مصر تقهر السلاح الصامت
خلال حروب الجيل الأول والثانى والثالث كانت تُدار الحروب بالجيوش، وتلتقى الخصوم والأعداء فى ميدان المعركة بشكل نزيه، بينما اختلف الأمر فى حرب الجيل الرابع، حيث بدأت الدول الخوض فى حرب مختلفة تعتمد على طرق جديدة غير مكلفة وأكثر تأثيراً بهدف تدمير الدولة المعادية أو المستهدفة، هذا النوع من الحروب يستخدم أسلوب نشر الخوف والهلع والكآبة والشائعات والأكاذيب، ومثال على ذلك الحرب غير التقليدية التى قامت بها أمريكا ضد الدول العربية مثل استغلال الضعف السياسى والعسكرى والاقتصادى والحالة النفسية للقوة المعادية وتطوير ودعم المقاومة من أجل الوصول إلى خطة الشرق الأوسط الكبير.
قال جون كينيدى: "هناك نوع آخر من الحروب، جديدة من حيث القوة، قديمة من حيث الأصول حروب يشنّها أفراد العصابات والمخربون والمتمردون والقتلة، حربٌ من خلال كمين عوضاً عن القتال، من خلال التسلل عوضاً عن الهجوم، السعى إلى النصر من خلال تقويض العدو واستنزافه عوضاً عن العراك معه".
أكد اللواء هشام الحلبى، الخبير العسكرى والاستراتيجى، على أهمية دراسة ما تواجهه منطقة الشـرق الأوسط من شـكل جديد للحروب، لافتا إلى أن العدو يستهدف من خلاله إسقاط الدولة من الداخل بدلا من الحروب التقليدية وسقوط أى دولة عربية يؤثر بشـدة فى الأمن القومى العربى وفى استقرار المنطقة بأكملها، لذا فإن تناول هذا الموضوع بصورة علمية وأكاديمية يفيد فى التغلب على هذا التهديد لأن الفهم الصحيح لطبيعة العدائيات هـو البداية الحقيقية للنصـر.
وأضاف الخبير العسكرى والاستراتيجى، أنه قد تزايـد فى الآونة الأخيرة الاهتمـام بحـروب الجيـل الرابــع، الذى اتخذ شكلا جديدا واستحدث وسائل جديدة تزامنا مع التطور التكنولوجى المستمر خاصة فى مجال اتصال المعلومات، مشيرا إلى أن أهداف الهجوم فى حروب الجيل الرابع ليست عسكرية فقط ولكـن تمتـد إلى الجوانـب المجتمعية وتعتمد على إستراتيجية الهدم من الداخل وذلـك باسـتهداف المجتمـع المـدنى بكل مكوناته بدلا مـن الـدخول فى مواجهـة مسـلحة ضـد القـوات المسـلحة للدولـة.
وأشار اللواء الحلبى، إلى أن الجيل الأول للحروب اعتمد على تكتيكات ترتيب الجنود فى منوال يعتمد على الكثافة العددية لإنتاج أكبر قدر ممكن من النيران، بينما فى الجيـل الثـانى للحـروب فكانت التكتيكـات تسـتند إلى النـيران والحركـة، حيـث حلـت القـوة النيرانيـة الكثيفـة والارتكاز على الخطط العملياتية محل القوة البشـرية الكبيرة، وفى الجيل الثالث فيتمثل فى الحرب الخاطفة التى تعتمد على المناورة بالنيران والقوات بـدلا مـن المواجهـة والالتحـام اللذين ينتج عنهما خسائر كبيرة، مضيفاً أن الأجيال الثلاثـة السـابقة مـن الحـروب اعتمدت عـلى الاسـتخدام المباشــر للقـوة العسكرية لتحقيق أهداف الدولة المعتدية، بينما تعتمد حروب الجيل الرابع عـلى اسـتخدام القوة الذكية، وهى مزيج من القوة الصلبة والقوة الناعمة فى استراتيجية واحدة فاعلة.
