جريدة الزمان

تقارير

برامج المقالب تهدد الأمن القومى.. وتخوفات من انهيار المجتمع

مهدي سالم وبسمة عبدالحكيم ومحمد فؤاد -

الميزانية تثير جدلا بالوسط الفنى

43 مليون جنيه لرامز.. و20 مليون لهانى رمزى

خبراء: هناك خطورة كبيرة على ثقافة الوطن

هالة: الشباب يبحث عن الإعلام البعيد عن الواقع

خضر: خطورتها تزداد بشكل كبير عن مخاطر المخدرات

البشلاوى: انعدام الفكر المجتمعى بها جعلها تافهة

عبدالصبور: تعكس الانحدار الفكرى والإعلامى

مقالب قد تنتهى بكوارث، مقالب تغير سلوكيات المشاهد.. مقالب تزيد من العنف فى المجتمع.. هذا باختصار ما تقدمه بعض البرامج التى تستهدف تقديم المقالب فى ضيوفها من نجوم المجتمع، ويأتى ذلك بصورة غريبة على المجتمع المصرى بعدما نضبت البرامج الثقافية من الشاشة، بل واختفت بما يمثل خطورة كامنة على العادات والتقاليد، فأصبح الممنوع فى المجتمع مرغوبا فيه بهذه البرامج التى استباحت من لغة الشوارع والشتائم القذرة، وعرضتها أمام الصغير والكبير، واخترقت البيوت المصرية.. وأصبح شهر العبادات الكريم، مسرحا لمثل هذه البرامج التى تعتبره الموسم الرائج لها إذ ترتفع فيه وتيرة المنافسة بين مثل هذه البرامج، وما يدار بشأنها يؤكد على أن المشاهد يعانى انفصاما فى الشخصية، فعلى الرغم من إعلانه الرفض القاطع لهذه البرامج إلا أنها تحقق نسب مشاهدة عالية جدا، بل ويقوم الرافضون لها بالترويج الأمثل لها، كما أن هذه البرامج كانت مصدرا للشائعات التى انطلقت حول ظروف التصوير والنجوم وحجم الميزانيات المعتمدة لصرفها على هذه البرامج.. «الزمان»، تفتح هذا الملف الشائك وتكشف بعض الحقائق الغائبة عن المشاهد، كما تعرض تحليل الخبراء لهذه البرامج، بالإضافة إلى رأى أحد أعضاء لجنة الإعلام بمجلس النواب.

الميزانيات الضخمة

أثارت ميزانية برامج المقالب التى تعرض بشكل حصرى على عدد من القنوات الفضائية، حالة من الجدل والخلافات، على الساحة الفنية، إذ ارتفعت وتيرة الشائعات التى أطلقها البعض بشان ارتفاع حجم الميزانية التى تم إقرارها للبرامج بشكل مبالغ فيه، وأكدت مصادرنا أن الترويج لحجم الميزانيات الضخمة التى يتم صرفها على هذه البرامج يأتى فى إطار خطة الفنانين لرفع أجورهم خلال المواسم المقبلة، لافتة إلى أن النجوم الذين استضافتهم هذه البرامج ليسوا دوليين -كما كان يحدث فى الماضى- وأغلب البرامج لجأت إلى نجوم الصف الثانى.. «الزمان»، تعرض الصورة الحقيقية للميزانيات التى تشمل برامحج المقالب، إذ يتصدر قائمة البرامج 4 منها تبدأ بـ«رامز فى الشلال»، والذى يتم عرضه على قناة mbc مصر، وتبلغ ميزانيته نحو 2.5 مليون دولار، بما يعادل 43 مليون جنيه، وتؤكد المصادر أن قلة الميزانية هذا الموسم دفعت فريق العمل بالبرنامج لاستبعاد فكرة استضافة النجوم الدوليين كما اعتاد البرنامج خلال المواسم السابقة، بالإضافة إلى أنه تم الاقتصار على تصوير حلقات البرنامج بدولة إندونيسيا وهى تشتهر بأنها تسمح بالتصوير فى مواقعها الطبيعية بأقل تكلفة ممكنة.

ويلى برنامج رامز «هانى فى الألغام»، الذى يقدمه الفنان هانى رمزى، والذى رصدت له الشركة المنتجة مبلغ 20 مليون جنيه فقط، وهو ما دفع أعداد كبيرة من المشاهير لرفض الاستضافة والظهور فى حلقات البرنامج، وذلك لتدنى المقابل المادى الذى اعتادوا عليه خلال السنوات الماضية.

وبحسب مصادرنا، فإن الشركة المنتجة قررت الاستعانة بعدد من نجوم الصفين الثانى والثالث كضيوف فى الحلقات، باعتبار أن المقابل المادى سيكون بالنسبة لهم مغريا ومجديا، بعكس نجوم الصف الأول والمشاهير، وأكدت مصادرنا أن الفنان الكوميدى إدوارد، كان أحد هؤلاء النجوم الذين تمت استضافتهم فى إحدى الحلقات التى تم تصويرها بمنطقة الواحات تزامنا مع احتفالات شم النسيم.

«فيلم رعب»، تذيعه فضائية صدى البلد، ويقدمه المطرب أكمل رسلان، الذى يعتمد على نفسه فى تنفيذ مشاهد الرعب بنفسه خلال المشاهد التى يتم عرضها للجثث والمومياوات، وتكشف المصادر، أن البرنامج وهو الأكثر خطورة من حيث الفكرة، إذ تعتمد على تنفيذ مواقف رعب مع المواطنين، بعضها فى الشارع والآخر داخل الأماكن المغلقة، وعلى الرغم من الأنباء التى تداولها الكثيرون بأن ميزانية البرنامج زادت على 50 مليون إلا أن ميزانيته الحقيقية تراوحت بين 3 و4 ملايين جنيه.

أما فيما يخص برنامج «الزفة»، وهو أيضا من أكثر برامج المقالب التى تتمتع بنسب مشاهدة عالية، فتبلغ ميزانيته 3 ملايين جنيه، وتدور فكرته حول قيام فريق العمل بالبرنامج بتدبير مكيدة تكون ضحيتها الزوجة، التى تكتشف فجأة لدى عودتها لمنزلها قيام زوجها بالزواج من أخرى وأنهما يحتفلان بسبوع مولوده من زوجته الجديدة.

وتأتى النسخة المطورة من البرنامج تنفيذا للتطور الفكرى للبرنامج الذى انطلق خلال السنوات الماضية مرتكزا على مقلب يتم تطبيقه فى الزوجة التى تستدعى كضيفة لإحدى حلقات البرنامج للحديث معها عن السعادة الزوجية، وتكتشف بنهاية الحلقة أنها سقطت ضحية للمقلب عندما يثير مشهد زفاف زوجها بأخرى أعصابها ويدفعها للانتقام منه، وتشهد الأحداث تصاعدا بصورة اجتهادية.

كارثة مجتمعية

لم تختلف آراء خبراء الإعلام عن كون هذه البرامج تمثل خطورة كبرى على الهوية المصرية، وذهب كل منهم يبرر آراءه الرافضة والمهاجمة لرامج المقالب، إلا أن جميعهم اتفقوا على أنه يجب أن تكون هناك إجراءات حاسمة ضد هذه البرامج والقائمين عليها، ليكونوا عبرة لمن يحاول الاقتراب من الثقافة المجتمعية التى تواجه أزمات حالية بسبب مثل هذه البرامج.

فى البداية تؤكد دكتورة هالة نوفل عميد إعلام جنوب الوادى، أن الدراما الهادفة انتهت وأصبح الشباب يميلون إلى الأعمال التى تعتمد على التمثيل المجرد من الواقع الذى نعيش فيه، مؤكدة أن هناك تكالبا على مشاهدة برامج المقالب التى لا تفيد المجتمع فى شيء، حيث لا تهدف إلى فكر محدد.

وترى أنه من الأفضل أن نسعى إلى تقديم الأعمال الهادفة التى تسهم بصورة واضحة فى إكساب الشباب المهارات وتدربهم على فنون التكنولوجيا وتزيدهم من الثقافات المختلفة .

وأضافت «نوفل» أن هناك مليارات من الجنيهات يتم صرفها على الأعمال التافهة، بقصد السخرية وتحقيق حالة من الانحدار والتدنى فى المستوى الثقافى، مشيرة إلى أنه إذا تم إنفاق مثل هذه الأموال على الواقع الاجتماعى نتج عنها العديد من التغييرات لأوجه كثيرة للحياة فى مصر.

وأشارت عميدة إعلام جنوب الوادى، إلى أن ارتفاع عدد مشاهدى تلك البرامج ليس دليلا على جودتها وإنما يمثل انعكاسا لضعف مستوى الأعمال الدرامية من حيث مضمونها وطبيعة القضايا التى تناقشها، مما يعنى أن هناك إفلاسا فكريا لدى القائمين عليها، مؤكدة على غياب البرامج التى تزيد من المهارات الفكرية أو العملية لدى المشاهد، فالبرغم من أن هدف الإعلام هو التثقيف والتعليم بالتزامن مع الترفيه، إلا أن الترفيه كان لها نصيب الأسد على خريطة البرامج.

من جانبها أوضحت الناقدة خيرية البشلاوى، أن برامج المقالب انتشرت بشكل كبير مؤخرا، بعد أن تبدل مزاج الجمهور ليصبح مثل جماهير المولد غاوى صخب، واعتماد هذه البرامج على تحريك الجانب الشرير فى الإنسان مع التشويق والنهايات غير المتوقعة والخدع والمؤثرات الصوتية  على غرار دراما هوليود.

وأضافت البشلاوى أن هذه البرامج لم تقدم أى جديد، بل كلها برامج تافهة عكس البرامج التى كانت تذاع فى المواسم الماضية وكانت تشع البهجة والسرور فى نفوس المشاهد، بل تسهم بشكل واضح فى إضحاك الجمهور بشكل جيد، وتساءلت ما الجدوى من إضحاك الجمهور على ضيوف يقعون فريسة لمقدمى هذه البرامج.

وقالت البشلاوى: على الرغم من ذلك إلا أن مثل هذه البرامج أصبح لها جمهورها وتتمتع بنسب مشاهدة مع التزامه بتقديم سلعه رديئة سخيفة، ولكن ثقافة الجمهور المصرى أصبحت دون المستوى، وستظل لهذه البرامج جماهيرية لاعتمادها على مصيدة التشويق والتخويف إلى جانب الاستفزاز، وإيهام الجمهور بأن الضيف دائما فى خطر مما يجعله مقبلا على هذا النوعيه من البرامج .

فى سياق متصل أكدت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الشخصية المصرية فقدت هويتها لعدم وجود وزير إعلام مسؤول عن وضع خريطة للإعلام ومتابعة ما يحدث من قبل القنوات الخاصة، ولذلك فلا نجد أحدا يسمع أو ينفذ ما يطلبه المختصون لكى نحقق الرقى والارتقاء بإعلامنا، وتابعت: نحن فى هذه الأيام المباركة فى شهر الفرح والفرج والتقوى والأدب والقيم والعادات السليمة كنا ننتظر من البرامج أن تتحلى بالأدب والأخلاق وليس كما نرى ما يذاع من الألفاظ النابية، والأفعال غير المقبولة.

وأضافت خضر أن الكلمة أقوى من المدفع، وهو ما يؤثر بطريقة سلبية على ثقافة المجتمع، وواصلت: لو نظرنا إلى فرنسا مثلا فإن مثل هذه الأعمال الفنية تقتصر على كتاب متميزين يقدمون الفكر الذى لا يتنافى مع آداب المجتمع، ولكن فى مصر فمن يقدمون هذه البرامج أراهم يلعبون دورا كبيرا فى تدمير الفكر المصرى ويسهمون بما لا يدع مجالا للشك فى تغييب الوعى لدى الجمهور.

وأكدت خضر أن مثل هذه البرامج تمثل كارثة قومية، لأن تأثيرها على عقول الشباب أقوى وأكثر خطورة من مفعول المخدرات، وحاليا نقوم بتدمير الفكر المصرى لتأهيل جيل من الشباب على التفاهة والجهل، وناشدت الأجهزة الرقابية المعنية بمتابعة هذه الأعمال، بمراجعتها وتعديل ما يلزم منها مما يتنافى مع أخلاقيات وأدبيات العقول المصرية والعادات والتقاليد، كما شددت خضر على ضرورة عودة وزير الإعلام مرة أخرى لضمان خروج الأعمال الإنتاجية الفنية الهادفة التى تحقق الثقافة المصرية الأصيلة.

من جانبه يشرح الناقد الفنى أحمد عبدالصبور، تطور إنتاج هذه البرامج فى مصر، موضحا أنها بدأت ببرنامج الكاميرا الخفية الذى قدمه فؤاد المهندس عام 1983، وكان يقوم بتعريف مضمون الحلقة التى يقوم ببطولتها الفنان إسماعيل يسرى، وتعتمد على تعرض مواطن عادى لموقف كوميدى يظهر فيه رد فعله بصورة تلقائية، واستمر لعدة سنوات ثم قدمه الفنان الراحل محمود الجندى لكنه لم يلق النجاح المطلوب والمأمول، وارتبطت برامج المقالب بأغنية شهيرة للفنانة أنوشكا تقول كلماتها «اللقطات اللى هتشوفها كلها طبيعية، والأبطال أنا وإنت وهى».

وأضاف عبدالصبور أن أشهر هذه البرامج كان «زكية زكريا» الذى قدمه الفنان إبراهيم نصر، اعتبارا من عام 2001، من خلال قيامه بتقمص شخصية امرأة تسمى زكية زكريا، وتعتمد على وضع كمية كبيرة من الماكياج على وجهها، وتقوم باستفزاز عدد كبير من المواطنين ممن يسقطون ضحايا فى شباكها، ولاقى البرنامج نجاحا كبيرا لدرجة أن صناع العمل قاموا بإعداد فيلم سينمائى يحمل اسم «زكية زكريا فى البرلمان» واعتمد الفنان إبراهيم نصر على عدد من العبارات التى لازمت شخصية زكية منها «أقولك بخ تبخ»، و«يا نجاتى انفخ البلالين عشان عيد الميلاد».

 

وتابع عبدالصبور: أعقب ذلك برنامج «إدينى عقلك» فى نهاية التسعينيات، للمخرج على العسال واستمر البرنامج قرابة الأربعة عشر عاما، وكان الفنان حسين المملوك، والفنان منير مكرم هما أبطال العمل، ونالا على مدار سنوات عديدة أكثر من «علقة ساخنة»، بسبب المقالب التى كان يصنعها البرنامج بالإضافة إلى أسلوبهما المستفز للجمهور، وتبع ذلك برامج «حسين على الهوا» للفنان حسين الإمام، و«مقلب دوت كوم» الذى قدمه أشرف عبدالباقى.

ويتوقف عبدالصبور على ما شهدته هذه البرامج من تغير فجأة منذ عام 2011، إذ قام رامز جلال بتقديم برنامج «رامز قلب الأسد»، وبعدها «رامز ثعلب الصحراء»، و«رامز عنخ آمون»، و«رامز قرش البحر»، و«رامز واكل الجو»، و«رامز بيلعب بالنار»، و«رامز تحت الأرض»، و«رامز تحت الصفر»، ويستمر البرنامج حتى هذا العام للسنة التاسعة على التوالى بعنوان «رامز فى الشلال»، موضحا أن هذا البرنامج يعد أكثر البرامج شهرة فى الوطن العربى، بل ووصلت شهرته للعالمية بعد ارتفاع ميزانيته فور بدء عرضه على قناة mbc مصر، إذ استضاف رامز أكثر من نجم عالمى مثل باريس هيلتون، وشاروخان، وأنطونيو بانديراس، وآخرين، لافتا إلى أن هناك عدة عوامل تساعد على تصدر البرنامج للأعلى مشاهدة منها أن عرضها يتم سنويا بالتزامن مع وقت الإفطار، بالإضافة إلى الإمكانيات التكنولوجية التى أصبحت أكثر إبهارا فى كل موسم، مما جعل المشاهد أسيرا لبرامج الفنان الكوميدى.

وقال عبدالصبور إن رامز يلعب على أسوأ سمات الجمهور وهى الازدواجية، ولذلك يسيطر على نسب المشاهدات العالية على التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعى، ليصبح أفضل تجسيد لحالة المجتمع والفن فى مصر، وصناعة مأزومة ضيقة الأفق، فالبرنامج يستضيف فنانين مدّعين يبحثون عن الشهرة والمال، ويأتى ذلك بمشاهد تعكس الكرامة المهدرة، والذوق المتدنى، كما يكشف البرنامج أن نسبة كبيرة من الجمهور يعانى من الانفصام فيلعن رامز وينتقده، وفى نفس الوقت لا يمل من الترويج له، والمساهمة فى بناء مجده.