رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

محمد خلف يكتب.. شبهة عدم دستورية قانون الضريبة العقارية.. فرض ضريبة على السكن الخاص

رغم أن الضريبة على العقارات المبنية والمعروفة باسم العوايد، هى ضريبة قديمة نوعا ما حيث إنها كانت مفروضة بالقانون رقم 56 لسنة 1954 حتى تم إلغاء هذا القانون وحاليا تفرض بالقانون رقم 196 لسنة 2008، إلا أنها فى السابق لم تكن تثير أى مشاكل نظرا لضآلة قيمتها فضلا عن توجيه حصيلتها أساسا إلى المحليات، ما كان يجعلها تقترب من صورة الرسوم مقابل خدمات محلية، ولم تكن تثير اعتراضا يذكر حتى لو أصابت المسكن الخاص الذى لا يدر دخلا لمالكه، أما الآن وبعد أن ارتفعت أسعار العقارات المبنية ارتفاعا مهولا صاحبه انزعاج شديد من قبل المالك الذى يقيم فى مسكن يملكه، ربما ورثه أو أقامه منذ مدة بتكاليف قليلة دفعها مقسطة على سنوات عديدة أو غير ذلك، ولذا كانت المطالبة بإعفاء المسكن الخاص لقانون رقم 196 لسنة 2008 بالضريبة على العقارات المبنية.

ومنذ صدوره وهو يثير نقاشا طويلا من نواح متعددة، ونقتصر هنا على الإشارة إلى ما يثور حول بعض نصوصه من شبهة عدم دستورية، وكان البحث فى مدى دستورية فرض الضريبة عليه.

تقوم فلسفة الضريبة العقارية على فرض الضريبة على ما يدره العقار من دخل لصاحبه، فهى لا تفرض على العقار ذاته كرأسمال وإنما نطاق الضريبة هو الربح أو الدخل الذى يغله العقار أى على القيمة الإيجارية السنوية للعقار، وهو يعتبر وعاء الضريبة، إذ تكون الضريبة المستحقة سنويا قيمتها 10% من صافى القيمة الإيجارية للعقار بعد خصم مصاريف الصيانة وهى 30% بالنسبة للعقار غير السكنى العقار المخصص لأغراض تجارية أو صناعية.

إلا أنه نجد أن القانون يفرض ضريبة على السكن الخاص للشخص رغم أن العقار لا يدر دخلا، وهو الأساس الذى تقوم عليه فلسفة الضريبة العقارية، إذ تنص المادة 8 من القانون على أن الضريبة تفرض على العقار سواء كان مشغولا بعوض أو غير عوض، فكيف تفرض الضريبة على عقار لا يدر دخلا على صاحبه مثل من يمتلك شقة ويقيم فيها مع أسرته، فكيف يفرض عليه القانون أن يؤدى ضريبة عقارية سنوية رغم أنه سكن خاص للمالك هو وأسرته.

لذلك فإن فرض ضريبة عقارية على السكن الخاص نرى أنه أمر مشوب بعدم الدستورية، لأن المشرع خرج فى تلك الحالة عن الفكرة الجوهرية التى تقوم عليها الضريبة العقارية، إذ يعتبر فرض الضريبة مخالفا للدستور كلما كان أحوال فرضها وتحديد وعائها مناقضا للأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها، مجاوزا للأغراض المقصودة منها ولو كان الغرض من فرضها زيادة موارد الدولة لمقابلة مصلحة مشروعة، وقد حرص الدستورعلى النص على صون الملكية الخاصة والمتمثلة فى رأس المال غير المستغل منها العقار الذى يملكه، فكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها - فى الأصل- ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد، فيختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئتها للانتفاع المفيد بما لتعود إليه ثمارها، هذا بالإضافة إلى أن الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها.

