رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

شمس أفريقيا تشرق من القاهرة

الرئيس السيسي
الرئيس السيسي

مصر تتربع على عرش القارة السمراء 

مصر تنقل الأفارقة من غياهب الظلمات إلى نور التنمية

الشعوب الأفريقية يعقدون آمالهم وتطلعاتهم.. والقاهرة تسعى لترجمتها إلى واقع

مهمة محفوفة بالمخاطر.. وتصطدم بمخططات إقليمية ودولية

التنمية الاقتصادية.. الحروب الأهلية.. والجريمة المنظمة.. أبرز التحديات

استطاعت مصر فى أقل من 6 سنوات منذ إعلان خارطة الطريق فى يوليو من عام 2013، أن تعود لرياتها فى قلب القارة السمراء وتتقلد لأول مرة رئاسة الاتحاد الأفريقى بفضل القيادة السياسية برئاسة عبدالفتاح السيسى، فعلى الرغم أن المدة ليست بطويلة، إلا أن ما حدث خلال هذه الفترة جعلت الأمور تنقلب رأسا على عقب، فبعد أن كانت مصر تواجه شبح الانسلاخ من قارتها الأم بعد أن اتخذ الاتحاد الأفريقى، قرارا بتعليق عضويتها، بعد أحداث يناير الأسود ٢٠١١، إلا أنها لم تحتفظ فقط بعضويتها ولكنها تقلدت الاتحاد الأفريقى فى فبراير ٢٠١9، وهو ما سيخلده التاريخ بأحرفٍ من نور للجنود المجهولين فى الدولة المصرية وعلى رأسها كتيبة من الدبلوماسيين المصريين.

وقيادة مصر للاتحاد الأفريقى بعد أقل من 6 سنوات من تعليق عضويتها مهمة لم تكن ميسرة، بل واجهت العديد من التحديات، وقابلت فى طريقها عقبات جمّة، وتعرضّت لمحاولات عدة من دول إقليمية وأخرى دولية لقطع الطريق أمامها حتى لا تعود إلى حضن قارتها السمراء، فضلا عن إرث ثقيل ورثته القيادة السياسية الحالية للبلاد تجاوز عمره 30 عاما، شهدت فيه القاهرة حالة من القطيعة مع دول القارة، وتراجعا كبيرا فى دورها التاريخى مع شعوبها، وتمثيلا ضعيفا فى الفعاليات الأفريقية، وتأييدا ليس كما هو مأمول منها فى الأزمات والقضايا التى واجهت القارة، وهو ما انعكس بالسلب على علاقة القاهرة مع أشقائها، وهذا الغياب أفسح المجال أمام إسرائيل للتوغل داخل القارة غربا بعد أن كانت محشورة شرقا، وامتد النفوذ الإيرانى نحو دول القارة لا سيما دول حوض النيل.

مواجهة أخطاء الماضى

بعد وصول الرئيس السيسى إلى سُدة حكم البلاد فى يونيو 2014، أدرك جيدا منذ يومه الأول، أنه لا سبيل لعودة مصر إلى مكانتها وريادتها إلا بالعودة إلى محيطها الأفريقى، واستعادة علاقاتها الإستراتيجية والأزلية مع دولها، إدراكا منه لأهمية الامتداد الأفريقى لمصر، وارتباطه الوثيق بدوائر الأمن القومى.

ففتح أبواب قصر الاتحادية أمام مختلف زعماء ورؤساء القارة، وعقد معهم عشرات اللقاءات والمباحثات، وعلى أرض بلاده احتضن المؤتمرات التى كانت فيها الوفود الأفريقية على رأس المدعوين، ولم يترك مناسبة فى أفريقيا إلا وكان الرئيس السيسى أول الحاضرين لتمثيل بلاده، ومن منصة المنظمات الدولية، كانت قضايا القارة وهموم شعوبها أولى اهتماماته، فأحرج المجتمع الدولى فى عُقر داره، وناداه للقيام بمسؤولياته تجاه أفريقيا، وتبنت الدبلوماسية المصرية، استعراض أوجاع القارة فى المحافل الدولية، مع الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، وسخرت جميع إمكانياتها فى خدمة دول القارة.

تجارب مصر محل اهتمام وانتباه

ووسط كل ذلك، كانت مصر تحقق إنجازات واسعة على مرأى ومسمع شعوب القارة، فخطر الإرهاب الذى يشكل أكبر تحديا لدولها، نجحت مصر فى حصاره وتركيعه، وقدمت بذلك تجربة فريدة لأشقائها فى القارة السمراء المبتلين بالحروب الأهلية وعصابات الإرهاب.

