جريدة الزمان

حارتنا

عمارة «تيرنج».. طراز معمارى فريد يشكو الإهمال

محمود بكري -

تتميز منطقة وسط القاهرة والتى تمتد حتى ميدان العتبة بالمبانى ذات الطابع الفرنسى الجميل والذى يزخر بالزخارف ويحمل طابعًا متميزًا يجعلك تشعر بالفخر بهذا الماضى الجميل الذى أنشئت فيه تلك العمائر بهذه الروعة وهذا الإتقان.

ومن بين هذه العمارات عمارة «تيرنج» التى تقع على ناصية شارع الجوهرى بميدان العتبة، والتى تعتبر تحفة معمارية تحمل الطابع الأوروبى، ولا يوجد مثلها سوى ثلاثة أبنية على مستوى العالم.

ورغم أن عمرها يمتد إلى أكثر من مائة عام إلا أنها تغرق فى العشوائية وزحام الباعة الجائلين ولافتات المحلات ومخلفاتها وتعانى من إهمال المسئولين بالمحافظة، وحالتها الآن أصبحت يرثى لها ولا تتبقى منها سوى ملامح جمال قديم يحتاج إلى من يزيح عنه غبار سنوات طويلة من غياب الاعتناء ومن الإضرار المتعمد بالشكل الجمالى والحضارى للعمارة  .


ويقول المهندس عماد زغلول، سكرتير عام إحدى جمعيات الحفاظ على التراث المعمارى، لابد أن تتضافر الجهود الحكومية مع جهود المراكز والجمعيات الأهلية للحفاظ على هذا التراث المعمارى وإنقاذ جزء مهم من الذاكرة التاريخية والحضارية للشعب المصرى من الضياع؛ لأن المالك لايستطيع إجراء الصيانة بمفرده، فالعائد الذى يعود عليه من إيجار المبنى زهيد.
وتتكون عمارة «تيرنج» من خمسة طوابق، تعلوها كرة تحملها أربعة تماثيل تمنحها طابعًا مميزًا عن باقى الأبنية المحيطة بها، ومكتوب على الكرة الدائرية الحاملة للقبة اسم العمارة «TIRING»، وقد بناها المهندس المعمارى النمساوى ﺃﻭﺳﻜﺎﺭ ﻫﻮﺭﻭﻳﺘﺰ وﻫﻮ ﻣﻌﻤﺎﺭى ﻳﻬﻮﺩى ﻧﻤﺴﺎﻭى ﻭﻟﺪ ﻓﻰ شهر ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ عام 1881 ﻓﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺎﺟﻨﺪﻭﺭﻑ ﻓﻰ ﺍﻟﻨﻤﺴﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻰ ﻫﻰ ﺍﻵﻥ بلدة ﻛﺮﺍﻧﻮﻑ ﻓﻰ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﺸﻴﻚ، وقد ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ فى ﺍﻟﻨﻤﺴﺎ ﻭجاء إلى ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ فى ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ مابين عام 1913م وعام 1915ﻡ وبناها بناءً على تكليف من الخواجة اليهودى النمساوى «تيرنج» عام 1895 الذى مازالت العمارة تحمل اسمه إلى الآن، وقد أراد أن يحاكى متاجر سيزار ريتز فى أوروبا، وقد كانت محلات «تيرنج» من أكبر المتاجر متعددة الأدوار بالقاهرة فى هذا الوقت.

وفى عام 1915 «تيرنج» القاهرة كان تحت إدارة كارلو ميناسس، وأدرج مؤقتًا تحت مسمى ممتلكات العدو، وكان الجيش البريطانى الذى حكم مصر فى ذلك الوقت فرض الأحكام العرفية على جميع ممتلكات التى تعود للأجانب من بلد العدو، وقد تم عزلها وفى نهاية المطاف، وتم منح مبنى «تيرنج» ترخيصًا مشروطًا للتجارة فى مصر مع الإمبراطورية البريطانية ومع الحلفاء من بريطانيا العظمى ولكن نظرًا لفقدانها مصادر الإمداد لمخزنها بسبب العزل عن الإمبراطورية النمساوية الهانغارية تم تصفية نشاطها فى عام 1920 وتم تجريد مبنى «تيرنج» من أصحابها الأصليين فى وقت كانت تجاوز منافسيها بكثير فى أحدث المعروضات مثل شيكوريل وصيدناوى وأرورزديباك أو عمرأفندى.

وبعد ذلك تنقل ملكية المكان بين عدد من المالكين وظل على قيد الحياة بمحبة من قبل أصحابه المتعاقبين عليه وظل محتفظ بعملائه القدامى واستمر التسوق به حيث كان لا يزال شكلًا من أشكال الترفيه وبعد قيام ثورة يوليو استولى مجموعة من واضعى اليد عليه وتحول إلى ورش ومحلات صغيرة مهملة لا تجذب أحدًا إلى الآن، ولكن ما يمنح الأمل هو انضمام هذا المبنى إلى حملة تطوير القاهرة الخديوية وإعادتها إلى سابق عهدها ورفع عنه كل أشكال التعديات وتحويله إلى مكان تجارى يصلح زيارته، وهذه الحملة التى بدأت تظهر معالمها على الكثير من العمران فى مصر.