الجميلات هنَّ القويات.. محاربات سرطان الثدي: ”العزلة مش حل.. أنتِ قدها”
"الجميلات هنَّ الضعيفاتُ.. عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة.. الجميلات هنَّ القوياتُ.. يأسٌ يضيء ولا يحترق" هكذا أعلنها الشاعر محمود درويش، صريحة ومباشرة، في قصيدته "الجميلات هن الجميلات"، وهكذا عاشت تفاصيلها ثلاث سيدات هن بالأساس "محاربات"، كتبن من رحم معاناتهن مع مرض السرطان أبياتًا واقعية تسرد معنى الصمود والإرداة ومواجهة الحياة بالحياة فقط.
مباركة السيد أحمد، سيدة خمسينية، يلقبها محبيها بـ"لوكا"، اكتشفت حقيقة مرضها بفحص طبي في جمعية "رسالة" الخيرية، الأطباء هناك قاموا بتحويلها لمستشفى بهية للكشف المبكر وعلاج سرطان الثدي، أجرت "لوكا" الفحص الطبي، وطالبها الأطباء حينها بإجراء 6 جلسات علاج كيماوي.
دكتور حسام عمر، ودكتور أحمد عبد اللطيف، طبيبان بمستشفى "بهية" اعتبرتهما "مباركة" هدية السماء لها خلال محنتها، فبعد أن اكتشفت تورم صدرها، حددا لها موعدا لإزالته، لم تشعر بأي ألم، بل ولم تتكبد مصاريف إجراء العملية أو العلاج، حتى أنها احتاجت لنقل دم فتم توفيره لها مجانًا، حسب روايتها لـ"الزمان".
لم يكن الطبيبان فقط هما هدية السماء لـ"مباركة"، بل وجود صرح طبي -مستشفى بهية- يعامل مرضاه وكأنهما نزلاء فندق -على حد وصفها- أكبر دعم إلهي قدمته لها السماء، تتذكر "مباركة" جيدا كيف أبدت "رغدة" وهي إحدى العاملات بالمستشفى، رغبتها في نقل دمائها لها دون تفكير، فعقب إجراء العملية لم يجد الأطباء فصيلة دم "مباركة.
12 جلسة علاج طبيعي، كان على "مباركة" تخطيهم بصبر وعزم، فقد تعلمت طيلة رحلة علاجا كيف تخوض معركة المرض الخبيث بلا كلل، واكتشفت كيف تحولت علامات الضيق والحزن والخوف على وجهها إلى شجاعة وإصرار وتمسك بالحياة لم تعهدهم فيها من قبل، لا تنسى"مباركة" شعورها وقت معرفتها بإصابتها بالمرض الخبيث في ابتسامة "لما عرفت إنى عيانة، كنت مضايقة، اللي يشوفني ما كش يقدر يبصلي، كنت قرفانة من نفسي أوي".
لم تكن عزيمة "مباركة" وحدها من ساعدتها على خوض حربها مع مرضها الخبيث، فقد كان دعم شقيقتها وأطبائها خير عون لها على تخطي الأزمة بسلام، لعل هذا ما جعلها تدرك جيدًا أن دعم المريضات ربما يكون خطوة كبيرة في شفائهن، وبالفعل بدأت رحلتها مع دعم مريضات "بهية"، فقررت تقديم الدعم لكل فتاة أو سيدة تصاب بهذا المرض اللعين، تحكي: "بقيت أشجع الستات يعملوا العملية من غير خوف، ويعيشوا حياتهم من غير تعب".
"مباركة" تتمنى أن يعي الجميع نساءً ورجالا قدر الجهد الذي تقوم به مستشفى "بهية" لمريضات السرطان "نفسي الناس تتبرع للمستشفى"، لكن أمنيتها الوحيدة تبقى أن لا يحمل أحدهم يومًا ما قدر من المعاناة التي عاناتها طيلة رحلة مرضها وشفائها منه "حرام الناس تشوف اللي شوفته".
أما صفاء محمد صبحي، من "محاربي السرطان" كما تحب أن يطلق عليها، اكتشفت إصابتها بالمرض منذ 4 سنوات، حينها أعلنت رفضها للعلاج، لكنها سرعان ما تراجعت عن رأيها بعد إعلان شاهدته عبر شاشة التليفزيون عن مستشفى "بهية"، لم تكن تؤمن بوجود مستشفى خيري لديه إمكانيات جيدة لعلاج مرضاه، في مصر، فضلا عن عدم إيمانها بوجود علاج لمرض السرطان من الأساس.
