جريدة الزمان

تقارير

تكنولوجيا الغش «كابوس العصر».. وخطة الحكومة تسقط فى «فخ الطلاب»

أرشيفية
عوض محمد عوض -

تعد ظاهرة الغش فى الامتحانات من أخطر الظواهر، التى تعانى منها الكثير من دول العالم، ومنها مصر، التى أصبحت تعانى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة بشكل كبير، بسبب تفشى الفساد فى المؤسسات التعليمية وضعف الرقابة والقوانين واتساع رقعة الخلافات والمشكلات السياسية وغيرها من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

وبتقدم الثورة المعلوماتية وتطور وسائل الاتصال الحديثة، كما تنقل بعض المصادر، فقد اختفت طرق الغش التقليدية، إذ صار الطلبة يستخدمون طرقًا وتقنيات جديدة يصعب اكتشافها، كالهواتف الذكية، وسماعات "البلوتُوث" صغيرة الحجم وأجهزة إرسال دقيقة توضع خلف الآذان وتحت الملابس، وبعض الساعات الإلكترونية المزودة بشاشات وغيرها من الوسائل الأخرى، وهنا نرصد بعض آليات الغش المبتكرة:

الكتابة أو طباعة معلومات على أوراق بيضاء لا يمكن ملاحظة الكتابة عليها إلا بوضع قليل من الماء عليها لتظهر الكتابة.

الغش على الملصقات التجارية لعبوات المياه، إذ يصطحب عادة الطلبة عند الامتحان عبوات مياه للشرب وتكون عليها ملصقات العلامة التجارية لعبوة الماء ومن دون دراية المدرس المراقب يكون الطالب قد استعمل بطريقة غير شرعية هذه الملصقات لطباعة برشام عليها.

طباعة المعلومات على ورق شفاف وملفوف يوضع فى أقلام مخصصة إذ يمكن فتح ملفوف الورق بسحبه من بطن القلم بطريقة مبتكرة.

الهواتف المحمولة التى أصبحت قوانين التعليم والتربية تحظر استخدامها أو حملها فى أثناء الامتحان، إلا أن البعض قد يصطحب معه أكثر من جهاز متمسكًا بأمله فى الغش لكن عادة ما يسهل كشف من يستعمل هذه الوسيلة.

 استعمال البرشام الصغير وهى وسيلة تقليدية لكنها الأكثر شعبية والأكثر رواجًا بين الطلبة من خلال طباعة معلومات مكثفة فى أوراق صغيرة أو ملفولة وتخبئتها ثم التظاهر بها بشكل مخادع مع الالتفات الكثير ونقل البيانات منها على ورقة الامتحان، ومثل هذه الوسيلة عادة ما يتم كشفها من خلال الأساتذة المراقبين.

نظارات طبية يستعملها البعض للغش فى الامتحانات، فعندما نرى طلابًا يرتدون نظارات، نقول دائمًا إنهم يسهرون الليل والنهار فى المذاكرة، ولكن هل يمكن أن يكون ذلك نوعًا من أنواع الغش؟ هذا آخر ما توصل إليه عالم التكنولوجيا، فقد طور الطلاب طريقة حديثة للغش عن طريق نظارة طبية عادية تتكون من عدسات فى منتصفها كاميرا فيديو لا يمكن رؤيتها إلا بصعوبة شديدة، وفى نهاية النظارة قرب الأذن تحتوى على سماعة متناهية الصغر لا سلكية وبلون الجلد الطبيعى، وعندما يقرأ الطالب السؤال، فإن الكاميرا تنقل بشكل مباشر ما يقرؤه، ويكون هناك شخص آخر خارج الامتحان تنتقل لديه عبر الحاسب الشخصى أو عبر الهواتف الذكية، فيقوم بالبحث عن إجابة الأسئلة، ثم يقوم عبر الهاتف أو الميكروفون بتلقينه الإجابة، التى تصله عبر سماعة الأذن التى تحملها النظارة.

