رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

خارجي

سيناريوهات التحالف البريطاني الأمريكي لحماية الملاحة البحرية بالخليج

جاء قرار الحكومة البريطانية بالانضمام إلى الجيش الأمريكي لحماية الملاحة في الخليج العربي بعد موافقة واشنطن على تغيير اسم التحالف البحري، مع تمسك لندن بالحفاظ على الاتفاق النووي مع طهران وعدم الانخراط بـ"سياسة الضغط الأقصى" التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، لتثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع والأسباب التي جعلت بريطانيا توافق على الانخراط مع واشنطن، بعيداً عن موقف دول الاتحاد الأوروبي، وانعكاسات هذا التحالف على العلاقات الثنائية بين واشنطن ولندن، وأثر ذلك على العلاقات مع روسيا.

وتنفيذاً وتأكيداً لذلك التحالف، قالت الإدارة البحرية الأمريكية - أول أمس في مذكرة إرشادية بشأن التهديدات الإيرانية - إنه على السفن التجارية التي ترفع العلم الأمريكي إرسال نقاط توقفها في مضيق هرمز ومياه الخليج للولايات المتحدة وسلطات البحرية البريطانية.

التحالف البريطاني
وأضافت المذكرة أنه على السفن - أيضاً - تنبيه الأسطول الخامس في البحرية الأمريكية وعمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة في حال وقوع أي حادث أو نشاط مريب، وأنه على أطقم السفن عدم مقاومة أي طرف إيراني يصعد إلى متون السفن.

وقد شهدت منطقة الخليج - على مدار الأشهر الأربعة الماضية - اعتداءات على أربع ناقلات نفط قبالة ساحل الإمارات واستيلاء إيران على ناقلة النفط "ستينا إمبيرو" التي تحمل العلم البريطاني بعد توقيف الناقلة (جريس 1) الإيرانية من قبل حكومة جبل طارق في البحر المتوسط، ثم احتجاز طهران لسفينة ثالثة بزعم أن كانت تقوم بتهريب نفط لدولة عربية.

ومع ارتفاع وتيرة حرب الناقلات البحرية في الخليج وتلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز، وتلوح إيران أيضا منذ العام الماضي، بوقف كل الصادرات عبر مضيق هرمز الذي يمر منه خمس النفط العالمي، إذا استجابت الدول الأخرى إلى مطالب أمريكية بوقف شراء النفط الإيراني.. ومن هنا بدأت الولايات المتحدة منذ 4 أسابيع تحركاً واسعاً لضم حلفائها الاستراتيجيين في تحالف عسكري يهدف إلى ضمان أمن الملاحة في منطقة تمتد من الخليج وتمر بمضيق هرمز وتشمل خليج عمان وتنتهي بالبحر الأحمر.

رئيسة الوزراء تيريزا
من ناحيتها كانت الحكومة البريطانية قد أعلنت - في آخر أيام رئيسة الوزراء تيريزا ماي قبل أسبوعين - أنها تسعى وراء تشكيل قوة أوروبية لمهمة ضمان أمن الملاحة في الممرات الاستراتيجية للطاقة في الشرق الأوسط. وأمرت قواتها البحرية بمرافقة سفن تحمل علم بريطانيا في الخليج العربي ومضيق هرمز.

وتنشر بريطانيا حالياً المدمرة دنكن والفرقاطة مونتروز في الخليج لمرافقة السفن التي تحمل العلم البريطاني في المضيق.

ورغم أن التفاصيل التشغيلية الدقيقة بين البحريتين الأمريكية والبريطانية لم تحدد بعد، فإن المهمة تهدف إلى "رفع مستوى التنسيق بين جيوش الدول المختلفة وعمليات الشحن التجاري" في مضيق هرمز والخليج، وجاء قرار لندن بعد حصول سلسلة تطورات بينها البطء في تشكيل "القوة الأوروبية" ورفض الفرنسيين الانضمام إلى "التحالف الأمريكي".
(دوافع عديدة للتحالف)

يطرح المحللون مجموعة من الدوافع والأسباب التي جعلت لندن تتحالف مع واشنطن لحماية الملاحة البحرية في الخليج، يأتي في مقدمتها: أنه مع وجود رئيس وزراء جديد وهو بوريس جونسون، حصلت مشاورات داخلية في لندن أسفرت عن قرار الاستمرار بالسياسة السابقة القائمة على الإبقاء على "الاتفاق النووي" والابتعاد عن "سياسة الضغط الأقصى" على طهران، إضافة إلى الحفاظ على "آلية التصدير" التي بادرت فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واحتمال انضمام دول أخرى مثل السويد وهولندا.

ثانياً: جاء قرار التحالف بعد المشاورات العسكرية التي جرت في قاعدة (تامبا) الأمريكية والبحرين في نهاية يوليو الماضي، وأبدت كندا وأستراليا استعدادهما للمساهمة في المهمة البحرية لحماية خطوط تصدير 20 في المائة من النفط العالمي "بعد الحصول على توضيحات" من واشنطن، فيما ابتعدت اليابان والهند ودول أوروبية عن المساهمة العسكرية المباشرة وفق التصور الأمريكي. وظهر حرص عدة دول على "ألا تكون أي مهمة ضمن سياسة الضغط الأقصى التي تتبعتها واشنطن".

ثالثاً: جرى في ضوء مشاورات بريطانية ودولية مع واشنطن الاتفاق على تغيير اسم المهمة البحرية بالتخلي عن "عملية الحارس" واعتماد مصطلح فضفاض ضمن سياق دولي، لتنفيذ "مهمة أمنية دولية لحماية الملاحة البحرية".. وتعهدت واشنطن بالعمل مع الحلفاء والشركاء لتشجيع الآخرين على الانضمام وتوسيع نطاق الاستجابة لهذه المشكلة الدولية الحقيقية. هذا يعني فك الارتباط بين أمن الملاحة والضغط الأقصى.

وفي ضوء الفهم البريطاني، جاءت مساهمة لندن في الجهود الدولية بمثابة إقرار الأمر الواقع، كون القطع البحرية الأمريكية والمدمرتين (إتش.إم.إس.دانكن) و(إتش.إم.إس.مونتروس) البريطانيتين، موجودة في الخليج.. في المقابل، حصلت لندن على قرار واشنطن أن تقوم البحرية الأمريكية بتوفير الحماية العاجلة للناقلات البريطانية في الخليج.

رابعاً: الرغبة البريطانية ليكون لها دور محوري في أمن الخليج وخاصة الأمن البحري، وجاء ذلك بعد ظهور مقترحات للتكامل بين المبادرة الأمريكية لتشكيل تحالف دولي لتنفيذ "عملية الحارس" والاقتراح البريطاني بتشكيل "قوة أوروبية"، تضمن هذا المقترح للتكامل، تقسيم الخليج العربي إلى ثلاثة قطاعات: قطاع بقيادة أمريكا لحماية مضيق هرمز، وقطاع للقوة الأوروبية قبالة سلطنة عُمان، وقطاع تقوم به الدول العربية فيما تبقى من الخليج. وطُرحت أفكار عن التنسيق وغرفة العمليات البحرية في القاعدة البريطانية في البحرين والقواعد الأمريكية في الخليج.

خامساً: ظهور مؤشرات توحي بأن بريطانيا تغرد خارج السرب، خاصة بعد أن رفض الفرنسيون الانضمام إلى "التحالف الأمريكي" وتردد دول كبرى مثل اليابان وألمانيا في الانخراط في "عملية الحارس" المقترحة من واشنطن في الخليج، لأسباب داخلية وأخرى تخص النأي عن سياسة "الضغط الأقصى" وترك الأبواب مفتوحة مع طهران مع استمرار الضغوط المحسوبة.

تزامن ذلك مع اتجاه فرنسا نحو إيران لمحاولة الوساطة لحل الأزمة بين واشنطن وإيران فيما يتعلق بالملف النووي الذي انسحبت منه أمريكا، وعلى خلفية ذلك تعقد المشهد السياسي وكان آخره رفض طهران مقترح التوقيع على (اتفاقية 123)، التي طرحها السيناتور الأمريكي، ليندسي جراهام، أحد صقور الكونجرس ورئيس لجنة القضاء بمجلس الشيوخ، الذي كلفه الرئيس دونالد ترامب بإعداد مشروع لاتفاق جديد مع إيران ليحل محل الاتفاق النووي الذي انسحب منه في مايو 2018، وطلبت إيران من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، التصدي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على ظريف، واصفة الإجراء الأمريكي بأنه "سابقة خطيرة".

يشار إلى أن (اتفاقية 123) التي اقترحها جراهام الذي كلفه الرئيس الأمريكي بالتفاوض، تحتوي على 9 شروط أهمها عدم التخصيب، ومطالبة الدول التي تعقد صفقات نووية مع الولايات المتحدة، التوقيع على معايير حظر الانتشار النووي، حيث وقعت أكثر من 40 دولة.

سادساً: يبدو أن ثمة تبايناً بدا في الآفاق بين الموقفين البريطاني مع وصول جونسون لرئاسة الحكومة البريطانية، والموقف الفرنسي، وتواكباً مع قرار لندن بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، قدمت باريس اقتراحا بترتيب عقد مؤتمر غير عسكري في الإمارات يتناول أمن الملاحة البحرية.

وبالتالي فستكون المساهمة البريطانية إلى الجانب الأمريكي اختباراً تراقبه دول عدة لمدى إمكانية الدخول في المهمة لأمن الملاحة في الخليج من دون الانخراط في سياسة إدارة الرئيس ترمب بـ"الضغط الأقصى" على إيران.. لذلك حرصت لندن على تأكيد التزامها بالعمل مع إيران لتخفيف حدة التوترات الحالية وبالاتفاق النووي الإيراني كأفضل وسيلة لمنع إيران من التسلح النووي.