أين وفاء الأمة.. للبررة الأوائل؟؟!! «4»
الدين من أجله ومن أجلهم!!.. يئن ويبكي !!«الجزء الرابع»
وما زلنا مع تلك الصفحة المؤلمة من التاريخ الأشد حساسية.. ذلك التاريخ الذى اكتنفه الغموض فى كثير من الأحايين.. واشتدت فيه الحيرة والاضطراب فى أحيان كثيرة أخرى..
فلا يدرى كاتب منصف.. يتحرى الحقيقة ويتلمسها.. بأى مذهب يستمسك؟؟!!.. وعلى أى رأى يعتمد؟؟!!... وبأى قصة يأخذ؟؟!!... فالروايات تتضارب والمذاهب تختلف والأحداث كل يكيفها على وجهته!!!... وأحيانًا أخرى يكيفها البعض على هواه!!..
مما يستدعى الألم وعظيم الأسف فى أى شيء نفتش؟؟!!! .. على أى شيء نبحث؟؟!! .. وراء أى نقيصة ننبش؟؟!!.. ووراء من؟؟!!.. كما لو كنا على خلاف معهم من الوهلة الأولى .. كما لو كنا نتصيد الأخطاء ... كما لو كنا قد اتخذنا موقفًا عدائيًا بل وصريحًا.. ومن المضحك المبكى المثير لأبلغ سخرية فى عمل أكبر دراما سوداء فى «تراجيديا» سخيفة يشهدها القرن العشرين .. وتتأسى عليها الليالى والأيام.. تشمئز منها الإنسانية.. ويئن لها الإسلام بعد أن ضجرت منها السماوات والأرض..
تلك السماوات والأرض التى تتعجب من فعل ذلك الإنسان الضعيف الجاحد الناكر لصحبة من كانت له السماوات والأرض... الذين لا أدرى ماذا هم فاعلون يوم العرض عرايا؟؟!!... حتى من عمل صالح يسترهم!!!... حين كانوا فى الدنيا مشهرين مسمعين بباطل عظيم ومع من؟؟!!.. وضد من؟؟!!.. مع الصحابة العظام للرسول الكريم.. خير الأنام.. هؤلاء المعتدون الذين يحاولون رسم بطولات مريضة.. بالتأكيد مريضة لأنه لا يمكن أن يكون هناك استقراء لأحداث أو لواقع ولمن؟؟!!.. للسابقين الأولين الذين ساهموا فى نشر الرسالة.. رسالة الإسلام.. ويكون هناك نكرات .. عفوًا!!.. نحن لا نسب أحدًا حاشا لله.. ولكن بالتأكيد أى أحد سواهم نكرات.. وإلا فماذا قدموا على الأقل فى الدينا قبل الدين!!.. إلا أنها لا تخدم إلا الفناء والعدم!!..
الدين الذى يئن ويبكي!!.. الدين الذى يصرخ ويسترحم.. الدين الذى هو نور الدنيا.. تاج الإنسانية .. عصمة البشرية.. يالحزنى وأنا أقول إن الدين هنا هو «الإسلام».. الذى لم يترفق به أبناؤه قبل أعدائه.. يالألمى وأنا أوصى بالإسلام.. أحاول أن أدافع عنه بعد أن دافع هو عنا فكان سترًا وغطاءً من جاهلية أولى كانت تعصف بجذور الإنسانية.. كادت تقلع أصل البشرية قبله..
فهذه الأحداث التى أشرنا إليها آنفًا ولايزال الحديث عنها مستمرًا كان لها أعظم الأثر فى توجيه تاريخ الأمة الإسلامية بأكملها من حينها ولوقتنا هذا..
لذلك فإن ألمى من أجل الإسلام عظيم جدًا .. الذين ما يستحق منا ذلك لا يستحق منا النيل منه.. لأن المساس بالسابقين الأوائل إنما هو يمثل اعتداءً صارخًا على الإسلام ونبيه .. فى وقت كان الإسلام فى حاجة إلى أبنائه للزود عنه.. ألا يكفى ما يقوم به أعداؤه؟؟!!!..
يا قوووووم.... أيها النااااااااس...
ألا يكفى ما يقوم به أعداؤه؟؟!!!... ليكون هناك جهال أو عملاء!!!.. ينتمون إليه فيكونوا أشد فتكًا به من هؤلاء الأعداء...