واستطاعت أن تنتشل نفسها من كبوتها الاقتصادية والانهيار الذى واجهته بعد أحداث يناير 2011، وحولت من مشروع الفوضى إلى مشروع إصلاحى، لا نبالغ إذا قلنا أنه الأكبر فى تاريخ دول القارة والمنطقة بأسرها.

وبالتزامن مع الحرب على الإرهاب والإصلاح الاقتصادى، قدمت القاهرة تجربة فريدة لزعماء القاهرة الذين تهافتوا على مصر، للوقوف على التنمية التى تقيمها على أرضها، من مشروعات تنموية عملاقة، ومدن جديدة، ومناخ جاذب للاستثمارات الخارجية، وحزمة من الدعم للفئات الفقيرة والمحدودة، وإحرازها تقدما ملموسا فى مجال الرعاية الصحية الشاملة، وخطوات حثيثة لإصلاح التعليم، مع خطاب سياسى جديد وُضع بعناية فائقة انتهجته القيادة السياسية.

صفحة جديدة مع دول القارة

بعد مُضى 6 سنوات، نجحت مصر فى تذويب إرث الماضى، ومعالجة آثاره وتداعياته، وعاد منحنى العلاقات المصرية الأفريقية إلى الصعود مجددا، وأعادت مصر بناء جسور الثقة التى أُهدمت، والمياه تدفقت إلى مجاريها من جديد، حتى تكللت هذه الجهود برئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، وسط حالة من التفاؤل تسود القارة السمراء، وتطلعات يأملها زعماؤها من مصر، وآمال واسعة تعقدها شعوبها فى انتشالها من مستنقع الظلام والتخلف والخراب إلى التنمية والأمن والاستقرار.

محمد حامد الباحث فى العلاقات الدولية قال إن مصر استعادت دورها برئاسة الاتحاد الأفريقى بعد انقطاع فى الفترة الأخيرة، من حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، عقب محاولة اغتياله فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لافتا إلى أنها تستعيد مكانتها مجددا عن طريق تلك الاستثمارات والتكتلات الضخمة.

وأضاف حامد لـ«الزمان» أن مصر سوف تعيد ترتيب البيت الأفريقى وتعزيز السلم والأمن فى القارة الأفريقية والمشاركة فى اتفاقية المناخ، مشيرا إلى أن القارة السمراء تمتلك الكثير من الموارد والمياه وترتيب الأوراق المختلفة من التكامل الاقتصادى ومكافحة الإرهاب وتقليم أظافر الطامعين فى أفريقيا. ولفت حامد إلى أن رئاسة مصر لأفريقيا ستنقذ القارة من العديد من الأزمات التى تعانى منها على رأسها عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية وانتشار الجماعات المتطرفة واللاجئين.

وأشار حامد إلى أن الفترة التى غابت فيها مصر عن تواجدها بالدول الأفريقية، ساعدت دولا أخرى فى الدخول وأخذ مكانها، مثل الصين وغيرها، وهى الآن تستعيد تواجدها كسابق عهدها. وأكد حامد أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى أكبر نموذج على نجاح مصر دبلوماسيا على مدار السنوات الماضية، مشيرا إلى أن ترأس مصر للاتحاد الأفريقى بعدة سنوات قليلة من تجميد عضويتها فى 2013 يعبرعن نجاح الدبلوماسية المصرية فى معالجة المفاهيم السلبية والقدرة على تدعيم وجودها على جميع المستويات الأفريقية والعربية والدولية.

بوابة العالم نحو أفريقيا

تعد مصر البوابة الأولى للعالم نحو القارة السمراء بما لها من ثقل سياسى، ووزن إقليمى بين دول العالم عامة، والدول الأفريقية على وجه الخصوص، فقد بات التقارب المصرى مع أفريقيا فى هذه المرحلة هو محور الحركة السياسية الخارجية المصرية، إذ احتلت القارة بوجه عام، وإقليمى حوض النيل وشرق أفريقيا بوجه خاص، وزنًا يكاد يكون مركزيا فى أولويات الدولة المصرية، خاصة بعد ثورة يونيو 2013.

كما أن مصر تعد نقطة الالتقاء الأفريقى بحضارات العالم القديم والحديث ويحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه مسئولية البلاد، على مد جسور التعاون بين مصر وأشقائها فى القارة، بما يسهم فى جعل أفريقيا قارة واعدة من خلال كونها جاذبة لاستثمارات ضخمة وحاضنة لمشروعات إنتاجية وخدمية كبرى، فمصر بلد منفتح على الاقتصاد الدولى.

