الزمان
جريدة الزمان

بضياع سوريا تسقط الأمة العربية

-

من الخطأ أن نعتقد أن عالمنا العربى يمر بأزمة عابرة أو يعيش صراعات مآلها إلى الحل على المستوى القريب... وأخشى ألا يكون كذلك على المستوى البعيد..

فالشواهد والأحداث تكاد تنطق بكارثة شبه محققة تلف عالمنا جميعا..

فالأمر تجاوز أن يكون خريطة تشهد تغيرات عديدة أو خلافات من السهل العمل على حلها أو حتى نزاعات من الممكن الحد منها وفكها..

وإذا كان المستعمر قد نجح فى فترات متعاقبة أن يمزق عرى الأمة العربية.. ويحول دون تماسكها ووحدتها.. لتصبح أشتاتا ممزقة وكيانات صغيرة ودويلات من الممكن السيطرة عليها... فقد جاء الوقت ليذوق ثمرة عمله... ويحظى بالنتيجة التى مهد لها بصورة دقيقة للغاية...

ولعل مأساة سوريا التى عجز العالم أجمع عن حلها هو أكبر دليل على ذلك.... فقد تعقدت الأمور بشكل يفوق الخيال... وطاشت معه العقول... وغابت عنه الحكمة... وبدأت طبول الحرب العالمية الثالثة تدق على الأبواب... وعاد شبح الحروب الباردة .. يطل على الدنيا من جديد ...

فقد اجتمع أوباما مع الأمن القومى الأمريكى لبحث الأزمة العنيفة التى تعيشها سوريا.... كما التقى مسئولون من عدة دول منها بالطبع أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا فى برلين لبحث نفس الموضوع...

ويبدو أن الاتجاه السائد والمناقشات تدور حول شن غارات على قوات النظام السورى وربما يوافق أوباما على تنفيذ ضربات ضد النظام السوري...

حتى أنه قيل أن المزاج العام للقيادة الأمريكية السياسية والعسكرية يتجه إلى ضرورة توجيه ضربات عسكرية لتدمير مطارات الأسد ... ردا على جرائمه كل ذلك بعد تعليق التعاون الثنائى بين أمريكا وروسيا وتراجع أمريكا عن الإنفاق الذى تم التوصل إليه بخصوص سوريا...

بل امتد الأمر إلى مستوى دفع الاتجاه الأمريكى إلى التصريح بأن روسيا لم تكن طرفا جديرا بالثقة طوال المباحثات الثنائية حول سوريا وبدأت نبرة التشكيك فى نية روسيا الحقيقية فى حل الأزمة السورية تظهر بوضوح لدى أمريكا...

بل ازدادت المشكلة تعقيدا باتهام صريح من أمريكا بعدم وفاء روسيا بالتزامتها بموجب الاتفاق المبرم فى ٩ سبتمبر من العام الماضى الذى يقتضى وقف أعمال العنف والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية...

لذلك أخذت الأزمة بعدا أعمق ومنحى لا يُبشر مطلقا بالخير وآن له أن يبشر بالخير... وقد بدأ التفكير فى المسألة بشكل مختلف من فتح مسارات جديدة فى التعامل مع الأزمة على المستوى الدبلوماسى والعسكرى والاقتصادى والاستخباراتي...

ولهذا فقد تم طرح فرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو ودمشق من قبل أمريكا بل وعلى مستوى عالمي... هكذا باتت التصريحات الأمريكية تتوعد موسكو..

وفى المقابل بدأت روسيا تنشر صواريخ إس ٣٠٠ فى سوريا بمدينة طوطوس.. وتعلن أنها لدواع دفاعية فقط..

ويبقى السؤال المحير فى خضم هذه المساجلات التى استرعت انتباه العالم ...

أين الجامعة العربية من هذه الأزمة المزلزلة للدنيا بأسرها؟؟!!!....

لقد خرجت الأمور من يدها.... بل وفاقت قدراتها ... وهناك حقيقة ينبغى علينا جميعا أن نعترف بها .. فمنذ بداية الأزمة والتى تجاوزت السنة الرابعة.... فإن الجامعة حاولت أن تحافظ على الدولة السورية ومؤسساتها من الانهيار....

كما سعت لحل سياسى شامل للأزمة ولكن هيهات لهذه الأمانى البعيدة أن تتحقق فى أزمة أصبحت تراهن عليها روسيا وتعاقب بها أمريكا...

إن سوريا قد بلغت مستوى من الانحدار والانهيار والتدمير والخراب والهلاك لا يوصف.... وإننى لأتعجب لهذه الصور والمشاهد التى تأتينا من هناك لبيوت تتهدم وبنية تحتية تُزال ولشعب يموت جوعا وضربا .. ولأطفال تشوه وتبلغ صرخاتها عنان السماء ...

ولا يتحرك لها ساكن بل على العكس يقف المرء مذهولا من الحالة التى وصلنا إليها فى التعاطى للأزمة السورية...

