الزمان
جريدة الزمان

خير أجناد الأرض

قصص أبطال القوات الجوية فى حرب أكتوبر

منى عيسوي -

الضربة الأولى من قواتنا الجوية أفقدت إسرائيل توازنها وأصبحت حربنا تسمى حرب الـ6 ساعات، فى 6 ساعات فقط فقدت القوات الإسرائيلية توازنها، لا بد أن نعترف بالجدارة التى قامت بها قواتنا الجوية فى الضربة الأولى ومهدت لهذا الانتصار الرائع"، كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن انتصار أكتوبر 1973.

كلمة الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك عام 1973:

أدعت إسرائيل كثيرا عن التفوق الجوى لها وأن ذراعها طويلة وتستطيع أن تطول أية هدف داخل مصر، لذلك عندما وضعنا خطة العمليات التى شاركت فيها القوات الجوية، كان من ضمن أهدافنا إثبات أنه من الممكن قطع ذراع إسرائيل الطويلة، خططنا تخطيط القوات الجوية ضمن تخطيط القوات المسلحة تخطيطا مصريا كاملا وصميما، وبدأت القوات الجوية الحرب مع باقى القوات المسلحة وبدأت بالضربة الجوية المركزة والتى كان لها أثر كبير جدا فى العملية وبدأت يوم 6 أكتوبر وعبرت أكثر من 220 طائرة قناة السويس الساعة 2 بعد الظهر تماماً، هاجمنا جميع مطارات العدو فى سيناء ومراكز القيادة ودمرنا 95%، وحدث ارتباك فى القيادة الإسرائيلية وشُلت فاعلية صواريخهم التى على طول القنال ومراكز القيادة، وبذلك بدأت قواتنا العبور بكفاءة ونجاح واحتلت شرق القنال، خسائر القوات الجوية لا تزيد عن 1 أو 2%، وهى نتيجة لم يكن أحد يتوقعها سواء من عدو أو صديق، بعد الضربة الجوية كان للقوات الجوية مهام كثيرة، ويكفينا فخرا أن يد إسرائيل لم تصل لعمق أهداف داخل الدولة.

معركة المنصورة:

كان للقوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر قصص وبطولات وتضحيات عديدة فلم يكن لهم خلال المعركة هدف سوى إسقاط طائرات العدو أرضاً ونفذوا ضرباتهم بكل كفاءة واقتدار منذ بداية الحرب وبعدها وتحديداً يوم 14 أكتوبر الذى اتخذ عيداً للقوات الجوية وفقا لتاريخ معركة المنصورة، التى شهد لها العدو قبل الصديق، بأنها أقوى المعارك.

فى هذا اليوم قام العدو بتنفيذ هجمة جوية على مطارات الدلتا بغرض التأثير على كفاءتها القتالية ليتمكن من استهداف باقى المناطق داخل مصر، ومنع الطائرات من التدخل ضد قواته بعد الخسائر الهائلة التى تكبدها بعد يوم 6 أكتوبر 1973، ولكن كانت النتيجة أن قواتنا تصدت له من قاعدة المنصورة، وقاعدة أنشاص واستمرت الاشتباكات بشكل متواصل، أظهر فيها طيارونا مهارات عالية فى القتال الجوى واستمرت المعركة أكثر من 50 دقيقة، ووصفت هذه المعركة بأطول معركة جوية حيث تم إسقاط 18 طائرة للعدو رغم التفوق النوعى والعددى لطائراتهم، ولم يكن أمام باقى طائرات العدو إلا أن تلقى بحمولتها فى البحر ثم الفرار، ومن هنا تم اختيار هذا اليوم عيداً للقوات الجوية باعتباره من أهم المعارك الجوية خلال حرب 73.

أول طيار يواجه العدو فى معركة المنصورة:

قال اللواء طيار أركان حرب عبدالمنعم همام، إنه دائما يكون هناك طائرات فى الجو مستعدة تسمى "بحالات الاستعداد الجوى"، وتكون لها نقاط محددة لمناطق اقتراب العدو المحتملة فى هجماته على القوات، ويكون الطيار على علم من أين يأتى العدو من البحر، وكان التمركز فى المنصورة على البحر لغلق منافذ هجوم العدو منه، مشيرا إلى أنه فى هذا اليوم كان الرف عبارة عن 4 طائرات، وكان التوقيت الرابعة والنصف عصرا كانت الطائرات قد انتهت من فترة المظلات، وخلال العودة لقاعدة المنصورة ورد بلاغ بوصول طائرات معادية تقترب من الساحل الشمالى، لم يكن فى الطائرات إلا وقود العودة وليس الاشتباكات وهو المتبقى من فترة المظلة، وفى هذه اللحظة قائد اللواء أمرنا بسرعة النزول، وخلال رحلة النزول أبلغ الموجه الأرضى باقتراب طائرات العدو من المطار.

