تشيلي تستضيف أولمبياد 2027 الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر روسيا تعلن طرد دبلوماسيين اثنين من لاتفيا أمريكا وكندا وبريطانيا تفرض عقوبات جديدة على إيران بإدارة كيان تعليمى وهمى بقصد النصب والإحتيال على المواطنين) الدوري الإنجليزي يكشف خريطة الموسم القادم بالكامل ويفجر مفاجآت بالجملة الصين تستدعي سفير ألمانيا بعد اعتقالات بتهمة التجسس لصالح بكين المجلس الأعلى للثقافة ينظم ندوة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحق المؤلف محافظ مطروح يطمئن على صحة وكيل وزارة الأوقاف عقب تعرضه لحادث سير د.عادل عبد العظيم يتفقد محطة بحوث الإسماعيلية لمتابعة العمل وبرنامج الخضر ورفع كفاءة الأصول المقاولون العرب لإدارة المرافق تحصل على الجائزة الأولى في التشغيل والصيانة والتحول الرقمي بمنتدى مصر لإدارة الأصول بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء.. الإفراج بالعفو عن عدد من النزلاء المحكوم عليهم بعثة الزمالك تصل غانا لمواجهة دريمز في الكونفدرالية
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

التطرف يحرق العالم

«ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا»

التطرف يحرق العالم

الإرهاب يغتال الإنسانية

السيسى أول من حذر من شروره.. والجميع يدفع الثمن

حادث نيوزيلندا يبرهن على موقف الأزهر.. لا وطن له ولا دين

اليمين المتطرف فى أوروبا وداعش.. وجهان لعملة واحدة

مصر تقدم تجربة رائدة.. وتقود المجتمع الدولى لمكافحته

مصر تخوض حربا شرسة بمفردها نيابةً عن العالم فى مواجهة الإرهاب الأسود الذى انتقل وتمدد فى مختلف الأقطار، ما لم يتحد العالم من خلال إستراتيجية شاملة لمجابهته».. بهذه الجملة، وقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2014، عندما كان وزيرًا للدفاع آنذاك ليوجه رسالة إلى العالم بأسره، محذرًا من خطره، ومنذ ذلك الوقت لم يترك الرئيس عبدالفتاح السيسى أى فرصة جمعته بقادة وزعماء العالم، سواء كان محفلًا دوليًا أو عربيًا، إلا وكان محذرًا من خطر تفشى الإرهاب، وضرورة مواجهته بشكل حاسم، داعيًا المجتمع الدولى إلى وضع إستراتيجية موحدة للتصدى له.

وبعد سنوات من هذا التحذير، تيقن العالم من صحة رؤية مصر، فأصبح الإرهاب لعنة وحلّت على العالم، سرطانًا وتفشى، وتسلل إلى جسد كل الدول والشعوب، فى الوقت الذى تجاهل الجميع نداء مصر بالتوحد والتكاتف لمواجهة هذا المصير المشترك، الذى قتل الآلاف من الأبرياء، وها هى هذه الدول تدفع فاتورة تجاهلها لصوت مصر، بعد أن تصورت أنها فى مأمن من هذه الدماء، حتى وجدت نفسها فى مواجهة وحشية مع هذا العدو الغاشم، فلا توجد دولة فى العالم الآن بعيدة عن يد الإرهاب وحشوده، وما حدث فى باريس وموسكو وواشنطن ولندن.

وما حدث فى نيوزيلندا، من جريمة إرهابية بشعة، أودت بحياة 50 شخصًا، وجرح العشرات، يؤكد ما سبق أن أعلنه الأزهر الشريف أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، ويعانى منه المسلمون كغيرهم، ومن الظلم أن يتهم أحد الأديان السماوية أنها تدعو إلى العنف أو التطرف، بل هو نتاج ثقافة الكراهية والتشاحن التى تصاعدت فى الآونة الأخيرة، إذ شهد العالم صعود العديد من موجات التطرف والتى تجسدت فى صورة تنظيمات دينية وظفت الإسلام لأغراض سياسية، فى مقابل صعود حركات اليمين المتطرف فى الغرب، والتى استخدمت المهاجرين والأقليات وغير البيض للهجوم عليها، وتوظيفها للوصول إلى السلطة، وأصبح العالم فى حالة من التطرف والتطرف المضاد، وكلها تشكل جرس إنذار خطير للمجتمع الدولى بأسره.

