الزمان
جريدة الزمان

مقالات الرأي

ذكرى ثورة يوليو ودرس من غانا

أحمد إبراهيم الفقيه
أحمد إبراهيم الفقيه -

تحل‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬ذكرى‭ ‬عيد‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬التى‭ ‬قادها‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬فى‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1952،‭ ‬ولاشك‭ ‬أنها‭ ‬نقلت‭ ‬مصر‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬إلى‭ ‬عهد،‭ ‬وفتحت‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة.

‭ ‬وعبأت‭ ‬الشارع‭  ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربى‭ ‬بمشاعر‭ ‬الولاء‭ ‬الوطنى‭ ‬والانتماء‭ ‬العربى،‭ ‬وأيقظت‭ ‬التراث‭ ‬المشترك‭ ‬لأبناء‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬أرضية‭ ‬يتحرك‭ ‬فوقها‭ ‬أهل‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬لفرض‭ ‬إرادتهم‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬تاريخهم‭ ‬وابتزت‭ ‬ثرواتهم‭ ‬وتسلطت‭ ‬عليهم‭ ‬تصادر‭ ‬حقهم‭ ‬فى‭ ‬العيشة‭ ‬الحرة‭ ‬الكريمة،‭ ‬فيما‭ ‬عرف‭ ‬بالظاهرة‭ ‬الكولونيالية‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬وهى‭ ‬الظاهرة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬مساهمة‭ ‬فى‭ ‬اندحارها‭ ‬وهزيمتها.

‭ ‬وكان‭ ‬لمصر‭ ‬دورها‭ ‬القيادى‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭ ‬التى‭ ‬شملت‭ ‬جانبًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬غير‭ ‬جهودها‭ ‬فى‭ ‬تعزيز‭ ‬قوى‭ ‬التحرر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى،‭ ‬وإشارة‭ ‬إلى‭ ‬صفحة‭ ‬جليلة‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬النضال‭ ‬العربى‭ ‬الأفريقى‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬غانا،‭ ‬التى‭ ‬قادها‭ ‬كوامى‭ ‬نيكروما،‭ ‬الزعيم‭ ‬الأفريقى‭ ‬الذى‭ ‬ربطته‭ ‬بالزعيم‭ ‬عبدالناصر‭ ‬أوثق‭ ‬وأمتن‭ ‬العلاقات.

‭ ‬فقد‭ ‬التقيت‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬ماضية‭ ‬بابن‭ ‬الزعيم‭ ‬نيكروما‭ ‬واسمه‭ ‬جمال،‭ ‬وسألته‭ ‬باعتباره‭ ‬ابنًا‭ ‬لأحد‭ ‬آباء‭ ‬الاستقلال‭ ‬فى‭ ‬غانا،‭ ‬كيف‭ ‬لم‭ ‬يرابط‭ ‬هناك،‭ ‬ويرعى‭ ‬تراث‭ ‬والده،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬حفظه‭ ‬وتذكير‭ ‬الشعب‭ ‬به،‭ ‬فقال‭ ‬لى‭ ‬إنه‭ ‬امتهن‭ ‬الصحافة‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬وترك‭ ‬مهمة‭ ‬إحياء‭ ‬تراث‭ ‬الوالد‭ ‬إلى‭ ‬شقيقه‭ ‬فى‭ ‬غانا،‭ ‬وحدث‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬أن‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬إكرا‭ ‬عاصمة‭ ‬غانا،‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬الانتخابات‭ ‬وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬الغانى‭ ‬جون‭ ‬كافور‭ ‬قد‭ ‬أمضى‭ ‬فترتى‭ ‬الرئاسة‭ ‬وأنجز‭ ‬مقرًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬كان‭ ‬حريصًا‭ ‬على‭ ‬إنهائه‭ ‬قبل‭ ‬مجيء‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬ليقوم‭ ‬بمراسم‭ ‬التسليم‭ ‬والتسلم‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬القصر،‭ ‬وكان‭ ‬درسًا‭ ‬فى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬عندما‭ ‬يبنى‭ ‬الرئيس‭ ‬للمستقبل‭ ‬ويسلم‭ ‬إنجازه‭ ‬إلى‭ ‬خلفه،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬كوامى‭ ‬نيكروما‭ ‬يحظى‭ ‬بمكانة‭ ‬جليلة‭ ‬فى‭ ‬بلاده.

