رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

صحة وطب

علاج السمنة.. النحافة.. تأخر الإنجاب أعشاب إفريقية تغزو أسواق العطارة المصرية

«وصل إلينا منتج من أشجار غينيا النادرة لعلاج الضعف الجنسى وتأخر الإنجاب.. والسعر مفاجأة»- «قبل نفاذ الكمية.. أعشاب سودانية مستخلصة من أشجار الطلح لعلاج السمنة»- «بعد ثبات فعاليتها فى أوروبا.. أوراق أشجار المانغروف السنغالية.. وداعًا للنحافة».. ألخ.

خلال جولة قصيرة فى شوارع منطقة الأزهر الشهير بوسط القاهرة، والتى تعج بالعشرات من محلات العطارة، توقفت أمام إحدى المحلات التى تزدحم بالعشرات من الزبائن، وعند التدقيق على أبرز المنتجات المعروضة، لفت انتباهى هذه الإعلانات سابقة الذكر، والمرفوعة أعلى هذه المنتجات الإفريقية.

لا يختلف أحد أن الطب البديل أو ما يعرف شعبيًا بالعلاج بالأعشاب من الوسائل المتعارف عليها فى العلاج إلى جانب الأدوية، لا سيما الأعشاب التى توارثتها الأجيال، أو التى تناقلها الأباء عن الأجداد، فقديمًا وما زال حتى وقتنا هذا، من يعانى من صداع أو دوخة أو آلام فى المعدة، وصفة مكونة من عدة أعشاب، يتناولها كمشروب ساخن، بعدها يعود مجددًا كسابقه.

لكن فى زمن كهذا، الوضع تغير واختلف، بعد أن تفشى الجشع والاستغلال وغابت الأمانة والإخلاص والضمير لدى الناس، وأصبحت المادة هى التى تحكم علاقاتهم ومعاملاتهم اليومية، فأصبح الطبيب لا يهمه أن يشفى المريض بقدر ما يهمه أن يستولى على ما فى جيبه من نقود، وصفحات الجرائد لا تخلو من الوقائع اليومية، كامتناع إدارة مستشفى شهيرة إجراء عملية جراحية لمريض ما، قبل أن يقوم بسداد الفاتورة، وأخرى تكشف لنا حجم وقائع الإهمال الطبى والتى وصلت إليه المستشفيات الخمس نجوم، كطبيب ينسى مشرط أو «فوطة» داخل أمعاء المريض، والضحية دائمًا المريض الذى يعيش معاناة طوال فترة مرضه، وحتى بعد وفاته يعيش أهله مع معاناة أخرى تشهد عليها ساحات المحاكم من أجل إثبات أن ذويهم قد مات نتيجة خطأ طبي.

وفى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها قطاع عريض من المواطنين، والتى أثرت بالسلب على أوضاعهم المعيشية، وأصبحوا بالكاد قادريين على الوفاء باحتياجاتهم اليومية، بعد أن التهمت نار الأسعار الأخضر واليابس، حتى وصلت إلى علاج المرضى، وووصلت أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض الزمنة إلى ثلاثة أضعاف، اتجه المرضى إلى الطرق التقليدية والبدائية فى العلاج وهو العلاج بالأعشاب نتيجة لرخص سعره.

وخلال زيارة واحدة تقوم بها عزيزى القارئ لمحلات العطارة، تكشف لنا حجم المأساة التى يعيشها قطاع عريض من المواطنين، هزمهم الفقر والمرض، فى ظل ارتفاع تكاليف العلاج، ودفعهم إلى محلات العطارة التى تنتشر كالنار فى الهشيم، وتبيع ما يحلو لها دون رقيب، فهذه فتاة أتت إلى محل العطارة رغبةً فى الحصول على أعشاب لعلاج السمنة بعد أن فقدت الأمل فى الأدوية الطبية، وأخرى أتت لحصول على وصفة لعلاج النحافة التى تعانى منها، وثالث قادم من أجل الحصول على وصفة لعلاج المتاعب التى يعانيها من القولون، ورابع آتى من أجل الحصول على وصفة لعلاج تأخر الإنجاب، وهذا عجوز جاء من أجل الحصول على وصفة لعلاج القلب.

ويحذر الدكتور أبو القاسم أمين أستاذ الصيدلة بجامعة القاهرة، من مخاطر الأعشاب الإفريقية الوهمية المنتشرة فى محلات العطارة خلال الآونة الأخيرة قائلًا: «لا نعلم مصدرها ومن أين جاءت، وهل جرى أبحاث ودراسات علمية عليها، حتى تثبت فعاليتها فى علاج هذه الأمراض؟».

ويضيف: «أن العلاج بالأعشاب هو أمر سائد ومعروف ومنذ قديم الأزل، وأصبحت هناك أعشاب معينة معروفة بالاسم لعلاج أمراض معينة كالنعناج والقرفة والزنجبيل والثوم، وأخرى عرفتها الأجيال والشعوب لتنشيط الذهنى والجسدى كالشاى والقهوة، وتنقالتها الحضارات من جميع دول العالم، ومع ذالك ثُبت علميًا أن استمرار تداول هذه الأعشاب لاسيما الشاى والقهوة دون حدود يأتى بنتائج سلبية على صحابه كالأرق وقرحة المعدة، لذا نحذر دائمًا من الإفراط فى تناول الشاى والقهوة».

وتابع: «أما هذه الأعشاب الإفريقية لا نعلم حتى اسمائها وإنما مجرد إعلانات جذابة تشد انتباه المواطنين لاسيما البسطاء منهم ومحدودى الوعى، ولم تجر عليها أى دراسات علمية ولا تستند حتى لأى حقائق، وهنا مكمن الخطورة، أن الاستخدام العشوائى لهذه الأمراض لاسيما المرتبطة بعلاج أمراض كالسمنة والنحافة وتأخر الإنجاب، له تداعيات خطيرة على صحة الإنسان، تنتهى فى نهاية المطاف إلى الوفاة».

وواصل حديثه: «بل أن هناك أدوية معروفة طبية وتُباع فى الصيدليات لعلاج السمنة والنحافة، ولكنها يختلف إعطائها من شخص لآخر، فما يصلح مع مريض لايصلح  بالتأكيد مع غيره، لذا ننصح دائمًا بعدم أخذ هذه الأدوية دون متابعة ومراجعة لطبيب، لما لها من آثار جانبية خطيرة تؤثر على القلب».

وتسآئل الدكتور عصمت عبيد أستاذ جراحة القلب بجامعة الإسكندرية، عن دور الجهات الرقابية والأجهزة التابعة لوزارة الصحة من إجراء تفتيش دورى ومفاجئ على محلات العطارة التى تبيع الوهم للناس على حسب قوله، لافتًا إلى أن هناك العشرات يوميًا يرحلون عن الدنيا نتيجة للاستخدام العشوائى لهذه الأعشاب غير المعروفة .

وأضاف عبيد، أن هناك شخص كان يتابع حالته الصحية، ساءت حالته نتيجة تداوله وصفات طبيعية نصحه بها أحد الأصدقاء قام شرائها من إحدى محلات العطارة، وعند قيامى بفحص مواد هذه الأعشاب، اتضح لى عبارة أن هناك أعشابًا طبيعية سامة للزراعات منتشرة فى الترع والمصارف، وتزعم محلات العطارة أنها قدمة من شبه الجزيرة العربية، وفى نهاية المطاف وصل المريض إلى حالة ميئوس منها، وتوفى نتيجة هذه الأعشاب الخطيرة التى لا نعرف مصدرها».

وينصح «عبيد» المواطنين بعدم تناول أى أعشاب من محلات العطارة إطلاقًا فى ظل هذه الظروف التى يغلب عليها الجشع وطال الفساد ذمم الناس، وأصبحوا لا يخشون لا رقيب ولا حسيب، مشددًا أن الطب لم يترك شيء ألا وتوصل لعلاج له.

وشنّ النائب خالد مجاهد عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، هجومًا حادًا على وزارة الصحة ونقابة الأطباء قائلًا: «أين دور وزارة الصحة ونقابة الأطباء من هؤلاء الأشخاص غير مؤهلين علميًا ويقومون ببيع الوهم للمواطنين فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعجز معها الكثير من الناس عن شراء الأدوية لارتفاع تكلفتها».

وأضاف النائب، أن هذا الملف سيتناوله مجلس النواب، فى حضور وزيرة الصحة وممثلين من نقابة الأطباء، بعد أن أصبح الطب البديل أو ما يعرف بالطب النبوى، تجارة ووسيلة للثراء غير المشروع على حساب صحة الناس.