أو حيث إنه لا يجوز أن تفرض الضريبة ويحدد وعاؤها بما يؤدى إلى زوال رأس المال المفروضة عليه كلية أو الانتقاص منه بدرجة جسيمة بحيث تؤدى فى نهاية مطافها إلى أن يفقد المواطن رأس المال المحمل بعبئها لتؤدى فى نهاية المطاف إلى مصادرة رأسمال ذاته، ومن أجل ذلك كان الدخل - باعتباره من طبيعة متجددة ودورية- هو الذى يشكل - على اختلاف مصادره- الوعاء الأساسى الرئيسى للضريبة أيا كان نوعها سواء ضريبة عقارية أو ضريبة على الدخل.

ومن ثم فإن فرض ضريبة على رأس مال لا يغل دخلا وبطريقة دورية متجددة، ولفترة غير محددة مع زيادة تحكمية مفترضة فى قيمة الضريبة السنوية المستحقة عليه، كما هو الحال فى فرض الضريبة العقارية على السكن الخاص فإنه ينطوى على عدوان على الملكية بالمخالفة الدستور ونخلص من ذلك أن فرض الضريبة العقارية على السكن الخاص يشوبه عدم الدستورية لأنه يمثل عدوانا على حق الملكية، وفى واقعة مشابة تماما لذلك فإنه سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستورية فرض ضريبة على الأرض الفضاء غير المستغلة، والتى لا تدر دخل على مالكها، وذلك فى الدعوى رقم 6 لسنة 10 قضائية دستورية.

والمعترضون على شبه عدم الدستورية فى شأن فرض الضريبة العقارية على السكن الخاص يستندون فى ذلك إلى أن المحكمة الدستورية العليا قد رفضت الدعوى ضد فرض الضريبة السنوية على العقارات المبنية التى لا تدر دخلا (حكمها فى عام 2002 فى الدعوى الدستورية رقم 96 لسنة 22 قضائية) إلا أن هذه الضريبة فى تنظيمها الجديد تعتبرها عيوبا دستورية من عدة نواح:
أولها: أن المحكمة الدستورية العليا قد أسست حكمها سالف الذكر على القول إن العقار المشغول بغير عوض وإن كان لا يدر دخلا حقيقيا إلا أنه مصدر لدخل حكمى وأن انعدام العوض هنا إنما يرتد إلى حرية صاحب العقار فى استخدام مصدر دخله.

 وجدير بالذكر أن القضية كانت تتعلق بعقار مملوك لشركة وليست سكنا خاصا للشخص وأسرته، والحكم فى تقديرنا يختلف بالنسبة للعقار الذى يستخدمه مالكه لأغراض السكن، إذ لا يصح التذرع بأن المالك هو الذى اختار أن يقيم فى ملكه وأنه كان يستطيع أن يبيعه أو يؤجره ويبحث له عن سكن يستأجره كما أفتى بذلك مصلحة الضرائب العقارية  فحق السكن من أهم الحقوق الأساسية للإنسان ويرتبط بحياته ووجوده الإنسانى بل لقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية فرض ضريبة على أسهم وسندات لم تدر دخلا بعد، وردت المحكمة على ما ذهب إليه دفاع الحكومة من أن المكلفين كان بوسعهم تجنب الضريبة لو أنهم وجهوا أموالهم وجهة أخرى بأن ذلك مردود بأن مصادرة حرية الفرد فى اختيار طريقة استخدام أمواله يناقض الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لا يقبل التنازل، حقا غائرا فى النفس البشرية كافلا إنسانيتها.

 وأضافت أن الحمل على عدم ولوج استخدام مشروع للمال من خلال الضريبة يردها إلى دائرة عدم المشروعية ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية.
ثانيا: قضت المحكمة فى أحكام كثيرة فى الضريبة على الدخل أن يكون الدخل محققا ولا يكون محققا إلا إذا كان ثابتا بعيدا عن شبه الاحتمال أو الترخص، ومن ذلك قضاؤها بعدم دستورية فرض ضريبة على البيوع بالمزاد بافتراض أنها تحقق ربحا، لأنه افتراض غير صحيح لأن هذه البيوع لا تنتج دائما فائضا مضافا إلى القيمة الأصلية للأموال موضوعها، فتكون الضريبة مفروضة على رأس المال وتكون عبئا ينال من رءوس الأموال ذاتها وهو ما يخرج بالضريبة عن وظيفتها الأساسية.