القول المبين بين الرئيس وأصحاب الدين!!..
يشهد المجتمع المصري في هذه الآونة الأخيرة جرائم من نوعية جديدة.. بعيدة عن قيمه ومبادئه زادت حدتها واتسعت رقعتها وانتشرت بصورة مخيفة تنذر بالشر المحدق وتدق ناقوس خطر يهدد سلامة المجتمع وأمنه واستقراره... وإلا فما الذي يدفع شابًا في مقتبل العمر لقتل والده؟؟!!.. مهما كانت الأسباب والدواعى!!..
صحيح أن هذه الحادثة التي وقعت في منطقة «المقطم» منذ أيام قليلة.. ليست الأولى وكذلك لن تكون الأخيرة..
لكن الغريب والمريب في تلك الجريمة الشنعاء!!!.. أن الدنيا من حولنا «لم تقم ولم تقعد»!!... إزاء هذه النوعية التي لم نألفها بعد في مجتمعنا الإسلامي والعربي بصفة عامة.. والمصري بصفة خاصة..
للأسف لم يستشعر ذلك المجتمع جسامة الجرم.. ولم ينزل الحادثة مكانتها من الاهتمام والعناية.. وإلقاء الضوء عليها والاقتراب منها..
الأمر الذي دعاني أتساءل ماذا عن هذا الصمت والسكوت الذي يصل إلى حد اللامبالاة لاستنكاره وكذلك وراء أسباب انتشار مثل هذه النوعيات من الجرائم؟؟!!.. البعيدة عن قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا وعقيدتنا وشريعتنا!!!!.... إذ أدت هذه الجريمة إلى أن يتجرأ هذا الابن على أبيه ليتخلص منه بتلك الفعلة النكراء الشنعاء!!..
فنحن لنا طريقتنا في التعامل كما أن لنا أسلوبًا يسيطر على علاقة الأفراد ببعضهم بعضًا!!!.. فما بالكم بعلاقة الأفراد داخل الأسرة الواحدة... الأسرة التي هي نواة المجتمع والخلية الأولى التى يتخرّج من تحت عباءتها الرجال الأفذاذ والنساء الفُضّليات...
عزائــي.. كل عزائي لهذه المؤسسة الضرورية والمهمة والخطيرة.. التي تواجه مأزقًا كبيرًا نتيجة عوامل داخلية وخارجية ... ومعطيات جديدة ومعقدة.. في عالم يعيش أزمة العولمة بكل روافدها وآثارها.. لا على الاقتصاد فحسب!!!!... وإنما على الحياة الاجتماعية!!... بكل ما تتضمنه من تكوين ونشأة وعوامل بقاء بل ووجود!!..
إننا تربينا على تقديس الآباء والأمهات.. تربينا على حبهم والولاء لهم.. وإكرامهم.. وبذل الغالي والنفيس من أجلهم.. خاصة عندما يبلغان من العمر عتيًا..
لهذا جاءت صرختي التي أحسب أنها ستكون في الفضاء أو سيذروها الهواء بعيدًا عن مسامع العقلاء والحكماء..
لقد أصيبت الأسرة في مقتل.. وترنحت من شدة الصدمات.. وكثرة الصراعات.. وتغيير الثقافات.. وتهاوي الأخلاقيات.. وموت كل جميل وجليل في حياة العائلات..
فاختفت منها.. وابتعدت عنها الأجواء الدافئة.. والعلاقات الوثيقة.. فغابت المودة والرحمة بين الزوجين حتى أسفرت عن هذا الجيل المهلهل الجريء المتطاول على من أوصانا بهم الله عز وجل في كتابه الكريم.. فتقطعت أواصرها.. وتمزقت أوشاجها إلى حد ينذر بخطر لا قبل لنا به..
خاصة في ظل سيطرة واستحواذ «العولمة» على مفاتيح التواصل.. ومنابع الثقافة.. وسائر أشكال التقنيات التي أصبحت تضرب بشدة على كل مبدأ.. وتهزم بعنف كل أصيل.. وتقطع الصلة بين الآباء والأبناء.. وتجول وتصول منفردة تقود سفينة الحياة.. وأبدًا!!!.. لن تصل بها إلى شاطئ النجاة وبر الأمان..
هكذا أفرزت هذه الأجواء الجديدة والتقنيات شديدة التأثير.. هذا المجتمع الخاوي المبتور.. والخالي من الجذور مما أدى إلى تهميش دور الأسرة.. بل واستبعادها بالكلية عن محيط التربية والتنشئة والنهوض بدورها ومهامها.. زد على ذلك حالة الارتباك المجتمعى والتخبط الأسرى نتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية أخرى!!...
