المنسى.. قائد الشهداء أرعب الإرهابيين وعشقه المصريين
البطل الشهيد المنسى أيقونة الشجاعة والإنسانية، رغم أن اسمه "المنسى" إلا أن التاريخ خلده وأصبح مثلا يحتذى ويفتخر به كل مصرى، فهو لم يكن مجرد قائد كتيبة 103 فى الصاعقة المصرية، بل عُرف عنه التواضع والأخلاق العالية، ورغم أنه لم يكن يتحدث عن بطولاته العديدة خلال حياته ولكن بعد استشهاده أصبحت بطولاته قصصا تروى وتُذكر فى جميع المناسبات والأعياد، عقب استشهاده هو وعدد من أبطال القوات المسلحة بمنطقة البرث فى رفح عام 2017 وفى هذا الحادث تم تسجيل قصة جديدة من بطولات القوات المسلحة المصرية خلال مواجهتها الإرهابيين أعداء الدين والوطن، إلى أن سجل التاريخ يوم 7 يوليو 2017 قصة معركة دامية دارت بين المنسى ورفاقه ضد مجموعة من الإرهابيين استمرت منذ فجر يوم 7 يوليو، حتى الساعات الأولى من الصباح، واجهوا فيها سيارات مفخخة وأسلحة متطورة مختلفة بحوزة العناصر الإرهابية.
حياة الشهيد
ولد العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى، فى مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية عام الرابع من أكتوبر من عام 1978 والتحق بالكلية الحربية، وتخرج منها ضمن الدفعة 92 حربية، ثم التحق بوحدات الصاعقة، وخدم الشهيد لفترة طويلة فى الوحدة 999 قتال وهى وحدة العمليات الخاصة للصاعقة المصرية التابعة للقوات المسلحة.
عام 2001 شارك المنسى فى أول دورة للقوات الخاصة المعروفة باسم الـ "SEAL"ثم سافر بعدها للحصول على نفس الدورة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006، وحصل البطل الشهيد على ماجستير العلوم العسكرية وفى "دورة أركان حرب" من كلية القادة والأركان، ثم تولى بعدها بقيادة الكتيبة "103" صاعقة خلفًا للشهيد العقيد رامى حسنين الذى استشهد فى شهر أكتوبر عام 2016، عُرف عنه بالانضباط العسكرى وحسن الخلق من الجميع وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.
خدمته فى سيناء
طوال فترة خدمته فى سيناء عرف عنه أنه لا يخشى شيئا ولا حتى تهديدات الإرهابيين والتكفيريين التى كان يتلقاها، ومن أجل إيمانه بوطنه لم يأخذ بعين الاعتبار كل المحاولات التى كانت تحدُث من أجل قتله، بل كان من أولى أهدافه حماية مصر وشعبها، نشبت عداوة وكراهية كبيرة بينه وبين الإرهابيين فى سيناء منذ بداية خدمته حتى استشهاده.
"أنا المنسى"
قال عنه الرائد محمد وديع، صديق المنسى، إنه فى أول عملية قادها "منسى" فى سيناء، قتل مجموعة من التكفيريين، وبعد انتهاء المعركة التقط منسى أحد أجهزة اللاسلكى الخاصة بالتكفيريين الملقاة على الأرض بينما يسمعون بثه، وهتف به متوعدا لهم مفصحا عن اسمه "وقال لهم أنا المقدم أحمد منسى، جتلكم يا كلاب".
كما وصف الرائد وديع، تعامل المنسى مع الخدمة العسكرية أنها كانت من منطلق "البطولة والشهادة" ورغم مؤهلاته الكبيرة لم يطمح فى منصب.
كما ذكر زملاء الشهيد المنسى عن اهتمامه بالجوانب الإنسانية لجنوده وكان يضرب به المثل فى التواضع والبساطة، وكان دائما "كتفه فى كتف رجاله"، الأمر الذى ترك فى نفوسهم سمات البطل الذين أرادوا أن يصبحوا مثله.
