رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

خارجي

نص كلمة مصر في اجتماع الدورة العادية الـ153 بالجامعة العربية

ينشر موقع «الزمان»، نص كلمة مصر في اجتماع الجامعة العربية في اجتماع الدورة العادية الـ153، والذي جاء كالتالي:

معالي السادة/ وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة، أهنئ في البداية الجامعة العربية على تجديد هذه القاعة والتي شهدت على مراحل هامة وعديدةمن العمل العربي المشترك وأمَلي أن تشهد مستقبلاً نشاطاً يحقق مصالح الشعوبالعربية ويصون الأمن القومي العربي ويعالج ما يعانيه عالمنا العربي من تأزم، وأودأن أرحب بالسادة وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة في وطنهم الثاني مصر، داعياًالله أن يوفقنا جميعاً خلال هذه الدورة لمجلس جامعة الدول العربية إلى كل ما فيهخير أمتنا العربية. كما أتقدم بالتهنئة لمعالي السيد/ محمد علي الحكيم وزير خارجيةالجمهورية العراقية الشقيقة على إدارته الناجحة لأعمال الدورة السابقة لمجلس جامعةالدول العربية، متمنياً في الوقت ذاته كل التوفيق لمعالي السيد/ يوسف بن علوي،الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بسلطنة عمان الشقيقة، في إدارته للدورة 153للمجلس.

السادة الحضور، لا يخفى عليكمتعقد المشهد في العديد من الدول العربية الشقيقة خلال الفترة المنصرمة، واشتدادالأزمات بها، ما ينعكس سلباً على الوضع العربي العام ويهدد الأمن القومي لكافةدولنا، نظراً للترابط الوثيق بين بلداننا، وشعوبنا، ومصائرنا. فبنيان النظامالعربي والإقليمي بات معرضاً لمخاطر وجودية بسبب تعرض الدولة الوطنية ومؤسساتهالضغوط هائلة لمصلحة منطق الميليشيا والمجموعات ذات الهوية والانتماء الضيقوالتنظيمات الإرهابية، فضلاً عن انتشار السلاح والفوضى برعاية دول وقوى إقليميةلها مآربها وأجنداتها داخل الدول العربية.

ففي ليبيا الشقيقة والجارة، التي ترتبط مع مصر بعلاقات تاريخية على كافة المستويات السياسيةوالاقتصادية والإنسانية، والتي يتأثر الأمن القومي المصري بتطورات الوضع فيها بشكلمباشر، تصاعدت الأزمة بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، نظراً للتدخلات التركيةالمعلنة والهدامة، التي وصلت إلى حد التدخل العسكري المباشر في ليبيا، ونقل آلافالمقاتلين الإرهابيين الأجانب إليها، وتوقيع اتفاقيات غير شرعية تنتهك الحقوقالقانونية لدول شرق المتوسط، ضاربة بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة عرض الحائط،ومنتهكةً مبادئ القانون الدولي، وهو ما تسبب في عرقلة كافة الجهود الحثيثةالمبذولة لتسوية الأزمة الليبية سلمياً، وفي انتكاسة قوية لجهود مكافحة الإرهاب فيليبيا، بما لا يهدد الأمن الإقليمي فحسب، بل الأمن الدولي ككل.

وفى سوريا كذلك، نرى الانتهاكات التركية لسيادة دولة عربية شقيقة، متمثلة فيما لا يمكن وصفهسوى بأنه غزو غاشم لأراضي دولة ذات سيادة، ودعم مباشر للكيانات الإرهابية المدرجةعلى قوائم مجلس الأمن، وهو ما يهدد بتوسيع نطاق الصراع في سوريا، وينسف فرص التوصلإلى التسوية السياسية المنشودة هناك، ومن ثم فإن مصر تستنكر المحاولات المؤسفةللحكومة التركية لاستغلال قضية إنسانية كقضية اللاجئين السوريين الذين تعاطفت معهمالإنسانية جمعاء، من أجل تحقيق مصالح ومكاسب سياسية، خاصة وأن تدخلات تركياالسافرة كانت من الأساس وراء أزمة اللاجئين.

وفي اليمن، نرىالتدخلات الإيرانية التي تقوض من الحكومة الشرعية بقيادة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وبما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2216، الأمر الذي نتج عنه تدهور في الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية، وهوما لم تقف تداعياته عند حدود اليمن، بل امتدت تبعات ذلك التدهور لتطال الأشقاء فيدول مجلس التعاون الخليجي، والتي طالما أكدت مصر على الترابط العضوي بين أمنهاوأمن أشقائها في الخليج العربي، وامتدت مرة أخرى لتستهدف حرية الملاحة في البحرالأحمر، وهو ما يمثل تهديداً صريحا للسلم والأمن الدوليين.

السادة الحضور،

وكما تعقدالمشهد في تلك الدول العربية، فإن المشهد الفلسطيني ليس استثناءً من ذلك، فالقضيةالفلسطينية هي قضية العرب المركزية والتي نخشى أن تبتعد عن إقرار الحقوق المشروعةغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني الشقيق وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة ذاتالسيادة.

السادة الحضور،

إن ما تقدم منأزمات، يمثل تهديداً جسيماً لكافة الدول العربية، مما يتطلب منا العمل الجادوالدؤوب للتوصل إلى حلول شاملةً لها، صيانةً لأمن شعوبنا العربية، وتمكيناً لنا مناللحاق بركب التنمية، ومن ثم، ومن وجهة نظرنا، يتعين أن تتركز جهودنا على العملعلى المحاور التالية:

أولاً: التوصلإلى تسويات سياسية لهذه الأزمات وفقاً لمقررات الشرعية الدولية، وبما يحفظ الحقوقالعربية بشكل كامل، ويدرأ التدخلات الإقليمية الهدامة، والتي تسعى إلى نشر الفرقةبغرض تحقيق مكاسب على حساب الدول العربية.

ثانياً: مواصلةالتركيز على تحقيق التسوية المنشودة للقضية الفلسطينية من خلال عملية تفاوضيةووفقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، ومبادئ القانون الدولي، وصولاً إلىإنشاء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتهاالقدس الشرقية، وحيث إن تسوية هذه القضية واستعادة الحقوق الفلسطينية يُعد أحد أهممفاتيح استعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

ثالثاً: العملعلى صيانة كيان الدول الوطنية، عبر تعزيز المؤسسات الوطنية في الدول العربية، بمايمكنها من استعادة الاستقرار، ومكافحة الإرهاب بشكل فعال، وهو ما يتطلب كذلك تكثيفالتعاون العربي والدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومحاسبة أي طرف يتخاذل في ذلك،أو يقدم أي دعم للكيانات والعناصر الإرهابية، أياً كانت أشكال هذا الدعم.

السادة الحضور، أود الآن أن أنتقل إلى تناول قضية محوريةبالنسبة للأمن القومي المصري، نظراً لطابعها الوجودي بالنسبة لمصر، ألا وهي مسألةسد النهضة في إثيوبيا، ودعوني هنا أنتهز تواجدنا في بيت العرب لأسرد على الحضورالكريم خلفيات هذه المسألة، وتطوراتها.

لقد بدأت مصرمنذ عام 2014 عملية تفاوضية مضنية جمعتها والسودان الشقيق وإثيوبيا، وكان الموقف التفاوضي المصري مؤسساً على مبدأ حسن النية بهدف الوصول إلى اتفاق عادل وشامل يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويلبي الطموح التنموي لإثيوبيا، باعتبارها دولة أفريقية شقيقة، مع الحفاظ على المصالح المائية لكل من مصر والسودان ومراعاة عدم إلحاق الضرر الجسيم بها.

وقد أفضت هذه المفاوضات إلى إبرام اتفاق إعلان المبادئ في عام 2015، والذي يلزم أثيوبيا بعدم البدء في ملء خزان سد النهضة دون التوصل لاتفاق شامل يحكم عمليتي ملء وتشغيل السد،وهو الالتزام الذي تحاول أن تتنصل منه أثيوبيا، حيث أعلنت مؤخراً عن نيتها المضيفي الملء بالتوازي مع الانتهاء من الأعمال الإنشائية الجارية في السد.

كما ينص اتفاق إعلان المبادئ على إجراء دراسات حول الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة، وهي الدراسات التي قامت أثيوبيا بعرقلتها بغية طمس أي دليل علمي على الآثار السلبية لهذا السد على دولتي المصب، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقواعدالقانون الدولي واجبة التطبيق، وفي مقدمتها مبدأ الاستخدام العادل والمعقول وقاعدةعدم إحداث الضرر الجسيم لمصالح الدول المشاطئة للأنهار الدولية.

وقد أدى تعطيل المفاوضات المباشرة بين الدول الثلاث على مدار خمس سنوات متتالية عقدت خلالهاعشرات الجولات على المستوى الفني والوزاري، بالإضافة إلى لقاءات متعددة على مستوى القمة، إلى دعوة مصر لتدخل أطراف دولية كوسطاء للمساعدة في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق مصالح الدول الثلاث، وذلك تنفيذاً للمادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ.

وبالفعل،استجابت الولايات المتحدة لتلك الدعوة وشاركت في جولات المفاوضات المكثفة التيعقدت منذ شهر نوفمبر من العام الماضي والتي حضرها كذلك البنك الدولي، وهيالمفاوضات التي انتهت بقيام الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع البنك الدولي بإعداد اتفاق متوازن وعادل على أساس المفاوضات التي جرت بين الدول الثلاث يشمل قواعد تفصيلية لملء وتشغيل سد النهضة وإجراءات محددة لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد وسنوات الإيراد الشحيح.

وتأكيداً لحسن نيتها وصدق إرادتها السياسية للتوصل لاتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، فقد وقعت مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق الذي أعده الوسطاء الدوليون، فيما لم تقبل أثيوبيا بهذا الاتفاق حتى الآن إذ تغيبت عن الاجتماع الوزاري الأخير الذي دعت له الإدارةالأمريكية يومي 27 و28 فبراير الماضي.

السادة الحضور،

انطلاقاً مما تقدم، فإننا نتطلع إلى دعم الدول العربية الشقيقة لمشروع القرار المتوازن الذي قدمته مصر، والذي يتضمن عدداً من العناصر الهامة التي من شأنها التأكيد للجانب الإثيوبي على وقوف الدول العربية صفاً واحداً لدعم المواقف المصرية العادلة والسودان الشقيق.

وختاماً، أود أن أؤكد على موقف مصر الحريص على التعاون مع جميع الأشقاء العرب لضمان نجاح الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة العربية.

وشكراً.