ولمصر ثقل سياسى خاص فى منطقة الشرق الأوسط، فقد عززت القاهرة مكانتها فى الاتحاد الأفريقى واسترجعت تأثيرها الدبلوماسى المعروف فى هذه المنظمة، حتى أنها أصبحت حاليا رئيسا للاتحاد الأفريقى، كما تشارك بشكل فعال فى المحادثات التى تدور بين حماس والسلطة الفلسطينية حول الوضع فى غزة.

كما تعد مصر قوة كبرى فى مجال الغاز الطبيعى بالشرق الأوسط بعد اكتشافها حقلا كبيرا منه فى البحر المتوسط، إذ يعتبر حقل «ظهر» مصدرا نفطيا كبيرا واكتشافه يعود بالنفع على الاقتصاد المصرى.

وتوجد عوامل تقارب متعددة بين مصر والقارة الأفريقية ترتبط بالأجندات الدولية والإقليمية فى منطقتى الشرق الأوسط والبحر الأحمر والمؤثرة بطبيعتها على مستوى عالمى من الناحية المائية، ولها أهمية إستراتيجية خاصة، فما زالت تلك العوامل حاسمة بالنسبة إلى المصالح الغربية، وخصوصا الأمنية منها، فقربه منطقة القرن الأفريقى من منطقة الخليج العربى، وأهمية البحر الأحمر لعبور النفط، وأهميته الإستراتيجية لحالات الحصار البحرية المحتملة.

تولى مصر لرئاسة الاتحاد الأفريقى ستكون لها مردود على ملف التجارة الحرة وتعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب والاستفادة بخبرات الدولة المصرية فى هذا المجال، إلى جانب التعاون الاقتصادى بين الدول الأفريقية.

التنمية والاستقرار سلاح القاهرة لمواجهة التحديات

 وبدورها تسعى القاهرة جاهدة إلى تحويل هذه الآمال إلى واقع تشهده القارة من تكامل اقتصادى وتنمية حقيقية على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى، ومد جسور التواصل الحضارى والثقافى وإرساء الأمن والسلم، ومد يد العون، وهو ما يتوافق مع رؤية القاهرة تجاه القارة، إذ ترى أن التنمية والاستقرار هما أقوى سلاح لمجابهة التحديات الراهنة، وعلى رأسها الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.

طريق محفوف بالمخاطر

ومهمة القاهرة تجاه أفريقيا، لن تكون سهلة، إذ تأتى فى توقيت هو الأصعب فى عالم يسوده الاضطراب والتوتر ولا يعرف سوى لغة المصالح، فضلا عن نوايا خبيثة تحملها بعض الدول وترغب فى تنفيذها داخل القارة، وتحاول فى سبيل ذلك مقاومة أى خطوات إيجابية تقوم بها مصر، وهو ما تعييه القاهرة تماما، ودرسته مبكرا قبل ترأسها للاتحاد الأفريقى، كما تعى تماما، أنه ليس بالنوايا الحسنة والطيبة ستحقق هذه الآمال والتطلعات، وإنما من خلال السعى والعمل البناء والجهد الدؤوب، فى إطار خطة قائمة على إصلاحات جوهوية تتناسب مع متطلبات العصر واحتياجات المواطنين، وعملية تنمية شاملة تتجسد فى تطوير الطرق والمطارات والموانئ والمدن وشبكات الكهرباء والرى والطاقة والمياه وثروة معلوماتية ضخمة، فضلا عن مشروعات تنموية مشتركة، توفر فرص عمل لأبناء القارة، وتقطع الطريق أمام انضمامهم للجماعات المتطرفة والمسلحة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز حرية التجارة عبر مشروع (القاهرة-كيب تاون)، وإيجاد حلول للمشاكل المستعصية.

أفريقيا.. ثروات نهبها الاستعمار.. وكنوز مخفية:

يشير الدكتور عبدالمنعم السيد، المدير السابق لمركز القاهرة للدراسات السياسية والاقتصادية، أن ثلث الاكتشافات النفطية الجديدة فى العالم منذ عام 2000 وحتى الآن، فقد وصل إنتاج القارة من النفط ما يقرب من 30% من الإنتاج العالمى فى العام 2010، بينما وصل احتياطى القارة من النفط إلى 8%، وأكثر الدول إنتاجا للنفط هما ليبيا والجزائر فى شمال أفريقيا وغينيا ونيجريا فى غرب أفريقيا.

ويرى أنه على الرغم من أزمة التصحر التى تواجه العالم ولا سيما الأراضى الزراعية فى القارة، فإنها تتميز بوفرة الأراضى الصالحة للزراعة، بالإضافة إلى انخفاض تكلفة رأس المال، فقد بلغت الأراضى الصالحة للزراعة حوالى 200 مليون فدان.

ولفت إلى أن الزراعة تعتبر أحد أهم الأنشطة الاقتصادية فى القارة السمراء، وأن تنوع المناخ بها وكثرة الأنهار ساعدا على قيام الزراعة بها بصورة كبيرة، ويعمل ثلثا سكان القارة بالزراعة تقريبا، والتى تساهم بحوالى 20 – 60% من إجمالى الناتج القومى لكل دولة من دول القارة.

واستطرد: «فى المناطق الاستوائية يتم زراعة الأناناس والقهوة والكاكاو والنخيل لاستخراج الزيت منه، حيث تمثل دول حوض النيل بالنسبة للمستثمر فى مجال الزراعة فرصة واعدة لتحقيق نجاحات كبيرة خاصة فى حال زراعة المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والذرة والأرز والحبوب خاصة لتغطية الفجوة الموجودة بين العرض والطلب فى السوق المصرية لهذه المحاصيل».

 وأكد المدير السابق لمركز القاهرة للدراسات، أن بعض الدول الأفريقية تمثل فرصا واعدة فعلى سبيل المثال السودان إذ تشكل الزراعة أهم المصادر الرئيسية لكسب العيش فيه، وذلك لنحو 61% من العاملين ويعتبر السودان من أكبر ثلاث بلدان فى أفريقيا من حيث المساحة وتوافر المياه والأراضى القابلة للزراعة وتبلغ حوالى 30% من مساحة السودان البالغة 1.8 مليون كيلو متر مربع، وأهم المحاصيل المزروعة بالسودان القطن والسمسم.  ويشير إلى أن أوغندا تتمتع بالعديد من مصادر الموارد الطبيعية وتمتلك أكثر من 18 مليون هكتار (43 مليون فدان) منها تقريبا 40% غير مستغلة، وتمتلك وفرة أرضية ومائية كبيـرة ولديها الرغبة السياسية والإمكانية اللازمة لجذب الاستثمارات الزراعية المصرية.

الأزهر قلب القارة السمراء النابض

تعوّل القاهرة، كثيرا، فى مهمتها تجاه القارة السمراء، على الأزهر الشريف، منارة العلم ومنبر الوسطية، وأحد أدواتها الراسخة لنشر الإسلام الوسطى بين دول القارة، وإغلاق الباب أمام الجماعات المتشددة التى تستغل الدين لتحقيق مآربها واستقطاب عناصر جديدة من شباب القارة، الذين يدفعون فاتورة الإهمال والتهميش والتخلف، فأصبحوا لقمة سائغة فى فم الجماعات.

وأظهر التاريخ على مر العصور اهتمام الأزهر بأبناء القارة السمراء من عدة جوانب، فعلى الصعيد الفكرى افتتح الأزهر أكاديميتين فى يناير الماضى، لتدريب الأئمة الوافدين على النهج الدعوى واحدة افتتحها مجمع البحوث الإسلامية والأخرى أطلقتها وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى تقديم المنح للعديد من دول أفريقيا مثل السنغال والسودان ونيجيريا وجنوب أفريقيا، إذ تحتل القارة المرتبة الثالثة من حيث أكبر عدد طلاب وافدين من الخارج للدراسة بجامعة الأزهر.

وكان فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، قد قرر تشكيل لجنة للشئون الأفريقية بالأزهر لتدعيم أفريقيا تعليميا ودعويا، تزامنا مع تولى مصر قيادة الاتحاد الأفريقى واستكمالا لدور مصر فى دعم شعوب القارة على كل المستويات وتكون مهمة اللجنة التى عقدت أكثر من اجتماع على مدار الفترة الماضية تعزيز التعاون بين الأزهر ودول القارة وتقديم مزيد من الدعم التعليمى والدعوة لتحصين شباب أفريقيا ضد استقطاب الجماعات المتطرفة.

متحدث الوافدين: سنعود إلى بلادنا متسلحين بالعلم

ويقول الإمام آدم محمد دومبيا المتحدث باسم الأئمة الوافدين، إنه قبل المجيء إلى الأزهر كنا لا نحسن العربية ولا نعلم بعض المبادئ الإسلامية، فبدأنا ننفتح ونشرح بواسطة الدروس والمحاضرات التى وفرها لنا الأزهر الشريف، والتى يحاضرنا فيها كبار الأساتذة.