ولفت اللواء هشام الحلبى، إلى أن استخدام القوة الذكية يُفرز عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحرب والسـياسة والعسكريين والمدنيين وهذا ما يُفسـر الغموض الشديد وعلامـات الاسـتفهام المحـيرة لهذا النوع من الحروب الأمر الذى يستدعى ضـرورة ظهور دراسات تحليلية لتفسير تأثير حروب الجيل الرابع اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً فى قضايا الأمن القومى.
وأوضح اللواء هشام الحلبى، أن تكتيكات حروب الجيل الرابع تعتمد على العمليات النفسـية بشكل كبير، إذ يتم تنفيذها عبر أفراد وجماعات مـدربين لإحـداث قلاقـل واضـطرابات وغـزو ثقـافى ونشـر الشائعات، وغير ذلك من أنشطة تقوم على تدمير الروح المعنوية للخصم والتـأثير نفسـيًا فيه، بالإضافة إلى العمليات الإرهابية والتفجيرات، وتابع، تهدف الحرب فى هذا السـياق إلى كسـر إرادة الطرف الآخر وتحطيم معنوياته وإفشال مؤسسات الدولة وإحداث قدر هائل من الفوضـى والارتباك والذعر الداخلى، حيث يسـمح ذلـك بتـدخلات خارجيـة لتحقيق مخططات معينة وتنفيذها أو اسـتمرار هـذه الفوضــى الداخليـة، لشـغل الدولـة ودفعها إلى الانكفاء على الذات والانشغال داخلياً فى اتجاهات تخدم أهداف قوى إقليميـة أو دولية ومصالحها.
وأكد اللواء الحلبى، أن حروب الجيل الرابع تنطوى على متغير حيوى هو أن التهديد ينبـع مـن الـداخل، حيث يتم تحديد عناصـر وعوامل داخليـة معينـة لتوظيفهـا وتحريكهـا مـن أجـل تحقيـق أهداف هذه الحروب، ومن هنا تنبع أهمية تعميق قيم الولاء والانتماء إلى الوطن، موضحاً، أنه من هنا تبرز أهمية الالتفاف والتوحد والالتحام حـول القيـادة الوطنيـة، كـما تتضـح كـذلك خطـورة التنظيمات والجماعات العـابرة للحـدود، التـى تتجـاوز الـولاء الوطنى، والانـتماءات الجغرافية للأرض والسكان، إذ تصـبح مثـل هـذه الجماعـات أداة طيعـة يمكـن توظيفهـا بسهولة فى شن حروب ضد الأوطان من الداخل.
وتابع، يعبر مفهوم حروب الجيل الرابع عن صـراع يتميز باللامركزية، مـن حيـث تغـير أسس الحرب وعناصـرها ما يعنى تجاوز المفهوم العسكرى الضـيق للحروب إلى مفهـوم أوسع، فكل جيل من الحروب ظهر ليعالج سلبيات الجيل السابق، مؤكدا أن الجيل الرابع من الحروب النوعية الجديدة التى تختلف بصورة جذرية عن الأجيال السابقة للحروب، والتى كانت تستخدم فيها الجيوش النظامية التى تراجع دورها نسبيا وحلـت مكانهـا قـوى تسـتطيع إدارة الحرب عن بُعد، مستخدمة أدوات سـياســية واقتصـادية واجتماعيـة فضلا عن العسكرية والأمنية، وعلى رأس هذه الأدوات الإرهاب والتطرف.
واستطرد، الإرهاب تحركه فكرة قبل أن يكون فعلا، والقـوة العسـكرية والتكنولوجيـة لا يمكـنهما الانتصـار فى الحروب، بل هناك وسائل أخرى تنفذ لتحقيق الهدف النهائى للحرب وهو فرض الإرادة على الدولة المستهدفة.
