الزمان
جريدة الزمان

مقالات الرأي

تجملى ولا تخدعى

ماهر المهدي -

من الأمور المدهشة فى عصرنا هذا ما وصلت إليه وسائل تجميل المرأة من تقدم، حيث تستطيع وسائل التجميل هذه أن تغير بعص الملامح فى جسم المرأة ووجهها بشكل درامى. وتغير هذه الوسائل ما تغير دون ترك أثر يلاحظه النظر العابر. فلا يكتشف النظر غير المدقق وصلات الشعر الطويل الناعم الواصل إلى منتصف ظهر البنت، كما قد لا يكتشف من لا يمعن النظر سر الجسم ذى الملامح الأنثوية المثيرة، من صدر نافر متقد كالبركان الرابض على ثروات من المشاعر إلى أرداف مرسومة الامتلاء قوية الإملاء آسرة الطلة -على وجه الخصوص -إلى رموش العينين والأظافر الطويلة وغيرها من وسائل تجميل المرأة ومساعدتها على إخفاء ما تحب المرأة أن تخفيه وإظهار ما تحب المرأة أن تظهره.

ورغم ما تضفيه هذه القدرات الابتكارية العظيمة التى كشفها الله سبحانه تعالى للإنسان فى مجال أدوات التجميل على المرأة من بهجة وسرور، ورغم ما تصبغه تلك الاختراعات من الرضا على العلاقة الدفينة بين المرأة التى لم تصب حظا وافرا من الجمال الجسدى أو من جمال الوجه وبين نفسها، فتبدو المرأة أمام الناس وأمام قريناتها جميلة جذابة، إلا أن تلك الوسائل التجميلية أصبحت أيضا مصدر قلق ومصدر خديعة. فهل هناك فرق بين التجمل وبين الخديعة والغش؟ هل يحق للمرء أن يصور نفسه للغير على غير حقيقته على وجه الإطلاق أم هناك قيود محتملة أو واجبة الاتباع؟.

قد أتصور شخصيا أنه لا غبار على ما كل ما يجعل الإنسان جميلا فى عينيه نفسه وفى عيون الآخرين دون قيود، إلا أن يتعلق الأمر بمصالح الآخرين وبقراراتهم المصيرية- كما فى حالة الزواج مثلا، وفى حالات تعلق تعاقد ما بهيئة الإنسان وتكوينه الجسمانى مما نعرفه الآن من التعاقدات ومما قد يظهر لاحقا فى مستقبل الأيام- عندئذ قد يكون لزاما على الإنسان أن يكشف ما ستر من العيب أمام صاحب المصلحة المقابلة، لينال رضاه غير مشوب بعيب من الناحية الأخلاقية، ناهيك عن الناحية القانونية.

لا أنسى فى هذا المقام واقعتين تعلقتا بحيل التجميل لما فى هاتين الواقعتين من طرافة، وإن كانت طرفة تعيسة مبكية وقادت أطرافها إلى المحاكم. ففى الواقعة الأولى تزوج رجل بامرأة، ثم اكتشف فى ليلة الدخول أن زوجته صلعاء والعياذ بالله، ففر الرجل إلى المحكمة مطالبا بفسخ عقد الزواج فقضت المحكمة برفض طلب الزوج المخدوع بفسخ عقد الزواج- على أساس من الغش والتدليس- وأسقط فى يد الرجل.

ولا أدرى إلى أى مآل آلت تلك القصة المحزنة. وفى الواقعة الثانية تزوج رجل بامرأة، ثم اكتشف أن بقعا غريبة تغطى جسدها كله فنفر منها إلى القضاء، وزوجته تنعى حظها فيما أصابها وفى هروب زوجها منها.

والحقيقة إنه، رغم ما قد يكون من مشروعية رغبة المرأة فى الجمال وفى التجمل وفى الإحساس بانجذاب الآخرين إليها وفى إخفاء ما يقضى عليها سلامها النفسى -بدافع من الفطرة الإنسانية فى البقاء وفى النجاة وفى الاستمرار- ورغم ما قد يكون من حكم القانون -مهما كان موقفه- إلا أن المرء يستشعر أن شيوع ونفاذ أدوات التجميل بهذا القدر من الحركة والدقة والحرفية المبدلة للحال تماما، قد يبدر الشك أحيانا فى كل حلو جميل ويتركه مقيدا بسلاسل الريبة والنفور، خوفا من الوقوع فى شباك المصائب المضحكة المبكية.

بل إن المرء قد يقمع خيالاته وتصوراته التى طالما تعلقت بملامح الجمال الحسى وقادت الشعراء والفنانين الكثيرين إلى صياغة الشعر وكتابة القصة والرواية ورسم أجمل اللوحات الفنية والإبداع فى النحت وفى غير ذلك من الفنون البشرية، مخافة أن يكون المرء وأهما أو أن يكون مادحا فى قطع من الإسفنج أو خيوط البلاستيك مثلا.

انظر كيف يقضى الغش على الحلم؟ ولو أنهن صدقن لربما تبدل الحال ونلن من الخير أكثر مما تمنين لأنفسهن بلا غش ولا تضليل.