الزمان
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقال رئيس التحرير

إلهام شرشر تكتب-مصر تفتح ذراعيها للسعودية

الكاتبة الصحفية إلهام شرشر
الكاتبة الصحفية إلهام شرشر

   تتجه أنظار العالم إلى مصر حيث زيارة ولي العهد الأمير (محمد بن سلمان) الذي جاء إلى مصر في زيارة رسمية هي الأولى بعد توليه ولاية العهد بالمملكة العربية السعودية .
   وتأتي أهمية هذه الزيارة على مستوى البلدين في ظل أوضاع صعبة ومتردية للغاية يعيشها عالمنا العربي قد تنتهي بتقسيمه وتغيير ديمغرافية العديد من الدول به نتيجة التدخلات الصارخة الخارجية الدولية والإقليمية التي لا يعنيها سوى مصالحها السياسية تارة والاقتصادية تارة أخرى.
   ولو كانت على حساب دول بأكملها ومما يزيد الطين «بلة» حالة الاستسلام والضعف والتهاون في أحيانٍ كثيرة كمحصلة هذه التدخلات لذلك كان لا بد من اجتماع عاجل بين مصر والسعودية للتشاور في العديد من القضايا التي تخص عالمنا العربي وبحث سبل للحد هذه التدخلات، وخاصة في ظل هذا المد الجارف لدولة إيران التي تسعى إلى السيطرة على المنطقة العربية بأكملها وتغيير الخصائص السكانية لشعوبها.
    لذا تمارس حالة أشبه بالبلطجة على سائر دولنا العربية لتنفيذ مخططها اللعين.
  كما يحدث للأسف الآن في اليمن حيث تواردت الأنباء على ما يقوم به الحوثيون في اليمن وخاصة (صنعاء) العاصمة من تغير أسماء الشوارع وإطلاق أسماء زعماء إيرانيين عليها… فضلًا عن المحاولات الحثيثة لإسقاط الدولة ودفعها دفعًا إلى تبعية إيران… وإذا كان هذا هو الوضع في اليمن فإن ما حدث في العراق أكبر دليل على التغيير الديمغرافي الذي حصل فيها وخاصة في الموصل.
   وبهذا نفهم سر الرسالة القوية التي أرسلها السيد الرئيس المصري في حضور ولي العهد السعودي والتي أكد فيها على أن أمن الخليج من أمن مصر.
    ولا شك أن هذه الرسالة المعبرة موجهة لإيران نتيجة لتزايد نفوذها في المنطقة وخصوصًا كما أشرنا في اليمن ودعمها المطلق للحوثيين الذين يعملون على إثارة القلاقل على الحدود مع السعودية.
   ولماذا نذهب بعيدًا، فإن الأحداث التي تجري في سوريا تؤكد أن إيران دخلت سوريا لتبقى فيها ولتحتل أجزاء منها ولعل هذا هو أحد الأسباب في حالة الحرب بها وكثرة الدمار والخراب والتهجير فضلًا عن القتلى بها.
   كل هذه الأحداث الدامية ألا تستحق أن تجمع بين أكبر دولتين في المنطقة العربية والإسلامية لبحث الأوضاع الخطيرة التي تجري على أراضيها والتي من أهمها التدخلات الإيرانية في المنطقة.
   إن هناك قضايا عديدة على المستوى الإقليمي تستدعي بحثها وتبادل الآراء فيها وطرح أفكار جديدة في حلها، وخاصة أن الدولتين وإن كانتا تتفقان في الغاية فهناك مساحات كبيرة من الحوار يسمح لهما بالاختلاف في وجهات النظر بل والقدرة على القفز عليها مع التأكيد الفاعل على نقاط الاتفاق وحسن توظيفها.
   وخاصة أن الكل يؤمن أن مصر في ظل الرئيس عبدالفتاح السيسي قد استعادت الكثير من مكانتها بحيث يمكن الاستناد عليها والاعتماد، في مرحلة تحول تاريخية من الخطورة بمكان تشهدها المنطقة العربية بأكملها.
    وأنا أدعي أن هناك حالة من الانسجام في رؤى الدولتين ستسهم بكثير في خلق جبهة عربية موحدة قادرة على ملاحقة كل من تسول له نفسه بتقويض صرح الأمة العربية.
    إن هذه الزيارة لا محالة تصب في تعزيز التضامن العربي ووحدة الصف ولم الشمل العربي الذي تعرض خلال الحقبة الأخيرة إلى هزةٍ عنيفة كاد معها يمحى من ذاكرة التاريخ، ولعل من أهم المباحثات التي سيتم مناقشتها المشكلة السورية التي تؤمن مصر والسعودية أن السبب في تدهورها يرجع إلى التدخلات الأجنبية، لذا بات من الضروري الاتفاق على شكل عربي جديد يخفف حدة الأحداث بها فضلًا عن رسم خريطة جديدة بعيدة عن هذه التدخلات.
   أعلم أن الدور العربي مفقود في سوريا لذا باتت الآمال منعقدة على هذه الزيارة التي من الممكن أن يتمخض عنها ولادة حل عربي لمشكلة عسيرة تؤرق وتهدد الأمن العربي بأكمله.
   وإذا كانت الأوضاع العربية قد بلغت مستوى من السوء يستلزم ضرورة المشاورات الدائمة بين الدولتين.
    ولعل من أخطر هذه القضايا التي تهم البلدين بل الأمة العربية والإسلامية القضية الفلسطينية التي من المؤسف أنها تشهد حالة من الإهمال الدولي من ناحية والانقسام بين أبناء شعبها من ناحية أخرى، الأمر الذي مكن الصهاينة من الممارسات الاستفزازية ومحاولتهم الدائمة طمس الهوية العربية والإسلامية على الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى قرب موعد طرح واشنطن ما أسمته وتروج له بصفقة القرن، وأيضًا موعد نقل السفارة الأمريكية للقدس العربية المحتلة.
   علمًا بأن مصر ترفض هذه الصفقة بشكل مطلق ومعلن.
   إن هذه الموضوعات جديرة بأن تكون محل عناية الرئيس وولي العهد، فوضع القدس وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقه المشروع في أرضه مسألة تحتاج إلى جهود الدولتين.
   كما أن القدس تطلب تظافر الجهود العربية والإسلامية فضلًا عن الدولتين للحفاظ عليها عربية.
   كما أن الإرهاب مستدعى بقوة ليكون على مائدة الدولتين وخاصة أنه أصبح يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار وأمن الشعوب العربية والإسلامية بل للعالم بأسره وخاصة أن مصر والسعودية قد طالتهما أيادي الإرهاب الأسود.
   أضف إلى ذلك أن هناك العديد من القضايا التي تخص البلدين ولعل أهمها زيادة حجم التعاون الاقتصادي والاستثماري، لذا وقع الجانبان في اليوم الأول للزيارة العديد من الاتفاقيات تضمنت مجالات متعددة منها حماية البيئة والحد من التلوث بين وزارة البيئة في مصر والمماثلة لها في مصر.
   كما تم إنشاء صندوق يجمع بينهما للاستثمار.. كما تم توقيع برنامج تنفيذي للتعاون المشترك بين مصر والسعودية.
   وإذا حاولنا أن نحصي المكاسب على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري، فسنجد أنه تم توقيع اتفاقيات بقيمة ١٦ مليار دولار، وهذا في حد ذاته يعد نقلة نوعية في الاستثمار السعودي في مصر.
   هذا بالإضافة إلى مساهمة مصر في المشروع الاستثماري الكبير الذي يجمع بين السعودية ومصر والأردن والمسمى بمشروع نيوم والذي تبلغ حجم تكلفته أكثر من ٥٠٠ مليار دولار أمريكي، ولقد ساهمت مصر في هذا المشروع من خلال استقطاع مساحة ١٠٠٠ كيلو متر من جنوب سيناء، علمًا بأن هذا المشروع الذي ستشارك فيه مصر سيركز على تسع قطاعات استثمارية تنتهي المرحلة الأولى منه في عام ٢٠٢٥، وكما هو مقرر ستشارك مصر فيه من خلال تطوير منطقتي شرم الشيخ والغردقة.
   وحتى نجيب على أسئلة الكثيرين حول تجليات هذا المشروع وانعكاساته على مصر وخاصة السعودية؟؟؟؟!!!!!!
   إن السعودية تشهد بحق تغيرات اجتماعية واقتصادية تستهدف التحول من الاعتماد على النفط فقط إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، هذا بالإضافة إلى معالجة الثغرات التي كان يطل منها الإرهاب مع الحفاظ على هويتها الإسلامية باعتبارها بلدًا تحتل مكانة نوعية في قلوب الأمة الإسلامية والعربية.. كيف لا وفيها أشرف بقع الله على الأرض مكة المكرمة والمدينة المنور على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
   ومن هنا تأتي حالة التفاؤل التي تسود الأجواء العربية نتيجة لهذه الزيارة التي يضع عليها الكثير آمالًا عريضة في تخفيف حدة المعناة التي تعاني منها الكثير من الدول العربية والتي يأمل المجتمع العربي بأسره أن يسفر عنها خريطة جديدة تحافظ على الكيان العربي قوامها الوسطية والاستقرار، لذلك كانت زيارة ولي العهد إلى الأزهر الشريف والكنيسة المصرية ليؤكد من ناحية أن المملكة تحارب الإرهاب وتلفظه وتحرص على وحدة نسيج الأمة، وخاصة أن الأزهر الشريف يمثل لدى العالم بأسره نموذجًا للوسطية الإسلامية لذلك ليس من الغريب أن يقوم ولي العهد بزيارته ليبعث برسالة مضمونها أن الوسطية هي سبيل في التغيير وطريقتي في التعبير، من على أرض مصر الطيبة وبين أعمدة مسجد الأزهر الشريف الذي حمل على مدار ما يزيد عن ألف رسالة الإسلام وصدره حتى للبلد الذي نزل فيه.
   إن أوجه التعاون بين مصر والسعودية كثيرة ومتعددة سواء في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية لذا فمن الممكن أن تضرب الدولتان نموذجًا يحتذى به، لا سيما أن العلاقات بينهما تتمتع بحالة من التفرد والامتياز.
   كما أنها من الممكن أن تصبح حائط صد لكل من تسول له نفسه المساس بأمنهما في ظل أوضاع دولية متخبطة ومتصارعة تستهدف مصالحها دون النظر لأي شيء آخر حتى ولو كان سيضاف على فاتورة أمتنا العربية المنهكة.
   كما أن هذه العلاقة من الممكن أن تقوي من عزيمة أمتنا العربية الواهية التي نخر في عظامها الصراع.. والاختلاف.. والتنازع.. والشقاق.. وتعيد لها الحياة في ظل هذه التهديدات الإقليمية التي تأتيها من إيران تارة ومن تركيا تارة أخرى التي تحلم أن تعيد مملكتها الغابرة.
   لعل هذه الزيارة تكون شرارة جديدة تلهب مشاعر الأمة العربية وتعيد لها الكثير من هيبتها.. ومكانتها.. وقوتها.. وتبني عليها الكثير من آمالها المفقودة وخاصة في ظل أوضاع وأطماع كارثية تهدد سلامة ووجود الأمة العربية.
   وإذا كانت زيارة ولي العهد السعردي لمصر هي المحطة الأولى في زيارته إلى دول أخرى على رأسها بريطانيا فإننا نأمل أن تكون هذه الزيارة قد وضعت الحجر الأساسي لبناء قاعدة من التعاون العربي تنصب في مصالحه المشتركة، والتي من أهمها الحفاظ على خريطته.. وهويته.. وثرواته.. فضلًا عن ترابه النفيس.
   وإذا كانت مصر تثمن العلاقات مع المملكة العربية السعودية بل مع سائر بلدان العالم العربي فإننا نأمل أن تجد هذه الزيارة مخرجًا للتعنت القطري وتعمدها الإساءة إلى جيرانها ورضاها بأن تكون لعبة في أيدي الإرهاب من ناحية وفي أيدي أعداء أمتنا من ناحية أخرى، وخاصة أن القمة العربية قد اقترب موعدها.
                             وقبل أن أنهي كلماتي عن أثر هذه الزيارة وتجلياتها على عالمنا العربي..
  اسمحوا لي أن أقف مع محاولات الاستفزاز التي اعتاد عليها بعض من الإعلاميين الذين جاءوا بعبارات من شأنها أن تثير لغطًا بين الناس لما فيها من الغموض والتلويح المرفوض، أقول هذا الكلام بخصوص هذا «المانشيت» الذي تصدر إحدى الجرائد بعنوان (كيف استرد بن سلمان «الله» من أيدي المتطرفين).
   إن هذا بحق يعد تطاولًا فجًا لا ينبغي بحال من الأحوال، لأن فيه إساءة بالغة للعالم الإسلامي من ناحية، وللمملكة من ناحية أخرى التي أخذت على عاتقها من خلال ولي عهدها أن تحارب الإرهاب وأن تعزز من قيمة الوسطية وأن تحدث طفرة نوعية في حياة شعب المملكة.
وأخيرًا…… مرحبًا بولي العهد في مصر (أرض الكنانة).. حللت أهلًا ونزلت سهلًا فمرحبًا بك.

موضوعات متعلقة

click here click here click here nawy nawy nawy