واستكمل اللواء الحلبى، إن أدوات حـروب الجيـل الرابـع وأسـاليبها تنقسم إلى داخليـة وخارجيـة، وتعمـل الأدوات الداخلية على زعزعة الاستقرار وإنهاك قوى الدولة وإسـقاطها مـن الـداخل، بينما تعمل الأدوات الخارجية على حرمان النظام الحاكم من الاستفادة مـن أى مسـاعدات خارجية إقليميـة أو دوليـة، لافتا إلى أن ذلك يتم من خلال تشـويه صـورة نظامهـا السـياســى، وتسـتخدم الجماعات والتنظيمات والكيانات الإرهابية وسائل وتقنيات غير تقليديـة، لإنهـاك الدولـة بشكل منهجى للوصول إلى الانهيار الاجتماعى الداخلى حتى يتمكن الطرف المخطط من تحقيق أهدافه وتحطيم الخصم تماما.
وتابع اللواء هشام الحلبى، أن الدول متعددة القوميات والمذاهب أكثر تعرضاً لحروب الجيل الرابع، إذ يـتم استغلال هذا التباين القومى والمذهبى عن طريق حشده ماديـاً وإعلاميـاً وعسـكرياً لبـث الفرقة وتعميقها، وإضعاف مؤسسات الدولة وإنهاك جيشها ليسهل بعد ذلك السـيطرة عليها بشكل غير مباشـر، مضيفاً، أن حروب الجيـل الرابـع تعتمد اعـتمادا أساســيًا عـلى عوامـل داخلية عدة ومن أهمها انتشار الفساد والركود الاقتصادى وسوء الأحـوال المعيشــية وانخفاض مستويات التعليم، وتفشـى الجهل والتضــييق السـياســى وسـوء التعامل.
اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى ومدير الشئون المعنوية الأسبق، أوضح أنه بعد أحداث 2011 بـ4 أشهر عُقد مؤتمر فى أمريكا بحضور جورج بوش الأب، عنوانه (الحرية والدروس المستفادة من الشرق الأوسط)، لافتا إلى أنه يكشف التخطيط للوصول إلى هذه الثورات من خلال حرب الجيل الرابع، خاصة بعد أن كشفت كونداليزا رايس فى هذا المؤتمر أنهم كانوا يجهزون الأحداث من أجل أن ينفذ الشعب الثورة، وهذا التخطيط لأحداث يناير كان يُعد منذ 2004 واستمر العمل إلى 2011 من أجل إسقاط النظام، وهذا هو بداية حروب الجيل الرابع.
وأضاف الخبير الاستراتيجى ومدير الشئون المعنوية الأسبق، أنهم سعوا إلى إسقاط النظام من الداخل بدون حرب أو أسلحة، من خلال خناق اقتصادى وتعرية سياسية، وفى حرب الجيل الخامس جاء دور التكنولوجيا وتطوير الأدوات التى تم استخدامها فى حروب الجيل الرابع والفكرة واحدة وهى "إسقاط الدولة من الداخل"، وتابع، هذا يتم من خلال ضرب الثقة فى القيادة السياسية، وخلق انطباع غير حقيقى حول قوة الدولة.
وأشار اللواء فرج، إلى أن أركان النظام داخل الدولة هو الاقتصاد والسياسة والجيش والشعب والهوية الثقافية، وهذه الأركان كانت أهدافا رئيسية فى حروب الجيل الخامس، يتم ضربها من خلال التكنولوجيا والسوشيال ميديا، فضلا عن أن العدو يقوم بخلق حروب فى المنطقة من أجل التورط فيها، وتابع، مصر لها أربعة اتجاهات استراتيجية وهى، اتجاه "شرقى" ناحية إسرائيل، وهذا هو الاتجاه الرئيسى المهدد منذ عصر الهكسوس، ثم جاء منه العدوان الثلاثى وهزيمة 1967، والاتجاه الـ"غربى" فى ليبيا، هذا الاتجاه أصبح خطرا لم يحدث أن واجهناه، و"شمالى" فى البحر المتوسط، وتحولنا إلى مطمع بعد اكتشاف الغاز، واتجاه "جنوبى" فى السودان، حيث أصبحنا نواجه مشاكل بسبب منابع النيل، كما لدينا التهديد الخامس وهو الإرهاب، فضلا عن تهديد كورونا وتطوير البلد.