لذلك يبدو أن التاريخ الذى وصف بأنه معوق فى هذه الفترة ولم يكن فى تمام صحته وفى أتم عافيته إلا فى عصر النبوة.. فى سيرته العطرة التى نقلتها كل الكتب والروايات الصحاح.. فعندما أتصفح الكتب والمجلدات التى تحدثت عن حياة المصطفى العدنان.. لا نجدها تختلف ولا تتضارب ولا تتنافر ولا تتصارع فيما بينها .. ولكن وبعد وفاة خير الأنام حدث أن وعِك هذا التاريخ.. وتعرض لمرض عضال.. بل وأصيب فى مقتل.. فلا نكاد نجد صورة واضحة لحدث تاريخى ولا تكاد تسلم لنا سيرة رجل من رجالات الإسلام الأوائل من لغط حولها وتشويه وتشويش لحقيقتها... ومن إفراط وتفريط فى حقها..
والسبب فى ذلك.. إنما يرجع إلى البشر والهوى الذى تناولوا به الأحداث.. يرجع إلى التعصب الذى عرف طريقًا للإسلام حيث تسلل منه أعداؤه الذين اتخذوا من الروايات الواهية والمدسوسة والمكذوبة سبيلًا لتحقيق أهدافهم لتمزيق عرى الإسلام وضرب المسلمين.. خاصة أن الإسلام فى هذه الفترة اتسعت رقعته وزادت فتوحاته حتى بلغ آفاق العالمين...
ومن باب التأكيد على ما سبق وما ذكرته مرارًا وتكرارًا فى مقالاتى السابقة بعنوان «أين وفاء الأمة والبررة الأوائل».. من أن التاريخ الإسلامى دون أدنى شك أصبح عرضًا ومرمًا لسهام أعداء الإسلام وإن اختلفت مذاهبهم وعقائدهم وتعددت أغراضهم ونواياهم.. من أجل تحقيق أغراض بعينها وأهداف بذاتها.. ليكون من بين هذه الأهداف:
إحداث فجوة بين الإسلام وتاريخه.. والقصد من وراء ذلك بالطبع عزل المسلم المعاصر والنشء الصغير أو الشباب عن هويتهم وثقافتهم الأم.. بل عن ميراثهم ودينهم.. لذلك سعوا إلى نشر كل رواية باطلة تنتقص من شأن أعظم الرجال على الإطلاق الذين تحملوا عبء نشر هذه الرسالة.. وإلا وكيف يصلون إلى عصب الدين لضربه إلا عن طريق حملته الذين كان على عاتقهم تثبيت أركانه بعد رحيل نبيه ورسوله وهم الصحابة «رضوان الله عنهم جميعًا».. ثم من بعدهم التابعون وتابعو التابعين الذين حملوا هذا الدين على أكتافهم أمانة لمواصلة تسليمه إلى من بعدهم لتكون رسالة تتعاقبها الأجيال إلى يوم الدين...
وعلى ذلك يمكننا أن نستوعب هذا الغرض المسموم من الطعن فى تاريخنا والنيل من رجالات الإسلام.. والأدهى والأمر أنهم يصورون ما كان بين الصحابة من اختلافات ولم تكن أبدًا خلافات على الإطلاق كما سأؤكد ثانية.. على أنه لم يكن صراع على السلطة ولا من باب السيادة والنفوذ.. حتى ولو وصل إلى حد إراقة الدماء الزكية... التى كانت جراء دسائس من أعداء الإسلام للوقيعة بين الصحابة.. ومن هنا نكتب لنحذر من ذلك المسلك المشين الذى ينتهجه هؤلاء المنافقين منذ ذلك الحين وحتى الآن.. فى محاولة لضرب ثوابت الإسلام.. نعم فضرب الصحابة يعنى ضرب الإسلام فى مقتل.. لأنهم حاملوه ونقلته... إما بتغذية معاصرين جهال أو معاصرين عملاء حاقدين على الإسلام هو أدوات مباشرة فى ذلك الضرب..
وللمرة الثانية أؤكد:
فى تاريخ الإسلام رجال تعرضوا لمظالم.. مستهم الاتهامات.. ذلك عن طريق أحداث نالها التزييف.. مما أدى إلى فساد التقييم والأحكام إذ أثرت بشكل مباشر على تدمير وجدان وعقول جماهير المسلمين.. بالإضافة إلى انقسامهم أحزابًا وشيعًا...
