رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

«الزمان» تقود ثورة تشريعية لسد ثغرات «الذمة المالية»

الأسرة المصرية- أرشيفية
الأسرة المصرية- أرشيفية

حقوقية: الحجز على أموال الزوجة إجراء تعسفى.. ولا بد من تعديل القانون

علماء الأزهر: الذمة المالية للزوجة أمر مقرر شرعًا

برلمانى: إلزام الحكومة بالتكفل بمتطلبات الأسرة لحين الفصل فى القضية

لا تزال أغلب التشريعات المصرية تعانى من حالة جمود أعاقت قضايا المواطن داخل أروقة المحاكم، بعد أن كثر بها الثغرات القانونية والتى أثرت سلبا على الأسرة المصرية بل وصلت إلى تدميرها وتشتيت مستقبلها، حتى أصبحت تحتاج إلى تعديل جذرى يضمن ترابط المجتمع ويحفظ حقوقه دون كلل أو تقصير فى الحقوق والواجبات، فضلا عن الاحتياج إلى سرعة إنجاز المحاكمات والفصل فى النزاعات والقضاء على طول الأمد فى ساحات القضاء عبر سنوات طويلة ربما تصل إلى أجيال متعاقبة قبل حسمها، والبعد عن المماطلة والمراوغة التى يلجأ إليها المحامون لتعطيل القضايا حتى يصل بصاحب الحق إلى دائرة اليأس والاستسلام والقبول بالخضوع والذل.

يعد قانون الذمة المالية من أهم القوانين التى تلمس حياة الأسرة، وتعمق علاقتها ببعضها مما يؤثر فى حالة إدانة أحد أطرافها بتدمير الأسرة بأكملها دون النظر إلى الأضرار السلبية الكبيرة التى تعصف بالمجتمع وتدمر الكيان الأسرى.

قانون الذمة يعانى من الركود والجمود والتصلب بصورته القديمة المستمدة من القانون الفرنسى الذى وضع فى أربعينيات القرن الماضى، الذى تغير وتجدد أكثر من مرة ليواكب العصر ومتطلباته بما يحفظ حقوق المجتمع، رغم ذلك كله ظل متماسكا ومحتفظا بصورته البالية فى مصر دون تغيير أو تجديد أو دراسة أو تعديل.

الوضع فى البلاد استمر لسنوات طويلة بحالتها دون تغيير وسط دعوات عشرات المنظمات النسائية التى تطالب بضرورة وجود تعديل حتى تحصل المرأة على حقوقها كما شرعها الدين الإسلامى والذى يتم العمل به فى المحاكم الفرنسية فيما يخص الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة وميراث، فى الوقت الذى لا تزال فيه الصورة ضبابية داخل مصر رغم تبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى قضايا المرأة وسعيه الدائم لحل مشاكلها والأزمات التى تواجهها.

وسعت «الزمان» لمساندة رؤية الحكومة والبرلمان فيما عرضناه العدد الماضى بشأن وجود خطة لتعديل القوانين كل خمس سنوات، ونرصد فى حلقات أبرز القوانين التى تمثل حجر عثرة فى طريق الدولة نحو تحقيق العدالة لأبنائها، ونبدأ من قوانين المرأة وعلى وجه التحديد «الذمة المالية» والذى لا تزال المرأة تعانى منه إلى الآن ويحتاج إلى تعديل جذرى حتى يكون عادلا.

محاولة للحد من حالات التشرد والتشرذم التى يعانى منها المجتمع المصرى، لا سيما  فى ظل حالات التلبس ووقائع الرشوة التى تلاحق الكثير من الموظفين، كان لا بد من الالتفات إلى الذمة المالية للزوجة، التى تتعرض وبقية الأسرة فور هذه الوقائع والأحداث إلى التشرد والبحث عن مأوى، والوقوف على أرض صلبة فى معرفة كواليس هذه القضية من كافة النواحى القانونية والتشريعية والدينية.

المحامية رباب عبده، نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، قالت إن القانون المصرى لا يفصل بين الذمة المالية للزوج عن زوجته، إلا أن الفصل أحيانًا يكون معنويًا أو تقديريا، والزوج ملزم بأن يصرف على زوجته، ولذلك يتم الحجز على أموال الزوجة والأبناء فى حال كان الزوج متهما على ذمة قضايا، معللة ذلك بأن الأموال تكون موجودة باسم الزوج محل الدعوة.

وأضافت لـ«الزمان» أنه فى حال كانت أموال الزوجة منفصلة عن الزوج فلا يجوز قانونا الحجز على أموال الزوجة، وفى حال الحجز على أموالها يكون الأمر إجراء تعسفيًا ولا بد من استحداث تعديل قانونى له.