وأضاف آدم لـ«الزمان»، أن الأمر الذى دفعه هو وباقى الأئمة للمواظبة على الدراسة بالأزهر هو أن به انفتاحا وفهما جديدا للدين وفكرا وسطيا ولا يوجد تعصب لمذهب ما، فكل المذاهب تدرس، فالتعليم الأزهرى منبع العلم، وبفضل افتتاح أكاديمية لتدريب الأئمة سنعود إلى موطننا ونحن مسلحون بتعاليم جديدة نافعة وسننشر هذه التعاليم.

وأوضح المتحدث باسم الأئمة الوافدين، أنه بفضل رجوع حكومة السنغال فى تشريعاتها للنهج الأزهرى استطاعت أن تأخذ تدابيرها واحتياطاتها اللازمة لمنع وقوع الهجمات الإرهابية، وتحارب الجماعات بتآلف طوائف الدين لدينا، وحتى بين المسلمين والمسيحيين فكلنا يعمل لصالح الوطن والأمة الإسلامية.

واختتم: «ونحن نتأسى بالتعليم الأزهرى فالتعليم فى بلدنا يشبهه كثيرا لأن معظم علمائنا تعلموا فى مصر بالأزهر، كما أننا نقوم بمبادرات مثلما يحدث فى مصر لتوعية الشباب ضد الإرهاب، فمنذ عامين اجتمع الأئمة بالتعاون مع الحكومة على تنظيم خطب ودورات تدريبية، وخروج فى الأحياء للتحدث مع الأهالى ورفع مستوى الفهم لديهم وكيفية عدم شرودهم للفكر المتطرف».

وفى هذا الصدد قال الدكتور أحمد زارع المتحدث الرسمى باسم جامعة الأزهر، إن الجامعة تقدم العديد من الخدمات التعليمية للطلبة الأفارقة منها الإقامة بمدينة البعوث الإسلامية والاشتراك فى العديد من الأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى إعفائهم من المصروفات المقررة عليهم إذا كانوا مقيدين على منح الأزهر.

وأضاف زارع، لـ«الزمان»، أن الجامعة تقدم للطلاب الأفارقة والوافدين عامة جميع الخدمات التى تقدم إلى الطلاب المصريين بالجامعة، إذ تتبناهم الجامعة منذ قدومهم إلى مصر وحتى حصولهم على البكالوريوس.

وأشار المتحدث الرسمى باسم الجامعة، إلى الدور الفعال للجامعة فى مسابقة أولمبياد اتحاد الجامعات الأفريقية الأول، المقرر إطلاقها فى الفترة من 12 حتى 18 مارس المقبل، بمشاركة 640 مشاركا بهدف تعزيز الشراكة بين الجامعات الأفريقية، إذ بحث كل من الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة، والدكتور محمود إسماعيل المستشار الرياضى لجامعة الأزهر، سبل التعاون الثنائى مع جامعة الأزهر على صعيد البرامج والمشروعات الشبابية والرياضية.

واختتم الدكتور أحمد زارع أن جامعة الأزهر دائما تعمل على إعداد الكوادر على المستويات الإقليمية والعالمية فى مناخ يتسم بالحرية والديمقراطية والمساواة، وبما يسهم فى خدمة المجتمع وصولا إلى التنمية المستدامة.

روشتة لا غنى عنها

الدكتور عبدالرحمن طه الخبير الاقتصادى، يرى أن هناك معوقات لا بد من إيجاد آليات للتعامل معها حتى تحقق القاهرة التنمية التى تنشدها لدول القارة، وعلى رأسها التنمية الاقتصادية، فالمطالب لا تحقق بالتمنى، وخير نموذج على ذلك تجربة مصر الإصلاحية فى مجال الاقتصاد، فخاضت عملية أشبه بـ«استئصال ورم»، نتيجة موروثات الماضى، من قرارات وإجراءات خاطئة وأخرى متأخرة، وهى ما عرفت بـ«الدواء المر الذى لا بد منه»، وبالنسبة للحالة الأفريقية، نحتاج إلى مشرط فى يد طبيب ماهر لاستئصال العقبات التى تقف حجرة عثرة أمام تحقيق التنمية الاقتصادية فى دول القارة. واقترح طه مجموعة من القرارات التى لا بد من البدء فيها مبكرا لتكون بمثابة الطريق نحو التنمية على رأسها بحث إنشاء بنك أفريقى، وعملة موحدة لدول القارة، ولنا فى دول أوروبا نموذج يحتذى به، فضلا عن إيجاد إستراتيجية مشتركة يتم التوافق عليها لإدارة موارد المياه والرى، والانتهاء من مشروع الربط الملاحى، هو ما سيصب فى دوره فى تعزيز التبادل التجارى بين دول القارة بأقل تكلفة.

