ذكرى ثورة يوليو ودرس من غانا
تحل بعد أيام ذكرى عيد الثورة المصرية التى قادها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى 23 يوليو عام 1952، ولاشك أنها نقلت مصر والمنطقة العربية من عهد إلى عهد، وفتحت صفحة جديدة فى تاريخ المنطقة.
وعبأت الشارع فى مصر والعالم العربى بمشاعر الولاء الوطنى والانتماء العربى، وأيقظت التراث المشترك لأبناء هذه المنطقة من العالم، من أجل بناء أرضية يتحرك فوقها أهل المنطقة العربية، لفرض إرادتهم على القوى الكبرى التى هيمنت على تاريخهم وابتزت ثرواتهم وتسلطت عليهم تصادر حقهم فى العيشة الحرة الكريمة، فيما عرف بالظاهرة الكولونيالية فى العالم، وهى الظاهرة التى كانت ثورة يوليو مساهمة فى اندحارها وهزيمتها.
وكان لمصر دورها القيادى فى معركة التحرير التى شملت جانبًا كبيرًا من القارة الأفريقية غير جهودها فى تعزيز قوى التحرر فى العالم العربى، وإشارة إلى صفحة جليلة من صفحات النضال العربى الأفريقى أشير إلى معركة تحرير غانا، التى قادها كوامى نيكروما، الزعيم الأفريقى الذى ربطته بالزعيم عبدالناصر أوثق وأمتن العلاقات.
فقد التقيت فى فترة ماضية بابن الزعيم نيكروما واسمه جمال، وسألته باعتباره ابنًا لأحد آباء الاستقلال فى غانا، كيف لم يرابط هناك، ويرعى تراث والده، ويعمل على حفظه وتذكير الشعب به، فقال لى إنه امتهن الصحافة فى مصر، وترك مهمة إحياء تراث الوالد إلى شقيقه فى غانا، وحدث بعد هذا اللقاء أن ذهبت إلى إكرا عاصمة غانا، فى وقت الانتخابات وكان الرئيس الغانى جون كافور قد أمضى فترتى الرئاسة وأنجز مقرًا جديدًا لرئاسة الجمهورية، كان حريصًا على إنهائه قبل مجيء الرئيس الجديد ليقوم بمراسم التسليم والتسلم فى هذا القصر، وكان درسًا فى الديمقراطية عندما يبنى الرئيس للمستقبل ويسلم إنجازه إلى خلفه، واكتشفت أن الرئيس الراحل كوامى نيكروما يحظى بمكانة جليلة فى بلاده.
وهناك حزب يحمل أفكاره ويهتدى بتعاليمه ويستضيء بمسيرته باعتباره بطلًا من أبطال تحرير أفريقيا، وأول رئيس لغانا الحرة، وأكبر زعماء القارة فى فترة ما بعد المرحلة الكولونيالية، ولكننى وجدت الناس وبينهم أدباء ومفكرون ممن كانوا أتباعًا للزعيم نيكروما فى صباهم، يدركون أن غانا اليوم اختلفت عن غانا الأمس، ويتحدثون عما جلبته لهم الديمقراطية من مزايا وازدهار اقتصادى وقالوا لى إن الرئيس جون كافور، فتح المجال لأكثر من خمسين مصرفًا عالميًا لدخول غانا، وأن كل مصرف له فى المعدل العام عشرة فروع فإذا ضربنا مثلًا أن هناك خمسين وظيفة يحتاجها كل فرع فإن معنى هذا أن خمسة وعشرين ألف فرصة عمل تحققت لشباب البلاد، وخمسة وعشرين ألف بيت وجد دخلًا كريمًا.
وأن كل فرع من هذه المصارف سيكون محركًا لدورة اقتصادية تسليفًا وادخارًا ومعاملات تجارية تثرى سوق التجارة وعمليات الإنتاج، وهذا فى مجال المصارف غير مجالات أخرى، فانعكس كل ذلك على مستوى معيشة الفرد ونمو الاقتصاد وارتفاع الدخل القومى ومعدلات الإنتاج وتلاشت طوابير العاطلين، ولهذا فالزعيم نيكروما بالنسبة لهم صفحة جليلة من التاريخ تستحق الاحترام والتبجيل، ومثلًا يحتدى فى إيقاظ الروح الوطنية، وشحن الناس بمعنى الكرامة والولاء للوطن وكراهية الظلم والاستغلال والكفاح ضدهما.
وقد أخذ مكانه فى التاريخ مثلًا وقدوة وليس حالة قابلة لإعادة التدوير والإنتاج، ولهذا فإن حزبه الذى يشترك فى قيادته ابن من أبناء نكروما وابنته، لم يصل إلى البرلمان بغير ممثل واحد أو اثنين عندما كنت هناك منذ أعوام مضت.
لا أدرى إلى أى مدى يمكن أن تنطبق حالة نيكروما وتراث أبى الاستقلال الغانى على حالة مصر وثورة 23 ثوليو وزعيمها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فهناك تقاطعات كثيرة جدًا بين الحالتين، ولكن لا أدرى ماذا يقول أهل التيار الناصرى، فقد كان ولاؤهم لبلدهم مصر أكبر من الولاء لشخص أو مرحلة تاريخية، والمجد للشعوب، أمس واليوم وغدًا.