رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

مصر وإثيوبيا وجها لوجه أمام المجتمع الدولى

أزمة سد النهضة تتصاعد عالميًا.. وأديس أبابا تفتقد السند القانونى

حليمة: مجلس الأمن يوصى بالعودة إلى المفاوضات ​

مطاوع: الاتفاقيات الاستعمارية سمحت لبضائع إثيوبيا بالمرور فى قناة السويس​

البشبيشى: الاتفاقية الإطارية لعام 2015 ملزمة لتوقيعها بعيدًا عن الاستعمار

تقدمت الحكومة الإثيوبية بمذكرة إلى مجلس الأمن ردا على المذكرة التى تقدمت بها مصر للمطالبة بوقف ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق يرضى الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، فيما أعلن وزير الرى السودانى ياسر عباس عن عزم السودان التقدم بمذكرة لمجلس الأمن لتوضيح موقفه من القضية، مؤكدا أن العودة للتفاوض يتطلب وجود إرادة سياسية لحل القضايا العالقة، وأن السودان يشترط توقيع الاتفاق بين الدول الثلاث قبل بدء ملء سد النهضة لأن سلامة سد الروصيرص تعتمد بصورة مباشرة على نظام تشغيل سد النهضة.

السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إن إثيوبيا لم تراعِ المواثيق والأعراف الدولية المنظمة للأنهار الدولية التى يتشارك فيها أكثر من دولة، والتى لا تسمح لإثيوبيا بأن تستأثر بالقرار منفردة على اعتبار أن دول المصب شركاء فى مياه النهر، لذلك لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولى للتدخل .​

وأضاف السفير حليمة فى تصريحات خاصة لـ"الزمان" أن المجلس سوف يستند للبند 35 والبند الثالث من ميثاق الأمم المتحدة، بإصدار توصياته لحل الأزمة، متوقعا أنه سيوصى بالعودة إلى استئناف المفاوضات بالمرجعيات السابقة وقد يلجأ إلى طرق أخرى لحل ذلك النزاع.​

رجح حليمة أن الخطاب المصرى المرسل إلى رئيس المجلس وهو فرنسى الجنسية والمدعم بالمستندات المطالبة بوقف عملية الملء قبل تحقيق اتفاق كامل، سيحظى بقبول أعضاء المجلس، مؤكدا أنه لا توجد حجة دولية لإثيوبيا حول نهر النيل خاصة أنه نهر دولى يجرى فى عدة دول وليس نهر خاص يجرى من منابعه إلى مصبه داخل حدود الدولة، مشيرا إلى أن تقارب الموقف السودانى مع الموقف المصرى يجعل موقف المفاوض المصرى أكثر قوة.​

وتابع أنه فى حالة استمرار التعنت الإثيوبى والسير فى قرارات أحادية الجانب ستنتقل قرارات مجلس الأمن من الفصل الثالث إلى الفصل السابع الخاص بتهديد الأمن والاستقرار الدولى مما يعطى له الحق فى استخدام القوة لإجبارها على التفاوض .​

من جانبه قال الدكتور عبدالفتاح مطاوع رئيس هيئة مياه النيل الأسبق إن المذكرة التى تقدمت بها إثيوبيا إلى مجلس الأمن تنطوى على عدة موضوعات تتعلق بالنقاط العالقة بين الدول الثلاث، غير أنها تنتهى بحوالى 63 صفحة ملاحق تتناول فيها اعتراضات تاريخية لإثيوبيا على إقامة مصر لمشاريع رى مثل السد العالى ومشروعات توشكى وترعة السلام.​

أضاف مطاوع أن إثيوبيا أشارت إلى أن مفاوضات الأسبوعين الماضيين كانت جيدة، وأن السودان هو الذى طلب توقف المفاوضات للرجوع للتشاور مع القيادة، وأن اتفاقية ١٩٥٩ بين مصر والسودان هى اتفاقية استعمارية، وأن مصر لم تقدم فى رسالتها لمجلس الأمن يوم ١٩ يونيو الجارى صورة من اتفاقية ١٩٥٩.​

وقال رئيس الهيئة الأسبق إن إثيوبيا لفتت كذلك إلى أن مصر سبق وأنشأت السد العالى دون استشارة إثيوبيا، وأنها تقدمت بمذكرات للاعتراض على مشروعات الرى فى مصر أعوام ١٩٥٦، ١٩٥٧، ١٩٨٠، ١٩٩٧، وأن مصر نقلت مياه من النيل لتوشكى ولسيناء، قبل الرجوع إليها كما أن مصر رفضت التوقيع على مسودة الاتفاقية الإطارية (المنقوصة) فى عنتيبى للتعاون بين دول حوض النيل​.

أوضح الدكتور عبدالفتاح مطاوع أن إعلان المبادئ الموقع بين الرؤساء المصرى والسودانى ورئيس الوزراء الإثيوبى فى ٢٣ مارس ٢٠١٥، نص فى البند الخامس منه على وضع حد زمنى لإنهاء الدراسات الفنية حول الآثار المترتبة على إنشاء السد مدتها 15 شهرا من تاريخ إعداد الوثيقة تنتهى فى يونيو 2016 غير أننا وصلنا إلى عام 2020 دون أن تعلن هذه الدراسات.

وأضاف أن إثيوبيا تطلب المستحيل وهو الرجوع للمفاوضات، والبدء فى ملء السد بداية من يوليو القادم، دون إنهاء الدراسات، مما يشير إلى احتمال وجود أجندة خفية لا نعلمها تتعلق بسلامة منشآت السد واحتمالات الانتهاء من أعمال التشييد والبناء والتجهيزات اللازمة لتشغيل عدد 2 توربينة مع نهاية فيضان العام الحالى.​

وقال مطاوع إن مذكرة إثيوبيا لمجلس الأمن اتهمت مصر بأن لديها إصرارا على التمسك بالحقوق التاريخية والاستخدامات المائية الحالية، وأن مصر تحاول أن تقود مجلس الأمن للطريق الخاطئ، مع أن مصر، من وجهة رأى إثيوبيا، خالفت ما جاء بإعلان المبادئ، وذهبت لمجلس الأمن دونما الرجوع للرؤساء الثلاثة، وأن مصر تخطت كل الآليات الأخرى مثل الاتحاد الأفريقى، وأسلوب حل المشاكل الأفريقية بواسطة الأفارقة، وتصل مذكرة إثيوبيا إلى القول أنه لو هناك تهديد للأمن والسلم، فإن مصر هى المسئولة، طالما هددت باستخدام القوة.​

أوضح رئيس الهيئة الأسبق أن مصر وقعت اتفاقية عام 1902 مع ملك إثيوبيا منليك الثانى والتى ورد فى منطوق البند الثالث منها "يتعهد صاحب الجلالة الإمبراطور منليك الثانى لحكومة صاحب الجلالة البريطانية، بألا ينشئ أو يسمح بإنشاء أية أعمال على النيل الأزرق "بحيرة تانا- نهر السوباط" والتى يمكن أن تحجز سريان المياه للنيل، إلا بموافقة حكومة صاحب الجلالة البريطانى والحكومة السودانية.. وهذه الاتفاقية هى عقدة إثيوبيا فى الماضى والحاضر، وستظل بالمستقبل، فى إطار قواعد ومبادئ القانون الدولى للأنهار الدولية المشتركة، ولمعاهدة ڤيينا المرتبطة بتوارث القوانين .​

أضاف مطاوع أنه من محاسن الصدف أن المذكرة الإثيوبية، باركت ولأول مرة اتفاقية ١٩٠٢ الواضحة جداً، ولكنها قامت بشرحها فى الرسالة الإثيوبية لمجلس الأمن بأن إثيوبيا وبحسن نية وقبل إرساء قواعد ومبادئ القانون الدولى، وافقت على عدم منع مياه النيل لدولتى المصب، وهو تفسير ساذج لا يمكن قبوله لا فى الزمان ولا فى المكان، وهى تعلم أن دولتى المصب، هما المصرف الطبيعى لمياه النيل الزائدة بدول المنابع.​

لفت مطاوع إلى إثيوبيا تعرضت فى مذكرتها أيضا إلى اتفاقية ١٩٥٩ الموقعة بين مصر والسودان لتقاسم مياه النيل ووصفتها بأنها اتفاقية استعمارية، فأين هو الاستعمار فى اتفاقية عام ١٩٥٩؟ والتى وقعت بين دولتين كاملى السيادة الوطنية وإذا كان المقصود بالاستعمار البريطانى لمصر فى اتفاقية ١٩٠٢، فيما كانت إثيوبيا دولة مستقلة ذات سيادة.​

أكد رئيس الهيئة الأسبق أن الوصاية العثمانية على مصر فى اتفاقية القسطنطينية ١٨٨٨، والمنظمة لحركة الملاحة العالمية فى قناة السويس تستفيد منها إثيوبيا بمرور بضائعها من قناة السويس، لافتا إلى أن الاتفاقية نصت فى بندها الثانى على "أن تتعهد بضمان تدفق مياه النيل عبر ترعة الإسماعيلية لمدن القناة وسكانها، الذين يقعون فى نهايات نظام الرى بمصر".

كما تضمنت فى مادتها الثامنة "بأن تعهد الدول إلى مندوبيها بالسهر على ضمان حرية الملاحة، ووصول مياه النيل لهذه المنطقة، مما يجعل هذه الاتفاقية ملزمة للمجتمع الدولى بكل دوله وأطرافه ومؤسساته، كما يلزمه بضرورة حفظ الأمن والسلم فى شرق وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يوجد تهديد للمصالح الدولية حال الشروع فى الملء الأحادى دونما اتفاق.​

من جانبها قالت الدكتورة هبة البشبيشى، الباحثة فى الشئون الأفريقية، إن اللجوء لمجلس الأمن ليس نهاية المطاف ولا يعبر عن تعقد الموقف، إلا أنه يعبر عن عدم التفاهم بين الجانبين وغياب نقاط كثيرة كان لا بد من بحثها والتشاور فيها قبل الوصول لمجلس الأمن.​

وعبرت البشبيشى عن تقديرها لاتفاقية الإطارية عام 2015 التى وقعها الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدة أنها أفضل ما تم توقيعه بين الجانبين لأنها تطرح أفكار عدة عن وجود طرف توافقى بين الدول الثلاثة ثم فكرة التعويضات التى من الممكن أن تدفعها أى دولة متضررة كما تضمن عدم التلاعب بالطرف الآخر وتجعل من مصر والسودان شريكين فى التشغيل.​

وأوضحت البشبيشى أنها أول مرة يجلس فيها المفاوض المصرى مع المفاوض الإثيوبى ويحصل منه على توقيع، مشيرة إلى أن أغلب الاتفاقيات الماضية كانت بين الاستعمار فى مصر وإثيوبيا، وتابعت أما أن تكون بين حكومتين وطنيتين فهذه تعد النقلة النوعية التى حققتها مصر على طريق الدبلوماسية المصرية العريقة خاصة بعد رفضنا التوقيع على اتفاقية عنتيبى وجاءت اتفاقية الإطار لعلاج هذا التأزم.​

ولفتت البشبيشى إلى أن الأمم المتحدة أعلنت عن دعوتها للطرفين لاستكمال المفاوضات بناء على الاتفاقية الإطارية لأنها الأنسب لعلاج الموقف وتحقيق الأهداف المطلوبة بين البلدين، مؤكدة على أن القبائل الإثيوبية فى حالة انقسام خصوصا بعد وصول أبى أحمد إلى السلطة نظرا لأنه من تجمع قبائل الجنوب وليس من القبائل الكبرى التى تحكم من قديم الأزل "وهى الأمهرة والتيجراى"​.

وكانت الجامعة العربية، قد أصدرت فى دورتها غير العادية التى عقدت الثلاثاء الماضى، القرار رقم 8524 بشأن سد النهضة الإثيوبى، وأكدت فى قرارها أن الأمن المائى لمصر والسودان "جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى"، مشددة على ضرورة امتناع إثيوبيا عن البدء فى ملء خزان السد، دون التوصل إلى اتفاق مع دولتى المصب.​

وأقر مجلس جامعة الدول العربية، مجموعة من القرارات بهذا الشأن، بموافقة وزراء خارجية الدول المجتمعة، فيما تحفظت كلا من جيبوتى والصومال على البند الخامس منه.​

وهى التأكيد على أن الأمن المائى لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، ورفض أى عمل أو إجراء يمس حقوق كافة الأطراف فى مياه النيل، والإعراب عن التقدير لمبادرة جمهورية السودان بالدعوة لعقد جولات المفاوضات، التى أجريت خلال الفترة من 25 مايو إلى 17 يونيو 2020، من أجل التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.​

كما رحب المجلس بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، لحث الدول الثلاث على التوصل إلى اتفاقية مشتركة عبر المفاوضات، ومساندته لجهود السودان فى هذا الصدد، والإعراب عن القلق الشديد إزاء تعثر المفاوضات فى بعض جوانبها المهمة بين جمهورية مصر العربية، وجمهورية السودان، وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وتأكيده على ضرورة استئناف المفاوضات بحسن نية، من أجل التوصل إلى اتفاق عادل يراعى مصالح كافة الأطراف.​

والتأكيد على ضرورة امتناع كافة الأطراف عن اتخاذ أية إجراءات أحادية، بما فى ذلك امتناع إثيوبيا عن البدء فى ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دولتى المصب، حول قواعد ملء وتشغيل السد، لما يمثله هذا الإجراء من خرق صريح لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث فى الخرطوم، بتاريخ 23 مارس 2015، مشددين على ضرورة التزام الدول الثلاث بمبادئ القانون الدولى، ومبدأ الالتزام بعدم إحداث ضرر جسيم، ومبدأ استخدام المعقول والمنصف للمجارى المائية الدولية، ومبدأ التعاون، ومبدأ الإخطار المسبق والتشاور.​

وشدد البيان الختامى على أهمية استكمال الدراسات الفنية الخاصة بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لهذا السد على دولتى المصب، داعيا الدول الثلاث للعودة للمفاوضات بحسن نية وبذل الجهود للتوصل إلى توافق يفضى إلى استكمال التفاوض فى أسرع وقت ممكن، حالة قيام إثيوبيا بالإعلان عن عدم بدء الملء بشكل أحادى لحين التوصل إلى اتفاق.​

وشكلت الجامعة لجنة لمتابعة تطورات الملف والتنسيق مع مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول كافة تطورات الموضوع، على أن تتألف عضويتها من كل من الأردن والسعودية والمغرب والعراق والأمانة العامة.​