من جانبه يرى الدكتور عصام قلدس، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، أنه يطالب الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى وعلى رأسها مصر، سرعة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة التى تم توقيعها من جانب 48 دولة فى عام 2022، وتأخر دخولها إلى حيز التنفيذ نتيجة تماطل 22 دولة، بعضها تراجع عن التصديق بإيعاز من دول إقليمية لا تود خيرا لدول القارة ولشعوبها.

وأشار إلى أنه بموجب تفعيل اتفاقية التجارة الحرة، ستصبح القارة الأفريقية أهم منطقة تجارية ليس فى القارة ولا المنطقة وإنما العالم بأسره، متابعا: «بِحِسبة بسيطة سنجد أن عدد سكان القارة يتجاوز الـ1.2 مليار نسمة موزعة على 55 دولة أفريقية، وأنا هنا لا أتحدث عن أن هذه الدول متساوية فى الموارد والإمكانيات والثروات، وإنما أتحدث فى ضوء المعايير العامة، كعدد السكان والناتج المحلى الذى يتجاوز الـ2 تريليون دولار».

إنشاء خط ملاحى «فيكتوريا-المتوسط»

لن تتحقق التنمية التى تنشدها دول القارة، وتعقد على مصر تحقيقيها بموجب ترأسها للاتحاد الأفريقى إلا من خلال مشروع يربط دول حوض النيل بممر ملاحى، يسهل حركة التجارة ويعزز من فرص التعاون، ويفتح الطريق أمام تصدير منتجات القارة نحو أوروبا والدول العربية عبر مصر، وهو لن يحدث إلا من خلال مشروع الربط الملاحى النهرى من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط.. بهذه الكلمات بدأ الصحفى والباحث المتخصص فى الشؤون الأفريقية محمد عبدالمنصف، حديثه لـ «الزمان»، مضيفا أن هناك دولا حبيسة لا تطل على المياه كـ(رواندا وبوروندى وجنوب السودان وأوغندا)، وبالتالى تصدير هذه الدول للسلع يتم من خلال ميناء ممبث فى كينيا، ومن هنا تأتى أهمية إنشاء مشروع الممر الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط .

وتابع أن هذا المشروع يأتى على مرحلتين الأولى وهى ربط ميناء الإسكندرية وميناء أسيوط بأوغندا، والمرحلة الثانية ستصل إلى كيب تاون بجنوب أفريقيا وإنشاء طريق برى بحرى وسكك حديدية، وهو ما سينعكس على انتعاش الحالة الاقتصادية لدول القارة.

وكشف عبدالمنصف عن مزايا مشروع الربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط قائلا: توفير وسيلة نقل آمنة وصديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة مما يساهم فى تحسين معدلات النمو الاقتصادى وخاصة للدول الحبيسة مثل رواندا وبوروندى وجنوب السودان وأوغندا، وتحقيق التكامل والتقارب بين الدول، وإنشاء مراكز تدريب إقليمية ووطنية لإعداد الكوادر الفنية المطلوبة لإدارة وصيانة الممر الملاحى، فضلا عن خلق فرص عمل جديدة وتشجيع السياحة مما يقلل من معدلات الفقر بتلك الدول.

 وعن العقبات التى قد تقف أمام خروج هذا المشروع إلى النور، أكد الباحث محمد عبدالمنصف، أن هذا المشروع يحتاج إلى موافقة الشعوب الأفريقية على التنمية والزراعة بأراضيهم إلى جانب توافر الكوادر البشرية التى ستقوم بهذه المهمة قى أفريقيا والتى يجب أن يكون عندهم قابلية العيش بأفريقيا.

أفريقيا.. سلة غذاء العالم

قارة أفريقيا تمتلك موارد طبيعية لا تنعم بها قارة أخرى فى ظل مساحة ضخمة تبلغ 30 مليونا و190 ألف كيلو متر مربع، إلى جانب التنوع المناخى الفريد الذى يجعلها قادرة على خلق حالة توازن لا تمتلكه قارة أخرى من قارات العالم، وأدى التنوع المناخى إلى تنوع المحاصيل ومواسم الإنتاج ما بين الشمال والجنوب والشرق والغرب علاوة على جودة الإنتاج، وهو ما جعل البعض يطلق عليها «سلة غذاء العالم».

