التنافس الدولي ينقذ أبي أحمد من شبح الحرب الأهلية
اتخذ رئيس الوزراء الاثيوبى ابى أحمد خلال الاسابيع الماضية عدة قرارات مكنته من اعادة السيطرة علي مقاليد الامور في البلاد بعد ان كان على وشك الهزيمة من قبل جبهة تحرير التيجراى، لتنقلب الموازين لصالح ابى أحمد بفضل الجسر الجوى الايرانى التركى الاماراتى المدعوم بطائرات بدون طيار فى حالة ابادة لجبهة الشمال الاثيوبى.
وقالت هناء حماد الباحث في الشان الاثيوبي، ان التعنت الذى عانت منه جميع الجبهات والأقاليم الاثيوبية عدا اقليم الأمهرا، والذى جلب ردود افعال عالمية منددة بتلك الابادة الجماعية مدعومة بتقارير حقوقية من قبل الأمم المتحدة.
أوضحت لـ الزمان ان مجلس الامن عقد جلسة خاصة باثيوبيا قبل اسابيع للتصويت على قرار التحقيق فى الابادة الجماعية واغتصاب النساء فى اثيوبيا، وكان مخيبا للأمال ان صوت العديد من الدول الافريقية على عدم اجراء التحقيق، ولكن انتهت الجلسة بالتصويت لصالح اجراء تحقيقات موسعة بشأن الاحداث فى اثيوبيا دعمتها الدول الغربية ورفضتها الصين ومعظم الدول الافريقية.
اضافت الباحثة ان التعنت امام الاجراءات الاقتصادية الامريكية التى اقرتها الولايات المتحدة وقامت بتنفيذها بداية يناير الجارى بوقف العمل بقانون المعاملة التفضيلية للمنتجات الاثيوبية والمعروف ب"اجوا " جعلت مصانع النسيج تتوقف بكامل طاقتها وصناعات أخرى بل ورحل عددا من المستثمريين عن اثيوبيا بسبب وقف التعامل بهذا القانون ونتجت عنه خسائر بمليارات الدولارات.
اشارت هناء الي تصريح بيريت اندرسون رئيس لجنة جائزة نوبل باستياء اللجنة من رئيس الوزراء الاثيوبى الحاصل على نوبل للسلام فى حين انه كان المسؤول الاول عن اسباب الصراع الذى وقعت فيه بلاده ونتج عنها ابادة جماعية وحروب اهلية..
لفتت الباحثة الي رد فعل ذلك التصريح علي ابى أحمد التي جعلته يقدم على خطوة غير متوقعة بعد حديثه لبايدن خلال مكالمة هاتفية وصفتها الادارة الامريكية بانها تحذيرات لانهاء الصراع الدائر بين الاثنيات والعرقيات الاثيوبية، فى حين وصفها ابى احمد كونه حديث مثمر وتوطيد للعلاقات الغائبة منذ فترة بين اثيوبيا والولايات المتحدة الامريكية.
وقالت هناء ان الخطوة تمثلت فى الافراج عن جوهر محمد المعتقل واحد أهم اسباب انقلاب الاورومو على ابى أحمد، وكذلك الافراج عن ادناشى ابغا زعيم فى جيش جبهة تحرير تيجراى وبعض القيادات الأخرى ليدخل آبى أحمد فى صراع جديد من نوعه وهو انقلاب الامهريين انفسهم وانقسام بين صفوفهم بسبب الافراج عن هؤلاء المعتقلين ووصفه البعض بانه قد يؤدى الى انقلاب داخل صفوف الجيش الامهرى الفيدرالى وهو شئ وارد .
أكدت الباحثة في الشان الاثيوبي ان من يعتقد ان الوضع فى اثيوبيا قد اصبح افضل وان الحرب قد انتهت او توقفت قد يغير وجهة نظره عندما يتابع الاحداث التى جعلت امريكا ترسل مبعوثها الجديد والسفير السابق لدى تركيا " ساترفيلد" والذى حل محل "فيلتمان" المبعوث السابق للأمم المتحدة فى القرن الافريقى .
في جولة تمتد من ١٧ حتى ٢٠ يناير الجارى تبدأ بالسعودية مرورا بالسودان وانتهاء باثيوبيا لوضع الية لانهاء الصراع ووصول امدادات الغذاء والدواء وخاصة الانسولين والذى منعت وصوله الحكومة الفيدرالية الاثيوبية الى اماكن الصراع وخاصة أقليم تيجراى واقليم العفر وهرر واوروميا، وكذلك انهاء الغارات الجوية على الشمال الاثيوبى والذى ادى الى مقتل العشرات من التيجراويين خلال الايام الماضية.
