جريدة الزمان

تقارير

رجال اللحظات الحاسمة.. هذه يد يحبها الله ورسوله

محمود عبدالحميد-عبدالفتاح أبوريشة-سارة البكري-حامد محمد- سمية عبدالفتاح-هبة يحيى-شروق محمد-محمد فؤاد- -

«خير الناس أنفعهم للناس»

رجال اللحظات الحاسمة.. هذه يد يحبها الله ورسوله

صرخة بطل منسى: «اذكرنى عند ربك»

خدمات جليلة.. ومهام سامية.. ومطالب مشروعة.. وتقدير غائب

المُسعف مُنقذ الآخرين يحتاج إلى من ينقذه

عامل المزلقان «رجل بمنظومة»

الكنَاس: نئن فى صمت.. ومُسلّك المجارى: للضرورة أحكام

يقول الروائى العالمى تك بيزولاتو فى روايته «السبعة الرائعون» إن «هناك الكثير من رجال الظل فى مختلف المجتمعات المتقدمة منها والنامية على حد سواء يقومون بمهام عظيمة ويقدمون خدمات جليلة للمجتمع، بصرف النظر عن مناصبهم ووظائفهم أو حتى مستوى تعليمهم»، فهؤلاء أشخاص لم تُتح لهم الظروف أن ينالوا مكانةً مرموقة فى المجتمع، ومع ذلك يقومون بأمور أهم من غيرهم بكثير تتوقف حياة الآخرين ومن ثم مجتمعاتهم على دورهم، مثل رجل الإسعاف الذى يسخر حياته من أجل إنقاذ حياة الآخرين، ورجل المطافئ الذى قد يفقد حياته فى لحظة ليس سوى لإنقاذ أرواح المئات من البشر، ورجل المرور الذى يظل واقفًا على قدميه بالساعات، ويصاب بالأمراض.

«الزمان» ترصد قصص إنسانية وأعمال بطولية للعاملين فى الظل، وتستعرض معاناتهم وأوجاعهم، وتطرق أبواب المسؤولين والمعنيين فى سبيل الوصول توفير مظلة حماية كاملة لهم.

رجل الإسعاف.. ومهمة إنقاذ الإنسان

لا تبنى البلاد على الأموال وحدها دون السواعد التى تدير هذه الأموال، والسواعد التى تحميها، والسواعد التى تحمى حياة من يحميها، فحياة الفرد تأتى فى المقدمة، ومن تلك المهام التى تعنى بحياة الأفراد هى مهنة عامل الإسعاف، فقد تقف اللحظات الأخيرة من حياة الفرد على إنقاذ عامل الإسعاف، وقد تقف حياة أسرة بأكملها على أفراد الإسعاف، إذ يرى أفراد الإسعاف من الأهوال ما يرون لكن «كل ميسر لما خلق له».

وقال أحد أفراد الإسعاف فى إحدى المستشفيات الحكومية الكبرى، إن الحالات التى نراها تكون صعبة للغاية، فأحيانًا نرى الجثث وتكون متحللة بعد أن ظلت عدة أيام دون أن يصل إليها أحد، كما أن الأسر التى تلجأ لطلب الإسعاف فبالتأكيد تكون تلك الحالة طارئة لذا نواجه صعوبة أيضًا فى التعامل معهم، فإلى جانب ضغط العمل فى التعامل مع الحالة الطارئة نفسها يكون هناك ضغط آخر، وهو التعامل مع الأفراد الموجودين حول تلك الحالة.

وأضاف هناك صعوبات تواجهنا خلال نقل الحالات، فأحيانًا يكون المصاب حجمه ثقيل فنجد صعوبة فى حمله، كما أنه عند نقل الحالات للمستشفى تكون السلالم ضيقة فى بعض المستشفيات فنواجه مشكلة أثناء حمل الحالة لغرفة الطوارئ.

وأوضح سائق آخر أن هناك صعوبة نواجهها أثناء الذهاب من أجل إنقاذ إحدى الحالات، وفى الطريق نفسه نواجه صعوبة ليس لازدحام بعض الطرق فقط لكن لأنك تريد الحفاظ على الحالة المريضة.

وليس عمال الإسعاف فقط الذين حملوا على عاتقهم إنقاذ حياة الأفراد، فهناك عمال الإنقاذ النهرى، الذين ينقذون الغرقى معرضين أنفسهم للخطر، فهناك من يهب حياته للموت في سبيل إنقاذ شخص، كذلك فى الحوادث الكبرى كغرق سيارات كبرى، وكانت أصعب المشاهد على أحد عمال الإنقاذ منظر جثث الأطفال الطافية على سطح الماء، وكذلك الاستمرار لعدة أيام فى الماء للبحث عن المفقودين.

عامل المزلقان.. رجل بمنظومة

جرس الإنذار يضرب فإذا بهم يركضون لغلق معدية مزلقان القطار، حفاظا على أرواح المئات من العامة، جنود متخفيون.. بشر فى ثوب ملائكة، يعملون إثنا عشرة ساعة دون كلل أو ملل، أعينهم لا تكسرها أشعة شمس حارقة تصيب بالدوى أو الدوران، إنهم عمال مزلقان قطارات السكة الحديد.

وفى معايشة يومية على قضبان السكك الحديدية، ترصد «الزمان»، قصة لـ3 أبطال يعرضون حياتهم للخطر فداءً لحماية عامة الشعب المصرى، ويقسمون أنفسهم كالجيش فى المعارك الكبرى، قلب وجناحين.

المحطة الأولى بداية الرحلة

تبدأ رحلتنا مع العم محمد صبرى، الجناح الأيمن، الذى يغلق المزلقان من الناحية اليمنى، ويقف عليها محذرا الأشخاص من العبور، متأهبا لمواجهة المخاطر، وسنّه 55 عاما، قضى نصف عمره تقريبا، يستيقظ من الساعة 3.5 فجرا ليستقل قطارا يوصله إلى محل لقمة عيشه، نظرا لأنه يقطن فى محافظة الشرقية ومقر عمله بالقليوبية، فيظل متأهبا للمواقف الطارئة خلال فترة عمله من الساعة الـ7 صباحا حتى السابعة والنصف مساء.

وقال صبرى، لـ«الزمان»: «هناك مواقف طارئة كثيرا تقابلنا تجعل قلوبنا تفجع، فمثلا حينما ينتهى عبور القطار ويبدأ العامة فى السير للبر الثانى، وإذا بجرس الإنذار يبدأ فجأة، والعربات والناس على قضيب المزلقان، لكننا بحول الله وقوته نستطيع إحكام الموقف والسيطرة، دون وقوع أى خسائر بفضل الله».

«قلب المزلقان» للمواطنين رمز الأمان

ونصل فى قطار رحلتنا إلى محطة «قلب المزلقان»، مع العم محمد إبراهيم، البالغ من العمر 50 عاما، قضى منه عشرين عاما، واقفا فى منتصف منطقة العبور، لإنقاذ أرواح العديد من المتهورين من الناس، قائلا: «غرائب يومية نشاهدها تسبب بها العامة، بسبب عدم التزامهم بالإشارة، فنرى من يعبر والجرس يعطى الإنذار، وهناك من يجرى وراء القطار وكأن روحه ستطلع إلى بارئها إذا لم يلحق به وفى هذا خطر عليه يمكن لا قدر الله أن يندهس أسفل منه».

وتابع إبراهيم، لـ«الزمان»: «أستيقظ فى الخامسة والنصف فجرا، لقضاء صلاتى ومن بعدها أنطلق لعملى، وأركب القطار من محطة شبين القناطر لأصل إلى مركز قليوب - محل عمله- وأستلم ورديتين بالمزلقان، وتختلف من يوم لآخر تارة نستلمها نهارا وباليوم التالى نستلمها ليلا».

وتنتهى رحلتنا مع مخاطر المزلقان مع العم سلامة إمام السيد، القاطن بعرب النجدى بمحافظة القليوبية، يبلغ من العمر 55 عاما، قضى منها 30 سنة يخدم بهيئة السكك الحديدية، موضحا: «أصل لعملى وأمضى بدفتر الحضور وأستلم مهامى، وعندما يرن جرس الإنذار الأوتوماتيكى نهرول لإغلاق فتحات المزلقان».

وأكد سلامة أنه «لا يمكن فى وجودنا أن يتعرض شخص للخطأ، فالأجهزة الإلكترونية لدى السكك الحديدية تعطينا الإنذار بقدوم القطار».

وأضاف لـ«الزمان» أن هناك ما يسمى بمفتاح الطوارئ، وهو الحل الأمثل لتفادى الكوارث، فمثلا إذا تعطلت سيارة عند عبورها والقطار مقبل، فنضغط على ذلك المفتاح فتوقف عربات القطار، بواسطة إشارات يتم إرسالها بلوحة التحكم أو الإشارة أو بما يسمى السنافور».

مطالب عمال السكك الحديدية

«تروح فين الشمس من على قفا عامل المزلقان»، مثلٌ باحوا به عما يجول فى صدورهم، شاكين شدة حرارة الشمس الحارقة التى يقفون فيها طوال النهار، موضحين: «مافيش إلا كشك صغير قاعدين فيه لا يسعنا ونجلس طوال النهار فى الشمس، لا قدر الله ممكن حد يجيله ضربة شمس، بالإضافة إلى أن الرواتب متدنية بقالنا خمس سنين على الحال ده مافيش زيادة خالص.. محلك سر».

