رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

مصر تخوض عملية إصلاحية شاملة لتثبيت أركان الدولة

مصر تخوض عملية إصلاحية شاملة لتثبيت أركان الدولة

التحديات الراهنة تستوجب تعديلات دستورية

قائمة على تداول السلطة وفتح الباب أمام الأحزاب ومزيد من الحريات والضمانات

سامح عاشور: الحياة السياسية فى حاجة إلى تغير

ضياء رشوان: تقوى من دور الأحزاب

«دعم مصر»: الشعب صاحب الكلمة النهائية

«لعل أهم ما يميز دساتير دول أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية.. أنها مرنة قابلة للتطور وفقًا لمقتضيات الظروف».. جزء مما قاله قاضى قضاة مصر، والفقيه القانونى المعروف، عبدالعزيز باشا فهمى، الذى عُهد إليه مسؤولية كتابة أول دستور لمصر فى تاريخها، عكف الرجل على الاطلاع ودراسة تجارب مختلف دول العالم، لكى يستنبط منها الملائم والأفضل لحالة بلده، فانتهى إلى إعداد دستور 1920، الذى يعد واحدًا من أفضل الدساتير التى عرفتها مصر، وبعدها بأعوام قليلة رأى الرجل أن ظروف بلاده تحتم عليه إعادة النظر فى عدد من مواد الدستور، فأحسن صُنعًا، بإعادة تدوينها من جديد.

ما دفعنى إلى العودة إلى مذكرات السياسى والفقيه عبدالعزيز باشا فهمى، هو الجدل المُثار هذه الأيام بين النخبة السياسية والمواطنين فى الشارع المصرى، وداخل أورقة البرلمان والأحزاب السياسية بشأن الطلب الذى تقدمت به الأغلبية البرلمانية بتعديل عدد من مواد الدستور المصرى الحالى المُستفتى عليه فى 2014، لا أبالغ إذا قلت إن أغلب المتحدثين عن التعديلات الدستورية، من جمهور «فيسبوك» ورواد المقاهى، لم يكلف نفسه عناء ومشقة الاطلاع على المواد التى تضمنها طلب التعديل.

فالمطلع على المواد التى يرغب ائتلاف «دعم مصر»، صاحب الأغلبية البرلمانية، فى تعديلها، سيجد أنها تضفى مزيدًا من الضمانات نحو الدولة المدنية النى نأمل جميعًا فى الوصول إليها، وتعطى مزيدًا من الحريات للأفراد، وتفسح المجال أمام حياة سياسية لم تعرف مصر فى تاريخها، قائمة على مبدأ تداول السلطة، وتقوية دور الأحزاب السياسية، وإفساح الطريق أمامهم للمشاركة بقوة فى جميع الاستحقاقات السياسية، مع إعطاء المرأة والشباب وذوى الإعاقة، حقوقًا جديدة تُضاف إلى ما يتمتعون به من حقوق غير مسبوقة.

إذن نحن أمام تعديلات لا تصب فى صالح الدولة بقدر ما تصب فى صالح المواطن المصرى، والرجل البسيط، الذى يرى أن بلاده قطعت شوطًا كبيرًا فى طريق كان محفوفًا بالمخاطر والتحديات الجمّة، التى لولا إرادة الله وعناية شعبها، لما كانت ستمر منه.

فخلال السنوات الأخيرة،  وتحديدًا ما بعد ثورة 30 يونيو، كانت مصر أمام مفترق طرق، إما الصبر والتجمل والإيمان بالله وتجاوز التحديات والعقبات، وإما الاستجابة لتهديدات الداخل وضغوط الخارج، وسقوط فى طريق لا يضمن رجوعها من جديد، فاجتازت مصر الصعاب وقابلت التحديات بالإنجازات، وحولت القيود إلى مكاسب، والأعداء إلى حلفاء، وانتهجت عملية إصلاح شاملة لم تعرفها فى تاريخها الحديث فى شتى المجالات، بمسار إصلاح اقتصادى، على الرغم من حجم مراراته وآلامه، إلا أنها سلكت الطريق الأنسب فى التوقيت الأنسب، وها هى الآن قطعت شوطًا كبيرًا منه، وبدأت تجنى ثمار إصلاحه، باعتراف كبرى المؤسسات الدولية العالمية.