اوضحت هناء ان هذا الاجراء جعل ابى أحمد يوجه الدعوات الرسمية لبعض رؤساء الدول الافريقية والغربية لتسويق نفسه من جديد امام الداخل الاثيوبى وايضا أمام القوى الاقليمية والدولية، وخرج منذ يومين فى بيان رسمى ليشكر دعم قادة الدول الافريقية لعقد الاجتماع ال٣٥ للاتحاد الافريقى فى مقره بأديس ابابا، معتبرا ذلك انتصارا لاثيوبيا التى ارادت القوى الضاغطة فى المنطقة انتزاع عقد الاجتماع فى مقر الاتحاد باديس ابابا!!!!!!!!!
فى حين ان كل ما سبق ورغم دعوته " للمصالحة الوطنية" او حملته التى يسوق نفسه من خلالها لكسب صف الدول التى وقفت امام مشروعه لاستعمار الداخل الاثيوبى وترويضه من خلال حملة “no more “ لوقف الحرب ضد الاثنيات والعرقيات المعارضة وعلى رأسها جبهة تحرير تيجراى ورفض دعوتهم الى مائدة المصالحة والحوار الوطنى ووصفهم بالارهابين والخلايا السرطانية حسب البرلمان الاثيوبى، واكد انه لكى يضمن سلامة اثيوبيا وبقاؤها لابد من استئصال تلك الخلايا السرطانية.
وتري الباحثة في الشان الاثيوبي انه على الرغم من التقديرات الاولية لإعادة اعمار المناطق المنكوبة فى اثيوبيا والتى قدرت بحسب تصريحات وزراء ابى أحمد بما لا يقل عن ٣٠ عاما، الا ان الخطاب الذى يتناوله ابى أحمد ويوجهه للداخل مغاير للواقع ويعود فيه لنفس الاساليب القديمة من الالتفاف على قضية قومية مثل قضية سد النهضة، التى عاد ليؤكد ان اثيوبيا بصدد انتاج الطاقة الكهرومائية من السد الاثيوبى وكذلك بصدد الاستعداد لتعلية الممر الاوسط والبدء في الملئ الثالث..
وقالت ان هذا هو ما يهم مصر بالمقام الاول، فإن جميع التقديرات تؤكد انه لا سبيل لانهاء ازمة سد النهضة سوى الجلوس الى مائدة التفاوض من جديد قبل الشروع فى اى اجراء جديد من قبل الجانب الاثيوبى من استكمال الانشاءات او البدء بالملىء الثالث ورغم انه شئ مستبعد بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية فى اثيوبيا، الا انه امر وارد كونه بدعم من جهات دولية لها مصالح بمنطقة القرن الافريقى.
وقد يكون الجلوس الى مائدة المفاوضات الثلاثية هو أمر صعب ايضا نظرا للظروف الداخلية لكلا من السودان واثيوبيا، موضحة انه على الرغم من الاخبار المتداولة بشأن وجود تسريب اسفل جسم السد، ووجود بحيرة تهدد جسم السد، الا انها تصريحات غير علمية .
وبحسب الجيولوجيين فان ما يهدد جسم السد ويحدث التشققات التى تحاول اثيوبيا ملؤها بالخرسانة هو كون السد اقيم بالاساس فى منطقة صخور بركانية يحدث فى صخورها تشققات وهو ما يهدد جسم السد فى حالة الملئ ل٧٤ مليار متر مكعب كما هو مخطط عند الانتهاء من ملئ السد.
وفى كل الأحوال فأن مصر لا تمانع ابدا من عملية التنمية الافريقية، بل وعرضت المشاركة منذ بدايات الفكرة حسب تصريحات المسئولين المصريين والتصريح الأخير لرئيس الوزراء المصرى ل بى بى سى قبل يومين.
وعلى الرغم من التصريحات بأن مصر لديها امكانية استخدام جميع الخيارات للحفاظ على حق الحياة المتمثل فى عدم نقص كمية المياه، الا انه وبعد تغيير الكثير من الاحداث والتحالفات التى تحدث بالمنطقة، أصبح من الضروري التقارب مع الحكومة والشعب الاثيوبي، وخاصة مع بداية سنة جديدة فى رئاسة الاتحاد الإفريقي ستقوده دولة السنغال بقيادة "ماكى سال" للوصول الى حل واتفاق ملزم ودعم للشعب الإثيوبي لتجنب دخول المنطقة في حرب جديدة وهى حرب المياه بالإضافة للحروب القائمة على الحدود والموارد و العرقيات.
في سياق متصل اوضح الدكتور محمد عبد الكريم احمد الباحث في الشان الاثيوبي، ان السياسة الامريكية في القرن الإفريقي بشكل عام، وإزاء الأزمة الإثيوبية المتفاقمة منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في نوفمبر 2020م، مأزقًا خطيرًا بعد خسارتها اثنين من أبرز حلفائها في الإقليم، وربما في القارة الإفريقية بأكملها -حسب كثير من المراقبين الأمريكيين.
هما آبي أحمد ورئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك. وتزايد مع نهاية العام الماضي ومطلع العام 2022م انتقادات وجّهها محللون أمريكيون إزاء تردُّد بلادهم في انتقاد "هجمات متمردي التيجراي" على "الحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا"، والنظام الدستوري (مع ملاحظة استمرار عمل إثيوبيا بدستور مؤقت منذ تسعينيات القرن الماضي في ظاهرة دستورية نادرة قياسًا لدولة بحجم إثيوبيا وأهميتها إفريقيا).
اضاف عبد الكريم ان صمت "واشنطن وبروكسل" على الاعتداء شجّع المتمردين على توجُّه أنظارهم نحو أديس أبابا، وأن يكون هدفهم النهائي هو عزل آبي أحمد، وبموازاة هذه الرُّؤى الآخذة في التصاعد، ومن منظور أمريكي صرف، رأت واشنطن أن خطوتها المتمثلة في تعيين مبعوث أمريكي جديد للقرن الإفريقي (السفير السابق في تركيا ديفيد ساترفيلد) خلفًا للمبعوث الحالي جيفري فيلتمان (المقررة نهاية يناير الجاري)؛ ستشكل "في حد ذاتها" بداية مرحلة جديدة للصراع الإثيوبي.
بالتزامن مع موافقة مجلس الشعب الإثيوبي على تكوين مفوضية الحوار الوطني حيث تسعى لحلول سياسية للانقسامات العديدة داخل المجتمع الإثيوبي"، رغم أن الحوار على النحو الذي صوّرته حكومة آبي أحمد لن يشمل المعارضة المسلّحة للحكومة، ومن ثَم فإنه لن يؤدي إلى طريق نحو محادثات أكثر شمولًا وأهمية، حسب أجندة المفوضية.
اشار الباحث في الشان الاثيوبي ان الرؤية الأمريكية الحالية تجاه آبي أحمد وأنصاره مرتبطه بتاريخ العلاقات الأمريكية الإثيوبية، وتأكدهم من تغاضي واشنطن -المتعمد والدالّ في جوانب كثيرة- عن القمع الداخلي والانتهاكات التي استمرت طوال أعوام هيمنة جبهة تحرير التيجراي، وتساؤلهم عن دوافع الولايات المتحدة الأخيرة. ويأتي هذا الاعتبار وسط مخاوف موضوعية من أن تقود الدبلوماسية الأمريكية الحالية إلى إعادة إنتاج نظام على غرار نظام جبهة التحرير الديمقراطية الإثيوبية المنحلَّة بقيادة جبهة تحرير التيجراي
وفي المقابل فإن بعض جماعات الأمهرا المسلحة (التي دعمت آبي أحمد طوال أكثر من عام مضى) ترى في الوقت الحالي أن قرارات العفو التي أصدرتها الحكومة بحق معارضين سياسيين مطلع العام 2022م تمثل خيانة. كما يتوقع أن تواصل إريتريا أجندتها الخاصة دون النظر لجهود الإثيوبيين تسوية مشكلاتهم وخلافاتهم السياسية سلميًا. كما تظل مسألة محاسبة الأطراف المتورطة في انتهاكات وجرائم حرب عالقة مستقبلًا.
ويمكن تلمُّس الأهمية التي تُوليها واشنطن لوساطتها في الأزمة مع تعيين مبعوثها الجديد للقرن الإفريقي في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بهذا الخصوص، وتأكيده "أنَّ عدم الاستقرار الجاري في القرن الإفريقي والتحديات السياسية والأمنية والإنسانية المتشابكة في الإقليم تتطلب تركيز الولايات المتحدة الدائم. وأن خبرة السفير (الأمريكي السابق في تركيا ديفيد ساترفيلد) الدبلوماسية لعقود، وعمله وسط بعض أكثر الصراعات في العالم تحديدًا ستكون أداة مهمة في جهدنا المتواصل لتعزيز قرن إفريقي سلمي ومزدهر، وتقدم المصالح الأمريكية في هذا الإقليم الاستراتيجي.
