جريدة الزمان

تقارير

«الزمان» داخل العالم السري لسكان الجبال

هاني عبد السلام -

العربان يسكنون المناطق المرتفعة

«الزمان» تكشف عن العالم السرى لسكان الجبال

«اللبة» خبزهم الاساسى فى الأكلات.. وأفراحهم تستمر 14 يوما والدخلة ليلة البدر

منازل هندسية من جريد النخل وقش الأرز.. الرايات البيضاء طقوس تستمر طوال شهر الزواج

منذ بدء التاريخ والإنسان يبحث عن الحداثة والتطور والعيش فى الأماكن المأهولة التى توفر له حياة أكثر رفاهية وعلى الرغم من الحداثة والتطور الذى وصل إليه العالم وصعوده للفضاء، لا تزال بعض الفئات حتى يومنا هذا تحتفظ بعاداتها وتقاليدها وبيئتها الخاصة منذ قرون، إحدى هذه الفئات التى تنتشر فى كل بلدان العالم، تتباين سماتها وظروفها ودوافعها وتركيباتها هم «سكان الجبل» تلك الفئة المتواجدة بمناطق عدة بجمهورية مصر العربية، وقررنا الغوص فى تفاصيل هذا العالم بصحراء محافظتى الشرقية والإسماعيلية حيث يقطن العديد من قبائل سكان الجبل منها قبيلة الحويطات والأحيوات والترابين وهى قبائل وافدة منذ سنوات عديدة مقارنة بالقبائل التى كانت تسكن الجبل قديما ومنها «العيايدة والمعازة والمساعيد والسواركة وبلى» وهى قبائل قديمة انتقل معظمها إلى الريف وبقى منها نسب قليلة جدا فى الجبل، فيما تستوطن القبائل الجديدة الجبل بشكل أكبر، بعضهم أتى من سيناء وبعضهم من محافظات أخرى وبعضهم تعود أصوله إلى شبه الجزيرة العربية، أما النسبة الأكبر فإنها ولدت منذ عشرات السنين فى الجبل.

عدة ساعات قضيناها برفقة سكان الجبل فى الصحراء الواقعة بين محافظة الإسماعيلية والشرقية للتعرف على تفاصيل هذا العالم المجهول الذى يخشاه الكثير من المواطنين وتصدر عنه صورة ذهنية تبدو غير جيدة دائما.

بيوت من القش وجريد النخل والخشب هى بالكاد عشش بدائية وفراش من زعف النخيل، زى بدوى يرتديه الكبار بينما يرتدى الصغار «الترنج» أو الزى البدوى ذاته، نساء منتقبات، ومواقد للنار وماشية وجمال وخيل هذا هو المشهد الذى لم نستطع نقله كاملا بالكاميرا نظرا لرفضهم التصوير، إلا أن الرفيق كان على علاقة قوية بهم فسمح لنا بالتصوير من بعيد وبعض الشباب دون أن تظهر وجوههم.

يبدأون يومهم مبكرا منذ طلوع الشمس يرعون أغنامهم ويحلبون الإبل والماشية، هكذا أكد الشيخ أحمد عبدالله، والذى أوضح لنا أن الطبيعة الصحراوية تفرض هذا الأمر كون الشمس تيقظ أى نائم منذ الصباح الباكر، حين تسلط أشعتها الثاقبة على العشش التى تتأثر سريعا بالحرارة فتكون منبها طبيعيا يجبر النائم على الاستيقاظ، ويقتصر عملهم على رعى الأغنام والجمال ورعاية الأشجار التى يزرعونها على المياه الجوفية.

يضيف أحمد أن الحياة هناك قاسية تشبه قسوة حرارة الرمال فى عز الصيف إلا أنهم اعتادوها هذا ما لاحظناه خلال الساعات التى قضيناها معا، فالأطفال الصغار لا يخشون السير فى الظلام الدامس ولم يخشوا أيضا السير فى متعرجات الجبل نهار، بدوا وكأن كل منهم دليل ماهر يعرف دروب الصحراء بل ويسخرها طوعه كما شاء، حتى النساء التى لم نلاحظهن سوى من بعيد كانت على ذات الدرجة يقمن بطهى الأكل وحلب الماشية والنوم فى تلك العشش دون أى شعور بالخوف.

الأطفال يعرفون جيدا متى يخرجون بالماشية ومتى يعودون يتمتمون بكلمات لم تكن مفهومة أدركنا بعد ذلك إنها لغتهم الخاصة بهم، كذلك النساء يساعدن الأطفال فى مهامهم فيما يقوم الرجال بالمهام الأصعب وهى الذهاب إلى المناطق التى يزرعون بها أشجار الفاكهة ومن ثم يأتون بمتطلبات الأسرة من القرى البعيدة عنهم.

ساعات الليل لم تكن طويلة بالجلوس وسط عدد كبير من الرجال والأطفال إذ لا تنقطع القهوة العربى ذات المذاق الخاص والتى تطحن يدويا على يد سكان الجبل ويتم عملها بطريقة مختلفة تماما إذ تغلى مثل الشاى على الفحم أو الحطب فضلا عن أنها تغلى أكثر من مرة، وكذلك الشاى الذى لا ينقطع، فلا يحضر أحد الرجال إلا وصب له الشاى فورا إضافة إلى الشيشة التى تصاحبها قطع الحشيش فى بعض الأوقات، والتى أوضح بعض الشباب أنها صارت من متلازمات العيش فى الجبل.

