محمد نجيب ليس شبحًا
كنت طفلًا دون العاشرة بقليل عندما بزغ اسم محمد نجيب زعيمًا لحركة الجيش الذى أطاح بعرش الملك فاروق، وأعلن بعد فترة وجيزة إقامة النظام الجمهورى فى مصر.كانت صورة زعيم الثورة تتصدر الصحف والمجلات التى تصل إلى بلدتنا جنوب طرابلس، وقد بدأت هذه الصورة تأخذ مكانها فى مركز الوعى لى ولأبناء مرحلتى العمرية باعتباره بطلًا ومنقذًا ومخلصًا، كما كانت تسميه صحافة ذلك الزمان، واستقر فى وجدانى بهذا الوضع وعلى هذه الصورة الكريمة المحاطة بالإكبار والتبجيل، ولم يعد سهلًا إزاحته عن موقعه ولا مكانه، كما حصل له فى الواقع، عندما وجد نفسه معزولًا وسجينًا فى مكان مجهول لا ترافقه فيه إلا الفئران، بعد عامين من توليه رئاسة البلاد، كما تمت إهالة التراب على تاريخه ودوره وشخصيته، فهو لم يعد غير صورة كرتونية تم استخدامه فى أداء مهمة ما، كما كانوا يقولون، وانتهت المهمة، لا بكلمة شكر وامتنان، ولكن بركلة أسقطته فى الجب، وبجزاء سنمار كما نعرفه فى قصص التراث.
ولهذا فقد كان فرحى كبيرًا وأنا أرى هذا البطل من أبطال طفولتى، يعاد إليه اعتباره، ويتم تكريمه والاحتفاء بتاريخه وإنجازه بهذا الشكل الكبير، ويطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى مصر والشرق الأوسط، لتكون عنوانًا للمنعة والقوة وصيانة الأمن القومى.
إنه إنصاف يستحقه هذا الرمز من رموز التاريخ المصرى الحديث ورموز المؤسسة العسكرية المصرية بتاريخها الوطنى الجليل، أقول إنه إنصاف للرجل، لأنه كان صعبًا للانقلاب الذى حصل يوم 23 يوليو أن يلقى النجاح الذى حصل عليه، وأن تقتنع القوى السياسية به، فلا تعلن المقاومة ضده، لأنه بإشارة من زعيم مثل مصطفى النحاس باشا لكان الشارع المصرى كله فى حالة استنفار ضد الانقلاب، ولكن النحاس كان يعرف محمد نجيب وكان نجيب قد سبق أن عرض خدمات الجيش ليكون مع الشعب ضد القصر، لكن النحاس أبلغ نجيب بأن قوى الشعب قادرة على حسم الصراع لصالحها، وسأله أن يبقى مع جيشه فى معسكراتهم، وهكذا كان نجيب موضوع ثقة وأمل من كل القوى التى تخلت عن القصر ووقفت تساند الحركة العسكرية المباركة كما كانوا يسمونها.
حدث بعد أن أفرج عنه الرئيس السادات، أن أطل محمد نجيب إطلالة إعلامية على الناس، فتصدى له المرحوم محمد حسنين هيكل باعتباره سادن معابد يوليو، يرد عليه بكلمة قاسية مؤلمة، وضع لها عنوانًا يدل على محتواها هو «شبح من الماضى» وكانت الكلمة مثالًا لنكران الدور والمكانة والقيمة لمثل هذا الرجل الكبير.
قاعدة محمد نجيب تقول لنا اليوم إن محمد نجيب لم يعد شبحًا من الماضى وإنما هو جزء كريم نبيل جليل من تاريخ مصر وتاريخ الوطن العربى، سلام الله على روحه الطاهرة.