‭ ‬وهناك‭ ‬حزب‭ ‬يحمل‭ ‬أفكاره‭ ‬ويهتدى‭ ‬بتعاليمه‭ ‬ويستضيء‭ ‬بمسيرته‭ ‬باعتباره‭ ‬بطلًا‭ ‬من‭ ‬أبطال‭ ‬تحرير‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وأول‭ ‬رئيس‭ ‬لغانا‭ ‬الحرة،‭ ‬وأكبر‭ ‬زعماء‭ ‬القارة‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬الكولونيالية،‭ ‬ولكننى‭ ‬وجدت‭ ‬الناس‭ ‬وبينهم‭ ‬أدباء‭ ‬ومفكرون‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬أتباعًا‭ ‬للزعيم‭ ‬نيكروما‭ ‬فى‭ ‬صباهم،‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬غانا‭ ‬اليوم‭ ‬اختلفت‭ ‬عن‭  ‬غانا‭ ‬الأمس،‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عما‭ ‬جلبته‭ ‬لهم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬وازدهار‭ ‬اقتصادى‭ ‬وقالوا‭ ‬لى‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كافور،‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬مصرفًا‭ ‬عالميًا‭ ‬لدخول‭ ‬غانا،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬مصرف‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬المعدل‭ ‬العام‭ ‬عشرة‭ ‬فروع‭ ‬فإذا‭ ‬ضربنا‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خمسين‭ ‬وظيفة‭ ‬يحتاجها‭ ‬كل‭ ‬فرع‭ ‬فإن‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬ألف‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬تحققت‭ ‬لشباب‭ ‬البلاد،‭ ‬وخمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬ألف‭ ‬بيت‭ ‬وجد‭ ‬دخلًا‭ ‬كريمًا.

‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬فرع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المصارف‭ ‬سيكون‭ ‬محركًا‭ ‬لدورة‭ ‬اقتصادية‭ ‬تسليفًا‭ ‬وادخارًا‭ ‬ومعاملات‭ ‬تجارية‭ ‬تثرى‭ ‬سوق‭ ‬التجارة‭ ‬وعمليات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وهذا‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬المصارف‭ ‬غير‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى،‭ ‬فانعكس‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬الفرد‭ ‬ونمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وارتفاع‭ ‬الدخل‭ ‬القومى‭ ‬ومعدلات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتلاشت‭ ‬طوابير‭ ‬العاطلين،‭ ‬ولهذا‭ ‬فالزعيم‭ ‬نيكروما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬صفحة‭ ‬جليلة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬تستحق‭ ‬الاحترام‭ ‬والتبجيل،‭ ‬ومثلًا‭ ‬يحتدى‭ ‬فى‭ ‬إيقاظ‭ ‬الروح‭ ‬الوطنية،‭ ‬وشحن‭ ‬الناس‭ ‬بمعنى‭ ‬الكرامة‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬وكراهية‭ ‬الظلم‭ ‬والاستغلال‭ ‬والكفاح‭ ‬ضدهما.

‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬مكانه‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬مثلًا‭ ‬وقدوة‭ ‬وليس‭ ‬حالة‭ ‬قابلة‭ ‬لإعادة‭ ‬التدوير‭ ‬والإنتاج،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬حزبه‭ ‬الذى‭ ‬يشترك‭ ‬فى‭ ‬قيادته‭ ‬ابن‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬نكروما‭ ‬وابنته،‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬البرلمان‭ ‬بغير‭ ‬ممثل‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬هناك‭ ‬منذ‭ ‬أعوام‭ ‬مضت‭.‬

لا‭ ‬أدرى‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنطبق‭ ‬حالة‭ ‬نيكروما‭ ‬وتراث‭ ‬أبى‭ ‬الاستقلال‭ ‬الغانى‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬مصر‭ ‬وثورة‭ ‬23‭ ‬ثوليو‭ ‬وزعيمها‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬فهناك‭ ‬تقاطعات‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا‭ ‬بين‭ ‬الحالتين،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أدرى‭ ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬أهل‭ ‬التيار‭ ‬الناصرى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ولاؤهم‭ ‬لبلدهم‭ ‬مصر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الولاء‭ ‬لشخص‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية،‭ ‬والمجد‭ ‬للشعوب،‭ ‬أمس‭ ‬واليوم‭ ‬وغدًا‭.   ‬