المنسى والرفاعى
نشأت بين المنسى والشهيد إبراهيم الرفاعى، شهيد حرب أكتوبر من أبطال الصاعقة، علاقة خاصة حيث تأثر المنسى ببطولات القائد "الرفاعى"، وكان فى ذلك الوقت طالبًا يدرس تاريخ الرفاعى بإتقان وعشق أسلوبه فى القتال، وكان يواظب على زيارة قبر الرفاعى عندما كان يشعر بالانزعاج أو الحزن حيث كان يجلس بجوار القبر ويشتكى للرفاعى ويتحدث معه، مفضفضا عما يدور فى عقله وقلبه من مواضيع، ورغم أن المنسى الذى ولد بعد 5 سنوات من تاريخ استشهاد الرفاعى الذى كان فى 19 أكتوبر 1973، ولكنه لم يمنع حب المنسى وإعجابه ببطولات مثله الأعلى فى الصاعقة، حيث كان يرى فيه رمزا للبطولة وقائدا استشهد وهو يحارب العدو فى حرب أكتوبر العظيمة.
كان المنسى دائما مهموما بالأزمات والأحداث التى خاضتها مصر قبل استشهاده وتحديدا بعد انتشار العمليات الإرهابية فى الفترة التى خدم فيها، لدرجة أن زوجته عندما ذهبت بعد استشهاده لإلقاء النظرة الأخيرة عليه قالت له: "متقلقش على مصر، هتبقى كويسة عشان أنت ترتاح"، وقال هذا أصدقاء المنسى ممن كانوا موجودين فى الثلاجة مكان احتفاظ الجثمان، اختارت الزوجة هذه الكلمات لأنها تعلم مدى قلق زوجها الشديد على البلد ولم تختار أن تطمئنه على أطفالهم بل كانت تعلم مدى تعلقه بالبلد وقلقه عليها.
المنسى الإنسان
عُرف عن المنسى العديد من المواقف الإنسانية بين جيرانه وأصدقائه وجنوده ومع أى فرد كان يحتاج لمساعدته، فكان يقدم المساعدة لأى إنسان محتاج، ففى نطاق عمله كان قائداً ودودًا للغاية مع ضباطه وجنوده وكان يتعامل معهم كالأخ وليس القائد الذى يعطى أوامره، الأمر الذى ساهم فى خلق حالة إنسانية داخل كتيبته وأصبح الجميع يعمل على قلب رجُل واحد، فضلا عن أنه كان يقوم بزيارة الضباط والجنود فى مدنهم وقُراهم ليطمئن على أحوالهم.
وذكرت زوجة الشهيد منار فى إحدى الندوات التثقيفية الخاصة بالقوات المسلحة عنه أنه عندما كان يرى سيدة ومعها أطفال، كان يقوم بتوصيلهم إلى باب المنزل الخاص بهم، كما أنه لم يبخل على أحد سواء كانت مساعدات مادية أو معيشية أو نفسية، فى حالة فريدة نادرا ما توجد فى هذا الزمان.
كما عُرفت علاقته بأهالى شمال سيناء أنها ذات طبيعة خاصة، وكان يلتقى بأهالى وعواقل وشيوخ القرى والمناطق فى مدن العريش والشيخ زويد ورفح ويتعامل معهم باحترام وتقدير، كما كان يرسل مطالبهم إلى القيادة للعمل على حلها، لذلك أحبه العرب والبدو فى سيناء وكانت له علاقات قوية وتعتمد على الثقة المتبادلة بينه وبين شيوخ القبائل.
وعن علاقته بأطفال سيناء كان للمنسى العديد من المواقف التى تُذكر حيث كان يقوم بزيارتهم فى مدارسهم، ويروى لهم بعض القصص الوطنية عن سيناء والجيش المصرى فى أوقات راحته، كما كان يقوم بشراء الهدايا لهم، الأمر الذى خلق حالة فريدة بين الأطفال والطلبة، ونجح فى توضيح الكثير من الأمور التى كانت غائبة عنهم.