وتابع، لم يكن هناك مفر رغم عدم وجود وقود يكفى اشتباكنا، وكان معى قائد التشكيل قدرى عبدالحميد، وسيد أبوالنجا الجمال، وكنت قائد ثالث تشكيل، وكان معى عزمى عاشور رحمة الله عليه، انقسمنا كتشكيل إلى قسمين، قسم شرق المطار وقسم غرب المطار، مضيفاً، أنه أبلغ قائد التشكيل بالهجوم وأنه أمامهم مباشرتا، ورد القائد بأنه سيكون خلفهم، وتم الهجوم وكان قادة الطائرات المعادية يلقون القنابل فى أية مكان على جوانب ممر المطار ويهربون من شدة خوفهم أن نقتلهم، فى هذا التوقيت بدأ تشكيل آخر من الممر يتدخل وطارد طائرات العدو التى حاولت الهروب.

وأضاف اللواء همام، خلال عملية هبوطنا بعد استلام التشكيل، لم نستطع النزول على الممر بعد أن تضرر، أبلغونا أن نهبط فى "طنطا"، ولكن كان هناك أزمة عدم كفاية الوقود، واستخدمنا طريقة للطيران وهى الصعود إلى أعلى والهبوط تدريجيا لتقليل استخدام الوقود، وبالفعل هبطنا ولكن كانت آخر قطرة للوقود التى هبطنا بها.

الطيار شاكر فتح الله:

أحد أبطال معركة المنصورة الجوية، قال إن قاعدة المنصورة الجوية كانت مهمتها حماية منطقة الدلتا وسيناء وجزء من المياه الإقليمية، لافتا إلى أنه بعد الضربة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر 1973 وضرب الأهداف المعادية داخل سيناء لم يستطع العدو من محاولاته السابقة لمهاجمة أهدافنا داخل منطقة الدلتا والأهداف الحيوية الموجودة وفكر فى القيام بضربة جوية كبيرة لتدمير قاعدة المنصورة الجوية وإخراجها عن العمل.

وأضاف اللواء طيار أركان حرب، شاكر فتح الله، أن العدو الإسرائيلى حاول الهجوم على القاعدة الجوية فى المنصورة يوم 7 أكتوبر 1973 بواقع 8 طائرات، وتم اعتراضها قبل الدخول إلى منطقة حرم المطار ثم فكر فى الضرب من خلال أمواج متتالية من الطائرات الفانتوم وتم اعتراضها، مضيفاً، أن التشكيل كان مكونا من 4 طائرات، واستمرت المعركة من بداية دخولها إلى المجال الجوى المصرى رغم تكبده خسائر إلا أنه قرر الاستمرار فى الهجوم على قاعدة المنصورة الجوية فى محاولة لإخراجها عن العمل.

وتابع، كانت القوات المصرية تحارب بطائرات الميج 21، بينما العدو الإسرائيلى بـ الفانتوم، والفرق بينها أن الميج 21 فى القتال الجوى المتلاحم أفضل كثيرا من الفانتوم، بينما الفانتوم أفضل من الميج 21 فى الحمولة والتسليح وحمل القنابل لمواجهة أهداف أرضية، ومن المتعارف عليه فى عرف القتال الجوى، أن طائرات الفانتوم لا تدخل فى اشتباك مع الميج 21، ولكن العدو الإسرائيلى هاجم بالفانتوم وتكبد خسائر واستمر فى أمواج من التشكيلات رغم الخسائر نظراً إلى إصراره على تدمير قاعدة المنصورة ليتمكن من باقى الأهداف الموجودة.

ولفت إلى أن العدو استمر فى هجماته رغم ضرب بعض الطائرات له فوق مطار قويسنا واستمرت المعركة أكثر من 50 دقيقة يوم 14 أكتوبر 1973، معربا عن تقديره لدور المهندسين والموجهين خلال الحرب، حيث إن الطيار عندما يأتى له الأمر بالإقلاع ينفذ دون أن يعلم شيئا عن الطائرات المعادية ولكنه يستعين بالموجه فى قسم العمليات ويقوم بإبلاغ الطيار بالأهداف والوضع، ثم يقوم بإعطائه الاتجاه المناسب للدخول إلى الطائرة المعادية وتستمر البلاغات إلى أن يرصد قائد التشكيل أو الطيار الطائرة المعادية على الرادار ثم يقوم بإبلاغ الموجه ويدور الاشتباك.

