فنية التصوير والتشخيص فى رواية «الخروج من النفق»
فى رواية "الخروج من النفق" للروائى محمد فاروق، نلاحظ أن عملية التشخيص حظيت باهتمام كبير من حيث البناء والتوظيف، فكانت العنصر الرئيس فى فضاء النص، حيث اهتم الكاتب بتوزيع الشخوص فى مراحل تطور وبناء العمل، واعتمد على فنية العرض والتحليل للصفات والسمات، فكانت الشخصية فى نفسها علامة وسمة بارزة تطفو فوق بقية العناصر، التى جاءت تابعة لعملية التشخيص.
ولم تكن الشخوص برغم تقليدية القص والاعتماد على استلهام الخيال الجاهز والفكرة الراسخة فى الوجدان، ذات بناء أحادى ينتهى أثره بانتهاء الموقف أو تلاشى الشخصية، وإنما جاءت مركبة تركيبًا فنيًا ورمزيًا، يؤدى وظائف تأثيرية متعددة الجوانب والاتجاهات، مما أوجد تيارًا تعبيرىًا يناهض فكرة التقليد التى قامت عليها الرواية، من حيث الإشارة الصريحة إلى معالجة الظلم والحقد بين الأشقاء، فى محاولة لتوظيف جوهر دلالات النص القرآنى فى سورة يوسف عليه السلام، مع اختلاف يسير فى خطة القص وسير الأحداث وتطورها، وانتقالها من فضاء إلى فضاء آخر.
وجاء التشخيص متتابعًا فى العرض والتناول، يحاكى كثيرًا من دلالات واقع الرواية ويتعانق مع دلالات المكان وعمليات الانتماء والبحث عن المصير، الذى ينتظر البطل الذى لايملك من أمره شيئًا، فزمن الرواية هو العصر المملوكى، بما يحمل من سمات تتفق مع منطق الأحداث ومسيرة السرد، فى إشارة واضحة إلى فقد الأمان وسيطرة الفساد وانتشار الظلم بين الناس.
وجاء المكان مباشرًا عامًا له خصوصية الوصف والتوظيف الرمزى، وكان مناسبًا لحركة الشخوص الخارجية، ومنطق النص الذى يعتمد على تنظيم الدلالات الوجدانية العاطفية الصريحة، كالظلم والقهر والحقد والعداء فى مقابل الحب والشغف بالمحبوب المفقود، وشكل عدة فضاءات خارجية عامة، كانت موازية لتطور الشخصية وانتقالها من مرحلة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر دون ارتباط حقيقى أو دلالى، وشمل المكان أجزاء من منطقة الصعيد والقاهرة "المحروسة" والأهرامات والمبانى وما يدور فى هذا الفلك.
وكان الوصف لصفات المكان ممثلاً فى وصف المدن، وما بها من شرح وتفسير لأجزاء المحروسة من حوارى وأبواب وشخوص مرتبطة بالمكان، دلالة واضحة على تحول الواقع وإشارة إلى انتقالات الشخصية، وجاء فى معظمه مواكبا لحركة النص ومعبرًا عن العصر الذى تجسده الرواية، وفى مناطق ليست قليلة كان للمكان تأثير فى بناء الشخصية ورسم حالتها النفسية خاصة فى شخصية "فيض - وإسماعيل"، وأظهر كثيرًا من الصراع الذى ساعد فى تشخيصه وجود الفضاء العام محاطًا بنماذج مشخصة، ذات أوصاف عجيبة وخارجة عن نطاق المشهد التعبيرى، لكنها ساعدت فى توظيف الصفة وتأكيد حركة النص خاصة فى الأماكن التى اشتد فيها الصراع مع سرعة النص وتدفق النص وتدفق أحداثه.
كذلك من الدلالات التى استعان بها الكاتب فى تأكيد معاناة الشخصية رمزية الصحراء، وما تعنيه من قسوة وجسارة تتطلب ساكنيها، وقد نسب لها العربان كبيئة مناسبة للفعل القصصى، وبجانب الصحراء رأينا النيل والحضر وبعض المدن المعروفة، وما تعلق بها من شخوص ناتجة عن تصارع هذه البيئات التى جاءت كأماكن تظهر فى حيز النص بسمتها وجغرافيتها، حيث ساعدت فى توضيح الشخصية وكشف صراعها ومواقفها تجاه بقية الشخوص.
واعتمد النص فى معالجته لفكرة التشخيص على تباين الدلالات بين الشخوص، من خلال عرض السمات المتناقضة، وحشد الشخصية بمعارف وأفكار تبدو منطقية لحركتها فى النص، لكنها فى عمومها تتسم بالسلبية المفرطة، نظرا لتوجه الكاتب فى تبنى وجهة نظره وانعكاسها على الشخوص، فلم تعتمد على فكرة المواجهة التى تفرز الخصائص والأفكار.
فكانت رغم تراثيتها وجاهزيتها وجلبها من أزمان متفاوتة قدمًا تسمح بتوظيف المدهش والعجيب إلى حد ما، لم تكن قادرة على الانتقال الذاتى بين النص، مما اضطر السرد إلى خلق أحداث تمد الشخوص بمزيد من التحول دون صراع ذاتى ناتج عن سمات الشخصية إلا فى القليل جدًا، ولم يخفف ذلك من كون الشخصية أداة تتحرك بواسطة داخل فضاء النص.
ويمكن استخلاص نتيجة عامة من ذلك، وهى أن التشخيص فى النص اعتمد على فكرة الأداء التمثيلى، وإظهار الشخوص فى صور متعارف عليها،، حتى تقترب من واقعية العصر، وتتفق مع فكرته المتوارثة، وتبدو مجردة من الحركة الذهنية وكأنها أفكار تسجل وقائع وأحداث يتم إسقاطها مباشرة على الحياة والواقع الإنسانى، فى ذلك الزمان الذى يعز فيه الانتماء، كما يحاول النص رصد هذه الدلالة ونسبها للعصر المملوكى.
ورغم انتماء النص لعصر المماليك إلا أن فكرة التراثية وهيمنتها على الشخوص، بصفتها تنتمى لهذا العصر لم نجد لها أثرًا كبيرًا على الشخوص الرئيسية، فلم تكن هناك شخصية يمكن أن تقدم لنا أوصاف الشخصية المصرية، وتأثرها بالصفات والسمات التى كانت سائدة فى الحقبة المملوكية، إلا فى بعض المواقف التى تظهر سلوكُا خاصًا يؤكد فكرة النص النقدية للعصر، أو مملوكًا فى صورة خاصة لتأكيد جدلية الظلم والقهر وانتصار الحق بطريقة تقليدية فقط، مما يدل على اهتمام النص بفكرة التنظير للمعنى العام، دون استخدام وسائل وطرق التشخيص المعروفة.