استخدام سماعات لاسليكة، حيث يقوم البعض باستخدام سماعات لاسكلية صغيرة متناهية الصغر للغش فى أثناء الامتحانات، فيقوم الطالب بوضع سماعة صغيرة بلون الجسم فى الأذن، وقد اتخذت الحكومة برئاسة المهندس شريف إسماعيل، مؤخرًا، ضوابط وقيود جديدة لمواجهة الغش وتسريب الامتحانات التى شهدتها الأعوام السابقة، منها طبع الامتحانات فى جهة سيادية، فضلا عن تغليظ عقوبة الغش والتسريب من ٣ سنوات إلى ٧ سنوات سجن وغرامة ٣٠٠ ألف جنيه، مع إلغاء جميع الامتحانات التى تنشر على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما اعتبره خبراء متخصصون، غير كافٍ لمواجهة عملية الغش والفوضى التى تشهدها الامتحانات، معتبرين أن الإجراءات الجديدة لن تحد من عمليات التسريب لأنها تعتمد على حلول جامدة وصلبة لا تستطيع مواكبة العصر والتطور التكنولوجى الحديث، كما أنها تم تطبيقها فى السنوات السابقة بشكل أقل دون حدوث أى تغيير أو محاسبة المسئولين عن التسريبات سواء داخل المطابع السرية أو المتورطين من المعلمين والطلاب، وعدم كشف كواليس أو نتائج التحقيقات للرأى العام.

وكانت وزارتا الشئون القانونية ومجلس النواب، والعدل، أعدتا مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم (101) لسنه 2015 فى شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، وقرر مجلس الوزراء فى اجتماعه الأخير تشكيل لجنة خماسية لدراسته مشكلة من وزارات الشئون القانونية والعدل والشباب والرياضة والتربية والتعليم والتعليم العالى، وذلك لمواجهة ظاهرة تسريب أسئلة وأجوبة الامتحانات على "فيسبوك" فى مراحل التعليم خلال الامتحانات السابقة.

واعتبر عبدالحفيظ طايل، رئيس مركز الحق فى التعليم، القرارات التى اتخذتها الحكومة لمواجهة الغش وتسريب الامتحانات لن تأتى بأى ثمار جديدة، لأن طبع الامتحانات فى مطابع سرية لن يحمى من تسريب ورقة الأسئلة لأن الورقة تمر بعدة مراحل منها اللجان السرية ثم المندوبون ثم الكنترول ثم المراقبون، ويمكن فى أى مرحلة من تلك المراحل أن يتم تسريب الامتحان.

ولفت إلى أن ظاهرة الغش لا يمكن القضاء عليها بشكل كلى لأنها موجودة فى جميع دول العالم، لكن بنسب متفاوتة وليست فجة وكبيرة كما حدث خلال السنوات الأخيرة فى مصر، ووصل الأمر لتسريب الامتحانات قبل بدء اللجنة، ولا بد من اتخاذ إجراءات حديثة ومواكبة للتطورات التكنولوجية لمواجهة الظاهرة.

وكان المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، اجتمع أواخر الشهر الجارى، مع وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، ووزير التربية والتعليم وعدد من ممثلى عدد من الجهات المعنية، للتشديد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة من أجل التصدى لظاهرة الغش وتسريب الامتحانات فى الثانوية العامة.

وأكد رئيس مركز الحق فى التعليم لـ"الزمان"، أن الحكومة غير جادة فى مواجهة عمليات الغش الممنهج والصريح، كما لم تلتزم بالشفافية فى مواجهة الحالات المدانة فى عمليات التسريب السابقة وتقدم نتيجة التحقيقات للرأى العام، بعد مرور عام لم ينل أحد من المشاركين فى تسريب الامتحانات السابقة أية عقوبة حتى الآن.

وقدم "طايل" مجموعة من الحلول التى تحد من عملية تسريب الامتحانات، قائلًا: يمكن أن يمر الطالب بعدد من الاختبارات والتقييمات الدورية خلال عام الدراسة منها اختبارات تحريرية وأخرى شفاهية، غير الاختبارات العملية، فعملية تجدد الامتحانات بصفة دورية خاضعة لإدارة المدرسة ستحد بشكل كبير من عملية التسريب لأن  الامتحانات ستختلف من إدارة لإخرى.

