«جريد النخيل» ثروة مصر المهملة
تمتلك مصر من الموارد ما يؤهلها إلى سد عجز الموازنة العامة للدولة وتحقيق فائض -إن صح التعبير- بمجرد تحقيق الاستغلال الأمثل لبعض تلك الموارد والتى لا يحسن استغلالها وعلى سبيل المثال لا الحصر أهملت مصر -وعلى مدار سنوات- استغلال "جريد النخل" والمثبت علميًا أنه البديل الأفضل للأخشاب المستوردة وصفاته الميكانيكية تتطابق مع الخشب الأمريكى بما يؤهل مصر إلى دخول السوق الأمريكى بمنتج جديد تمتلكه وبوفرة حيث تمتلك مصر بحسب آخر الإحصاءات غير الرسمية 15 مليون نخلة وينتج عنهم مخلفات يمكن الاستعانة بها فى صناعات جديدة بدلاً من الصناعات التقليدية التى يدخل بها "جريد النخل".
"الزمان" وفى السطور التالية تلقى الضوء على واحدة من أهم الصناعات المهملة والتى يمكن لها توفير ملايين الدولارات للخزانة العامة تستطيع استخدامهم لاحقًا فى توفير الإمدادات الطبية والسلع الاستراتيجية.
المهندس حلمى صالح "صاحب مزرعة للنخيل" يقول: فكرة استغلال جريد النخل فى مصر لم تدخل حيز التنفيذ منذ سنوات بعيدة وهى فكرة قابلة للتنفيذ وبسهولة وليس الجريد فقط هناك مخلفات تنتج عن النخل يمكن دخولها فى صناعة الأسمدة الطبيعية الصالحة للتربة الزراعية لكن للأسف فكرنا توقف عند استخدام جريد النخل فى صناعة الكراسى الخشبية وبعض التحف والأنتيكات دون التفكير فى أشياء أخرى، ومن خلال اهتمامى بالصناعات المشتقة من جريد النخل اطلعت على عدد من الأبحاث العلمية لتحقيق أحسن استفادة من مزرعتى وفى كلية الهندسة بجامعة عين شمس خلال الفترة من 1989 إلى 1995 تم إجراء الاختبارات وفقاً للمواصفات القياسية العالمية على عينات جريد النخيل سلالات البلدى والسكوتى والذكور والسيوى والأمهات والعزاوى والحيانى والعامرى والعجلانى وبنت عيشة من محافظات الوادى الجديد ومطروح والشرقية والبحيرة والجيزة والفيوم والمنيا وسوهاج وقنا وشمال سيناء وكفرالشيخ وبنى سويف والقليوبية وأسوان وأثبتت النتائج بشكل حاسم وقاطع أن المواصفات الميكانيكية لجريد النخيل تلبى متطلبات المواصفات الأمريكية للأخشاب الصلدة والطرية، وهذا إنجاز يسجل لهندسة عين شمس وهو أنه لأول مرة فى التاريخ تم اكتشاف أن جريد النخيل يضاهى الأخشاب فى صفاته الميكانيكية، مما فتح الباب واسعاً لاستخدام جريد النخيل بديلاً للأخشاب المستوردة، حيث قمنا بتصنيع ألواح كونتر بانوه مع استخدام جريد النخيل كطبقة حشو بديلاً للأخشاب المستوردة الموسكى والبياض، ولقد أثبتت نتائج الاختبارات التى أجريت فى معهد ميونيخ لبحوث الأخشاب عام 1996، أن ألواح كونتر الجريد تلبى المواصفات الألمانية وتضاهى فى مواصفاتها الميكانيكية الألواح المصنوعة من الأخشاب.
وتابع، من خلال تجربتى مع بيع وتصدير جريد النخل، فإن الفكرة جيدة لتحقيق التنمية الذاتية للقرية المصرية والعربية من الناحية الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية فهو مورد موجود فى كل محافظات مصر، بإجمالى 15 مليون نخلة إناث ويرتفع الإجمالى إلى 100 مليون نخلة فى كل الدول العربية وللنخيل تاريخ طويل مع المصريين فقد استعان القدماء بجذوعه فى عمل سقوف منازلهم ومقابرهم المبنية بالطوب اللبن كما صنعوا تيجان أعمدة معابدهم على شكل قمة النخلة بما تحمله من جريد نخيل كذلك تثبت الأدلة التاريخية أنهم صنعوا الغرابيل مستخدمين فى صنعها خوص النخيل وليفه كما كانوا يصنعون فخاخ الصيد والأقفاص الشائع استخدامها حتى الآن وكذلك الأسرة والكراسى.
وحول قبول الفكرة لدى المستهلك بخصوص أهمية جريد النخل كبديل للخشب، يقول الدكتور محمود عثمان "أستاذ الهندسة الزراعية": مخلفات النخيل ثروة قومية تعود علينا بالنفع حال أحسنا استغلالها، فإذا أولت الدولة اهتماما بالنخيل فى مختلف محافظات الجمهورية واستفادت منه فى الصناعات الغذائية وصناعة الكمبوست والعلف والخشب، ستحدث طفرة فى اقتصادها خاصة أنها تمتلك كل هذه الخامات الطبيعية، مشيرا إلى أنه لا يوجد فى مصر حتى الآن مصنع واحد يعمل على جريد النخيل، لكن هناك مصانع أخرى تعمل على صناعة الخشب من نشارة الخشب والقصب، موضحا أن مكنة فرم جريد النخيل نفسها تكلفتها منخفضة لا تتعدى 30 ألف جنيه.
وتابع، الصناعات القائمة من الخيل بدائية جدا لا تتناسب مع امتلاك مصر أكثر من 15 مليون نخلة، مضيفا أن تطور صناعات النخيل سيخلق الكثير من المنتجات ذات الجودة العالية والتكلفة المنخفضة فى المحافظات التى يوجد بها النخيل، كما سيحمى البيئة من التخلص الضار منها.
واستطرد، من الممكن الاستفادة من التقنيات البسيطة والخامات المحلية فى توفير فرص عمل فى الريف وخفض معدلات البطالة المرتفعة، وسوف أكتفى هنا بذكر أمثلة بدائل الأخشاب ومنتجاتها مثل الأثاث العصرى وألواح الباركيه وتجاليد الحوائط ومنتجات الخرط العربى وصولاً لألواح الـMDF والمؤلفات الليفية البلاستيكية والأعلاف غير التقليدية والسماد العضوى وصولاً لحقائب السيدات من خوص النخيل وكلها منتجات نستطيع استخراجها من جريد النخيل وعدم استغلالها سوء إدارة منا.
من جانبه، قال حسين عبدالرحمن أبوصدام نقيب عام الفلاحين إن مصر تملك أكثر من 15 مليون نخلة وأن جريد النخيل يمكن أن يحل محل الكثير من أنواع الأخشاب فى صناعة الأثاث والكثير من الأغراض المنزلية وتسطيح حظائر المواشى ومزارع الدواجن كبديل رخيص الثمن عن الأخشاب
وأضاف عبدالرحمن أن جريد النخيل ما زال يستخدم بشكل بدائى فى صناعة الكراسى والسراير وبعض أثاث الفنادق والمنازل لكن استخدامه بالشكل الأمثل لم يحدث بعد ويمكن بدعم الدولة لصناعة الأخشاب من الجريد أن يوفر آلاف فرص العمل ويوفر ملايين الدولارات التى تستنزف لشراء الأخشاب المصنوعة من الورق المقوى أو التبن والخشب الحبيبى وأوضح أبوصدام أنه يأمل أن تأخذ الجمعيات الخيرية زمام المبادرة لإنشاء مصانع تعمل على تحويل جريد النخيل لأثاث وخاصة فى القرى حيث تتوفر أشجار النخيل بكثرة بحيث تجذب الشباب من الجنسين للعمل بما يدر دخل للأسر على أن يساهم الخبراء والعلماء والمستثمرين لإنجاح هذه الفكرة كلا فيما يخصه.