.... ‬وأعينوني‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬بالأمر‭ ‬بالمعروف‭ ..‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ...‬وإحضاري‭ ‬النصيحة‭ ‬فيما‭ ‬ولاني‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أمركم‭... ‬أقول‭ ‬قولي‭ ‬هذا‭ ‬وأستغفر‭ ‬الله‭ ‬لي‭ ‬ولكم‭....‬‭.  ‬

 

فلتستغفر‭ ‬الله‭ ‬لنا‭ ‬معك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .. ‬كم‭ ‬تحتاجك‭ ‬أمة‭ ‬حبيبك‭ ‬محمد‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬لهم‭ ‬قائدا‭ .. ‬توحدهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬لهم‭ ‬حاكما‭ ‬تُرَشد‭ ‬عقولهم‭ ..‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬قاضيا‭ ‬تفصل‭ ‬بينهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬ضميرا‭ ‬يتحدث‭ ‬عنهم‭ ... ‬فيفيق‭ ‬ضمائرهم‭ .. ‬

ياليتك‭ ‬كنت‭ ‬صوتا‭ ‬لهم‭ .. ‬فتهذب‭ ‬من‭ ‬أحوالهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬مرآة‭ ‬لهم‭ .. ‬فتجمل‭ ‬من‭ ‬قبحهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬سيفا‭ ‬لهم‭ ‬تعيد‭ ‬إليهم‭ ‬شرفهم‭ .. ‬

ياليتك‭ ‬كانت‭ ‬تفوح‭ ‬رائحتك‭ ‬بينهم‭ .. ‬فتعيد‭ ‬الرجولة‭ ‬إليهم‭ ..  ‬

ياليت‭ ‬كانت‭ ‬أنفاسك‭ ‬معهم‭ ‬فتعيد‭ ‬الشهامة‭ ‬والمروءة‭ ‬عندهم‭ ... ‬

ياليتك‭ ‬كنت‭ ‬إماما‭ ‬للمسلمين‭ ‬لعلك‭ ‬كنت‭ ‬توحد‭ ‬شتاتهم‭ .. ‬فتحسم‭ ‬أمرهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬المؤذن‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬لعلك‭ ‬تحيي‭ ‬الإيمان‭ ‬وتنير‭ ‬القلوب‭ .. ‬المظلمة‭ ‬عندهم‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬الزوج‭ .. ‬فكم‭ ‬تحتاجك‭ ‬من‭ ‬الزوجات‭ ‬الكثير‭ .. ‬كي‭ ‬تعززها‭ ‬وتصونها‭ ‬وتكون‭ ‬العائل‭ ‬الكريم‭ ‬لها‭ .. ‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬الأب‭ ‬كم‭ ‬يحتاجك‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬لتكون‭ ‬عوضا‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬شراسة‭ ‬الدنيا‭ ‬وغياب‭ ‬الأمان‭ ‬عندهم‭ ..‬

يا‭ ‬ليتك‭ ‬كنت‭ ‬الابن‭ ‬تعيد‭ ‬الحنان‭ ‬والرحمة‭ ‬والعذوبة‭ ‬والرقة‭ ... ‬تعيد‭ ‬البسمة‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬الأم‭ ‬الوحيدة‭ ‬المقهورة‭ .. ‬عن‭ ‬الأب‭ ‬الحزين‭ ‬الملفوظ‭ ..‬

يا‭ ‬ليتك‭