وأكد اللواء سمير فرج، أن مصر الدولة العربية المتماسكة فى المنطقة، بعد سقوط أغلب الدول العربية المحيطة ولهذا السبب مصر مستهدفة الآن من أجل الوصول إلى الهدف الكبير من حروب الجيل الخامس التى أصابت باقى الدول المحيطة، لافتا إلى أن مصر قدمت العديد من الإنجازات الاقتصادية والعسكرية فى فترة الكورونا فى الوقت الذى سقط فيه اقتصاد باقى الدول خلال نفس الأزمة، وهذا أمر غير محبب للدول المترقبة والتى تسعى لإسقاط مصر.
ومن جانبه قال اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، والمستشار فى أكاديمية ناصر العسكرية، إن حروب الجيل الرابع مستمرة على مصر بشكل قوى، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجى مسترشدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض" فقال له أبوبكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: "لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة".
وأشار مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، إلى أن جمال حمدان وهو أحد أعلام الجغرافيا فى القرن العشرين، قال إن الموقع الجغرافى إما نعمة أو نقمة للدولة، وتابع، نقمة فى حالة أن تكون الدولة ضعيفة ولا تستطيع أن تستخدم ثروات موقعها الجغرافى، ونعمة فى حالة أن استخدام هذه الثروات بشكل أمثل، قديما قناة السويس لم نكن نستطيع الاستفادة منها إلا بعد ثورة 1956، وقبل ذلك كانوا يحصلون على الإيراد، وهذا يوضح أهميتها الشديدة بالنسبة لهم.
وأوضح اللواء الغبارى، أنه عام 1905 عقد مؤتمر لندن السرى واستمر إلى 1907، وهدفه حماية الإمبراطورية البريطانية من الانهيار، ولكنهم توصلوا من خلال المؤتمر إلى نتيجة وهى، وجود شعب يقطن جنوب المتوسط وشرقه، وللحفاظ على مصالح الغرب ولا بد من حصار هذا الشعب، بين شواطئ المتوسط الجنوبية وخط عرض 10، وتجزئته، ولذلك من مصلحة الغرب أن يحمى مستعمرته، وتابع، وكان هناك خيار إما عقد الصداقة أو احتلال أصحاب هذا الممر أو المنطقة وهى "قناة السويس"، حتى لا يستعمره أحد آخر، وفى كلا الحالتين الهدف هو السيطرة على المنطقة من أجل تأمين المستعمرة، لذلك تحدث التاريخ عن الصراع الدائم بين الفرنسيين والإنجليز فى حملاتهم على مصر، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى ضمنوا طرق التجارة بين الجنوب والشمال وقسموا الدول العربية.
وتابع، ثم بعد ذلك بدأت الحرب العالمية الثانية وبدأ الغرب بتقسيم ثروات البترول عليهم من خلال فكرة تقسيم الدول العربية من أجل الغاز، مؤكدا أن فكرة الحرب بالوكالة وهى أحد حروب الجيل الرابع، نشأت من داخل إسرائيل بعد هزيمتهم فى أكتوبر 1973، وهى عبارة عن اتخاذ القوات دون استخدامها عسكريا بهدف دراسة باقى الجيوش المستهدفة، من حيث قوة التدين أو العنصرية والعمل من خلال هذه المنافذ لخلق حالة من الانقسام وهذا ما حدث فى العراق بين الشيعة والسنة، ودُمر الجيش بدون معركة، ومن هنا بدأت الحرب بالوكالة بعمل انقسام داخل الجيوش، ثم بعد الانقسام تأتى عملية زرع الإرهاب لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير.