طريق تحصيل العلم بجامعة سيناء محفوف بالألغام

جامعة سيناء.. التعليم تحت قصف النيران
الطلاب لـ«الزمان»: نسمع أخبار وفاة أصدقائنا من الإعلام
رئيس جامعة سيناء: الوضع مؤقت ونسعى لفتح كليات جديدة
وسط الأعيرة النارية اليومية، يواجه طلاب جامعة سيناء الموت آناء الليل وأطراف النهار، وكأنهم كتب عليهم أن يعيشوا لحظات الرعب يوميًا فى سبيل طلب العلم وحصولهم على الشهادات الجامعية.
هناك ما يقرب من 30 ألف طالب جامعى مهددون بالموت يوميًا، دون أن يغفل لهم ولأهاليهم جفن حتى يعودوا من الجامعة، وتعيش سيناء أوضاعًا غير مستقرة منذ نهاية 2011، نتيجة حالة الانفلات الأمنى التى أعقب الثورة المصرية، والتى تسببت فى تمدد نفوذ جماعات إسلامية متطرفة بعد تمكنها من الحصول على أسلحة متطورة، بدأت على إثرها فى استهداف قوات الأمن المصرية.
أيام الموت والرعب
«أدرس فى سيناء منذ 4 سنوات عشت خلالهم أسوأ أيام حياتى» أولى الكلمات الذى بدأ بها معاذ الدين الطالب بالفرقة الرابعة بكلية إعلام جامعة سيناء.
يروى: «عقب التحاقى بجامعة سيناء فرض حظر التجوال على المحافظة، وها أنا على مشارف التخرج والحظر ما يزال مفروضًا، لن يشعر بما عانيته إلا من عايش الحظر لسنوات، فالأشهر الطويلة التى قضيتها فى مدينة العريش خلال فترة الدراسة بتخرج من بيتك للجامعة مش عارف هترجع ولا هتحصل زمايلك اللى ماتوا».
ويضيف: «من أيام كانت المرة الثالثة التى نصلى فيها صلاة الغائب على زميل فى الدفعة هذا العام، فمسلسل القتل لا يتوقف، من لا يموت خلال الاشتباكات بالرصاص يدفعه حظه العاثر إلى محيط تفجير لا يميز بين ضحاياه، أنا بموت كل يوم من الخوف والرعب، بل وأنتظر الموت يوميًا ولكن لم يستمع إلينا أحد».
واستكمل معاذ: «أغلب طلاب الجامعة مغتربين، وبنتبهدل فى نقاط التفتيش بيبقى معانا أكل وشرب، بيفرغوهم ويقلبوا كل حاجة»، الأمر الذى يدفعه لتقليل مرات سفره خلال كل فصل دراسى لتكون مرة شهريًا أو كل شهرين لتجنب مشقة السفر ومضايقاته، وفى يوم العودة لسيناء أتحرك فى تمام السادسة صباحًا لأصل إلى المعدية التى تربط شطرى قناة السويس قبل الظهر وأنتظر 3 ساعات على الأقل لأتمكن من العبور للضفة الشرقية من القناة، وأتعرض لتفتيش فى 20 نقطة أمنية بين مدينتى الإسماعيلية والعريش، بجانب أن الحياة فى سيناء أشبه بالأموات، «لأن كل الناس خايفة وعايزة تمشى الوضع مخيف فى كل حتة».
وقال: «بشوف مدرعات فى معظم الشوارع، بسمع انفجارات وضرب نار طول الوقت»، ونيران الحرب طالت مقر الجامعة قبل عامين فى تفجير إرهابى ترك آثاره على مبناه الرئيسى وعدد من المبانى الفرعية، ويصف ما يشعر به حيال الوضع بالقول باختصار مشاعر شاب يقابل مسلحين ملثمين يرفعون أعلامًا سوداء فى أول الشارع الذى يسكن به، ويشهد عملية قتل شرطيين فى وضح النهار وفى نهايته.
وتشير رقية، صاحبة الـ21 عامًا، الطالبة فى كلية الإعلام بالجامعة نفسها، إلى جانب آخر من معاناة الطلاب الجامعيين فى سيناء بالقول: «مشكلة قطع الاتصالات أكثر ما يؤرقنى إذ تعتمد دراستى على الإنترنت بشكل كبير، ولأسباب أمنية يتم قطع شبكات الاتصالات والإنترنت خلال العمليات العسكرية، أو نتيجة لتضرر بنيتها التحتية نتيجة للتفجيرات الإرهابية، ما يضاعف قلق عائلتى فى كل مرة حتى تعود الشبكات ليتمكنوا من الاطمئنان على».
وتتابع: «أصبحنا نعتمد على الخطابات المرسلة بالبريد لطمأنة عائلاتنا، وهناك طلاب يطلبون من سائقى سيارات الأجرة المتجهة خارج سيناء الاتصال بعائلاتهم لطمأنتهم عليهم بمجرد خروجهم من نطاق منطقة قطع الاتصالات»، تصمت لحظات ثم تستدرك بتأثر قائلة: «يعنى لو حصلى حاجه، أهلى ممكن يعرفوا بعد يومين».
وتتحدث رقية عن صعوبات أخرى متعلقة بانعكاس الوضع الأمنى فى سيناء على الجانب العملى من الدراسة «كطلبة إعلام ترتبط دراستنا بالجانب العملى بإنتاج قصص صحفية أو تلفزيونية، لكن فى سيناء يستحيل أن تخرج للشارع بكاميرا، بالإضافة إلى أننا أصبحنا نعلم بأخبار أصدقائنا اللى بيموتوا فى العمليات الإرهابية بعد أيام»، وتضيف: «أصبحنا نودع عائلاتنا قبل توجهنا للجامعة وكأننا جنود فى طريقهم لميدان حرب، ولا ينتهى الأمر بعودتنا إلى منازلنا بسلام، إذ تطاردنا كوابيس ما شهدناه، لا يوجد أحد بين زملائى فى الجامعة لم يعانى من تبعات صدمة الوضع فى سيناء تركت الأحداث بصمتها الكئيبة علينا جميعًا».
ولم يختلف الأمر كثيرًا مع دينا كارلوس، 22 عامًا، طالبة بكلية الصيدلة بجامعة سيناء، إذ بدأت تروى أنها فقدت عدد من أصدقائها فى عمليات إرهابية تذكر منهم محمد راشد، طالب الهندسة وشقيقته آلاء، طالبة صيدلة، الذين قتلوا فى انفجار عبوة على شارع البحر، بالإضافة إلى زملاء دراسة وأصدقاء آخرين تم اعتقالهم للاشتباه، وتذكرت زميلها زكريا الذى تم اعتقاله فى نقطة تفتيش على أطراف مدينة العريش خلال توجه للجامعة، بعدما فحص ضباط النقطة الأمنية أوراقه ثم قرروا التحفظ عليه، رغم تقديمه بطاقتة الجامعية، والسبب يعود بأن المسلحين كانوا يقومون بانتظار طلاب جامعين من الضفة الغربية لتصفيتهم، بسبب التعامل مع الجيش المصرى.
بينما جاء رشاد البالغ من العمر 22 عامًا والطالب بكلية هندسة، ليروى معاناته مع آثار الدماء التى تخفى معالم غرفته وغرفة المحاضرة، إذ بات يفقد يوميًا أحد زملائه، فلم يعد يستغرب إذا لم يجد صديقًا له يتغيب باليومين أو أكثر، إذ يعلم بوفاة أصدقائه من عائلته، بالإضافة إلى أن المسكن الذى يقيم به رشاد كان يسكن به ما يقرب من 10 طلاب، وبات حاليًا يضم 3 طلاب فقط ينتظرون الموت فى أى وقت، ويسمعون طلقات الرصاص بالجامعة وبالطريق وبالمنزل، وبالتالى حياتنا أصبحت عبارة على انتظار الموت.
رئيس جامعة سيناء
وعلق على هذا الوضع، رئيس جامعة سيناء الدكتور حاتم اللبك، قائلًا لـ«الزمان»، إن الجامعة حاليًا تضم 8 كليات ونسعى لفتح كلية الطب البشرى وأسنان، ودائمًا أتحدث مع الطلاب بأن هذا الوضع لن يدوم كثيرًا، والجيش المصرى سوف يعيد الأمن والاستقرار بسيناء مثلما كانت، وهذه الفترة عصيبة على الجميع سواء للطلاب أو أهاليهم أو المدرسين وجميع العاملين بالجامعة.