على الرغم من بدائية المنازل التى تصنع من الأخشاب وزعف النخل والخوص إلا أنهم يراعون أشياء تبدو هندسية حسب ما أخبرنا محمد العربى والذى أوضح أنه نظرا للطبيعة الجبلية يراعى عدة أشياء فى تصميم العشش وهى أن تكون أبوابها فى الشتاء تجاه الشمس بحيث تكسبها الشمس بعضا من الدفء للتغلب على برودة الجو فيما توضع قطع البلاستيك المفرودة على العشش لحمياتها من الأمطار على أن ينزل المطر بجانب العشة وتمتص الأرض الرملية كافة المياه.

فيما تفتح أبواب العشش فى الصيف عكس اتجاه الشمس شمالا باتجاه التيار الهوائى وتزال الأغطية  البلاستيكية ويضع بدل منها قش الأرز ويرش عليه الماء حتى يجعل داخل العشة باردا ليل نهار، ويعتمدون فى الإنارة على اللمبة الجاز أو على النار التى تقاد طوال الليل.      

الأكلات:

لهم طقوس وعادات مستقلة فيما يتعلق بالطعام، إذ إن أكلاتهم تبدو مستقلة أيضا، فيعتمدون بنسبة تصل إلى 80% على الفتة والتى تقام بها كافة الوجبات حيث يتم عمل جميع أنواع  الخضار بالفتة إضافة إلى فتة اللحمة، كما أنهم يعتمدون بنسبة كبيرة على لبن الإبل ولحوم الماعز، أما فيما يتعلق بالخبز فإن لهم طريقة مختلفة تماما فى الخبز فيتم عجن الدقيق داخل أى إناء بلاستيكى ويتم تقطيعه على شكل دائرى شبه الفطير لكنه أكثر سُمكا وتشعل النار حتى تصل لدرجة تكاد تنصهر، ثم تزاح من على السطح ويوضع الرغيف ومن ثم يغطى بالنار حتى يستوى ومن الملفت اعتمادهم على نظرية الساخن والبارد لا يلتصقان حيث لا يلتصق سطح التربة بالرغيف لأنه يكون باردا عند وضعه وبعد إخراج الرغيف يتم تنظيفه بسهولة ويتم تناوله، كما يسوى بطريقة أخرى على صاج مفرود أو داخل فرن بدائى صغير أيضا.

على عكس الطقوس المعتدة  فى المدن التى تشابهت إلى حد كبير، بدت تقاليدهم مختلفة ومدهشة حسب ما عرفناها من عدد من الشباب والمشايخ الذين تحدثنا إليهم خلال جلسة الليل.

تقاليد وأعراف معظم القبائل البدوية نادرا ما يتزوج أبناء الجبل من خارج القبيلة، فلا الفتيات يتزوجن من شباب المدينة ولا الشباب يتزوجون من فتيات المدينة إلا بنسبة 1% حسب ما أوضح الشيخ على أحمد، والذى أوضح لنا أن طقوس الزواج تبدأ من اليوم الأول من الشهر العربى وتستمر حتى منتصف الشهر حتى يقام الزفاف يوم أن يكون القمر بدرا، وطوال الـ14 يوما تقام حفلات ما تسمى بـ«الدحية» وهى حلقات الغناء والحجل «الرقص» ويجتمع شباب الجبل فى شكل دائرة تصاحبهم سيدة منتقبة ترقص وسط الدائرة على أنغام الغناء البدوى، كما يصاحب ذلك المشهد وضع «الرايات البيض» على العشش طوال تلك المدة، ويبدأ المهر من 10 آلاف جنيه فصاعدا، ولا تتكلف الفتاة أية متطلبات أو لوازم، ويتكفل العريس بكافة متطلباتها وعادة ما تكون الدخلة فى عشة جديدة، أما فيما يتعلق بأنواع الهدايا فقد أخبرنا الشاب أحمد عمر بأن من يريد أن يهادى العريس فيأتى له بخروف ثمين فضلا عن أجولة الأرز والسكر، موضحا أن الجلسات التى تسبق العرس يتلقى فيها العريس الهدايا، وكذلك أول يوم بعد الزواج وتقام الأفراح ليلة منتصف الشهر على أنغام الطبل والرقص البدوى فقط دون اصطحاب أى أغانٍ من المدينة.

حلقات العريس على مدار منتصف الشهر تقابلها أيضا جلسات للفتيات لدى العروسة وتقام ذات الطقوس المتعلقة بالطبل والرقص إلا أنها لا تتلقى الهدايا مثل العريس، بل يمكن أن تتلقى هدايا خاصة بمتعلقات الفتاة مثل المكياج وأدوات التجميل التى غالبا ما تستعملها أيام العرس فقط، وفى نهار العرس تنحر الذبائح وتعد الحلوى التى لم تكن تعد فى السابق، ويتم عمل فتة اللحم وكذلك أنواع من الطيور للعريس فقط.

الأطفال والمدارس

البيئة الجبلية وطبيعتها دائما ما تحول دون تعليم الأطفال إذ لا يذهب أطفال سكان الجبل إلى المدارس، فقط يمتهنون مهنة آبائهم وهى رعاية الإبل والأغنام والزراعة، ومن ثم يصبحون منعزلين تماما عما يدور من أحداث أو أى تطور يطرأ على المجتمع، ويتمسكون بلغتهم البدوية وزيهم وعاداتهم كما هى منذ عشرات السنين نتيجة عدم اختلاطهم بالبيئة المدنية، وهناك نسبة قليلة تركت الجبل واستوطنت بعض القرى فذهب أطفالهم إلى المدارس وتغير حالهم بعض الشيء.