هانت علينا أنفسنا.. فهنا على العالم

تعد الأحداث الراهنة سطرًا جديدًا يُضم إلى صفحات الإعجاز النبوى، إذ حذر النبى ﷺ الأمة من المخاطر الحادقة بها قبل أربعة عشر قرنًا ونصف من الزمان، ولعل أبرز ما حذر منه النبى صلى الله عليه وسلم هو اقتراب تداعى الأمم والأقوام والأعداء عليها، فقال فى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُوررِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

ولعل فى هذا الحديث ما يعكس دقة التصوير النبوى فى تجسيد واقع أمتنا الإسلامية والعربية المعاصر، إذ تجد أن اتهام المسلمين والإسلام بتهمة الإرهاب، فى نفس الوقت الذى يعد خلاله المسلمون هم ضحايا هذا الإرهاب، لا ينم إلا عن حالة الضعف والوهن التى كانت نتاجًا طبيعيًا للفرقة والانقسام والعزلة بيننا كمسلمين وعرب؛ الأمر الذى جعل الحرب على الإسلام والمسلمين أصبحت علانية دون الاعتبار بالقوى العالمية للمسلمين التى أصبحت رغم كثرتها غثاء كغثاء السيل، أى ما يحمله الماء من بقايا الحشائش التى لا قيمة لها ولا منفعة منها، وخير شاهد على هذا هو الحادث الإرهابى الذى نفذه ملعون بمسجدين فى نيوزيلندا، إذ كان هدفه الأساسى قتل المسلمين، واستطاع اختيار المكان والتوقيت المناسبين فاختار المسجد ووقت صلاة الجمعة.

كما أن عدم وجود عقوبة الإعدام فى نيوزيلندا ربما يعد هو السبب الذى أدى إلى زيادة الرغبة لدى الإرهابى فى تنفيذ جريمته، إذ سلم نفسه للشرطة لأنه يثق أنه لن يُعدم، هذا الحادث هو عمل فردى إرهابى عنصرى.

لعل هذا الحدث يدفع قادة أوروبا إلى التراجع عن موقفهم الذى أعلنوا عنه خلال القمه العربية الأوروبية الفريدة من نوعها والتى استضافتها مصر خلال الشهر الماضى، إذ ولولت منظمات حقوق الإنسان بسبب تنفيذ أحكام الإعدام، معربين عن انزعاجهم من استمرار مصر على موقفها من تنفيذ أحكام الإعدام لمستحقيها، وعدم العدول عنه كما فعلت العديد من دول العالم.

الإسلاموفوبيا والغرب

قال الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعه الأزهر الأسبق، إن الأزهر ليس سلطة أممية، وليس سلطة تنفيذية، ولكن سلطانه روحى بحت، والأزهر الشريف لا يقف دوره عند الاستنكار فقط، ولكنه يناشد ويطالب هذه الدول بأن يكون هناك إنصاف للمظلومين وأخذ الحق من الظالم بشكل عام، كما يطالب رؤساء الدول بالوقوف عن ظلم المستضعفين والتوقف عن إعانة غير العادلين، وعلى إشاعة العدل، واشاعة الرحمة.. ودوره ينتهى عند الحد ولا يجوز له أن يتجاوز غير دوره، لأنه يعرف مكانته ويعرف الدور المنوط به تمامًا، فلذلك لا يستطيع أن يخرج عن هذا الحد من سلطانه الروحى إلى سلطان التنفيذ أو سلطان الضغط.

ومن الملاحظ فى نفس الوقت الذى تنمو فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا ويتهم فيه المسلمون بالعنف والإرهاب، يلاحظ أن المسلمين هم أكثر ضحايا هذا الإرهاب، الأمر الذى يعنى أن هناك مفارقة عجيبة تستدعى استجلاء الأمور وتوضيحها، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه، أى كيف يكون الإرهابيون هم المسلمون وفى الوقت نفسه ضحايا الإرهاب هم المسلمون!

وأوضح الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعه الأزهر السابق، أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ليست وليدة هذه اللحظة، ولكنها منذ أكثر من سبعمائة عام، منذ توجه بعض المستشرقين لدراسة الإسلام، وقد جمعوا نصوصًا مقتطعة ووقائع غير صحيحة ووضموا بعضها إلى بعض ليبينوا للناس أن الإسلام دين دماء، فهذا أمر من قديم الزمان منذ مئات السنين وليس الآن، إلا أن كل القضية حاليا أن هذه الظاهرة صار لها تطبيقات فى الواقع بأن ينصرف بعض غير المسلمين ويتصرفوا ضد المسلمين من منطلق أنهم يحاربون إرهابيين ويتخلصون من إرهابيين.

فيما عقب الدكتور السعيد محمد على وكيل وزارة الأوقاف الأسبق على هذه الظاهرة، موضحًا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هى ظاهرة ظهرت فى أعقاب حادث تفجير البرجين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى 11 سبتمبر 2001، وكانت حيلة أمريكية لتشويه صورة الإسلام فى العالم، وفتح الطريق أمام غزو أفغانستان، ولم يتوقف الأمر عند حدود بعض الدول كأفغانستان، وإنما فتح الطريق أمام القضاء على أكبر الجيوش العربية فى العراق، وهكذا حاولت نتف ريش - إن صح التعبير - القوة العربية والإسلامية.

وتابع أن المصطلح نفسه معناه تخويف الناس من الإسلام وتصويره فى صورة العنف والإرهاب والقتل والذبح والحرق، وقد أثر هذا سلبا فى المجتمع الدولى، فأوروبا وأمريكا غيرت الكثير من سياستها تجاه الإسلام والمسلمين فى الألفية الجديدة، إذ بدت مظاهر التشكيك فى كل من هو عربى أو مسلم.

الإسلام دين محاربته تقويه

ولفت إلى أن ما كان من نتائج الإسلاموفوبيا ما فجع وفزع العالم الإسلامى فى الخامس عشر من شهر مارس الحالى فى دولة نيوزيلندا، إذ تسلل الإرهابى إلى المصلين وهم يؤدون شعيرة صلاة الجمعة، وأطلق عليهم النار بصورة عشوائية همجية بربرية على حد تعبير فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ولا نستطيع تكييف هذه الهجمة البربرية تحت مسمى لأى دينٍ من الأديان، فقد خرج فى صورته الفجة عن كل تعاليم الأديان حتى الوضعية وكل معانى الإنسانية.

وأضاف وكيل وزارة الأوقاف الأسبق لـ«الزمان»، أنه يمكننا هنا أن نقول: إذا كان الإرهابى قد استطاع أن يقضى بسلاحه على عدد من المسلمين الأبرياء، فقد خدم - من حيث لا يقصد - هذا الدين، ليس فى محل الحادث «نيوزيلندا وقارة أستراليا فقط» بل ستظهر خدمته لهذا الدين فى المستقبل القريب على مستوى دول العالم أجمع، ولعل ما يؤكد هذه النظرة أن أساس ظاهرة الإسلاموفوبيا تحولت إلى أكبر الدوافع لتحقيق عدد من النجاحات للإسلام، إذ لفتت فى حينها أنظار غير المسلمين إلى مطالعة حقائق ومبادئ وأصول هذا الدين، فأحداث الحادى عشر من سبتمبر، على سبيل المثال، جعلت الكثير من الناس يلجئون إلى مطالعة مبادئ هذا الدين ومن ثم الدخول فيه.

سياسات الغرب.. مفتاح للكراهية والتشاحن

فى الوقت الذى تصدر فيه كل عام الخارجية الأمريكية بيانا حول حقوق الإنسان فى العالم، أو منظمة العفو الدولية، والتى غالبًا ما تشير إلى وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان فى الدول العربية، أو تدين تلك الانتهاكات، يخرج لنا من بين صفوف الغرب من ينتهك حقوق الإنسان أمام العالم مثلما حدث فى الهجوم الإرهابى بنيوزلندا.

لكن ساهمت سياسات الغرب والدول الكبرى ذاتها فى تفاقم مشكلة حقوق الإنسان فى العالم، إذ أدت سياسة المصالح ولعبة حقوق الإنسان والتدخل فى الكثير من الأزمات، ومنها ما حدث من حروب وأزمات فى المنطقة العربية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وتفاقم تلك الأزمات وإطالة أمدها نتيجة لتغذية الغرب حالة الاستقطاب الداخلى بين أطراف الأزمة ودعم بعض التنظيمات المسلحة والفاعلين من غير الدول التى انتهكت كل حقوق الإنسان، ومنها تنظيم داعش الإرهابى الذى وظفته بعض الدول الكبرى لخدمة أجنداتها فى إشعال الصراعات والحروب فى المنطقة.

