رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

البحيري: ثورات الربيع العربي قدمت أكبر خدمة لإسرائيل وانقسامات فتح وحماس تعرقل المصالحة .. (حوار)

محمد البحيري
محمد البحيري

مرت القضية الفلسطينية التي لم تحل منذ ما يقرب من خمسين عامًا، بعدد من التغيرات السياسية خاصة بعد قيام ثورات الربيع العربي التي أطاحت برؤوس السلطة في تلك البلاد بعد عقود من الاستيلاء عليها.

وشهدت فتح وحماس دعوة للمصالحة برعاية مصر، وغيرت إسرائيل بعض من سياستها لتحقيق مصالحها في الأرض المحتلة، كما ظهرت الدعوات مجددًا لتحقيق الدولة الواحدة بدلًا من حل الدولتين.

في هذا الإطار حاورت الزمان، الصحفي والباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، محمد البحيري.

وإلى نص الحوار:
 

إلى أين وصلت المصالحة التي تقودها مصر بين فتح وحماس؟

المصالحة الفلسطينية مصلحة مصرية أصيلة للأمن القومي المصري، وإلتزام تاريخي بصيانة القضية الفلسطينية، ولذلك تصدت مصر لها منذ البداية وما زالت، وما وصلنا إليه الآن هو تخفيف حدة التراشق السياسي والإعلامي بين حركتي فتح وحماس، وانصياع الأخيرة لعدد من المطالب المصرية المتعلقة بأمن الحدود.

بخلاف ذلك هناك حالة من التشرذم في الصف الفلسطيني تعرقل كافة محاولات المصالحة، فهناك انقسامات داخلية في حركتي فتح وحماس، فضلًا عن التدخلات الإقليمية الخارجية، المتمثلة في إيران وقطر اللذان يسعى كل منهما لإجهاض المصالحة أو على أقل تقدير تأخيرها.

فكل منهم يسعى لاستغلال الملف الفلسطيني لتحقيق مصالح شخصية، فطهران تريد انهاء العزلة الدولية التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الاتفاق النووي، وتسعى قطر كذلك لفك الحصار المفروض عليها بسبب دعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة.

والمدهش في الأمر أن إيران وقطر أثناء سعيهما هذا لتحقيق مصالحهم الشخصية، يحققان رغبات إسرائيل التي تستهدف التهرب من عملية السلام، ولذلك تستغل الوضع الحالي وتقدم الفلسطينيين أمام الرأي العام العالمي في صورة القوى المتصارعة على السلطة والمصالح الخاصة بعيدًا عن القضية الرئيسية.

ولذلك نرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكرر أينما ذهب ادعاؤه أنه لايوجد من يتفاوض معه، فإذا قيل له تحدث مع أبو مازن، يرد أن الأخير ليس له كلمة على قطاع غزة، وإذا طالبه العالم باستئناف مفاوضات عملية السلام رد باتمام المصالحة الفلسطينية.

أو مطالبات إسرائيل بتخفيف السلطة الفلسطينية ضغوطها على قطاع غزة مما يوضح انحيازه لحركة حماس.

 ربما تبعث تلك المواقف على السخرية، لكنها بالتأكيد تعبر عن الوضع الحقيقي الذي تعيشه فلسطين.

كيف نفهم الوضع في غزة حاليًا؟

الوضع في غزة بالغ التعقيد، حماس ترفض التنازل عن حكم القطاع وهي التي استولت عليه بقوة السلاح، مراهنة طوال الوقت على التوازنات الدولية المتأرجحة بين الحين والآخر، تارة مع الأتراك، وآخرى مع إيران تحت شعار محور المقاومة لضمان التمويل الإيراني.

ولكن بعد الأزمة التي عانى منها الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات الأمريكية في الفترة الأخيرة، ظهر الانحياز إلى قطر التي أرسلت مبالغ مالية بالتنسيق مع إسرائيل، تحت عنوان "دفع رواتب الموظفين في القطاع".
 

إسرائيل تسوق نفسها أنها دولة ذات سياسة علمانية، فلماذا تدافع عن نفسها أمام العالم بمبدأ ديني؟

قبل قيام الدولة الإسرائيلية، لم يكن قادة الصهيونية يخفون موقفهم من الدين اليهودي، بل كانوا يصرحون أنه مجرد قطار نركبه لنصل للغاية المنشودة وهي إقامة المشروع الاستعماري الصهيوني المتمثل في الدولة العبرية داخل الوطن العربي.

فكما نرى قادة إسرائيل أبعد ما يكونون عن الدين اليهودي، لكنهم يتسغلونه لتحقيق الفوز في الانتخابات والدعاية لأنفسهم بين المتدينيين من اليهود وخاصة المتطرفين منهم، ويجب الانتباه أن المجتمع اليهودي لايوجد شيء يوحدهم ويجمعم تحت شعار واحد سوى هذا الادعاء الديني بأنهم جميعًا يهود.

فالشعب الإسرائيلي ما هو إلا تجمعات اثنية مختلفة يربط بينهم الديانة اليهودية، التي حرص قادة إسرائيل الترويج له طيلة الوقت.

كما ظهرت ادعاءات مؤخرة لبعض المهاجرين بأنهم على الديانة اليهودية لأسباب اقتصادية بحتة، أما المسيحيين فقبلوا بوجودهم ليواجهوا الزيادة الفلسطينية في الداخل.

ولكن الثابت في الأمر، هو حالة السخط التي تعتري سكان القطاع بسبب ممارسات حماس وتضييقها لظروف المعيشة عليهم، بجانب حالة السخط الآخرى بين عناصر كتائب القسام، بسبب تأخر الرواتب، مما دفعهم للانضمام لعدد من عناصر حركة الجهاد الفلسطينية لانتظام الرواتب فيها، وذلك بفضل ثبات التمويل الإيراني.

ما هو مصير التهديدات المطالبة باغتيال الرئيس الفلسطيني؟

هذه التهديدات ليست سوى مزايدات تستهدف الداخل الإسرائيلي لدواعي انتخابية، وهناك بعض الأمور التي ينبغي ألا ننساها وهي أن محمود عباس كان اختيار أمريكا وإسرائيل الذي رفضه الزعيم الراحل ياسر عرفات، وهذا ما يعرفه الجميع من المتابعين للملف خلال هذه الفترة.

لماذا تسعى أمريكا لإدانة حركة حماس؟

علينا أن ندرك أولًا أن إدانة الولايات المتحدة لحركة حماس، لافائدة منها، هي مجرد أرباح دعائية، ولكن الإدارة الأمريكية نفسها لم تكن تسعى لإدانة حماس، ولكن مندوبتها نيكي هيلي التي أعلنت استقالاتها مؤحرًا كانت تريد استكمال مهامها المنحازة للصهيونية العالمية والسياسية الإسرائيلية حتى اللحظات الأخيرة داخل الأمم المتحدة.

ولا تفعل هيلي ذلك من أجل إسرائيل، إنما طمعًا في دعم اللوبي الصهيوني مستقبلًا في أية معارك انتخابية سوف تخوضها خلال الفترة المقبلة، وربما لصالح الرئيس دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.

ما تعليقك على رؤية البعض بأن الحل الأمثل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو إقامة دولة واحدة تضم الشعبين؟

عندما اتأمل للأوضاع الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية، فأنا أكيد أميل إلى هذا الحل باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين، ذلك لأن الاستيطان اليهودي نهب الكثير من الأراضي التي كنا ننادي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها.

أما حل الدولة الواحدة سيتيح الفرصة أمام الفلسطينيين التواجد في كل مكان، والعمل داخل المؤسسات المتاحة، لكن مع الوضع في الاعتبار الزيادة الديموغرافية السكانية للفلسطينيين.