منطقة البرث
تُعد منطقة البرث أحد المناطق الاستراتيجية الواقعة فى مدينة رفح، وطبيعة مهامها تتركز على قطع الدعم اللوجستى عن العناصر الإرهابية والتكفيرية، ويعيش فى المنطقة قبائل الترابين والسواركة والرميلات، كان مهمة الشهيد العقيد أركان حرب أحمد منسى، فى هذه المنطقة القيام بعمليات لمكافحة النشاط الإرهابى والتكفيرى، والبؤر الإرهابية والتكفيرية، بمدينة رفح وكذلك الشيخ زويد، وخلال تنفيذه إحدى المهمات، فى منطقة "البرث"، بمدينة رفح بشمال سيناء، فجر 7 يوليو من عام 2017، اقتحمت "سيارة مفخخة"، كانت مدرعة تدريعا عاليا جدا، "حاجز أمنى"، قبل قوة تمركز كتيبة المنسى ورفاقه، وذلك بهدف تشتيت قوات الأمن، وقيام العناصر الإرهابية، باستهداف الشهيد أحمد المنسى، وأبطال القوات المسلحة المتواجدين معه، استخدم الإرهابيين السيارات المفخخة لاختراق الحواجز والتحصينات المحيطة بالتمركزات المستهدفة.
من خلال إحداث موجة انفجارية هائلة، تركز على هدم الموقع الذى كان يتمركز فيه الشهيد العقيد أركان حرب أحمد المنسى ورفاقه، والهجوم عليه من عدة جهات مدروسة عبر قذائف الهأون والـ"آر بى جى"، فى ظل عجز العناصر الإرهابية عن المواجهة المباشرة مع القوات المتمركزة، تعامل أبطال القوات المسلحة مع السيارة المفخخة دون خوف، لكن لشدة تدريع السيارة المفخخة، انفجرت قرب الكمين، ثم بعد لحظات كان هناك عدد من سيارات الدفع الرباعى، مُحملة بالعشرات من العناصر الإرهابية والتكفيرية، مُحملين بالأسلحة المختلفة، طوقوا التمركز الأمنى بالكامل، وقاموا بالاشتباك مع عناصر القوات المسلحة المُتمركزة، حاول عشرات الإرهابيين احتلال التمركز الأمنى، بينما أبطال القوات المسلحة تصدوا لهم ودارت معركة شرسة استمرت فترة طويلة، أظهر فيها أبطال الجيش ملحمة بطولية فى هذا اليوم، وقاتلوا وردوا على الهجوم الإرهابى بكل قوة وشجاعة وثبات وقد جاءت قوات الدعم إلى أبطال الكتيبة 103 صاعقة فى منطقة البرث وخلال مجىء قوة الدعم، كان قد تم قتل عشرات التكفيريين على يد الشهيد العقيد أركان حرب أحمد المنسى وأبطاله من ضباط وجنود القوات المسلحة.
استشهاده
ظل البطل أحمد منسى يطلق الرصاص من فوق سطح المبنى للدفاع عن التمركز الخاص به مدافعا عن باقى زملائه من الضباط والجنود بعدما تم محاصرته من قبل العناصر الإرهابية، استشهد نتيجة إصابته بطلقة رصاصة، ليسجل التاريخ أعظم قصة استشهاد خاضها المنسى ورفاقه ممن استشهدوا معه.
تكريم المنسى
سجل اسمه على الكوبرى العام الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الكوبرى الذى يربط قناة السويس القديمة والجديدة، ببعضهما البعض، ويقع بمنطقة نمرة 6 بمدينة الإسماعيلية.
وتم تكريم أسرة منسى وزوجته فى الندوة التثقيفية التى أقامتها القوات المسلحة، تقديرًا وعرفانًا للبطولات التى قام بها لخدمة الوطن.
كما تم إطلاق اسمه على عدد من المدارس بمحافظة الشرقية، كما تم افتتاح نصب تذكارى له فى محافظة الشرقية.