وقال إن معاقبة الطالب بـ7 سنوات سجن لن يحد من الظاهرة لأن الإجراء العقابى لن يكون له تأثير جاد، وأكبر دليل على ذلك الأعوام السابقة حيث كانت عقوبة الغش 3 سنوات ورغم ذلك لم يخش الطالب منها، فمنْ لم يهب عقوبة الـ3 سنوات لن يخاف الـ7 سنوات والغرامة، مشددًا على ضرورة إقرار عقوبة وتطبيقها على المتورطين فى الأعوام السابقة حتى يعتبر منها الآخرون.

وكانت الحكومة قد أكدت ضرورة توفير تأمين شامل لعمليات طبع وتوزيع أسئلة ورق امتحانات الثانوية العامة على كافة لجان الامتحانات وطبعها فى إحدى الجهات السيادية، عددها البالغ الـ1600 لجنة، فضلًا عن ضرورة تكثيف إجراءات التأمين على تلك اللجان.

وحول تورط معلمين فى عملية تسريب الامتحانات، ألمح رئيس مركز الحق فى التعليم، إلى أن المعلمين يتعرضون لضغوط كبيرة وصعبة ويمكن أن تؤدى بحياتهم، حيث يتم تهديدهم بالقتل وأشياء أخرى كثيرة فضلا عن ظروفهم المادية الصعبة، مطالبًا الحكومة بمعاقبة المتسببين فى فوضى الامتحانات السابقة قبل البدء فى تطيبق الإجراءات الجديدة.

وأيد الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى، حديث "طايل" حول ضعف المنظومة التعليمية والحكومية لمواجهة ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات، وقال إن العقوبات لا تمنع ظاهرة الغش ولا تقضى عليها.

وأضاف لـ"الزمان"، أن الامتحانات فى مصر وصلت لمرحلة صراع بين النظام وبين القائمين على عمليات الغش وسط تحدٍ واضح وصريح تناولته أغلب وسائل الإعلام، والذى بدا بشكل جلى خلال تسريب الامتحانات فى سنوات سابقة قبل بدء لجان الامتحانات فى السنوات السابقة، دون معالجة حقيقية لجذور الظاهرة.

 ولفت إلى أن المعلمين فى وضع لا يرثى له سواء على الجانب الاجتماعى والمادى مما دفعهم للجوء إلى الدروس الخصوصية والاستجابة لضغوط الخارجية للمساعدة فى عمليات الغش.

وأشار إلى أن النظام التعليمى فاقد المصداقية والشفافية ينتهى بشهادة لا تعنى شيئًا، ما أدى إلى وجود خريجين لا يحملون أى مؤهلات حقيقية يتطلبها سوق العمل.

وقال الخبير التربوى إن النظام التعليمى يحكمه الصراع القائم بين العقلية القديمة المتمثلة فى الغرفة السرية واللجان السيادية، وبين العقلية الجديدة المتمثلة فى التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال المتعدد التى يستخدمها الطلاب فى عمليات التسريب والغش، وتنتصر دائمة العقلية الحديثة على الضوابط التقليدية القديمة التى لا تصلح للعصر الحديث وتطوراته.

وطالب بإجراء الامتحانات بمدرسة الطالب دون التنقل للجان الواحدة، وتكون الاختبارات بصفة دورية أو شهرية بدلًا من امتحان الفرصة الواحدة والساعة الواحدة التى تساعد فى عملية الغش والتسريب، يعتمد فيها الطالب على الحفظ والتخزين، مؤكدًا أن هذه الطريقة سوف تقضى على الغش بطريقة مختلفة وسهلة لا تحتاج إلى عناء وجهد وتقيس قدرات الطالب بصفة دورية.

وشدد على أن هناك  حزمة من الأسباب وراء انتشار عمليات الغش وهى انفلات القانون، والظروف الاجتماعية، والثقافية، واللجان الخاصة، والحالة الفنية، والثاقفة العامة، والضغوط الاجتماعة، وأوضاع المدرسين.