ورغم توافر البيئة المناسبة للزراعة (مياه رى ومساحات شاسعة من الأراضى الزراعية ذات التربة الخصبة وإقليم مناخى مختلف) إلا أن الاستثمار الزراعى فى أفريقيا ما زال يعانى من انخفاض شديد خاصة من قبل الدول الأفريقية، عدا استثمارات عدد من الدول الأوروبية التى تحاول استغلال الموارد الزراعية المتاحة فى القارة.

والعلاقات المصرية الأفريقية فى المجال الزراعى تشهد حاليا تطورا كبيرا، توجت مؤخرا بافتتاح مصر لمعرض التجارة البينية الأفريقية بالإضافة إلى معرض الغذاء فى أفريقيا.

وتقوم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بدور لا يستهان به فى تعميق العلاقات المصرية الأفريقية من خلال إنشاء مزارع مشتركة مع الدول الأفريقية.

ويحقق مشروع المزارع المشتركة مع الدول الأفريقية مجموعة من الأهداف منها ما يتعلق بالشق التنموى والمتمثل فى نقل التكنولوجيا الزراعية المصرية وفتح أسواق الدول الأفريقية أمام المنتجات الزراعية المصرية وخاصة الأصناف والهجن الخاصة بالمحاصيل سواء الحقلية أو البستانية، والبدء فى صناعة التقاوى المصرية والوصول إلى المزارعين الأفارقة لتنمية الإنتاج الزراعى لديهم، وتحسين الدخل الاقتصادى وبالتالى المشاركة المصرية فى برنامج التنمية المستدامة بتلك الدول المنتشر بها مزارع مشتركة مثل زامبيا والكونغو الديمقراطية وزنجبار وأوغندا وإريتريا ومالى والنيجر وتوجو.

وتسعى مصر خلال الفترة المقبلة تزامنا مع رئاستها للاتحاد، إلى إنشاء مزارع فى كل من تنزانيا والسنغال وزامبيا وبوركينافاسو، والاستثمار فى مجال إنتاج اللحوم فى أوغندا بالتعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية الأوغندى بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية المتاحة بالسودان من خلال مقترح الشراكة مع القطاع الخاص فى مجال إنتاج التقاوى لسد العجز فى إنتاج السيلاج كعلف أخضر لتغذية الماشية.

المرأة الأفريقية من المعاناة إلى التمكين:

تعيش المرأة الأفريقية، مأساة حقيقية، فعلى الرغم أن قوى الاحتلال والاستعمار قد انقشعت عن بلادها بغير رجعة، إلا أنه عاد بشكل جديد لكن هذه المرة بسلاح الجهل والمرض والتخلف، فالاتحاد يعى تماما أن المرأة الأفريقية التى تشكل أكثر من نصف تعداد السكان فى القارة، وهى نواة أى دولة، فهى الأم والمربية والمعلمة، وهى المدرسة التى إذا أعددتها أعددت شعبا طيبا الأعراق، إذ كانت تتعرض للعنف والقهر، وبيئة تفتقد أدنى مقومات الحياة، فضلا عن غياب التعليم والصحة.

وانطلاقا من مسؤولية مصر تجاه القارة وأبنائها وفى القلب منها المرأة الأفريقية، وتجربتها الرائدة فى مجال تمكين المرأة ومشاركتها فى صناعة القرارات وتولى المناصب القيادية.

وفى ضوء ذلك تحاول القاهرة، تقديم تجربتها ورؤيتها تجاه المرأة الأفريقية، وإيمانا بدورها فى بناء المجتمع الأفريقى، ودورها فى تحقيق الأمن والسلام والتنمية، كما ستعمل بقوة من أجل القضاء على كافة العنف والتمييز.

وفى سبيل تحقيق ذلك، تتبنى مصر برنامجا خاصا بالمرأة يستهدفُ السيدات من كل أنحاء القارة الأفريقية، اللاتى لديهن سجل متميز فى مجال الإدارة والقيادة وريادة الأعمال، داخل مجتمعهن، مع إدماج مشاركات من متحدى الإعاقة، ويتيح البرنامج للمتدربات الانخراط مع القادة وصناع القرار بمصر، والشخصيات الرائدة فى القطاع الخاص والمجتمع المدنى والإعلام، بما يدعمُ الارتقاء بقدرات المرأة الأفريقية.

النائب حاتم باشات، عضو لجنة الشؤون الأفريقية فى البرلمان، يؤكد لـ«الزمان» أنه بعد تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى فإنها ممثلة فى المجلس القومى للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسى، ستتولى هذا الملف بالتنسيق مع الجهات المختصة فى الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة.