ولكن لم يقف الأمر عند حد التزييف للأحداث.. وإنما انسحب على الإسلام نفسه.. فظهر الوضاعون والكذابون الذين افتروا على الله كذبًا ونسبوا للإسلام ما ليس فيه .. فكانت الكارثة كما لو كانت قنابل فتاكة.. كما لو كانت قذائف مدمرة... فما أشد من قذائف الباطل التى هى أشد حرقًا وفناءً من النيران... لا تخمد مع الأيام.. بل تزداد اشتعالًا وتجأجأ وتأثيرًا فى تدمير وحدة الأمة وتأريث العداوة والخلاف بين أبنائها.. مما يرسم صورة محزنة مؤلمة وياليتها تطول مجرد وحدة الأمة الذى يبدو وكأنه ذلك الجسد الممزق المهلهل الذى يستحيل التئامه.. وإنما هذا التمزق وتلك الهلهلة تصيب الدين نفسه..
ذلك لأن قوة الدين من قوة رجاله الذين حملوه وحفظوه.. ثم من تناقلوه ورفعوا رايته من بعد..
فقوة الدين تنعكس فى قوة التابعين لتتشيد معهم هذه الأمة القوية .. قوية بأى شيء؟؟... قوية بالوحدة والتماسك.. إذن قوية بالرجال لقوة الدين بداخلهم..
أيها الناس..
حين تتمزق الأمة دليل على ضعف الدين عندها.. لتكون المشكلة هكذا ليست فيمن حاولوا النيل منه فقط .. وإنما أيضًا فى من ينالون منه بالخرس والصمم لأصوات الباطل هذه!!... مما يستوجب منا محاولات التصدى على الأقل لغسل أيدينا أمام الله ورسوله...
إنها القارعة التى أصابت تاريخنا... إذ انتفع بهذا الخلاف أناس لا خلاق لهم من أعداء الإسلام المتربصين به الدوائر.. الذين يعنيهم بالضرورة أن تظل شمس الحقيقة غائبة.. أن يظل ظلام الشك مبسوطًا وممتدًا ومسيطرًا على العقول والقلوب.. لتظل شعوب الإسلام يسودها العداوة والبغضاء.. وتقع بينهم الفتن.. وتمتد إليهم الوقيعة..
والعجيب أن أناسًا فى عصرنا لم يراعوا الله فى دينهم ولا فى أنفسهم ولا فى مجتمعهم ولا فى شبابهم ولا فى هويتهم ولا فى ثقافتهم.. فاقتحموا باب الخلافات ليبرزوها ويجسدوها ويعلنوها ويلوحوا بها مع أن معظمها لا أساس له من الحق ولا الحقيقة.. مع أن معظمها من وحى خيال المردة والمرضى نفس منهجهم إلى حد كبير الذى نجحوا عن طريقه فى تفتيت الأمة والنيل منها...
والسؤال الذى ينبغى أن يطرح ماذا يعنى أن تنتهك حرمات الإسلام وتقذف أعراض أناس نكن لهم كل تقدير ومكانة؟؟!!...
أى معنى أن ينال من أشخاص ضحوا بالغالى والنفيس ليكون جزاءهم هذا العمل الذميم والدميم الذى يأباه الله ورسوله...
لقد توقفت وأنا أتأمل هذه التراهات وتلك الاتهامات والانتهاكات للأشخاص والأحداث.. أو لتلكمو الصفحات المغرضة المملوءة بالسموم والعيوب والأكاذيب والأضاليل.. عندئذ استرجعت تلك الكلمات التى كتبها «أبو الفرج بن الجوزي» صاحب كتاب «صيد الخاطر».. وهو يتحدث عن هذه الزمرة من الرجال فيقول: «إلا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات.. حفظ الله بهم الأرض بواطنهم كظواهرهم بل أجلى.. وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى.. وهممهم عند الثريا بل أعلى.. إن عرفوا تنكروا.. وإن رأيت لهم كرامة أنكروا.. تحبهم بقاع الأرض وتفرح بهم أفلاك السماء..» ...