جنبًا إلى جنب هذا الإصلاح الاقتصادى، مسار تنمية غير مسبوقة، فشتى محافظات مصر تشهد مشروعات تنموية كبرى، وحربا ضروسا نحو الفساد وبتر أذرعه داخل مفاصل ومؤسسات الدولة، فضلا عن عملية إصلاح اجتماعى، تأخرت كثيرًا، طوال العقود فى ظل الأنظمة والحكومات المتعاقبة، جعلت من المواطن فريسة للأمراض والتشوهات، التى أصابت عقله قبل جسده، من خلال إستراتيجية إعادة بناء الإنسان المصرى، على أسس علمية وفكرية وصحية.

إلا أنه فى رأى ويتفق معى الكثير من النخبة السياسية وقطاع عريض من المواطنين، من أعضاء حزب الكنبة الذى يشكل الأغلبية فى المجتمع المصرى، أن هناك إصلاحا تأخرت مصر كثيرًا فى البدء فيه طوال السنوات الثلاثة الأخيرة، إلا أن حجتنا فى عدم الشروع به خلال الفترة الماضية، هى أن التحديات التى كانت تعيشها البلاد لا سيما على الجبهة الداخلية، لم تسعف معها الانطلاق فى هذا الإصلاح، وهو الإصلاح السياسى، الذى بدونه سيذهب ما حققته مصر خلال السنوات الستة الأخيرة، بعد ثورة 30 يونيو، فى غياهب الجب، نتحسر على ما اقترفته أيدينا بتأخرنا فى البدء فى هذا الإصلاح، الذى يعد بمثابة السياج اللازم، للحفاظ على مكتسبات الأمن والاستقرار والنهضة التى تشهدها البلاد، وعملية التنمية الشاملة فى شتى أرجائها، حتى لا ينتابنا شعور بالقلق والخوف على حق الأجيال المقبلة فى أن تعيش فى دولة تسودها الأمن والسلام والاطمئنان، وليس كأشقائهم من الدول المجاورة التى ذهبت بلادهم مع الرياح العاتية التى شهدتها المنطقة منذ عام 2011.

سياسيون وبرلمانيون وأعضاء سابقون فى اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، أكدوا فى تصريحات خاصة لـ«الزمان»، أن الكلمة النهائية فى التعديلات الدستورية المقترحة ستكون للشعب صاحب القول الفصل فيها إما برفضها أو بالقبول بها.

وأضافوا، أن التحديات الراهنة تستوجب دستورًا يتلاءم مع طبيعة المرحلة، وهو ما لم يكن فى الاعتبار عند كتابة الدستور الحالى، فالظرف لم يعد كما كان سائدًا من قبل.

وأشاروا إلى أن ما يقوم به ائتلاف «دعم مصر» من تقديم طلب لتعديلات دستورية، ليست ببدعة، فجميع تجارب الدول التى عاصرت ظروف تاريخية مثل بلادنا، لجأ ممثلوها فى المجالس المنتخبة من دافع وطنى، إلى النظر فى دساتيرها.

سامح عاشور، نقيب المحامين، وأحد أعضاء لجنة كتابة الدستور المصرى الحالى، يرى أننا فى حاجة ماسة إلى عملية تغيير جذرية، لنقل الحياة السياسية إلى ما عليها الآن نحو أفق أوسع، قائمة على تعزيز الحياة الحزبية، وفتح الطريق أمام الأحزاب للمشاركة بقوة وفاعلية فى صناعة القرارات ومستقبل بلادهم، على غرار الدول المتقدمة، التى يفصلنا عن الوصول إلى ما وصلت إليه من مكانة لائقة، سوى هذا الإصلاح السياسى، حياة سياسية أحد ركائزها أن السيادة للشعب المصرى وحده، الذى يملك وحده حق تقرير مصيره واختيار رئيسه، حياة تكفل للجميع حرية الرأى والتعبير، إلا من يتخذ من السلاح والوعيد والتهديد، سلاحًا للتعبير عن رأيه.

الدكتور صلاح فوزى، الخبير الدستورى وأحد أعضاء لجنة العشرة لكتابة الدستور، يرى أن أولى خطوات هذا الإصلاح، هو البدء فورًا فى إعادة النظر فى مواد الدستور المصرى الحالى، الذى هو بالأساس دستور صاغه الإخوان، وواضعوه من أعضاء لجنة الخمسين ما بعد ثورة 30 يونيو، كانوا حسنو النية، راعوا الظروف والتحديات التى تشهدها مصر آنذاك، وكنا فى عجلة من أمرنا وفى سباق مع الزمن من أجل الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من خارطة الطريق، فكان المنتج النهائى هو ما نراه الآن من دستور، لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة ولا حجم التحديات التى تعيشها البلاد، ولا مكتسبات ما تحقق خلال السنوات الأخيرة.

فى حين يرى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وأحد أعضاء لجنة الخمسين، الدكتور ضياء رشوان، أنه لم يعد مقبولًا أن تظل الحياة النيابية حكرًا على مجلس نيابى واحد وهو مجلس النواب، فالحاجة أثبتت مدى حاجتنا على غرار الدول المتقدمة إلى غرفة تشريعية ثانية، تعمل جنبًا إلى جنب مع مجلس النواب، وبالتالى أصبح إعادة مجلس الشورى بصرف النظر عن مسمياته، أمرا لا بد منه، وسيثرى الحياة السياسية فى مصر، بما سيتضمنه من كوادر نادرة، وبالتالى ستقوى من دور الأحزاب السياسية فى مصر، للعمل على أرض الواقع، والمنافسة بقوة عليها، وخلق كوادر سياسية جديدة.

النائب أسامة هيكل، القيادى فى ائتلاف دعم مصر، يرى أن العمل على أرض الواقع، أثبت عدم جدوى المجالس الصحفية والإعلامية كالأعلى للصحافة والإعلام، فى ظل التخبط السائد بينهم وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للقائمين على أمر هذه المجالس، وبالتالى أصبح إعادة النظر فى المادة الخاصة، أمرا مفروغا منه.

وبشأن تخصيص ربع مقاعد مجلس النواب، للمرأة، يرى هيكل، أنه لا يختلف اثنان حول مدى مجاح تجربة المرأة تحت القبة التى فاق دورها الكثير من الشخصيات السياسية، وبالتالى الحديث عن هذا الأمر، ما هو إلا نوع من أنواع الفراغ الفكرى.

وبشأن إلغاء الاختصاص الإلزامى لمجلس الدولة بمراجعة مشروعات القوانين، أو ما يعرف بالرقابة السابقة، يقول النائب أحمد حلمى الشريف، وكيل لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب، أن ما يبديه مجلس الدولة من ملاحظات على مشروعات القوانين التى تقدمنا بها، أكدت أن وجهة نظره تتفق مع وجهة نظر المشرع، وبالتالى لسنا فى حاجة إلى هدر مزيد من الوقت، الذى يتخذ من أجل الاطلاع على هذه المشروعات، فى ظل ازدحام أجندة مجلس الدولة، والملفات الواقعة على عاتقه.

أما المادة التى يتحسس البعض عن الحديث عنها والخاصة بتعديل مدة الرئاسة من أربعة سنوات إلى 6 سنوات، يتحدث عنها النائب محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب، والقيادى فى ائتلاف دعم مصر قائلا: إن التجارب السابقة أثبتت أن مدة أربعة سنوات غير كافية لتحقيق النتائج والإنجازات على أرض الواقع، لا سيما مع الدول النامية التى تسعى إلى تحقيق طفرة ملموسة فى حياة شعوبها، وكذلك نفس الحال بالنسبة التى الخارجة من اضطرابات وظروف مماثلة لبلادنا.

ويضيف: «إعطاء الحق للرئيس عبدالفتاح السيسى، بالترشح بعد مُضى دورتين، هذا النص البعض يحتكر الرأى فيه لنفسه، ويتناسى أن الشعب المصرى صاحب الكلمة العليا فى اختيار رئيسه ومن يمثله، وصاحب الحق فى رفض التعديلات الدستورية المقترحة أو الموافقة عليها».

موضوعات متعلقة