لذلك وصل الحال إلى ضرب الخطوط الحمراء.. والسقوط في معترك لا يكاد ينجو منه أحد!!... ومن هنا نستقبل هذه النوعية من الحوادث ونتوقع أن تزيد!!!...
وإذا أردنا أن نبحث عن العديد من الأسباب والدواعى التي أودت بحياة الأسرة وشلّت حركتها وأفقدتها عن النهوض بمهامها..
فإن الطلاق هو الباب الذى تدخل منه الرياح الضارية العاتية التى لا تأتي بخير مطلقًا.. خاصة على الأبناء!!!.. ومن هنا نفهم ما هو سر قتل هذا الولد لأبيه؟؟!!!!.....
لذلك لنا وقفة يمليها الواقع.. ويدعو إليها الضمير الحي.. ويفرضها الظرف الذي نعيشه.. أقصد موضوع البيان الذي أصدره «هيئة كبار العلماء» تعقيبًا على لفتة كريمة صدرت من رئيس الدولة الذي استشعر الحرج نتيجة لما يعانيه مجتمعه ودولته المسئول عنها أمام الله عز وجل من أزمة عنيفه نتيجة لكثرة حالات الطلاق.. خاصة في السنوات الخمس الأولى من الزواج والتي بلغت ٤٠٪..
فما كان من سيادته إلا أن دعا «الأزهر الشريف» ممثلًا في شيخه الجليل.. للوقوف على هذه الظاهرة والعمل على حلها من خلال رؤية شرعية تتناسب مع حجم المشكلة... وتتوافق مع العصر.. لذلك سرعان ما تحرك «الأزهر الشريف» ليؤكد للجميع اضطلاعه بمهامه وتحمله مسئولياته وأمانة الكلمة والفتوى ومشاركته البناءة في الحد من هذه المشكلة من خلال هذا البيان الذي أوضح فيه عدة نقاط محددة لمواجهة هذه الظاهرة!!...
والعجيب أن البعض يصور الموقف على غير حقيقته ويضفي على الموضوع أبعادًا بعيدة عن الصواب.. ويحاول أن يعطي انطباعًا بأن هناك صراعًا قائمًا بين الأزهر والرئاسة..
ولا أدري أن المشهد يصل في مصر إلى هذه الدرجة ليكون سمة فيها.. الإصرار على تصوير موقف قاتم بين الرئاسة وبين كل مؤسسات مصر!!... وآخرها «الأزهر الشريف»!!..
أتعجب ممن يصورون هذا الانسجام بين مؤسسة الرئاسة والأزهر على أنه صراع.. ومن الملفت للنظر أن جهات أجنبية كثيرة ووكالات أنباء عالمية «كالإندبندت» وقناة روسيا الفضائية تشترك مع بعض الصحف المصرية وبعض الجهات كما لو كان هناك صلة بينهما أو معدًا بالداخل والخارج ومتفق عليه لهذا التصيد الخطير!!!...
وإن كان ذلك يعني أنه وبكل أسف لا تزال المؤامرة الخفية والمعلنه التي تعيشها البلاد لسنوات طوال الآن.. لا تزال مستمرة... وما أتعجب له عدم اليقظة لها والانتباه إليها... لنفطن إلى أنه إذا لم يكن المقصود إسقاط أنظمة وإنما هو الوطن نفسه!!.. والدليل على ذلك هو ذلك التربص والتصيد الخطير منذ اللحظة الأولى لتواجد الرئاسة الحالية.. وعلى أهون الأسباب.. واستمرار عمليات التغليظ والتقليب والتشنيع والتشهير والوقيعة والتناول المخزي المزري!!!!.... الذي لا يليق بشعب له عراقته لأنه حين النيل من رمزه .. إذن إهانة وضرب في المجموع بأسره... حين التصيد لرئاسته إذن البلبة والمغامرة والمقامرة بمصير أمة بأكملها...
لأن الرئيس من حقه أن يقوم بدوره في توجيه الجهات المعنية كل في اختصاصه... وذلك عندما يستشعر أن هناك أزمة مهما كانت هي!!!...
لمصلحة من ذلك التصعيد والوقوف عند كل توجيه من الرئيس لأي جهة مسئولة في الدولة.. والآن أخص الأزهر الشريف... حتى أنني أنتظر أي توجيه منه.. أتوقع الغلبة والثرثرة والسفسطة والتصعيد المخجل!!.. وكأن مشاكلنا قد انتهت ولم يكن لدينا غير التعليق على كل توجيهات الرئيس...