هذا يعني أن الأمر مسألة وقت، لتكون هناك أغلبية فلسطينية داخل الدولة الواحدة، ثم استئصارهم بالسلطة لاحقًا واستصدار تشريعات منصفة لهم في البداية وصولًا إلى تشريعات يراها البعض ضربًا من الخيال مثل تغيير العلم الإسرائيلي ثم النشيد الوطني، وانتهاءًا بتغيير اسم إسرائيل نفسه، وأحيانًا يلوح بعض الفلسطينيين بهذا الحل نتيجة ضيق الأوضاع هناك.

لكن اليمين اليهودي داخل إسرائيل يدرك خطورة الدولة الواحدة على هذا النحو، ولذلك يرفضونه قطعيًا، كما أن السلطة الإسرائيلية تصاب بالذعر جراء هذه الفكرة، لأن يعلمون أن تلك السيناريوهات التي أتحدث عنها من الممكن أن تتحقق.

هل أثرت ثورات المنطقة العربية في السياسة الإسرائيلية الخارجية؟

يؤسفني القول أن إسرائيل كانت الرابح الأكبر مما اسميناه بالربيع العربي، ويكفينا الوقوف عند موقف إسرائيل قبل اندلاع أحداث ما اسميتهه بالخريف العربي.

فقبل تلك الأحداث كانت إسرائيل تشهد ضغوطات دولية على قاداتها لاستئناف عملية السلام والتوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية.

وبعدما عمت الفوضى في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، وساد الذعر في منطقة الخليج العربي، والخراب في العراق، وكتمت الجزائر والمغرب انفاسهما.

النتيجة التي أصبحنا عليها هي ترويج إسرائيل لنفسها أنها واحة الاستقرار الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن العربي هو شخص همجي ومتخلف ومتطرف، خاصة بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي وانفلات حركة حماس التي كانت تتلقى تدريبتها على يد الجيش السوري، والسلاح من دمشق وحزب الله اللبناني والتمويل من إيران.

لقد أرادت حماس أن تركب الموجة السائدة، فحاربت ضد الجيش السوري وضد ايران في سوريا، وبعدما انكسرت هناك وتوقف التمويل، راحت تعتذر لإيران، عبر الإدعاء بأن خالد مشعل مدير المكتب السياسي للحركة آنذاك لم يكن يعبر عن موقف حماس حين رفع علم ما يسمى بالثورة السورية! وكانت ذلك طبعا في غاية المسخرة، لأنه قدم حماس للعالم في صورة جيش من المرتزقة يقاتل لصالح من يدفع، وليس من اجل القضية الفلسطينية!

كما تضرر الاقتصاد المصري بشدة، وانهارت ليبيا، وانهارت العراق، واليمن، وحلت الفوضى بتونس واقتصادها الذي ما زال يعاني ولا يقوى على النهوض مجددا حتى الآن، وتم تدمير سوريا تماما.

 وأصبحت الدول العربية منكفئة على شؤونها الداخلية، لا تملك رفاهية التفكير في قضايا خارجية، مما ترتب عليه تراجع الملف الفلسطيني إلى ذيل اهتمامات العالم العربي، حكومات وشعوبا على حد سواء.

كما كانت النتيجة الكبرى أن هذه الثورات حققت لإسرائيل ما لم تكن تحلم به، فدمرت كل هذه الدول وتفرغت إسرائيل للاختراق وإشعال الفتن عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجمع المعلومات الاستخبارية، فنسمع عن وحدات للموساد في سوريا واليمن وليبيا، ونمسك بالجواسيس من قلب ميدان التحرير في مصر.

وكل هذا دفع إسرائيل إلى تقليص ميزانياتها العسكرية وزيادة ميزانياتها الاستخباراتية لا سيما ما يتعلق منها بالحرب الإليكترونية عبر فضاء الإنترنت بمختلف ساحاته.