الزمان
جريدة الزمان

مقال رئيس التحرير

مصر واحة الأمــن ولو كره المرجفون 

-


لم يكن من السهل على أمريكا وقوى الشر أن تهضم ما انتهى إليه الشعب المصري الحر من الخروج من المآزق الخطير للغاية... الذي عاشته مصر عبر السنوات القليلة الماضية... والذي كاد أن تذوب فيه وتضيع معه للأبد... 


لذلك فهي تحاول وبكل الطرق وبمختلف الأساليب... أن تخترق الحياة المصرية.. بل وتسعى جاهدة للعمل على ليّ ذراع مصر وتهديدها... 
بل تبحث عن أي وسيلة لتُملي عليها شروطها وإراداتها وإلا فما معني هذا التحذير الغير مبرر من السفارة الأمريكية... ومن تبعها من السفارات في التنبيه على رعاياهم بالحذر من التواجد في أماكن التجمعات وغيرها... 


والعجيب في المسألة أن هذه التحذيرات لم تكن تستند إلى حقائق أو وقائع ومعلومات وإلا كان من الضروري كما هو معروف في قواعد الدبلوماسية التنسيق مع خارجية الدولة التي تستشعر فيها السفارة بالخطر أو لديها من المعلومات المحققة بوقوع كارثة ما أو تهديد يمس سواء رعايا هذه السفارة أو غيرهم من أبناء هذا الوطن .... والحقيقة أن هذه التحذيرات جاءت في توقيت يدعو إلى الدهشة ويحمل بالضرورة استفهامات كثيرة كلها تتجه إلى ناحية واحدة... وهي أن هناك هدفا مقصودا من وراء هذه التحذيرات فلم يكن الأمر مجرد فرقعة تستهدف التشويش والتشويه للحالة الأمنية التي تعيشه مصــر من استقرار وشعور بالاطمئنان... أو مجــرد لفت الأنظار إلى وجود حالة من عدم الاستقـرار والاضطرابات التي مازالت مصر تعيش فيها وتعاني منها.... وإنما للعمل علي ضرب كل الانجازات التي تحققت عبر السنتين الأخيرتين على كافة المستويات وفي سائر المجالات... والتي استشعر فيها كل مواطن مصري بحالة الأمان التي افتقدها لسنوات عديدة... وأكبر دليل على ذلك ما تم تحقيقه بفضل الله تعالى من الأداء المتميز ومزيد العطاء والتفاني المنقطع النظير والعمل المتواصل بالليل والنهار للقوات المسلحة على كافة الجبهات وخاصة في مواجهة الإرهاب... الذي بدا ينحصر بصورة واضحة يشهد له جميع الخبراء على مستوى العالم والأرقام لا تكذب والنجاحات التي تحققت في مواجهته ومحاصرته بل و العمل على تجفيف منابعه وتفكيك خلاياه واضحة للعيان بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة... التي لا يتأتي فيها لإنسان .. أيا من كان.. أن ينكرها..


كما تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى إرساء وإنشاء وتنفيذ العاصمة الجديدة التي بدأت تحكي عنها الدول العظمى وتتكلم... وليست هذه العاصمة التي تحمل آمال عريضة للمصريين للخروج من حالة الخناق السكني التي يعانون منها... إن العاصمة الجديدة ليست نكبة كما يدعي البعض بحجج واهية .. فأثارها ستظهر عما قريب.... 


كما تم إنشاء العديد من المدن السكنية الجديدة والتي بلغت أكثر من نصف مليون عمارة سكنية ... في جميع أنحاء الجمهورية... والتي ستسهم بالضرورة في الحد من مشكلة الإسكان المزمنة التي عانت منها مصر لفترة طويلة... 


كما تم الانتهاء من العديد من المشروعات الصناعية العملاقة... وشرعنا في الانتهاء من المرحلة الأولى لشق الآبار التي ستستخدم في زراعة الأراضي المستهدفة بالزراعة... والتي تبلغ مساحتها أكثر من مليون ونصف المليون فدان.. والتي من المنتظر أن تزيد من الرقعة الزراعية التي انحصرت كثيرا وتصحرت لأسباب كثيرة لا تخفى على أحد... 


كما بدأنا نشتم عودة السياحة واستئناف رحلات الطيران من وإلى مصر للعديد من الدول التي كان لها مواقف سلبية سابقة .....
كما تم الانتهاء من رصف وإنارة مساحات عديدة في أماكن مختلفة لأغراض متباينة للطرق في مصر.... والتي ستسهم بالضرورة في الحد من المشكلة المزمنة التي تمثل أزمة لدى المصريين «حوادث الطرق».... 


كما يتم العمل على ضفاف القناة لإنشاء مشروعات متعددة خُصصت لها هيئة اقتصادية مستقلة لمتابعة وتنفيذ ما يتم فيها من أعمال ومشروعات... 
إن حجم هذه الانجازات يؤكد ويكشف ويدلل على الحالة الأمنية التي تعيشها مصر ومستوى ما تحقق فيها من استقرار... ومما يحزن المرء حقا أن سر هذه التحذيرات ليس بعيدا عنا وأن اختيار يوم الأحد ٩ أكتوبر كان مقصودا فذلك اليوم التي احتفلت فيه مصر بمرور قرن ونصف القرن على إنشاء المجالس النيابية بها والتي دعت له العديد من الشخصيات والمؤسسات والدول التي شاركت مصر فرحتها ليس فقط من أجل هذه المناسبة وإنما كان السبب الرئيس لفرحتها أنها اثبتت للعالم أجمع أن مصــر آمنة مستقرة.. تنعم بأجواء محفزة على الاستثمار والبناء والتنمية وتخطو بخطوات ثابتة نحو سياسية اقتصادية تقوم على إصلاح البنية التحتية لها... وليس أدل على ذلك من موقف صندوق النقد الدولي الذي وافق على إقراضها ما يزيد عن ١٢ مليار دولار  .... 


كما أنها تسعى إلى استكمال مشروعاتها الكبرى وإلا فما مغزى توقيع عقد تنفيذ الخط الرابع لمترو الانفاق الذي يسهم بالضرورة في حل مشكلة اختناقات المرور السطحي... كما سيسهم في تقليل نسبة التلوث البيئي والضوضائي.. وهذا المشروع بخبرة يابانية... وتم في الأيام القليلة الماضية... 


إن محاولات السفارة الأمريكية باتت مكشوفة وواضحة في محاولة تعكير الصفو العام وتكدير حياة المصريين وزعزعة الثقة بين الشعب وحكومته والتأثير على اقتصاد البلاد وبث الخوف في نفوس المستثمرين فيها وعودة السياحة لها... 


للأسف هناك قوى كثيرة تسعى لإرهاق عزيمة المصريين وتعمل على تسفيه كل هدف تسعى إليه مصر من خلال وسائل وآليات منظمة تملك قدرات علمية وفنية مدربه.... ومع ذلك هيهيات هيهات أن تصل إلى نتائج إيجابية.. أو تحقق الهدف منها.. فمصر قادرة  على حسن التعامل معها مهما بلغت ... 
لذلك لا يختلف أحد أن هؤلاء بكل ما لديهم من استراتيجيات تسعى إلى حالة تسمى بالإرباك والتشتيت.... 


هذه الحالة التي غزت أوساط متعددة في بلادنا وكادت أن تنجح معها في إعاقة أي تقدم وإجهاض ما تحقق من مشروعات وانجازات على كافة المستويات... 
أن هذه القوة الضالة المضلة تسعي لعودة مصر إلى الوراء بل إلى نقطة الصفر لذلك اتخذت من الحيل وصور الإرباك الكثير للإضرار بمصالح مصر العليا والمساس بأمنها الداخلي والخارجي... 


وليس هذا إدعاء وإنما من خلال وقائع تكشف عن حقائق لا يختلف معها أحد وإلا كما قلنا آنفا لصالح من ؟؟!!!... هذه التحذيرات من بعض السفارات إنها وبكل صراحة لإرباك المشهد المصري والرجوع القهقري إلى ما كنا عليه من حالة اضطراب وزعزعة للاستقرار... 


وإذا كانت هناك قوى تريد أن تزج مصر في صراعات دموية هنا أو هناك فمصر أذكى من أن يزج بها في طريق الضياع والفناء.. لذلك نؤكد على أن أخطر ما تواجه مصر في هذه المرحلة من تاريخها التهديدات الأمريكية وذلك بعد أن نجحت مصر في إيقاف المخطط الأمريكي المعروف بالشرق الأوسط الجديد وإلا فما معنى هجومها الدائم والمستمر على مصر وقياداتها؟؟!!!!.... 


إنها تسعى من خلال خطط وبرامج طويلة وقصيرة الأمد لتحقق هدفها في تدمير القوى العربية التي نجحت فيه إلى مستوى لا يحتاج إلى تعليق ولكن أبدا لن تحقق مع مصر أية نتائج على الرغم من حرصها البالغ في إثارة الدعاوي الكاذبة.. واستغلال أية مشكلة أو أزمة أو موضوع يخدم هدفها أو يكرس لغاياتها من مصر... 
ويكفي ما تقوم به من نشر الإرهاب العابر للقارات والحدود الذي لن يؤثر في قوتنا .. في عزيمتنا .. في إرادتنا.. وسيكتب لمصر أنها كانت القاهرة «للصهيونية العالمية» في أكتوبر ١٩٧٣.. وأنها كذلك القاهرة للإرهاب إلى غير رجعــة... 


وإذا كانت سهام الإرباك والتشتيت تستهدف الوصول إلينا من الخارج فلها أيضا صور وأشكال تأتي من الداخل لمحاولة إرباك المشهد الاقتصادي من خلال التلاعب بالأسعار وارتفاعها وتعمد إخفاء السلع واحتكارها ... 


ولعل أكبر دليل على ذلك سقوط أباطرة القمح ومن خلقهم أباطرة السكر وخلافه .... الأمر الذي يهدف لضرب الاستقرار وإرباك المشهد الوطني وزعزعة النظام وخلق مناخ معادي للسلم الاجتماعي ولاتزال الأيادي الخفية تبدد كل الجهود التي تبذل من أجل السيطرة على سعر العملات الأجنبية وخاصة الدولار ولا يختلف أحد على ما يحدثه سعر الدولار في مصر من اختناقات وارباك للحياة العامة لأننا وللأسف نعتمد عليه في كل شئ وخاصة أننا نستورد أكثر من ٥٠٪ من منتجاتنا الزراعية فضلا على الصناعية والتكنولوجية... 


وخيرا اتجهنا إلى التعامل بالعملة المحلية وبالتوسع في استخدام عملات أخرى حتى نخفف حد الأثار التي يخلفها سعر الدولار على السوق المصري... 
ولم تكتف هذه القوى التي تعتمد على إرباك المشهد المصري سواء أكانت من الخارج أو الداخل... التأثير عليها سلبا بل سعت لحطيم الحالة النفسية ومحاولة التلاعب بنفسية الشعب المصري والضغط عليها مستغلة الظروف الاقتصادية الراهنة لإرباك وتشتيت المشهد المصري... 


لذلك هناك محاولات مستديمة لقتل الأمل وتفتيت القوى.. بل وبث بذور اليأس في نفوس الشعب المصري من خلال نشر الشائعات الكاذبة... وتسيس الكثير من الأمور والاتهامات المستمرة التي توجه إلى المسئولين بها.. وتدليس الحقائق لإضعاف الروح المعنوية وزعزعة معاني الانتماء والولاء للوطن الأم مصر...

إن محاولة تصوير الواقع التي يعيشه شعب مصر بأنه موحش ومعتم وشديد الضبابية أمر يؤدي إلى إرباك المشهد المصري وإلا فما معنى هذه الدعاوي التي بدأت تبث هنا وهناك بالمطالبة بحق فئة تسعى الدولة بكل ما تملك لعدم تحميلها نتائج الإصلاح الذي تشهده... بل تعمل على تخفيف عن كواهلها ومساندتها ومساعدتها بكل الصور الممكنة...


ومن هنا نقول إن أمن مصر خط أحمر لا ينبغي لأحد أن يتساهل فيه أو يتراخي عنه.. بل ينبغي أن تتظافر الجهود في حمايته والدفاع عنه.. بل والعمل على توفير المناخ المناسب وتهيئة الظروف العامة التي تصون حمى الأمن بمعناه الشامل وبأنواعه المختلفة... 


وهذا يدعونا إلى ضرورة العمل على توفير الاحتياجات اللازمة من الناحية الاقتصادية وإيجاد الحلول السريعة والجادة للخروج من الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر فالحرص على تلبية الضروريات والسعي للوفاء بها أمر يتصل إتصالا مباشرا باستقرارها وآمنها وسلامتها.... 


وإذا كان السعي من أجل تنمية شاملة هدفا نحرص عليه فينبغي علينا كذلك أن نسعى لتنمية الشعور بالانتماء والولاء وقيمة الوطن وإبراز مكانة مصر وتاريخها المشرف لأبنائها وخاصة من الشباب... 


فمصر هي تلك الدولة التي ذكرت في القرآن مرارا وتكرارا بألفاظ صريحة وإشارات متعددة.. ويكفي فيها أن الباري يقول عنها :«ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» سورة يوسف... 


كما ينبغي أن نهتم بالحفاظ على العادات والتقاليد والقيم الإنسانية فضلا عن ما تربينا عليه من عقائد دينية قوامها الوسطية... كما علينا أن نكون مستعدين في كل لحظة لمواجهة التهديدات التي تأتي من الخارج أو من الداخل... فتوفير القدرة على مجابهة التهديدات يعد من الركائز الأساسية لإرساء الأمن والاستقرار وهذا يستلزم إعداد ما يلزم من برامج ومشاريع وإجراءات تتناسب مع حجم مواجهة التهديدات.. 
وهذا لا يمكن بحال أن يتحقق إلا إذا تظافرت الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار على مستوى الفرد والدولة... 


ومن هنا تأتي المسئولية الجماعية لكافة الفئات مع العناية البالغة للمبادئ التي تسهم في تثبيت أركان الأمن كالشفافية والتجرد والإخلاص والضرب بيد من حديد على كل أشكال المحسوبيات والوساطة فيما يعرف بتكافئ الفرص... هنيئا لمصر أنها استطاعت أن تكسر حالة التبعية للغرب أو لدولة مهما كانت منه.... 
وهنيئا لمصر وقد بدأت تخطو بخطوات جادة وجديدة نحو تحقيق آمال شعبها.... 


إن أمن مصر هدف ينبغي أن نسعى جميعا من أجله.. حتي تستطيع مصر أن تحقق آمال شعبها وأهدافه التي طالما كان يحلم بها من عيشة تليق بدولة كمصــر ...  
وأود في عجالة أن أكشف عن قيمة الأمن في ديننا والحرص عليه والسعي إليه والحث البالغ الذي جاء من أجله هذا الدين العظيم الذي نشرف بالانتماء إليه... 
لقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم .. هذا القران الكريم...  إن الأمن نعمة يفيئ الله على عباده متى امتثلوا لمنهجه وساروا على الطريق الذي اختاره لهم أما إذا لم يؤدوا حق الله لهم عليهم من الالتزام والشكر فقد تسلب منهم هذه النعمة قال تعالى:«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» سورة النحل... 


كما امتن الله تعالى على العرب بهذه النعمة في قوله سبحانه وتعالى :«لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» سورة قريش... ونلاحظ أن الأمن سواء على المستوى المادي أو الأدبي لا يمكن للبشرية أن تستقر إلا إذا كان لها حظا وافرا منه.... 
ومن هنا يقول الرسول الكريم«صلى الله عليه وسلم»:«من أصبح آمناً في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».... 


ولعل ربط القرآن بين الحالة الإيمانية والأخلاقية ومستوى الأمن والاستقرار في أي مجتمع يؤكد على طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما... لذلك كلما استقر الإيمان في النفس وعلا صوت الأخلاق فيها كلما استشعر الخلق بالأمن وتذوقوا معنى الاستقرار... قال تعالى:«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِين َ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا» سورة نوح.. 


إن الحياة الهائنة والهادئة لا يمكن أن تتسرب إلى القلوب التي تنكر فضل الله عليها وتمضي في معصية بدون وازع من ضمير أو خوف من حساب وعقاب... 
لا يمكن بحال أن ننعم بالأمن المادي والأدبي إلا في أجواء الطهر والايمان وفي رحاب طاعة الرحمن.. أصبغ الله على مصر نعمة الأمن وأسدل عليها ثوب الاستقرار....