وثمة ملاحظة مهمة هنا تتعلق بالآثار الواضحة لمقاربة إدارة بايدن للأزمة الإثيوبية (التي استهلكت جُلّ جهود الإدارة تجاه القارة الإفريقية في العام 2021م دون تحقيق النتائج المرجوة) في السياسة الداخلية، كما تجسّد مؤخرًا –على سبيل المثال- في تصويت التجمعات الإفريقية –لا سيما الإثيوبية منها- في ولاية فيرجينيا لصالح المرشح الجمهوري لتولّي منصب الحاكم بها على خلفية ما اعتبره الكثير منهم "ألم التجاهل" وأسلوب "بايدن" في الأزمة الإثيوبية.
وقال عبد الكريم ان الصين تملك هي الاخري حضورًا لافتًا ومتزايدًا في إقليم القرن الإفريقي وإثيوبيا بشكل خاص غلب عليه الطابع الاقتصادي، وتبعه اهتمام بكين العسكري متجسدًا في إقامة قاعدتها العسكرية الوحيدة خارج أراضيها في جيبوتي (2016م)، وامتد هذا النفوذ في الأزمة السياسية الحالية في إثيوبيا إلى التدخل المباشر في التطورات السياسية في الإقليم بالمخالفة للسياسة الصينية المعلنة بعدم التدخل في شؤون الدول.
وتشمل مصالح الصين في القرن وجودها العسكري في جيبوتي، وسعيها حسب الدبلوماسية الأمريكية لإقامة قاعدة عسكرية في كينيا، كما أنها أكبر مستثمر أجنبي مباشر في إثيوبيا التي يعاني اقتصادها بقوة من الإنفاق على الحرب وتداعياتها الاقتصادية.
وبادرت الصين بإعلان استحداث منصب مبعوثها للقرن الإفريقي، بينما تراجعت دبلوماسية الولايات المتحدة في الإقليم برُمّته فيما اعتبره مراقبون رغبة صينية للاستفادة من تراجع حدة الأزمة في إثيوبيا؛ للضغط من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والتوجه نحو السلام، أو مرحليًّا التنافس مع الولايات المتحدة في استقطاب جهود الوساطة الكينية في الأزمة الإثيوبية التي تحظى بدعم أمريكي واضح حتى اللحظة الحالية.
وفي سياق الدبلوماسية الصينية النشطة في القرن الإفريقي منذ نهاية العام الماضي بزيارات وزير خارجيتها "وانج يي" لثلاث دول في إقليم القرن الإفريقي وشرق إفريقيا (إثيوبيا وإريتريا وكينيا)، حثت الصين دول القرن الإفريقي على تسوية خلافاتها الإثنية والدينية والإقليمية المتنوّعة "بطريقة إفريقية".
في تطابق للرؤية مع ما تروّجه أديس أبابا من تبنّي حلولا إفريقيا للمشكلات الإفريقية، وتجاهل أيّ دور "ضروريّ أو مفترَض" للمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مِن قِبَل الحكومة الإثيوبية ضد مواطنيها، وجاءت مقاربة بكين لتطابق تطلعها لدور نَشِط للغاية في القضايا الأمنية في الإقليم في الفترة المقبلة
ويمثل التنافس الأمريكي- الصيني في الإقليم ورقة رابحة في يد "آبي أحمد"، فبينما كانت الولايات المتحدة المانح الأكبر لإثيوبيا حتى اندلاع حرب التيجراي حيث منحتها وفقًا لجيفري فيلتمان 4.2 بليون دولار في الفترة 2016-2020م على خلفية اعتبار واشنطن لإثيوبيا شريكها المستقر في الإقليم.
مقابل دعم الأخيرة لواشنطن في كافة مجالات اهتمامها في القرن الإفريقي لا سيما الحرب على الإرهاب في الصومال؛ فإن تراجع هذا التأثير الأمريكي في إثيوبيا (والقرن الإفريقي)؛ أظهر استعداد الصين التام لشغل "فراغ القوة" هذا، لا سيما بعد مؤشرات قوية على انتهاج الصين دبلوماسية الانخراط السياسي المباشر في شؤون القرن الإفريقي بالمخالفة "لتقاليد السياسة الخارجية الصينية" التي تنأى -حسب تأكيدات بكين- عن التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى