اقتباسات الشاعر الأندلسى
إن إعجاب الصفدى بأشعار الأندلسيين لم يقف حائلًا بينه وبين انتقادها، والوقوف على ما اقتبسه الشاعر الأندلسى من غيره من شعراء المشرق، فنجده من حين لآخر يقيم موازنة بين هذه الأشعار، ويقف متمحصًا القول فيمن سبق إلى هذا المعنى أو ذاك، مع إظهار مزية الحسن أو التفوق عند كل منهم، مثلًا فى قوله:
"وما أحسن قول المعتضد بن عباد يضمن قول أبى الطيب:
وما كنت بعد البين إلا موطنا لنفسى على أن لا يكون إياب
ولكنك الدنيا إلى حبيبـــــــــة فما عنك لى إلا إليك ذهـاب (1)
أشار إلى بيت أبى العتاهية:
حلقت لحية موسى باسمه وبهارون إذا ما قـلـــــــــب
وأورد أبياتًا لأبى الحسن الحصرى ولابن عمار هى:
قال الحصرى:
يا حرفة الشعراء إنك منهم حيث انتموا رزقا لبالمرصاد
لو حل بالوادى المقدس ركبهم لشفاء غلتهم لجف الــــوادى
ولو ابتغوا حلق الرؤوس بمكة حضر الرشيد بها وغاب الهادى(2)
فقال ابن عمار:
شـقـورة شــر دار وشــر زاد بـؤســا
عدمت هارون فيها فظلت أطلب موسى
علق الصفدى على شعريهما بقوله: "وقول ابن عمار والحصرى فيه شىء يؤخذان به هو إنما أراد ــ بهارون ــ قلب حروفه ليعود ــ نورة ــ وليس فى اللفظين ما يدل على القلب، وإن كان يمكن التأويل للحصرى بأن ما أراد إلا غيبة موسى الهادى وحضور الرشيد هارون لا غير، ولكن المتبادر إلى الذهن ذاك، فعلى كل حال قول أبى العتاهية أكمل". (3)
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا اجتهاد من الصفدى فى المقابلة بين النصوص، إلا أنه بالرجوع إلى هذه النصوص فى مضانها ــ كالذخيرة مثلًا ــ نجد أن الصفدى ينقل آراء ابن بسام، ولا فضل له فى الموازنة بينها، فقد جاء فى تأليفه بأبيات لابن الحناط هى:
لم يخل من نوب الزمان أديب كلا فشأن النائـبات تنـــوب
وإذا انتهيت إلى العلوم وجدتها شيئًا يعد بها عليك ذنـــوب
وغضارة الأيام تأبى أن يرى فيها لأبناء الذكاء نصيب
وكذاك من صحب الليالى طالبا جدا وفهما فاتـــه المطلوب
وهذا قول أبى الطيب :
و ما الجمع بين الماء والنار فى يد بأصعب من أن أجمع الجد والفهما (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيث ج1 ص 130
2ــ الديوان ص130
3ــ الغيث ج 1 ص261
4ــ الغيث ج2 ص128 أسقط البيت الثانى فى رواية الذخيرة والنص كله مأخوذ من الذخيرة ج1 ص 448