أما أنا فأقول:
لا يستطيع قلم.. بل أقلام وإن اجتمعت.. والأوراق وإن تجمعت.. مهما بلغ عدد صفحاتها وإن امتدت.. والمحابر بأحبارها وإن امتلأت ففارت... أن توفى الصحابة الكرام حقهم مهما سطرت أو قالت.. فهم الكرام الذين أناروا سماء الدنيا فغطوا الكواكب وما غارت.. عظام لآلئ إلى يوم الدين بالدين وللدين درر أنارت.. قال فيهم الحبيب أصحابى كالنجوم تبارت.. ونحن نقول بعدهم الدنيا ما استقامت.. يستصرخهم الأتباع من هول أعداء وشرور استدارت.. أيها الباغى أذكرك بسيرتهم.. وعليكم دائرة السوء حتى أطمئن أنها عليكم قد دارت... ملوك الدنيا حتى وإن ذبلت ودفنت فى الأرض وقد غارت.. سلاطين الدين وزينته وزينة الأمة يوم الحساب لتكون بهم قد سبقت وفازت.. برهان عليهم يوم أن أخلصوا لنبيهم فى عهدهم معه شرفاء كالشمس ما غابت...
ياليت الكلام والوصف والثناء والسرد... يوفيهم حقهم، هذه الثلة من أبناء الإسلام الأولين.. الذين نال معظمهم شرف الشهادة والاستشهاد وفاء للدين.. وكانوا من السابقين ليوم الدين..
هؤلاء الكرام أبلوا بلاءً حسنًا حتى كتبوا بدمائهم الزكية وبأرواحهم الطاهرة وثائق التاريخ المشرف.. لهم منا كل الحب والتقدير والامتنان والعرفان بالجميل..
أقول هذا:
استمرارًا ونضالًا من أجل استجلاء الحق وكشف الحقيقة.. عما نالهم من زيف كلام المرجفين وأباطيل المنافقين.... وعن هؤلاء نتابع الحديث... بالحديث الواضح المبين حتى يستبين أمر سبيل المجرمين فى حق الدين.. خاصة حين يتناولون ويخوضون فى حق امرأة منذ أن كانت وحتى رحلت وإلى الآن هى شرف أمهات المؤمنين.. السيدة الطاهرة أم المؤمنين عائشة «رضى الله عنها وأرضاها»...
إنها بنت الصديق.. ذلك المخلوق صاحب القلب الرقيق.. للحبيب محمد نعم الرفيق.. السند والظهير رغم طول المسير وعورة الطريق.. فى حياته وبعد رحيله لم تبخل أو تضن بما استودعه معها للإسلام وللتابعين بنثر ما استودعه بين جنباتها وفى قلبها ووجدانها من نسيم وعبير ورحيق.. رغم ما عانته من بعده من دنيا ما كانت إلا واديًا سحيقًا.. تحاول فيه أن تكون فيه ذلك البلسم رغم ما كان من نيران وحريق.. فى فتنة عمياء اجتاحت لم تفرق بين عدو وصديق..
فهلموا نخطو بأقدامنا خطوة مباركة لندخل هذا البستان الذى غُرست فيه أبهى وأجمل وأعظم زهرة فى الكون كله.... فلقد غرست فى بستان الإيمان وشربت من ماء الوحى ففاح عبيرها وعطرها ما بين المشرق والمغرب...
إنها زهرة نبتت فى شجرة مباركة رسخت جذورها فى الأرض وارتفع غصنها فى السماء حتى كاد أن يعانق كوكب الجوزاء... إنها أحب الناس إلى قلب النبى صلى الله عليه وسلم بعد أبيها ...
إنــها عائـــشة التى ولدت «رضى الله عنها» بعد البعثة بأربع سنوات.. خرجت إلى الدنيا فوجدت نفسها بين أبوين كريمين مؤمنين ... بل وجدت نفسها ابنة خير الناس بعد رسول الله «صلى الله عليه وسلم»... فنشأت أم المؤمنين رضى الله عنها فى أحضان هذين الأبوين الكريمين... وترعرعت فى ظل هذا البستان الذى تنمو أشجاره فى تربة الإيمان وتشرب من ماء الوحى ... فكان أبوها كالدوحة الباسقة التى يستظل بظلها كالشجرة المباركة ذات القطوف الدانية التى تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ....