البداية هي ازالة التعفن
- هناك شيء ما متعفن في دولة الدينمارك
)Something is Rotten in the State of Denmark(
هذه هي الجملة المفتاح في مسرحية هاملت التي تدور عن الامير في البلاط الملكي، وازمته مع عمه الملك الذي تزوج امه بعد موت والده، ومأساته تنبع من ان شبح والده الملك يظهر له ليخبره انه مات قتلا على يد عمه بالتواطؤ مع امه التي تزوجت العم القاتل، وجملة "هناك شيء ما متعفن في دولة الدينمارك" جملة يقولها احد الحراس اثناء حديثه مع هوراشيو صديق هملت، وهي جملة يكثر اقتباسها في الادب السياسي تعبيرا عن الفساد الموجود في النخب الحاكمة، وهي تصلح ـ فيما ارى- مفتاحا لفهم الازمات التي تعاني منها بلادنا، بل هناك تطابق بينها وبين ما يحدث في مناطق الحكم والقيادة، في بلدان التازم والارتباك والفوضى مثل ليبيا، وتصلح تفسيرا لرعب ما يحدث فيها، قبل البحث عن تفسير له في المؤامرات الخارجية، والظروف الاقليمية والدولية، والتداعيات المحلية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة.
التفسير الذي ياتي على راس القائمة فيما تعاني منه بلدان ثارت على القمع مثل ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وتعاني اليوم مرحلة اشد ظلما ورعبا واجراما، ويعيشون حالة ارتهان لهذا الوضع الانتقالي البائس الذي زاد عن حده واجتاز المدى المعقول لاي ازمة سياسية او عسكرية او اقتصادية طارئة، ويدفع البشر العاديون الثمن، معاناة قاسية والما وضيقا وضنكا في المعيشة والامن، هو حقيقة ان هناك تعفن في مناطق الحكم، هناك اهل بلطجة واجرام في الميليشيات وصل الدرك الاسفل من الخسة والدناءة والحقارة، وهناك فساد مالي وسياسي اكيد ومكين لذى الاجسام السياسية، وهذا الاجرام لذى اهل السلاح وهذا الفساد المالي والسياسي لدى الاجساد السياسية، ليس الا انعكاسا لفساد اكبر في نفوسنا ولدى اهلنا وفي تربة المجتمع في بلادنا، ليتنا حقا نعرف تشخيصه والوصول الى اسبابه ودوافعه وجذوره ، ومن ثم الوصول الى علاج ناجع له قبل ان نستيقظ فنجد هذه الاقطار العربية قد لحقها الانقراض وتشظت الى دويلات عشائرية وطائفية ومناطق نفوذ لقوى اجنبية لم تهدف في يوم من الايام الا الى استغلال هذه البلدان وسلب ثرواتها واستخدامها مكانا لنفوذها وسيطرتها. ولاشك ان بداية اي اصلاح للعوار والفساد في هذه البلدان، والخروج من حالة التازم والارتباك والفوضى، ومعالجة الاوصاب والمحن والاحن التي ابتليت بها هذه البلدان العربية ، هي ازالة هذا العفن الذي وردت الاشارة اليه في المسرحية الخالدة، والذي هو فساد في عقول وقلوب فئة صغيرة ضالة موجودة في النخب من اهل الحراك السياسي في هذه البلدان. ونامل مع حلول العام الجديد، ان نرى املا جديدا وافقا جديدا وعهدا جديدا يشرق على عالمنا العرب ليحصل التكامل بين اقطاره ونبدا متضامنين متكاثفين رحلة ارجاع اللحمة العربية الى سابق عهدها ونعيد الهتاف الذي كان شعار مرحلة سابقة "امجاد يا عرب امجاد".