وقال إبراهيم خريشة، مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة فى جنيف، فى تصريح صحفى، إن هناك بعض الدول تعانى من ازدواجية المعايير، فدائمًا ما يطالبون بالمحاسبة والمساءلة لكن عندما يخص الأمر فلسطين نرى موقفًا آخر، لافتًا إلى أن إسرائيل تتحدى المجتمع الدولى وتواصل جرائمها.

ليست أحداث العنف فى فلسطين هى فقط من تكشف عن تلك الازدواجية، فهناك شاهد آخر قريب، وهو حادث قتل المصلين فى مسجدين بنيوزلندا، ففى مؤتمر صحفى للنائب الأسترالى أنينج فرايزر حمّل المسلمين مسؤولية ما حصل فى مسجدى نيوزيلندا، فقام شاب بكسر بيضة فاسدة على رأسه ليتعرض لهجمة من أنصار النائب.

وأكد أن الفيديو الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى يعكس مستوى التطرف الأعمى فى دول الديمقراطية والأمن المجتمعى الذى نسمع عنه ونعيشه من دون أن نتوقف عنده وبما يتناسب وخطورته مع سلطات تلك الدول.

ولفت إلى أن مثل هذه الأفكار المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين والتى تصاعدت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فى واشنطن، ستولد أفكارا متطرفة تهدد السلم المجتمعى فى دول العالم يروح ضحيتها الأبرياء، ولن ننسى ما أشيع وقتها فى الأخبار عن مجرم الحرب بوش وهو يتحدث بعنصرية عن احتلال العراق، وربما من المفارقات أن موجة التطرف هذه والآراء العنصرية المعادية للإسلام تلتقى مع الأفكار النازية التى جرت الويلات للعالم.

وتابع بأن اليمين المتطرف فى دول أوروبا ما يزال يقود حملة كراهية ومعاداة للمسلمين لا بد أن تؤدى إلى مآسٍ هنا وهناك، كما أنها تكسر وتخدش صورة الديمقراطية ومبادئها وقيمها الإنسانية وتعرض جدار السلم الأهلى إلى تصدع مؤسف، وبرغم جهود منظمات المجتمع المدنى والشخصيات الفكرية من مختلف الاتجاهات والبلدان للتصدى للتطرف أيًا كان نوعه أو عنوانه الدينى والمذهبى والقومى، فإنه ما زالت هنالك مشاهد عنف وعمليات إرهابية يروح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء منهم نساء وأطفال، وما حدث من أعمال ضد مسلمى الروهينجا من قتل وتشريد ووضع الأطفال وهم أحياء فى النار، وقبلها ما حصل فى البوسنة من مجازر وما يجرى فى فلسطين وسوريا والعراق ومصر كلها شواهد على ما يمكن أن يفعله عمى التطرف.

من جانبه قال حافظ أبو سعدة، الناشط فى مجال حقوق الإنسان ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن حادث نيوزلندا شديد القسوة، وبالطبع المجرم أشار للحادثة فى العبارات التى كتبها على السلاح، وفيما كتب قبل ذلك فى تبرير عمليته.

وأشار أبوسعدة إلى أن الإرهابى تأثر ببعض مقولات الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وهو ما يجعلنا نعلى الصوت كمجتمع عربى ومسلم من خطورة الإسلاموفوبيا والتحريض ضد الإسلام والمسلمين، لأنها فى الحقيقة سوف تؤدى إلى مجازر كبيرة جدًا، وسندخل فى صراع دينى لن تكون نتائجه مقبولة لأى من الأطراف، فالتطرف والتعصب يحتاج إلى موقف موحد من القوى الدولية لمواجهة كافة أشكال التعصب الدينى والتطرف والتنظيمات الإرهابية والعنصرية، وفى الحقيقة يحتاج إلى جهود مكثفة فى هذا الشأن.

وأضاف الحقوقى لـ«الزمان» أن أحزاب اليمين المتطرف تتخذ إستراتيجيات جديدة فى العمليات الإرهابية، فقد بدأت المسألة بأحداث فردية، مثل حادث الاعتداء على الفتاة المحجبة فى ألمانيا، والاعتداء على بعض المسلمين فى بعض المناطق فى كندا وأمريكا، والحوادث الإرهابية الخطيرة سواء فى نيوزلندا، أو ما حدث بعدها بالاعتداء على أحد المصلين أمام إحدى المساجد فى بريطانيا، فهناك تصعيد من قبل اليمين المتطرف، وعداء ضد الإسلام والمسلمين، والمسئول عنها مروجو ظاهرة الإسلاموفوبيا أو ظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين المنتشرة فى العالم كله، والتى لها مظاهر متعددة، فالبعض يواجه الهجرة الإسلامية فى البلاد الغربية لاعتبارها بمثابة غزو أو احتلال، وهو حديث به الكثير من المبالغة لأنه بكل الأحوال أعمال الهجرة بأعلى درجاتها تكون بأرقام محدودة جدًا مقارنة بالسكان الأصليين، أما وضعها تحت بؤرة الخطر وتضخيمها هو ما يؤدى إلى تصاعد اليمين المتطرف واستنهاضه لإحداث هذه العمليات.

وعن ازدواجية الغرب تجاه العمليات الإرهابية، قال حافظ لـ«الزمان» إننا والغرب لدينا نفس التكوينات بمعنى أن الغرب لديه جماعات يمينية متطرفة ونحن كذلك، فلدينا من قاموا بحرق الكنائس، ومن قاموا بقتل المسلمين فى جامع الروضة، فالإرهاب لدينا ولديهم، فلا بد أن نتعامل على أن المرض واحد، ونحتاج إلى موقف واحد للعقلاء من كل المجتمعات لمواجهة الظواهر المتطرفة التى من الممكن أن تقود العالم للحروب الدينية التى مررنا بها من قبل وكانت كارثية، فنحن فى حاجة إلى التعاون وإقامة علاقات متوازنة، وعلاقات دولية قائمة على الاحترام، والجدية فى التعامل، وعدم التعالى فى العلاقات الدولية.

اليمين المتطرف وداعش.. وجهان لعملة واحدة

تشهد خمس دول أوروبية صعودا كبيرا لليمن المتطرف فى عام 2017، والذى وصفه الكثيرون بأنه أكثر تهديدا من داعش، إذ وقعت 5 هجمات إرهابية فى المملكة المتحدة أُرجعت إلى المتطرفين اليمينيين، أما فى أمريكا فإن نشاط اليمين المتطرف العنيف كانت له علاقة بقتل 50 شخصا على الأقل عام 2018.

الكاتب البريطانى جيسون بروك أكد فى مقال له بالجارديان أنه خلال العقد الماضى يمكن الربط بين 73.3% من كل أعمال القتل المرتبط بالتطرف فى الولايات المتحدة وبين المتطرفين اليمنيين المحليين، بينما أرجع 23.4% فقط من هذه الأعمال إلى المتطرفين الإسلاميين.

من جانبه قال الدكتور أحمد أبوزيد، الباحث والخبير فى الشئون الأمنية، إن اليمين المتطرف فى أوروبا يتصاعد فى هجومة مثل جرائم تنظيم داعش الإرهابى اللا إنسانية، مؤكدا على أن التشابه بينهما كبير، ربما ليس فقط على صعيد شن الهجمات العنيفة ولكن السرد الداعشى بشأن الصراع المحتوم بين الغرب والإسلام، والدوافع للهجمات الوحشية ضد المدنيين.

وأضاف أبو زيد لــ«الزمان» أن داعش واليمين المتطرف يتشابهان فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، مشيرا إلى أن الصحف العالمية اجتمعت على إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعى والدعاية الرقمية للتطرف والإرهاب.

وشدد أبوزيد على أهمية أن تقوم شركات التكنولوجيا العملاقة بالقضاء بسرعة على إمكانية استخدام منصاتها لتحقيق أغراض لا إنسانية و كراهية الأجانب السامة، مضيفا أن العديد من القيادات السياسية التى تولت مناصب قيادية فى أوروبا شجعت على زيادة العمليات الإرهابية ضد المسلمين والمهاجرين.

وحذر الباحث والخبير فى الشئون الأمنية من ارتفاع وعودة عنصرية الجنس الأبيض تطل برأسها البغيض فى نيوزيلندا، وأن ملابسات الحادث تقول إن هذا الجانى جسّد عنصرية الجنس الأبيض العنيفة وأن المهاجم حاول إرسال رسالة مفادها أنه لم يعد ثمة مكانٌ آمن وحُرّ يلجأ إليه المهاجرون، والمفارقة فى الأمر، هى أن هذا المهاجم نفسه هو مهاجر أسترالى المَولد وافدٌ إلى نيوزيلندا، إلا أنه لم يرَ الأمر على هذا النحو؛ وإنما رأى نفسه مدافعا عن ثقافة أوروبية فى مواجهة مهاجرين مسلمين يمثلون خطرا على تلك الثقافة.

وكانت صحيفة فايننشال تايمز أكثر صراحة فى انتقاد «تجاهل صعود المتطرف لفترة أطول من اللازم»، مشيرة فى مقال افتتاحى لها إلى أن المتطرفين يلقون التشجيع من الزعماء الشعبويين حاليا، وتضيف الصحيفة أن أتباع اليمين المتطرف يستمدون القوة من السياسيين فى الديمقراطيات الغربية الذين غيروا حدود النهج السياسى المقبول.

 وتحذر الصحيفة بشدة من أن القوميين الراديكاليين قد حولوا أيضا وسائل الإعلام، جديدها وقديمها، إلى أسلحة، مضيفه أنه لم يعد يمكننا أن نقلل من شأن أيديولوجيتهم المفجرة أو العوامل التى تقف وراء انتشارها.

وأشارت الصحيفة إلى أن ارتكاب الفظائع تحت راية سيادة الجنس الأبيض، ليس أمرا جديدا على العالم بشهادة التاريخ مثل اعتقاد هتلر والنازيين بسيادة الجنس الآرى، ولفتت إلى معاناة الولايات المتحدة من هجمات إرهابية على أيدى متعصبين للجنس الأبيض أكثر مما تعانيه من هجمات ينفذها أجانب، واعتبرت الصحيفة أن مواقع التواصل الاجتماعى تدعم أعمال القتل، من خلال الدعاية المتطرفة، وخاصة أن القاتل العنصرى أيضا له جمهوره على تلك المواقع، إذ يستطيع أى شخص بحوزته كاميرا ولديه حساب أن يعمل كمحطة أخبار عالمية، واختتمت الصحيفة الأمريكية افتتاحيتها بالقول: إن متطرفين مسلمين يرتكبون فظائع، ومتطرفين مسيحيين يقترفون جرائم مروعة، ومتطرفين هندوسا وبوذيين يأتون أيضا بفظائع وجرائم، ولكن كلمة واحدة تجمع بينهم هى التطرف، ليبقى قتلى نيوزيلندا الـ49 أحدث ضحايا هذه اللعنة البشرية القديمة.

وفى السياق ذاته قال السفير الدكتور محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن حادثة كرايست تشرش فى نيوزيلندا والاعتداء الوحشى على مصلين أمنيين هو اعتداء على الإنسانية وعلى القيم والمبادئ، وعلى حرمة الإنسان.

وأضاف حجازى لـ«الزمان» أن الإدانات الدولية بدأت من بابا الفاتيكان ومن كافة الكنائس والتجمعات المسيحية واليهودية، هى تعبير عن حجم الألم والحزن، مشيرا إلى أن أهمية المطالبة بإجراءات دولية وإقليمية ومحلية تحاصر تلك الجماعات ورصدها وحظر نشاطها، وتتعامل مع قضية حمل الأسلحة بالجدية المناسبة.

وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن نقل المواجهة للأمم المتحدة لتبنى إعلان أو بيان أو قرار بات أمرا ضروريا، وتطرح وثيقة التعايش المشترك للأزهر والفاتيكان كملحق معتمد من كل دول العالم نتبناه جميعا لصالح البشرية.

وأوضح أن صعود اليمين المتطرف فى أوروبا بأنه ردة فعل مجتمعية تجاه تزايد أعداد المهاجرين وتصاعد ظاهرة الإرهاب مما خلق حالة من الخوف المجتمعى أدت إلى الالتفاف حول الأفكار المتطرفة بالإضافة إلى وجود من يروج لفكرة تضرر سوق العمل من هؤلاء المهاجرين الذين ينافسون أبناء البلد.

وشدد على أن الرضوخ للفاشية والجماعات المتطرفة والسماح لها بمنصات إعلامية وحزبية هو تمكين للتطرف وخطاب العنف والكراهية، مؤكدا أنه على العالم أن يتحمل مسؤوليته ويواجه تلك الجماعات ويضيق على أنشطتها إعلاميا وسياسيا وأمنيا وعدم الرضوخ لابتزازها.

وتابع: نحن فى مرحلة فصل إما أن يتبنى المجتمع الدولى موقفا صارما وإما أن يجرف التطرف الجميع، مضيفا: «على مصر بأزهرها ودبلوماسيتها ومكانة رئيسها أن تتقدم الصفوف وتطرح قرارا فى الأمم المتحدة يقود لإنشاء جبهة عالمية ضد التطرف والتمييز».

وأضاف حجازى أن كل ذلك دفع بعض الأحزاب إلى القيام بما يطلق عليه عملية استدعاء للأفكار المتطرفة واستثمارها للحصول على مكاسب سياسية، مما أدى لصعود اليمين المتطرف فى العديد من الانتخابات الأوروبية، ما يهدد بتزايد أعمال العنف والعنصرية ضد العرب والمسلمين.

وشدد على أن أوروبا عليها اتخاذ عدة إجراءات تجاه هذا الصعود الكبير لأحزاب اليمين المتطرف تتعلق بالرسالة الإعلامية والثقافة المنتشرة، مشيرا إلى أن الإرهاب لا يرتبط بمنطقة فهناك من يحرك ويدعم، لذلك فإن المواجهة لا بد أن تكون شاملة بما فيها البعد الثقافى والأيديولوجى والإعلامى وعلى أوروبا أن تتحمل مسئوليتها فى هذا الملف لوأد هذه الجماعات ومحاصرة منابعه فهناك مسئولية مشتركة.

وشدد حجازى على ضرورة أن تساعد أوروبا السياسات الإيجابية مثل السياسات المصرية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستعادة أمن واستقرار المنطقة والمساهمة فى سياسات التنمية الاقتصادية للدول الموفدة للمهاجرين، لأنها المدخل للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية إذ بذلت مصر وعدد من الدول جهودا كبيرة لمحاصرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وأوضح أن محاصرة أوروبا للظاهرة لن تكون ضد الإرهاب والهجرة غير الشرعية، من خلال سياسات داعمة للتوجهات المتطرفة فى أوروبا، وإنما بالمساندة الاقتصادية والتنموية للدول الموفدة للاجئين والمهاجرين وتسوية النزاعات والتصدى الجماعى للإرهاب والتوعية الثقافية والإعلامية .

ولفت إلى أن مواجهة الإرهاب تتطلب تكاتف الجميع فى مواجهة هذه التيارات والحركات المتطرفة والمتشددة والتى تلعب على أوتار القومية، وتنذر باشتعال نار العنف والكراهية، وهذا بدوره يحتاج إلى إبرام اتفاقية دولية شاملة تجرم كل أنواع الكراهية أو الاضطهاد ضد الأديان والأقليات الدينية والعرقية المختلفة، كذلك اتخاذ سياسات رادعة ضد الدول التى تدعم الإرهاب وترعاه وتوفر البيئة الحاضنة له والمنابر الإعلامية التى تبث من خلالها ثقافة الكراهية ونفى الآخر.

مصر وتجربتها الرائدة

خلال السنوات الستة الأخيرة، نجحت مصر فى أن تقدم للعالم تجربة رائدة وفريدة من نوعها فى مكافحة الإرهاب، تجربة أبطالها من رجال القوات المسلحة والشرطة وآخرين لا نعلمهم، جميعهم يعشقون تراب هذا الوطن، يعملون ليل ونهار من أجل حمايته والحفاظ على مقدراته وشعبه من الانزلاق بغير رجعة فى براثن الظلام والخراب، أقسموا يمينًا أن يحافظوا على أمنه وسلامته فى البر والبحر والجو، فأبروا بقسمهم.