تحكي "صفاء" لـ"الزمان" تجربتها مع المرض قائلة: "رغم إني كنت جاية في مراحل متأخرة جدًا معتبرة نفسي منتهية، بس ربنا أكرمني، بدأوا معايا بالكيماوي، ورحلة علاج لحد ما وصلت اللي أنا فيه دلوقتي".
لدى "صفاء" ابنان بالمرحلة الجامعية "أحمد" و"محمد"، وهما متطوعان بمستشفى "بهية" ويقدمان الدعم النفسي للمريضات، لا تطلب "صفاء"، من رجال الأعمال والمستثمرين سوى زيارة صرح "بهية" الطبي، مكان لا يمكن اعتباره مستشفى خيري بل نادٍ ترفيهي كما تطلق عليه.
الدعم الذي تتلقاه مريضات مؤسسة "بهية" لا يتوقف على الدعم النفسي والطبي فقط، بل يتخطاه إلى الاهتمام بتغذية المريضة، والاهتمام بجمالها، التواجد إلى جوار أبنائها كان دافع "صفاء" وراء تمسكها وإصرارها على خوض رحلة العلاج، بالإضافة إلى دعم الأطباء والممرضات لها.
"أنتِ قوية، تستطيعين التحدي، أنتِ قدها، أنتِ أقوى" عبارات كانت تسمعها "صفاء" بصورة يومية، أعطتها حافزًا لخوض المعركة ضد المرض الخبيث بلا تردد، فهي لم تنعزل كما كانت تتصور سابقًا، فهي تعيش حياتها بشكل طبيعي بل وتقدم الدعم لفتيات أخريات بالمستشفى.
لم تفرح "صفاء" عقب انتهائها من العلاج الكيماوي، بل شعرت بوحشة وحنين إلى المكان الذي وقف إلى جوارها وقدم لها دعمًا وعونًا بلا مقابل، قررت حينها "رد الجميل" والتطوع بالمؤسسة لدعم المريضات الجدد.
"مريض السرطان مش بينعزل لحد ما يموت" جملة كررتها "صفاء" كثيرا، مشددة على أن دعم المريض يساعد في علاجه بنسبة قد تصل إلى 90%، وأن شفاء المريض يعتمد بشكل كبير على حالته النفسية "دائما بشبه السرطان بإنه حرامي جاي يدخل البيت يسرق مني عيالي وأنا بتحداه وبقاومه وهقدر أتغلب عليه".
أما سهام، السيدة الريفية البسيطة، أخذت من المرض شعار رسمت به حياتها، فأيامها الصعبة أظهرت لها العدو والحبيب، "كنت بزعل جدًا لو في حد مسألش عليا وأنا تعبانة"، فذلك المرض اللعين لم يكن يضعف الجسد فقط ولكنه يؤذي النفسية، ويشعرها بالوهن والضعف.
محاضرات الدعم النفسي، كانت سبيل "سهام لاستعادة قوتها النفسية، "كانت بتفرق معايا وبترجعنى للحياة تأني"، وكان لقاء الأطباء والممرضيين بالمستشفى بالابتسامة الصبحية خير صباح لبداية إجراء الكشف، فالاهتمام الذي تتلقاه كانت يعوضها عن تقصير الأهل والأقارب، كانت بداية المرض، بألم خفيف بالثدي، وبعض إجراء التحاليل أكثر من مرة وأظهرت أن العينة سلبية، ولكن الأطباء لازال يخالطهم الشك، "اللجنة الطبية لسه شاكة بنسبة 10% إن المرض في مرحلته الأولى، لما قولته 10% يعني قليل.. قالي إحنا لو شاكين بنسبة 1% منسبكيش".
تكن "سهام" العرفان للأطباء، والشباب المتطوعين، التي قضت معهم أكثر من عام بين آلم وضحك، تشعر أنهم أهلًا وعائله حقيقية، فزيارتها الأسبوعية للمستشفى لم تكن عبئ عليها، تقول: "العملية كبيرة .. بس أنا من جوايا مش عاوزه أحس إني ضعيفة.. مش بستسلم للتعب مش بيسبه يغلبنى أنا اللى أغلبه، بعد العملية قولت للدكتور عاوزه أروح عشان ألحق المسلسل الهندي".
من جهتها، قالت سماح سمير، مديرة إدارة تنمية الموارد البشرية بمستشفى بهية للكشف المبكر وعلاج سرطان الثدي، إن أول خطوة تقدمها في البرنامج العلاجي هي تقليل درجة التوتر والقلق لدى المريضة عبر تهدئتها وتخفيف صدمة الأمر عليها، وأن علاجها داخل المستشفى معناه أنها أصبحت في "يد أمينة".
وأضافت سمير، لـ"الزمان"، أن مريضات كثيرات قد يدخلن المستشفى وهن في حالة انهيار تام، وعلى الطبيب المعالج حينها تهدئتهن والعمل على حكي تجارب سابقة لحالات استطعن مكافحة المرض، مشيرة إلى أن الخدمات الطبية المتميزة التي تقدمها مستشفى "بهية" تعد من أكبر أسباب شعور المريضة بالأمان، خاصة بعدما تجد روح التعاون بين الجميع وأن الهم واحد، فتبدأ تدريجيا الشعور بالثقة.
"الخوف من التاريخ المرضي للعائلة، والتكهنات المرضية بلا سند طبي" كانت هذه أكبر مخاوف أغلب مريضات مستشفى "بهية" حسب ما ذكرته مديرة إدارة الموارد البشرية، والتي غالبًا ما يتم التعامل معها بحرصٍ شديد من قبل الأطباء المعالجين، وتوضيح إماكنية إصابة فرد واحد فقط بالمرض دونًا عن العائلة، وهذا لا يعني إصابة الجميع به.
"كلنا معاكي" جملة يقدمها أطباء مستشفى "بهية" للمريضات وفق ما اوضحته "سمير"، يشعرن بها على أرض الواقع بدء من الخدمات العلاجية المجانية والأطباء الكفء والتعاون المتبادل بين الجميع.
بينت سماح سمير، أن أكثر الحالات صعوبة هن المسنات، لكبر السن أولا ثم معاناتهن مع الآلم، مشيرة إلى أن نسبة المريضات فوق سن الـ40 يبلغ 80%، فيما تصل نسبة المريضات تحت سن الـ 40 إلى 20%.
تتمنى سماح، أن يتم تأسيس عدة مستشفيات في مصر تقدم خدمات مشابهة لما تقدمه "بهية"، مشيرة إلى أن المستشفى تتكفل بعلاج أعداد كبيرة من المرضى يصل متوسط تكاليف علاجها من 150 لـ400 ألف جنيه، في الوقت الذي تحتاج فيه لدعم إعلامي ومادي كبير للوصول لأكبر عدد ممكن من المريضات لتقديم الدعم لهن، مؤكدة أن اكتشاف الإصابة مبكرًا يزيد من نسبة شفاء المريضة.
وبحسب إحصائيات أخيرة، فإن عدد النساء والفتيات المصابات بمصر، يصل إلى 18 ألف حالة ورم في الثدي سنويا أغلبهن ممن يزيد عمرهن على 40 عاما، وكثيرًا من الحالات المصابة بسرطان في الثدي لا تجد لها فرص علاج جيدة نتيجة لنقص المراكز الطبية المتخصصة، الأمر الذى يجعل نسب الشفاء من سرطان الثدي لا تزيد عن 50%.
كما أنه من كل 8 سيدات، فإن واحدة تصاب بسرطان الثدي خلال حياتها، ويحصد 17.6 % من مرضي السرطان في مصر، كما أن الإحصائيات أكدت أن الأكتشاف المبكر يجعل نسبة الشفاء 98% في المرحلة الأول، أما في المرحلة الثانية 93%، وفي المرحلة الثالثة 73%، وفي المرحلة الرابعة 22%، وذلك وفقًا لإحصائيات المعهد القومي للأورام.
وذلك المرض العين يتشكل في أنسجة الثدي، والنوع الأكثر شيوعًا من سرطان الثدي هو سرطان الأقنية، والذي يبدأ في بطانة قنوات الحليب، كما أيضا يوجد نوع آخر من سرطان الثدي هو سرطان مفصص، والذي يبدأ في الفصيصات "غدد الحليب" من الثدي، يحدث سرطان الثدي لكل من الرجال والنساء، على الرغم من أن سرطان الثدي للذكور أمر نادر الحدوث.