كل ذلك يرجع فى نظرى إلى أمر واحد وواضح وهو أن سمحنا للآخرين أن يقودوا أمرنا وأن يتحكموا فى مصيرنا....

سمحنا لهم أن نكون عالة عليهم وساحة لهم يجربون فيها أسلحتهم .. ويفرغون طاقاتهم السلبية...

إن سوريا تئن ولا تكاد الأمة تسمع أنينها .. أو تشاهد لهيبها ... إلى متى ستصبح سوريا على هذا النحو ؟؟!!... ولصالح من !!!!...

ونجيب على هذين السؤالين..... أما إلى متى فقد بلغ التعقيد بالأزمة حدا لا يسمح لروسيا أن تخرج من سوريا بل ستتخذ من سوريا ذريعة لمحاولة إعادة المجد القديم والقوة التى يخشى بأسها وإثبات الوجود ولو على حساب الشعب السوري....

أضف إلى ذلك المصالح التى تراها روسيا فى سوريا وهى كثيرة ومتعددة تجارية واقتصادية وعسكرية تعود على روسيا بالنفع فى مختلف المجالات...

إن الحرب فى سوريا فرصة لروسيا فى إعادة موازين القوى فى العالم وإنذار على يد محضر بأن روسيا مازالت قادرة على الصمود فضلا على المواجهة بدليل أن أمريكا قد استوعبت هذا المعنى وبدأت تتعامل معه بجدية ستكشف عنها الأيام القليلة المقبلة...

أما لصالح من ؟ فللأسف ستعود هذه الحرب بالنفع على إيران التى ساهمت فى تخريب العراق وغيرت من خريطة وها هى تساهم فى تدمير سوريا لتحقق حلمها بالتوسع والاختراق للعالم السني...

إن الامبراطورية الفارسية التى تحلم بها إيران أخشى أن تكون قد اقتربت من أن تتحول إلى واقع...

هل يعقل أن ما يزيد عن ربع مليون نسمة فى شرق حلب يرغبون فى الرحيل عنها أى ما يعادل نصف سكان هذه المنطقة؟؟!!!...

لصالح من سوى أنهم سنة وتريد بمقتضى مصالحها المتعددة مع روسيا أن تصبح سوريا قبضتها... لذلك تقول التقارير الدولية إن مستوى الجرائم التى تحدث هناك قد ارتفع إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية... كيف لا؟؟؟.. وتستخدم فيها الأسلحة المحرقة والمحرمة دوليا دونما تمييز وخاصة فى الأماكن والمناطق كثيفة السكان...

ولا يعنى إيران حالة الشعب السورى سواء فى داخل سوريا أو فى الخارج من تشريد وتهجير فضلا على القتل والدمار والتخريب الذى يعيش فيه..

وإذا كان التدخل الدولى ليس مأمون العواقب بدليل الموقف المتأزم بين أمريكا وروسيا هذه الأيام فإن الموقف الإيرانى شديد العداء للعالم العربى يحتاج إلى كثير من المواجهة الحاسمة والحازمة...

أيرضى العالم الإسلامى السنى بتصريح نصر الله «الكلمة فى سوريا للميدان»...

هذا التصريح أيها السادة يلخص بدقة طبيعة الموقف وضرورة إعادة النظر فيه بالكلية ...

وإذا كانت روسيا تطالب أمريكا بالتحلى بالحكمة السياسية وأن تواصل الاتصالات معها فى المجالات الحساسة جدا والضرورية لصيانة السلام... فأولى بهذا الكلام بالنسبة لنا إيران التى تحتاج إلى نصيحة على هذا النحو ويزيد ويزيد...

إن أزمة سوريا فى نظرى لن تحل مادام رحاها يدار بين أمريكا وروسيا...

وإنما لن يخفف معاناة هذا الشعب الذى سلبت فيه كل شىء إلا أبناء العروبة لذلك يجب أن تتحرك الجامعة العربية لتعلن عن نفسها وعن رفضها لهذه الضربات القاسمة من العنف الذى يلاقيه الشعب السورى كل لحظة...

إن الجامعة العربية بحاجة إلى تبنى أجندة سياسية مستقلة تنطلق من العروبة والإسلام لحل هذه المشكلة...

إن الجامعة العربية فى حاجة ماسة لمبادرة جديدة بعيدة عن أطراف الصراع لتستطيع أن تصل إلى حل...

المسألة تفوق بكثير وجود الأسد من عدمه ... تتجاوز بمسافات المعارضة بطبيعتها وانتماءاها...

إنما تخص شعب تفاقمت فيه الأوضاع الإنسانية لمستوى ينذر بشر محدق على عالمنا العربى والسوري..

فيا أمة العرب سوريا أمانة فى أعناقكم فلا تدعوها تضيع من بين أيديكم...

فبضياع سوريا تسقط الأمة العربية ..