«خلاااص ربينا أولادنا».. ونجحوا في المدارس.. وحفظناهم القرآن.. عرفناهم أوقات الصلاة وأهميتها!!!!... عرفناهم صحيح الدين!!!...
وعرفناهم أصول الوحدة الوطنية.. عرفناهم من هي إسرائيل التي تحاربهم!!!!... خلصنا مشاكل الصحة والنظافة.. على الأقل نظافة شوارعنا أمام بيوتنا!!.. قضينا على الفساد الأخلاقي المستشري في مجتمعنا!!!.. هل عالجنا ظاهر التحرش والجهل المنتشر بين أبناء الأمة!!!!.... كل هذه الأمور لا تحتاج إلى رئيس ولكنها تحتاج إلى مرءوس يخشى الله عز وجل.. «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»...
فرغنا من كل هذا!!.. حتى نعلق على توجيهات الرئيس!!!... لنكون بذلك محللين سياسيين.. وفلاسفة!!!.. ونقادًا متخصصين.. ومصلحين اجتماعيين!!..
والغريب عندما تقال كلمة الحق.. لوضع الأمور في نصابها.. حتى لا يتم تحميل الوقائع أكثر من حجمها الطبيعي.. بالاتهام بالمجاملة والمحاباة.. أين المجاملة ولماذا؟؟!!... وأين المحاباة ولماذا؟؟!!...
أود مرة أن يكون النقد موضوعيًا!!.. أو الرد موضوعيًا!!!...
لأن ما يحدث ضرب في هذه المؤسسات نفسها.. ليس فقط في مؤسسة الرئاسة.. ومن الخير للجميع أن تبقى هذه المؤسسات لها هيبتها ومصداقيتها .. أن نحافظ عليها ليس فقط الرئاسة!!.. وإلا من الخطورة أن يصل الضرب فيها إلا إذا كان هذا المقصود فعلًا.. خلخلة أنظمة الدولة!!.. وأخيرًا!!.. لمصلحة من هناك صراع بين الرئاسة والأزهر!!.. الرئاسة التي هي رمز الوطن وصمام أمانها ... والأزهر هو ملجأ الحائرين.. ومغني السائلين.. عن جهات وأشخاص أفسدت أكثر مما أصلحت..
لذا كان في البيان ما يشير إلى طبيعة الأزمة التي تحتاج إلى الفتوى كما تحتاج إلى دراسة الأسباب الاجتماعية والسياسية والمادية التي أفرزت هذه النسبة المخيفة!!...
فالمسألة برمتها ليست من باب التحدي للرئيس كما يدعي البعض وإنما هي استجابة طبيعية لصالح عام لا يختلف عليه أحد..
لذلك لا يعنينا ما ذكرته «الأسوشيتد برس» التي نحت نحوًا بعيدًا عن الواقع واتخذت الموضوع ذريعة لتنسج بخيالها المريض موضوعًا بعيدًا عن الحقيقة وتعطي انطباعًا أن هذا الموقف نادر من مؤسسة تابعة للدولة في عهد الرئيس السيسي...
ولهم ولغيرهم أقول:
إن الأزهر يحظى باهتمام وعناية الدولة في عهد الرئيس.. ما لم يحظ من قبل.. وأن العلاقة بينهما أكبر من أن تنال لأن «السيسي» يضع تجديد الخطاب الديني من أولويات عمله... ودائمًا ما يحث الأزهر ورجاله على العناية بهذا الشأن في كل مناسبة لأنه يرى إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام جريمة لا تليق في حق هذا الدين ولا تقبل البتة!!!..
وعلى الأزهر بصفة خاصة.. مسئولية فك الارتباط الظالم بين الإسلام والإرهاب لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا!!!..
أما إذا انحرفت الأمور إلى مستوى ينال من الأزهر أو يمس رئيس الجمهورية.. فهذا أمر ينبغي على المجتمع بأسره أن يتحرك لمنعه وصده!!!..
وإذا كان أملنا في الأزهر كبير لاستعادة دوره ومهامه.. فإن رجاءنا لا ينقطع بأن يحفظ الله مصر ورئيسها من كل أسباب الفتن.. فوالله إذا تم التهليل للحق فهذا شرف وأفضل كرامة من التهليل للباطل «عمال على بطال».. الذي لن يكون من ورائه أكثر من الخراب الذي يؤسس له بلا حياء ويؤصل له دون أي رهبة من الله عز وجل!!..
والله وإن شاء الله رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين ومكر الماكرين ستظل علاقة الرئاسة بالأزهر بل وجميع مؤسسات الدولة قوامها الحب والمودة.. عصبها الاحترام والتقدير من أجل إعلاء مصلحة الوطن ورفع راية الدين!!..