جريدة الزمان

مقال رئيس التحرير

إلهــام شرشر تكتب: الإسلام دين الفطرة «الحزن فى ميزان الإسلام » 

الكاتبة الصحفية إلهام شرشر
إلهام شرشر -

انتهينا‭ ‬فى‭ ‬الحلقة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ .. ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الحرص‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬نهى‭ ‬قوم‭ ‬قارون‭ - ‬قارون‭ ‬ــ‭ ‬عن‭ ‬الفرح‭ ‬؟؟؟‭!!!‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نجيب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ .. ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يستهينون‭ ‬بما‭ ‬أولاهم‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬الحفظ‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬وفى‭ ‬ذويه‭ .. ‬والنجاح‭ ‬فى‭ ‬عمله‭ .. ‬والرقى‭ ‬فى‭ ‬مكانته‭ .. ‬والاستقرار‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النعم‮»‬‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬العد‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬للإحصاء‭ ‬طريقًا‭ .. ‬فلا‭ ‬يعبأون‭ ‬بهذه‭ ‬النعم‭ ‬ولا‭ ‬يلتفتون‭ ‬لها‭ .. ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يزدرونها‭ ‬ويحتقرونها‭ ..‬

وفى‭ ‬المقابل‭ ‬يضخم‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الحرمان‭ .. ‬من‭ ‬حظوظ‭ ‬المال‭ ‬والثروة‭ ‬ويستولى‭ ‬على‭ ‬قلبه‭ ‬الحزن‭ ‬والغم‭ .. ‬ولهؤلاء‭ ‬نقول‭ .. ‬‮«‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الاستهانة‭ ‬غمط‭ ‬للواقع‭ ‬ومتلفة‭ ‬للدين‭ ‬والدنيا‭ .. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬ينسب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬يديه‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬أو‭ ‬يحيطه‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬أو‭ ‬ينزل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يحتسب‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ .. ‬يفرح‭ ‬بالنعمة‭ ‬وينكر‭ ‬المنعم‭ ..‬

إن‭ ‬هاتين‭ ‬الحالتين‭ ‬من‭ ‬حزن‭ ‬مضيع‭ ‬للدين‭ ‬ومن‭ ‬فرح‭ ‬يحرم‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬لهما‭ ‬بعيدان‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬منهج‭ ‬الإسلام‭ ‬الصحيح‭ ‬فى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الحزن‭ ‬والفرح‭ ..‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬ندرك‭ ‬سر‭ ‬قوم‭ ‬قارون‭ ‬عن‭ ‬تحذيره‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬السلبى‭ ‬المذموم‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يؤدى‭ ‬فيه‭ ‬حق‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ .. ‬بل‭ ‬ينكر‭ ‬بالكلية‭ ..‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬المثل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصة‭ ‬قارون‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬البشرية‭ ‬فى‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ .. ‬فلقد‭ ‬تكبر‭ ‬قارون‭ ‬وتفاخر‭ ‬بزينته‭ ‬وبكثرة‭ ‬ما‭ ‬أوتى‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬وبالًا‭ ‬عليه‭ .. ‬

وفى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تنبيه‭ ‬لهذا‭ ‬المعنى‭ ‬فى‭ ‬آيات‭ ‬كثيرة‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭ :(‬وَضَرَبَ‭ ‬اللَّـهُ‭ ‬مَثَلًا‭ ‬قَريَةً‭ ‬كانَت‭ ‬آمِنَةً‭ ‬مُطمَئِنَّةً‭ ‬يَأتيها‭ ‬رِزقُها‭ ‬رَغَدًا‭ ‬مِن‭ ‬كُلِّ‭ ‬مَكانٍ‭ ‬فَكَفَرَت‭ ‬بِأَنعُمِ‭ ‬اللَّـهِ‭ ‬فَأَذاقَهَا‭ ‬اللَّـهُ‭ ‬لِباسَ‭ ‬الجوعِ‭ ‬وَالخَوفِ‭ ‬بِما‭ ‬كانوا‭ ‬يَصنَعونَ‭ ‬﴿‮١١٢‬﴾‭ (‬النحل‭) ..‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬التحصر‭ ‬على‭ ‬الماضى‭ ‬الفاشل‭ ‬والبكاء‭ ‬المجهد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬وهزائم‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬نظر‭ ‬الإسلام‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬الكفر‭ ‬بالله‭ .. ‬والسخط‭ ‬على‭ ‬قدره‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مذموم‭ ‬شرعًا‭ ‬ودينًا‭ ‬وخلقًا‭ .. ‬ففى‭ ‬المقابل‭ ‬التباهى‭ ‬بالنعم‭ ‬والتعالى‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬بها‭ ‬وعدم‭ ‬إعطاء‭ ‬حق‭ ‬الله‭ ‬فيها‭ .. ‬هو‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المذمومة‭ ‬شرعًا‭ ..‬

فلا‭ ‬الموقف‭ ‬الأول‭ ‬يستجلب‭ ‬الحزن‭ ‬ولا‭ ‬الثانى‭ ‬يستدعى‭ ‬الفرح‭ .. ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬المسلم‭ ‬إذا‭ ‬أمسه‭ ‬ضاع‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬اليوم‭ .. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬اليوم‭ ‬سوف‭ ‬يجمع‭ ‬أوراقه‭ ‬ويرحل‭ ‬فلديه‭ ‬الغد‭ .. ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحزن‭ ‬على‭ ‬الأمس‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬ولا‭ ‬يتأسف‭ ‬على‭ ‬اليوم‭ ‬فهو‭ ‬راحل‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬يحلم‭ ‬بشمس‭ ‬مشرقة‭ ‬مضيئة‭ ‬فى‭ ‬غد‭ ‬جميل‭ .. ‬فعلام‭ ‬يحزن‭ ‬إذًا‭ ‬؟؟؟‭!!!!‬

لذلك‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭: ‬لرب‭ ‬نازلة‭ ‬يضيق‭ ‬بها‭ ‬الفتى‭ ... ‬ذرعًا‭ ‬وعند‭ ‬الله‭ ‬منها‭ ‬المخرج‭ ..‬

لقد‭ ‬حل‭ ‬الإسلام‭ ‬هذا‭ ‬اللغز‭ ‬الذى‭ ‬صعب‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬استيعابه‭ ‬وإدراكه‭ ‬ووعيه‭ ‬وفهمه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ .. ‬فلم‭ ‬يجعل‭ ‬الدهر‭ ‬عونًا‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ .. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يجعل‭ ‬للنوائب‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬سندًا‭ ‬ومددا‭ ..‬

‮«‬‭ ‬عسى‭ ‬الكرب‭ ‬الذى‭ ‬أمسيت‭ ‬فيه‭ ... ‬يكون‭ ‬وراءه‭ ‬فرج‭ ‬قريب‭ ‬

فيأمن‭ ‬خائف‭ ‬ويفك‭ ‬عان‭ ... ‬ويأتى‭ ‬أهله‭ ‬النائى‭ ‬القريب‮»‬

وبهذا‭ ‬نفهم‭ ‬لماذا‭ ‬نهى‭ ‬الإسلام‭ ‬المؤمن‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭ ‬؟؟؟‭!!! .. ‬لأنه‭ ‬سبحانه‭ ‬خلق‭ ‬لنا‭ ‬عقلًا‭ ‬نفكر‭ ‬به‭ .. ‬ونقلب‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬البدائل‭ .. ‬ونختار‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬يتفق‭ ‬ومصالحنا‭ ‬ويتوافق‭ ‬مع‭ ‬منافعنا‭ ..‬

وبهذا‭ ‬جاءت‭ ‬دعوة‭ ‬الإسلام‭ ‬بضرورة‭ ‬مقاومة‭ ‬الحزن‭ ‬وعدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬للضعف‭ ‬والقهر‭ ‬فأنت‭ ‬قادر‭ ‬أيها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬تجاوزه‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬لك‭ ‬إرادة‭ ‬على‭ ‬تحدى‭ ‬الصعاب‭ ‬وتجاوز‭ ‬الأزمات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الآمال‭ ‬وبلوغ‭ ‬الأحلام‭ ‬وإلا‭ ..‬

فهل‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقتل‭ ‬أنفسنا‭ ‬حسرة‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬نقوى‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬تغييره‭ ‬؟؟؟‭!!! .. ‬ولا‭ ‬غد‭ ‬ليس‭ ‬بالإمكان‭ ‬صنيعه‭ .. ‬

إن‭ ‬شرف‭ ‬المحاولة‭ ‬تساعدك‭ ‬على‭ ‬طى‭ ‬الأحزان‭ ‬وإذابة‭ ‬الهموم‭ ‬والغموم‭ ‬فمتى‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتولد‭ ‬لدينا‭ ‬حالةمن‭ ‬الرضا‭ ‬والاكتفاء‭ ‬الذاتى‭ ‬وحسن‭ ‬استغلال‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬اليد‭ ‬من‭ ‬مهارات‭ ‬ومواهب‭ ‬وقدرات‭ ‬ونبذ‭ ‬الاتكال‭ ‬على‭ ‬الأوهام‭ .. ‬فإذا‭ ‬استطعنا‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬قفزنا‭ ‬فوق‭ ‬الأحزان‭ ‬وتجاوزناها‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬متمسكين‭ ‬بالدين‭ ‬واثقين‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ..‬

‮«‬‭ ‬الدين‭ ‬سلوى‭ ‬النفس‭ ‬فى‭ ‬آلامها‭ ... ‬وطبيبها‭ ‬من‭ ‬أدمع‭ ‬وجراح‭ ‬‮»‬

فالاستعانة‭ ‬بالله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬والتضرع‭ ‬إليه‭ ‬والاستغفار‭ ‬يذهب‭ ‬الهم‭ ‬والغم‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ (‬مَنْ‭ ‬لَزِمَ‭ ‬الِاسْتِغْفَارَ‭ ‬جَعَلَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬ضِيقٍ‭ ‬مَخْرَجًا‭ ‬،‭ ‬وَمِنْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬هَمٍّ‭ ‬فَرَجًا‭ ‬،‭ ‬وَرَزَقَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَيْثُال‭ ‬لَا‭ ‬يَحْتَسِبُ‭) .. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬الحَزن‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬به‭ ‬ومن‭ ‬الفرح‭ ‬الذى‭ ‬يرضاه‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬شكر‭ ‬النعمة‭ ‬التى‭ ‬ما‭ ‬أكثرها‭ ‬نزولًا‭ ‬بين‭ ‬يدى‭ ‬العبد‭ .. ‬

وبهذا‭ ‬يتضح‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬العواطف‭ ‬كحرصه‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬السلوك‭ ‬والأعمال‭ .. ‬فالإسلام‭ ‬ينهى‭ ‬عن‭ ‬الإسراف‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬المشاعر‭ .. ‬فلا‭ ‬يرضى‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬الحزن‭ ‬بالمؤمن‭ ‬الذى‭ ‬يخرجه‭ ‬من‭ ‬دينه‭ ‬وعقيدته‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بالاستغراق‭ ‬فى‭ ‬الفرح‭ ‬الذى‭ ‬ينسيه‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ..‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬القرآن‭ ‬حاملًا‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المتوازن‭ ‬فى‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬لِّكَيْلَا‭ ‬تَأْسَوْا‭ ‬عَلَىٰ‭ ‬مَا‭ ‬فَاتَكُمْ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَفْرَحُوا‭ ‬بِمَا‭ ‬آتَاكُم‭ ‬‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬كُلَّ‭ ‬مُخْتَالٍ‭ ‬فَخُورٍ‭) (‬الحديد‭ ‬‮٢٣‬‭ ) ..‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ .. ‬ما‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬؟؟؟‭!!!.. ‬ولماذا‭ ‬رفض‭ ‬الإسلام‭ ‬القهقهة‭ ‬؟؟؟‭!!!.. ‬

نقول‭:.. ‬لو‭ ‬تأملنا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والسنة‭ ‬النبوية‭ ‬المطهرة‭ ‬أدركنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬ذكرت‭ ‬فيهما‭ ‬كثيرًا‭ .. ‬ولكن‭ ‬بمعانى‭ ‬مختلفة‭ .. ‬وعلى‭ ‬حسب‭ ‬معناها‭ ‬يتحدد‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬منها‭ ‬شرعًا‭ ..‬

والعجيب‭ ‬فى‭ ‬شأن‭ ‬الضحك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخص‭ ‬فى‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬البشر‭ ‬فحسب‭ .. ‬وإنما‭ ‬قد‭ ‬يضحك‭ ‬السحاب‭ ‬هكذا‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬الحديث‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: (‬يبعث‭ ‬الله‭ ‬السحاب‭ ‬فيضحك‭ ‬أحسن‭ ‬الضحك‭ ‬جعل‭ ‬نجلاءه‭ ‬عن‭ ‬البرق‭ ‬ضحكًا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاستعارة‭ ‬والمجاز‭ .. ‬كما‭ ‬يفتر‭ ‬الضاحك‭ ‬عن‭ ‬الثغر‭ .. ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬تضحك‭ .. ‬وضحكها‭ ‬يكون‭ ‬بخروج‭ ‬النبات‭ ‬والزهر‭ ‬منها‭ ..‬

والعجيب‭ ‬فى‭ ‬شأن‭ ‬الضحك‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬التى‭ ‬تشترك‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬اللغات‭ .. ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يعد‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬شكلًا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬الصريح‭ ‬عن‭ ‬المرح‭ ‬وعن‭ ‬مشاعر‭ ‬أخرى‭ ‬أحيانًا‭ .. ‬وهو‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬يمثل‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬طبيعى‭ ‬للإنسان‭ ‬السليم‭ .. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وسيلة‭ ‬دفاع‭ ‬ضد‭ ‬مواقف‭ ‬الخوف‭ ‬العفوية‭ ‬‭..‬

ولا‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬التعاطف‭ ‬والتفاهم‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬ووسيلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإنسانى‭ .‬‭. ‬وبالضحك‭ ‬تتحرك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عضلات‭ ‬الوجه‭ ‬التى‭ ‬تبلغ‭ ‬‮١٧‬‭ ‬عضلة‭ .. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثمانين‭ ‬عضلةً‭ ‬فى‭ ‬الجسم‭ ‬بأكمله‭ ‬تتحرك‭ ‬مع‭ ‬الضحك‭ .. ‬وتزداد‭ ‬معها‭ ‬سرعة‭ ‬التنفس‭ .. ‬

ولقد‭ ‬ورد‭ ‬الضحك‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬بمعان‭ ‬ودلالات‭ ‬مختلفة‭ .. ‬فقد‭ ‬يوحى‭ ‬بمعنى‭ ‬السخرية‭ ‬والاستهزاء‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ : (‬فَليَضحَكوا‭ ‬قَليلًا‭ ‬وَليَبكوا‭ ‬كَثيرًا‭ ‬جَزاءً‭ ‬بِما‭ ‬كانوا‭ ‬يَكسِبونَ‭) (‬التوبة‭ ‬‮٨٢‬‭) .. ‬

ونلاحظ‭ ‬فى‭ ‬الآية‭ ‬أنها‭ ‬تكشف‭ ‬الدافع‭ ‬وراء‭ ‬ضحك‭ ‬الكفار‭ ‬وهو‭ ‬السخرية‭ ‬والاستهزاء‭ ‬المنطلق‭ ‬من‭ ‬الجهل‭ ‬والاستعلاء‭ ‬والاستكبار‭ ‬والعناد‭ .. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬عواقبه‭ ‬وخيمه‭ .. ‬كما‭ ‬هددهم‭ ‬بذلك‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ..‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬الضحك‭ ‬شعورا‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬والفلاح‭ .. ‬قال‭ ‬تعالى‭ :(‬‮ ‬فَالْيَوْمَ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬مِنَ‭ ‬الْكُفَّارِ‭ ‬يَضْحَكُونَ‭) .. ‬حقًا‭ ‬إن‭ ‬المؤمن‭ ‬ليجد‭ ‬ما‭ ‬وعده‭ ‬الله‭ ‬حقًا‭ ‬وصدقًا‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‭ ‬أم‭ ‬الآخرة‭ .. ‬فيكون‭ ‬سببًا‭ ‬يدعوه‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ .. ‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬الضحك‭ ‬إحساس‭ ‬يملى‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬نتيجة‭ ‬النعم‭ ‬التى‭ ‬يخصه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬ويميزه‭ ‬دون‭ ‬سواه‭ .. ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ضحك‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ :(‬فَتَبَسَّمَ‭ ‬ضَاحِكًا‭ ‬مِّن‭ ‬قَوْلِهَا‭ ‬وَقَالَ‭ ‬رَبِّ‭ ‬أَوْزِعْنِى‭ ‬أَنْ‭ ‬أَشْكُرَ‭ ‬نِعْمَتَكَ‭ ‬الَّتِى‭ ‬أَنْعَمْتَ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬وَعَلَى‭ ‬وَالِدَيَّ‭ ‬وَأَنْ‭ ‬أَعْمَلَ‭ ‬صَالِحًا‭ ‬تَرْضَاهُ‭ ‬وَأَدْخِلْنِى‭ ‬بِرَحْمَتِكَ‭ ‬فِى‭ ‬عِبَادِكَ‭ ‬الصَّالِحِينَ‭) (‬النمل‭ ‬‮١٧‬‭) ..‬

كما‭ ‬ورد‭ ‬الضحك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التعجب‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ .. ‬على‭ ‬نحو‭ ‬امرأة‭ ‬إبراهيم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ .. ‬

كما‭ ‬ورد‭ ‬الضحك‭ ‬بمعنى‭ ‬الاستبشار‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ضحك‭ ‬المؤمنين‭ ‬ذوى‭ ‬الوجوه‭ ‬المسفرة‭ ‬الضاحكة‭ ‬المستبشرة‭ ‬استبشارًا‭ ‬ورضًا‭ ‬بنعيم‭ ‬الله‭ ‬وجزيل‭ ‬عطائه‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ :(‬وُجُوهٌ‭ ‬يَوْمَئِذٍ‭ ‬مُّسْفِرَةٌ‮ ‬﴿‮٣٨‬﴾‮ ‬ضَاحِكَةٌ‭ ‬مُّسْتَبْشِرَةٌ‮ ‬﴿‮٣٩‬﴾‭)(‬عبس‭ ) ..‬

كما‭ ‬ورد‭ ‬الضحك‭ ‬بمعانٍ‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ .. ‬وإذا‭ ‬تأملنا‭ ‬حياة‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ندرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أنه‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬عُرف‭ ‬بالبِشر‭ ‬والابتسام‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬الغضب‭ .. ‬لذلك‭ ‬روى‭ ‬عنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬كان‭ ‬يضحك‭ ‬ويبتسم‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬نواجذه‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬يستحث‭ ‬أصحابه‭ ‬وأمته‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬بسط‭ ‬الوجه‭ ‬الذى‭ ‬اعتبره‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬المسلم‭ ‬التى‭ ‬يعرف‭ ‬بها‭ .. ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬إنكم‭ ‬لن‭ ‬تسعوا‭ ‬الناس‭ ‬بأموالكم،‭ ‬فليسعهم‭ ‬منكم‭ ‬بسط‭ ‬الوجه‭ ‬وحسن‭ ‬الخلق‮»‬‭ .. ‬وفى‭ ‬الحديث‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حاجة‭ ‬الناس‭ ‬الأدبية‭ ‬والمعنوية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬حاجتهم‭ ‬المادية‭ ‬بل‭ ‬بتزيد‭ ‬بكثير‭ .. ‬

لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬يبتسم‭ ‬النبى‭ ‬مع‭ ‬أصحابه‭ ‬ويلاطفهم‭ .. ‬ويستجيب‭ ‬مع‭ ‬طرائفهم‭ .. ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬عليه‭:‬‮«‬‭ ‬روحوا‭ ‬عن‭ ‬القلوب‭ ‬ساعة‭ ‬فساعة،‭ ‬فإن‭ ‬القلوب‭ ‬إذا‭ ‬كلَّت‭ ‬عميت‮»‬‭ .. ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يلقى‭ ‬أحد‭ ‬أصحابه‭ ‬إلا‭ ‬تبسم‭ ‬فى‭ ‬وجهه‭ .. ‬فعن‭ ‬جرير‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ما‭ ‬حجبنى‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ولا‭ ‬رآنى‭ ‬إلا‭ ‬تبسم‭ ‬فى‭ ‬وجهى‮»‬‭.. ‬

ولقد‭ ‬وصفت‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬القريبة‭ ‬منه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والمحببة‭ ‬عنده‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ .. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بسَّمًا‮«‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يكثر‭ ‬من‭ ‬التبسم‭ ..‬

ولو‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نتتبع‭ ‬توجيهات‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬لأعيتنا‭ ‬الأدلة‭ ‬التى‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬مشروعية‭ ‬التبسم‭ .. ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬التوجيهات‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬النبى‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الصحابة‭ ‬إليها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬إسداء‭ ‬المعروف‭ ‬للغير‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬نظر‭ ‬صاحبه‭ ‬يعد‭ ‬أمرًا‭ ‬بسيطًا‭ .. ‬فالمعروف‭ ‬بنوعيه‭ ‬المادى‭ ‬والأدبى‭ ‬يقويان‭ ‬العلاقات‭ .. ‬ويزيلان‭ ‬الهموم‭ ‬والمنغصات‭ .. ‬ويفتحان‭ ‬الباب‭ ‬للتعاون‭ ‬والتكاتف‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ .. ‬يقول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ :‬‮«‬لا‭ ‬تحقرن‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬شيئًا،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬أخاك‭ ‬بوجه‭ ‬طلق‮»‬‭ .. ‬

وذلك‭ ‬أن‭ ‬تبسمك‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬أخيك‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬القربات‭ ‬التى‭ ‬يتقرب‭ ‬بها‭ ‬العبد‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ .. ‬وكاد‭ ‬التبسم‭ ‬يكون‭ ‬شعيرة‭ ‬من‭ ‬شعائر‭ ‬الإسلام‭ .. ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ :‬‮«‬تبسمك‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬أخيك‭ ‬صدقة‮»‬‭ ..‬

لعل‭ ‬عناية‭ ‬الإسلام‭ ‬بترقيق‭ ‬القلوب‭ ‬والتأليف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬يكشف‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬حرص‭ ‬الإسلام‭ ‬البالغ‭ ‬على‭ ‬احتفاظ‭ ‬الإنسان‭ ‬بإنسانيته‭ ‬والسمو‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬بكرامته‭ .. ‬ويتفق‭ ‬مع‭ ‬مكانته‭ .. ‬ويتوافق‭ ‬مع‭ ‬شريعته‭ ..‬

حقًا‭ ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬لدين‭ ‬الفطرة‭ ..‬

وللحديث‭ ‬بقية‭ .. ‬