واختتموا: «بنقضى 12 ساعة فى العمل وتقريبا 8 ساعات فى المواصلات، فيومنا يعتبر بيروح، يدوبك ننام ونقعد مع العيال شوية، بس كله يهون علشان ولاد بلدى».

بطلات من قوارير

فى رحلة مليئة بالمغامرات تأخذكم «الزمان» إلى واحة القناعة والرضا، والبسمة والكلمة الطيبة.. أربع نساء يعملن كعاملات نظافة فى إحدى الجامعات المصرية، سعيا لتوفير لقمة هنية لفلذات أكبادهن، فتقول بثينة صلاح: «لا بد أن يكون المكان على أكمل وجه، فيأتى الطلبة فى الصباح الباكر يجدون أماكن جلوسهم نظيفة ومرتبة، ونستمر بالتنظيف باستمرار، سواء أيام الدراسة أو الأجازة فى المدرجات، أو الطرق والشوارع بالجامعة».

المثال الحى لـ«Strong independent woman» الشابة الثلاثينية حنان طلعت، التى أوقفتها ظروف معيشتها عند التعليم فى الصف الثالث الإعدادى: «أستيقظ فى الصباح الباكر بالخامسة والنصف، للقيام بأعمالى المنزلية قبل الذهاب لعملى، ثم أحضر الفطور لأولادى جنا وعلى، فأرسل ابنتى إلى المدرسة، حيث إنها تدرس بالصف الأول الابتدائى».

وأضافت حنان لـ«الزمان» أنها «توقظ ابنها الصغير وتطعمه ثم تأخذها معها إلى محل عملها بالجامعة»، وتواصل: «أحمله طوال يوم عملى، فنثبت حضورنا بالدفتر اليومى، ونرتدى ثياب العمل، متسلحين بأسلحة النظافة الخاصة بنا - مقشة وجاروف وجوانتى ومساحة وأشياء أخرى من هذا القبيل- إلى أن ينتهى عملنا فى الثالثة عصرا».

وتابعت: «أذهب إلى المنزل لإطعام ابنتى بعد عودتها من المدرسة، وأقوم باستذكار دروسها معاه ومعاونتها بأاداء واجبتها، وأظل مستيقظة حتى الـساعة الثانية عشرة منتصف الليل، ولا بد أن أكون على أكمل وجه استعدادا لمقابلة زوجى بعد عودته من العمل».

مطالبات بسيطة

العاملات أكدن أن الرواتب متدنية، وقلن: «يتم صرف نصفها بالمواصلات، بالإضافة إلى أنه لا يوجد علينا تأمين صحى أو اجتماعى، كما إذا لو تغيبنا يوما، يتم خصم 75 جنيها لليوم فى حين أن يومنا فى العمل يقابله ماديا 40 جنيها فقط فى راتبنا».

وأوضحوا: «هناك أعمال ليست من تخصصنا نقوم بها أيضا كقص الشجر، فهذا لا بد أن يتوفر له عامل مخصوص ولكن نحن نقوم به لعدم توافر ذلك، كما أنه لا يوجد بدل وجبات يضاف للمرتب».

رجل المرور: «فطارى وغدائى وعشائى فى العمل»

ساعات طويلة يقضيها شرطى المرور تحت أشعة الشمس الحارقة تارة وبرودة الجو والأمطار من أجل تقديم خدماته للمواطنين وتنظيم حركة السير والمرور.

رجل المرور هو الجندى المجهول فى عيون الكثيرين، فهو يقوم بمهمتين لأنه مطالب بالقيام بدوره كرجل مرور فضلا عن تأمين الشارع والكشف عن المفرقعات وعناصر الإرهاب والإبلاغ عنها خاصة منذ ثورة 30 يونيو.

«الزمان» التقت أحد هؤلاء الجنود المجهولين ويدعى يوسف على الذى أكد أن رجل المرور يعمل 8 ساعات متواصلة فى الشارع دون راحة، وأضاف أن رجل المرور بعد الثورة أصبح بين نارين تنظيم حركة السير وهى مهمته الأساسية، وأيضا متابعة الحالة الأمنية لأنه فى النهاية ضابط شرطة يخشى من وجود أى تفجيرات أو متهمين جنائيين فى المكان الذى يقف فيه أثناء أداء خدمته كرجل مرور، وأصبح رجل المرور أيا كانت رتبته فى خطورة دائمة، إذ أنه يقف فى مكان معلوم لدى العناصر الإرهابية، فيكون بذلك صيدا سهلا لهم وشهدت الفترة الأخيرة عمليات إرهابية كثيرة استهدفت رجال المرور منهم العميد طارق المرجاوى والمقدم عصام العزب الذى استهدفته عناصر الإرهاب فى ميدان المحكمة.