وتابعت عبده: «يتم الحجز على أموال الزوجة فى حالة القضايا الشائكة والتى انتشرت الفترة الأخيرة، وهنا يتضح القصور فى تنفيذ القانون، فمن المفترض ألا يتم الحجز على أموال الزوجة لأنها خاصة بها، وهنا تعسف فى استخدام القانون»، مشيرًا إلى أن الحجز على أموال الزوجة أو الأبناء وتكون مودعة رهن القضية المتهم فيها الزوج لحين الفصل فى القضية والانتهاء بالبراءة.

وطالبت نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، بحل تلك الإشكالية السلبية التى تواجهها الزوجة، بسن قانون لمعالجة القصور، والتصنيف السلبى للمرأة، أو تعديل القانون لحل تلك الإشكالية القانونية، لأن هناك تعسف تواجهه الزوجة والأبناء خصوصًا إذا كانوا قصّر.

وأكدت أنه فى حالة حبس الزوج تكون الزوجة هى الملزمة بالصرف على الأبناء، وأموالها تكون قيد الرهن أو الاحتجاز، لافتة إلى أنه فى حال رفع قضية نفقة أمام محكمة الأسرة والزوج أمواله محجوزة، فالجهة الوحيدة التى تصرف لها نفقة هى بنك ناصر الاجتماعى التابع للدولة ولن يصرف أكثر من 500 جنيه شهريًا.

ولفتت إلى أنه فى تلك الحالة تكون الزوجة فى مواجهة إشكالية أخرى خاصة إن كانت تعيش فى مستوى اجتماعى أعلى، وعليها التزامات مادية ولن تغطيها الـ500 جنيه، قائلة: «الزوجة لا تستطيع أن تسترد أموالها هى وأطفالها القصر إلا بعد الفصل فى قضية الزوج، بصدور قرار من نيابة الأموال العامة للإفراج عن هذه الأموال».

الدكتور عطية مصطفى وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، أكد أن انفصال الذمة المالية للزوجة أمر مقرر شرعا، فالمرأة لا تطالب بنفقة ولا غيرها، وإذا قدمت أى شيء لزوجها أو لأسرتها فإنما هو من قبيل التطوع منها فقط، وهذا فى حد ذاته يدل على أن لها ذمة مالية خاصة بها، لافتًا إلى أنه لا تتحقق قوامة الرجل على امرأته وعلى بيته إلا بالإنفاق، وما دام هو مطالب بالإنفاق فإن ما يأتيها من رزق الله الواسع سواء من ميراث أو من غيره أو من عمل تقوم به هذا خاص بها.

ولفت إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حق أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها: «لقد آمنت بى حين كفر بى الناس، وصدقتنى حين كذبنى الناس، وواستنى بمالها»، فكلمة المواساة لا تعنى الإلزام وإنما تدل على التطوع، كما تدل فى الوقت ذاته على أن لها ذمة مالية خاصة.

فيما أفاد الشيخ محمد عز وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، بأن الأصل هو أن يكون للزوجة ذمة مالية مستقلة تماما عن زوجها، ولا يجب عليها النفقة أو المساهمة فى نفقة البيت إلا بطيب نفس منها، لأن النفقة واجبة على الزوج استدلالا بقول الحق جل جلاله «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم».

ومن ناحيته، قال النائب محمد إسماعيل، عضو مجلس النواب، إن الأصل براءة الذمة المالية لباقى الأسرة ما عدا المتهم إلا فى حالة اتهامهم والزج بهم فى القضية الدائرة، مثل قضايا الرشوة والاختلاس وتجارة المخدرات، مشيرا إلى أن بعض المتهمين يلجؤون لتحويلهم أموالهم بأسماء بعض أفراد الأسرة للهروب من الجريمة ولا يقع تحت المساءلة القانونية.

ولفت إلى أن الأصل فى القانون براءة الذمة المالية لجميع أفراد الأسرة، إلا فى حالة اتهامهم بأنهم شركاء فى الجريمة، موضحا أن الابن القاصر هو غير محاسب قانونا لكن الإنسان العاقل البالغ الكامل هو شريك بسبب فعل رب الأسرة.

وأشار إسماعيل إلى أنه فى حالة ضبط رب الأسرة متلبسا يتم الحجز على ممتلكاته، مع إصدار قرار ملزم للحكومة بالإنفاق على باقى الأسرة إلى حين الفصل فى القضية، تحت مراقبة السلطة التشريعية.