جريدة الزمان

سماء عربية

قصة قصيرة: ذكر البط

العدد الورقي -


حمدى البطران

طلبت منى زوجتى أن أمسك معها رقبة ذكر البط الذى تنوى ذبحه، وقتها كنت أكتب على اللاب توب.

سألتها: لماذا؟.. قالت: سنذبحه.

لم أشأ أن أذكر أمامها، أننى لا أجيد الذبح، وما عدت أطيق الدماء ولا السكين، منذ أن تقاعدت عن العمل الشرطى واحترفت الكتابة، قبلها كنا نعاين الجثث، ونذكر أوصافها، وملابسها وأماكن الإصابات، ونحن نشرب المرطبات.

خفت أن تشعر زوجتى بأننى لست الرجل الذى كان، وقلت لها إن تنتظر لحظات حتى أغلق الجهاز.

أغلقته ببطء شديد، وفى ذهنى ذكر البط الذى سيذبح.

قدماه مربوطتان، ومنقاره العريض ممدد أمامه، كان يجلس ساكنًا، ومن آن لآخر يفح ريشه الأسود، تتخلله شعيرات لامعة من الزغب الأزرق والأصفر، وله عرف أحمر مضرج بالدماء القانية، دليل ذكورته المتأججة، التى كانت تفح وسط أناث البط البدينات والجميلات.

كانت زوجتى تسن السكين مبتهجة، بنوع من خاص من الابتهاج، ربما لذبح ذكر، وكانت تمرر السكين بشغف، على مسن أحضرته لها من القاهرة، يجعلها حادة كالموسى، ثم بدأت باختبار سنها على ورقة مقواه، شطرتها على التو، ثم جهزت إناء كبير.

جلسنا القرفصاء معًا - أنا وهى - متواجهين، ناولتنى السكين، أمسكت هى جناجى الذكر، ثم طوتهما ووضعتهما تحت شبشبها، وأمسكت بيدها الأخرى رجليه، وبيدها اليمنى أمسكت رقبته تحت رأسه، وأشارت إلى باقى الرقبة، وقالت: امسك هنا.. كانت السكين فى يدى.

فى تلك اللحظة انتابنى نوع غامض من الرعب، ولم أنتبه إلى قولها بثبات وحزم: قل بسم الله وكبر واذبح.

قلت بسم الله وأكبر، وتراخت السكين فى يدى، فلم تنزل بنصلها الحاد على رقبة ذكر البط المسكين، الذى استسلم وأيقن أن مصيره قد حان، واستكان تمامًا.

كانت يدى تهتز بطريقة لم أعهدها من قبل.

واجهتنى زوجتى بنظرة غضب، لم أرها من قبل ولم أعهدها منها قط، منذ أكثر من ثلاثين عامًا، هى عمر زواجنا، خيّل إلى أنها ليست هى، وربما تخيلت أنها كائن آخر.

تناولت منى السكين بحدة، وهيمن على رعب هائل، ربما من طريقتها فى سحب السكين يدى، أو الطريقة التى واجهتنى بها، وفوضت أمرى لله مستسلمًا كذكر البط.

قالت بحدة: امسك من هنا.

ورأيتها تهوى على رقبة الذكر بالسكين، بقسوة لا نظير لها، ثم توقفت قبل أن تنفصل الرأس عن الرقبة، ثم حررت جسده من تحت شبشبها، ورمته فى الإناء الكبير، ووضعت عليه غطاء، وسمعت حركة ذكر البط، وهو يتخبط فى النزع الأخير، يحاول أن يعود إلى الحياة أو يستنكر ما حدث.. وبعدها عم السكون.

رمقتنى زوجتى بنظرة فاحصة وقاسية فى آن واحد، وقتها تمنيت لو ابتعلتنى الأرض أو مت، أو حتى ذبحت مثل ذكر البط، ولعنت اليوم الذى ولدت فيه، واليوم الذى تخرجت فيه ضابطًا، واليوم الذى تقاعدت فيه.

وابتعدت عنها.