وأشار إلى أنه لا بد أن يسبق ذلك عملية إصلاح فى الهيكلة الخاصة بالاتحاد الأفريقى، طبقا لما قاله الرئيس السيسى، إذ أكد ضرورة إعطاء مهلة وفرصة لكافة اللجان كى تنطلق خلال الفترة المقبلة، وتسهم فى شؤون القارة، موضحا أن الاتحاد الأفريقى هذا العام كلماته كلها داعمة للمرأة، وبدايته تدعو إلى الاستبشار.

فيما قالت الدكتورة منى منير، عضو لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب، إن مصر استضافت - الأسبوع الماضى – حوالى 17 وزيرة أفريقية، وعدد من القيادات النسائية الأفريقية، الذين أتوا إلى مصر على شرف انعقاد للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية فى مؤتمر كبير يستضيفه المجلس القومى للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسى.  وأضافت «منير» لـ«الزمان» أن مصر بصدد عمل مجموعة مشروعات للتنمية، فى المقام الأول مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تتلاءم مع الطبيعة الزراعية والمناخية لدول القارة السمراء، وهذه المشروعات تأتى نتيجة المشروعات التى نجحت فيها المرأة المصرية هنا، فنحن نحاول أن ننقل الخبرات المصرية إلى دول أفريقيا، وكذلك الخبرات المتبادلة إلى مصر.

استئصال التخلف بمشرط التعليم

تدرك مصر جيدا أنه لا سبيل للارتقاء بأوضاع القارة الأفريقية، وتحقيق آمال وتطلعات شعوبها إلا من خلال النهوض أولا بالعملية التعليمية، فدون التعليم لن تكون هناك نهضة حقيقية أو افتصاد قوى أو تنمية فى بلدان القارة لا سيما الدول الفقيرة، فهناك أكثر من 50 مليون طالب أفريقى خارج المدرسة، والباقى من أتيحت له الظروف لنيل قسط من التعليم، يخرج من المدرسة تحت الظروف الاقتصادية والعيشية الصعبة، وأما من يتخرج منها، يصبح غير مسلحا بالمهارات الأساسية اللازمة لبناء حياتهم المستقبلية.

وفى هذا الإطار ستواصل مصر تزامنا مع رئاسة الاتحاد الأفريقى، دورها فى الارتقاء بأوضاع التعليم فى دول القارة من خلال خلال المشاركة فى اجتماعات مؤسسة تطوير التعليم الأفريقية؛ لوضع قواعد ومعايير المقررات الدراسية فى بلدان شمال أفريقيا، وستسعى بالتعاون مع دول أفريقيا إلى تطوير أداء المدرسين من خلال ترشيح عدد من الخبراء من أساتذة الجامعات لحضور اجتماعات الاتحاد الأفريقى لتطوير أداء المدرسين ورفع كفاءة المدرس والعملية التعليمية بأفريقيا، وتقديم المنح الدراسية للشباب الأفريقى ودعم مراكز التميز التى تخدم التكنولوجيات الحديثة، وزيادة القوافل الطبية لدعم الرعاية الصحية فى البلدان الأفريقية، ودعم التعليم الفنى والتقنى؛ لخلق فرص عمل للشباب الأفريقى، ودعم الشراكات الثنائية.

كما ستبحث إمكانية فتح أفرع جديدة للجامعات فى تخصصات نادرة ومميزة فى بعض الدول الأفريقية، وتبادل الأساتذة والخبراء بين الجامعات المصرية والأفريقية، وترشيح خبراء مصريين للعمل بالاتحاد الأفريقى والتعاون فى جامعات أفريقيا، ودعم إبرام مبادرات لضمان الجودة والاعتماد للجامعات الأفريقية، خصوصا أن مصر لها دور رائد فى هذا المجال، وكذا إعادة تنسيق وطرح المنح الدراسية للطلاب الأفارقة، والتى تقدمها مصر فى شتى مجالات العلوم لدعم الملفات المصرية فى الاتحاد الأفريقى.

وتقدم الحكومة المصرية عدد 1900 منحة لأبناء القارة الأفريقية بتكلفة 17 مليون دولار سنويا، ويصل عدد الدارسين فى مصر حاليا 1100 طالب أفريقى، وعقدت العديد من اللقاءات مع ممثلى سفارات الدول الأفريقية الناطقة بهدف الوقوف على المعوقات التى تواجه الطلاب الوافدين من هذه الدول للدراسة بجمهورية مصر العربية، وبحث حلول هذه المعوقات فضلا عن سبل زيادة أعداد الطلاب الوافدين.

موضوعات متعلقة