وتم عرض مسلسل الاختيار الذى روى قصة المنسى ورفاقه من أبطال القوات المسلحة ليعرف العالم البطولات التى قاموا بها واستشهدوا من أجلها.
شهداء ملحمة البرث
محمد رجب السيد عبدالفتاح
وهو من مواليد قرية شفا التابعة لمركز بسيون بالغربية، وكانت قد اقتربت خدمته العسكرية من الانتهاء، بينما أرادت الأقدار أن يقدم بطولة كبيرة فى معركة البرث فى رفح وتوفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
النقيب أحمد الشبراوى
ولد أحمد الشبراوى بقرية الشبروين بمدينة الزقازيق فى محافظة الشرقية، عمره ثلاثين عاما، وكان متزوجًا ولديه طفل، وقام الشهيد بزيارة أسرته قبل استشهاده بـ10 أيام، خدم الشبراوى فى رفح 4 سنوات، وعاد للخدمة فى العريش منذ 3 سنوات، وتوفى الشهيد فى البرث، دفن جثمان الشهيد بمسقط رأسه بقرية الشبروين.
الملازم أحمد شاهين
ولد أحمد محمد حسين شاهين بمدينة الخضر منوف التابعة لمحافظة الفيوم عام 1994، تخرج من الدفعة 110 حربية، ولكنه طلب العمل فى سيناء، تم نقله إلى سيناء وتوفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
النقيب خالد المغربى
ولد النقيب خالد محمد كمال حسين المغربى، فى 5 ديسمبر 1992، بمدينة طوخ التابعة لمحافظة القليوبية، التحق بالكلية الحربية وتخرج ضمن الدفعة 108 حربية، وعقب تخرجه فى الكلية التحق بوحدات الصاعقة، ولقب بـ"الدبابة"، نظرا لأنه ذو بنية قوية، استشهد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
محمد صلاح
ولد النقيب محمد صلاح محمد، بقرية نزلة عبدالله بمحافظة أسيوط، تخرج من الكلية الحربية سلاح المدفعية، والتحق بالكتيبة 83 صاعقة، وهو متزوج، وتوفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
أحمد العربى
ولد أحمد العربى مصطفى بمركز الزرقاء، بمحافظة دمياط، وهو الابن الأكبر لأسرته، عُرف بابتسامته التى لا تفارق وجهه، فضلا عن حبه لتحمل المسئولية، توفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
محمد محسن
ولد المجند محمد محمود محسن، بقرية كفر النعيم، التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، كان يبلغ من العمر 22 عاما، وقع اختياره ضمن سلاح الصاعقة، وانضم إلى الكتيبة 103 صاعقة بمنطقة جنوب رفح، وتوفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
مؤمن رزق
ولد مؤمن رزق أبواليزيد بنجع "حمد سليمان" التابع لقرية جزيرة محروس، بدائرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج، عمره 22 عاما التحق بالقوات المسلحة قبل استشهاده بـ6 أشهر، وتوفى فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
فرج محمود
ولد المجند فرج محمود فى قرية "أبوغرير" التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، ويبلغ من العمر 22 عاما، شارك فى معظم المداهمات التى استهدفت العناصر الإرهابية، وتوفى الشهيد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.
على السيد
ولد الشهيد على على السيد، فى قرية الدغايدة، بمركز الجمالية بمحافظة الدقهلية، واستشهد بمعركة البرث، بعد أن قاتل وأسقط بسلاحه عدد كبير من التكفيريين وهو مصاب فى قدمه واستمر فى قتاله لآخر لحظة حتى استشهد.
محمد رمضان
من مواليد قرية قسطا بكفر الزيات بمحافظة الغربية، وكان الأكبر فى أشقائه وطلب التطوع فى الجيش لأنه ليس له خدمة عسكرية نظرا لوجود شقيقتين له، وكان دائما يفتخر بالزى العسكرى، استشهد فى ملحمة البرث برفح فى يوليو 2017.