وأوضح، فتح الله، أن من ضمن البطولات للمهندسين تجهيز الطائرات وإعادة الملء، ليس الوقود فقط ولكن التسليح أيضا، وصل الأمر إلى أن الطيارين كانوا يقومون بتجهيز الطائرات والإقلاع فى 7 دقائق، حيث استفادوا كثيرا من حرب الاستنزاف، من حيث أسلوب العمل والكفاءة ومحاولة عمل كمائن عدة مرات، والاستفادة من الاشتباكات، ولم تكن معركة المنصورة مفاجأة، لأن الطيارين بصفة مستمرة كانوا مسئولين عن الدفاع الجوى.

قصة الطيارين المنصورى ولطفى:

الطيار اللواء أحمد كمال المنصورى، نفذ 52 طلعة جوية فى 18 يوما، وصفه قادة دفاع الجيش الإسرائيلى بالطيار المصرى المجنون لخوضه أطول المعارك الجوية بالتاريخ فى حرب أكتوبر 1973، حين أسقط طائرة قائد سرب الطيران الإسرائيلى وهو على حافة نفاذ وقود طائرته، وعندما نفذ مناورة الموت على علو منخفض ليدمر طائرة إسرائيلية تلاحقه.

فى يوم 15 فبراير 1973 جاء أمر الإقلاع للطيارين أحمد المنصورى وحسن لطفى، لاعتراض 6 طائرات فانتوم عند منطقة السخنة والزعفرانة، وكانت النتيجة خوض أحد أكبر المعارك الجوية ومدتها 13 دقيقة رغم أن متوسط المعارك الجوية لا يتجاوز الـ3 دقائق، انطلق الطياران بطائرة ميج 21 بحمولة 4 صواريخ و400 طلقة ضد 6 طائرات فانتوم إسرائيلية تحمل 48 صاروخا و30 ألف طلقة وكل طائرة منهما تحمل طيارين الأول مهمته القيادة الجوية والثانى التصويب وإطلاق الصواريخ.

بدأت الاشتباكات وتمكن المنصورى خلال الـ30 ثانية الأولى من إسقاط قائد السرب الإسرائيلى الذى كان يقوم بالاستطلاع وكان هذا سببا لفتح وابل من الرصاص الإسرائيلى على الطيارين المصريين اللذين قاتلا بشراسة حتى نفدت صواريخهما ووقود الطائرين وكان الموت بانتظارهما.

تمت محادثات بين المنصورى ولطفى حول خيارين الأول الهبوط فى طريق صحراوى أو الاصطدام بالطائرات الإسرائيلية لإسقاطها، لم يتمكن لطفى من الهبوط فى الطريق الصحراوى واتخذ قراره ليتحول إلى صاروخ ليدمر أهداف العدو، وتوجه إلى إحدى طائرات العدو وفجرها بطائرته ويستشهد لطفى، أما المنصورى بعد استشهاد لطفى كان لدى المنصورى وقود يكفيه لمدة 30 ثانية فقط وقرر الهبوط على شاطئ البحر عند فنار الزعفرانة، على طريق دقيق لا يتجاوز عرضه 8 أمتار وطوله 150 مترا بينما ممر الطائرات عرضه 100 متر وطوله 4500 متر، لمست طائرته خلال الهبوط الأرض وسرعته 400 كيلو فى الساعة، حاولت طائرة إسرائيلية الاقتراب منه لقتله أو لأسره لكن المضادات المصرية أوقفته على الفور.

لم تنتهِ مهمة المنصورى بعد ابتعاد الإسرائيليين فعندما لجأ لكتيبة تابعة للواء المشاة الميكانيكى اعتقدوا أنه طيار إسرائيلى سقطت طائرته فانهالوا عليه الجنود ضربا قبل أن يكتشفوا أنه طيار مصرى.

المنصورى ومناورة الموت الأخيرة

فى الساعات الأولى من حرب أكتوبر 1973 عندما كان المنصورى يحلق بطائرته رقم 8040 فوجئ بطائرة إسرائيلية تحلق خلفه وتوجه مدافعها وصواريخها إلى طائرته، قرر المنصورى القيام بمناورة الموت الأخيرة وهى محاولة يلجأ إليها الطيار حينما يواجه الموت المحقق شرط أن يكون على ارتفاع 6000 قدم لضمان نجاحها، ورغم أن طائرة المنصورى كانت تحلق على ارتفاع 300 قدم ولكنه وجه مقدمتها إلى الأسفل لترتفع بأقصى سرعة إلى الأرض ومع ظهور هالة من الأتربة اعتقد الطيار الإسرائيلى أن الطائرة دمرت ولكنه فوجئ أن طائرة المنصورى تعود إلى السماء بعد أن كادت تلامس الأرض ليجد المنصورى الطيار الإسرائيلى أمامه وجها لوجه ليسقطه بصاروخ أنهى المعركة الجوية.

بعد انتشار قصص المنصورى المتهورة أطلقوا عليه لقب المجنون وأنتجت إسرائيل فيلم "الطيار المصرى المجنون" مسلطة الضوء على تهور وشجاعة الطيار المنصورى.