ففى الوقت الذى كانت تخطط فيه قوى الشر والإرهاب ومن ورائهم من دول وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية تستعد للانقضاض على الدولة المصرية، كانت هناك عيون لا تنام ترصد تحركاتها وخططها، ظنت فى لحظة ما أنها قادرة على مصر، فخاب ظنها لأن مصر عصية على الانكسار أو النيل منها.

تنطلق الرؤية المصرية فى مكافحة الإرهاب من موقف راسخ وثابت تتبناه الدولة المصرية بأن التنظيمات الإرهابية على اختلافها تمثل تهديدا متساويا، وأنها تنهل أفكارها من ذات المعين الفكرى الذى يحض على العنف والقتل وترويع الآمنين، وفى هذا الإطار، ترى مصر أن التطرف بشتى أشكاله وصوره هو بمثابة المظلة الفكرية التى تستند إليها التنظيمات الإرهابية فى نشر رسائلها الهدامة، واستقطاب المؤيدين عبر تزييف المفاهيم الدينية، لتحقيق أهداف سياسية.

إسراتيجية شاملة

وترى مصر على ضرورة مواجهة الإرهاب أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا ودينيا، كما ترتكز رؤيتها على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وتوفير التجهيزات والمعدات الضرورية للقوات المسلحة وقوات الأمن بمختلف تشكيلاتها لتحسين قدرتها وتحقيق النجاحات الميدانية، بالإضافة إلى توفير الدولة لبرنامج التدريب والمناورات المشتركة فى مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز برامج التعاون الفنى مع الأجهزة الصديقة.

كما ترتكز على ضرورة وتعزيز الجانب القانونى وسن قانون مكافحة الإرهاب لتشجيع العسكريين والأمنيين على القيام بمهماتهم فى كنف الطمأنينة، وكذا الاهتمام بالعلاقات مع الدول المجاورة للتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز منظومة حماية الحدود بين مختلف بلدان المنطقة، وكذلك تعزيز التعاون فى المجالات الاستخبارية واللوجستية .

وبناء على تلك الإستراتيجية، فقد تحققت العديد من الإنجازات فى مجال مكافحة الإرهاب وذلك عن طريق وضع إستراتيجية متكاملة فاعلة وناجزة، للقضاء على الإرهاب وتفعيلها على أرض الواقع، ومواجهة الاختراقات الأمنية على الحدود الغربية مع ليبيا والتصدى للخطر الحدودى الإرهابى على الجهة الشمالية الشرقية، والتصدى لخطر داعش وإمكانية تمدده إلى داخل الأراضى المصرية، بالإضافة إلى الدعوة إلى تصويب الخطاب الدينى المتطرف ومنع الاستحواذ على منابر المساجد.

الإنسانية.. هى أكبر خاسر

الإرهاب هو المهدد الحقيقى لحقوق الإنسان والإنسانية العالمية لذلك لا بد من التعامل مع الإرهابيين ومن تورطوا فى عمليات إرهابية، تعرض الحياة البشرية للخطر بحزم قاطع.

ولم يعد هدف الإرهاب سوى القتل بمنتهى الوحشية، إذ أنه يضرب فى الشوارع وفى دور العبادة، يقتل المدنيين أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا، يقتل رجال الأمن من الجيش والشرطة، أحرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، وأعدم عمالا مصريين فى ليبيا، واحتجز وقتل مدنيين فى مسرح باتاكلان بفرنسا، وقتل رواد دور العبادة فى مصر والولايات المتحدة، وما فعله داعش بالفتاة الأيزيدية لمياء حجى خير دليل على انتهاك الإرهاب لإنسانيتنا بكل وحشية وهمجية، كما يظهر الهجوم الإرهابى على مسجدى نيوزيلندا، مؤشرا خطيرا لتصاعد خطاب الكراهية ضد الأجانب والإسلاموفوبيا.

ومن الضرورة أن تضع جميع دول العالم خطة وإستراتيجية للتعامل مع الإرهاب فى بلادهم، وإلا سيزداد وينتشر الإرهاب فى العالم، وأول المتضررين هم دول أوروبا، ولا بد أن تواجه الأفكار المتطرفة المنتشرة لديهم.

وحان الوقت كى تتحد الدول وتسعى على قلب رجل واحد، لتنفيذ مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لا زال يمد يده للجميع للقضاء على الإرهاب الأسود الذى لا يفرق بين إنسان ولا دين ولا حضارة.

موضوعات متعلقة