وعن أكثر المشكلات التى تواجهه، قال: هناك فئات تغضب حتى من النصح دون العقاب، وهنا أود أن أؤكد من تجاربى كرجل مرور فى العمل الميدانى أنه إذا أردنا أن نتحكم فى العمل المرورى الميدانى فلا بد من تطبيق العقوبات بكل حزم وأدب، مبتعدين عن الحمق والتسرع فبعض الناس لا يضايقه تطبيق النظام ولكن تضايقه طريقة التطبيق التى قد تكون أحيانا مصحوبة ببعض التجريح والتأنيب، وهذا ما ترفضه وزارة الداخلية والإدارة العامة للمرور.

رجل المطافئ: أرواحنا من أجلك

رجال الحماية المدنية دائما فى سهر وطوارئ ليلا نهارا، يواجهون ظروف صعبة من أجل إنقاذ الآخرين، «الزمان» التقت أحد رجال البدلة الزرقاء أحمد محمود الذى قال إنه يعمل فى الحماية المدنية منذ ما يقرب من 15 عاما، وتابع: «رجل الحماية المدنية معك» هى الجملة التى تعودنا أن نرد بها على أى مواطن يتصل بنا، ولكن هناك أشخاص يسخرون منا ويتصلون لمجرد التسلية.

ويقص علينا أحمد قائلا إننا نسهر الليل على الرد على المكالمات التى ترد على غرف الاتصال اللا سلكى، ولا نحس بالملل حتى لو استغرق جلوسنا أمام الهاتف طوال الليل، موضحًا أنه رغم معاناته الشديدة إلا أنه لا يحس بالتعب بعد الانتهاء من عمله وشعوره بالراحة النفسية على ما قدم من واجب وطنى وإنقاذ ما استطاع إنقاذه.

وأضاف أن رجال الحماية المدنية على الرغم من أن مرتباتهم ضعيفة إلا أنهم يواجهون العديد من المشاكل، وعلى رأسها إصابة العديد منهم وتعرضهم للإهانات من بعض المواطنين، ومع ذلك يقدمون أرواحهم فى سبيل الوطن ويقومون بالسهر طوال الليل من أجل راحة المواطنين ويسقط منهم العديد من الشهداء.

واستنكر قيمة بدل الخطر الذى يأخذه كل رجال الحماية المدنية وطالب بزيادته لأنهم يقومون بدور كبير، فرجل الحماية المدنية يعتبر نفسه شهيدًا من أجل الوطن، مضيفا: أنه فى عدد من الأماكن بالقاهرة ومحافظات مصر لا توجد بها حنفيات للإطفاء، مطالبًا بتوفير عدد من حنفيات الإطفاء فى كل حى وكل شارع لمساعدة رجال الإطفاء على القيام بدورهم، كما عاتب وسائل الإعلام على إهمالها دور الحماية المدنية وتقصيرها فى إظهار المخاطر التى يتعرضون لها من أجل الوطن.

البوسطجى

لا يخفى على أحد أن مهنة البوسطجى اختفت من الشارع المصرى، بعدما كان يوميًا ينتظره الآلاف من الأهالى فى حالة من الاشتياق للطمأنينة على بعضهم بعضا خاصة أمهات المهاجرين والعاملين فى الخارج، اللاتى كن ينتظرنه أمام صندوق البوسطة ليأخذن جواب أبنائهن بفارغ الصبر، بخلاف جوابات الغرام والتعيين وفيزا السفر إلى الخارج، وكذا الجوابات التابعة للهيئات الحكومية أو المدارس.

ويسرد عم محمد أحمد الروبى رجل خمسينى يعمل ساعيا بأحد المصالح الحكومية «بوسطجى سابقًا»، قائلا: «المهنة انقرضت فى ظل التقدم التكنولوجى الحديث الذى تمر بيه البلاد، "زمان كانت الناس بتستنى البوسطجى وهو شايل جوابات الحب والغرام والنجاح والخير، ولكن دلوقتى المحمول والكمبيوتر ضيع كل الذكريات الجميلة دى واللى عايز حاجة بيبتعها فى رسالة على الموبايل».

وأضاف الروبى أن وسيلة المواصلات الأسهل لنا فى توزيع الجوابات والأظرف على صناديق المنازل كانت الدراجات أو ممارسة المشى، مشيرًا إلى أنها مهنة شاقة لما كان يقابلهم صعوبات لمعرفة أسماء العائلات فى القرى والنواجع، إذ أن الأظرف كانت تحمل الأموال فى أكثر الأحيان.

ويقول الروبى «كانت أحلى لحظات حياتى وأنا حامل نتائج الثانوية العامة، وكانت الأهالى تنتظرنى على أحر من النار لمعرفة نتائج أبنائهم ومع كل مجموع عالٍ كنت أحصل على الحلاوة»، ضاربًا لنا مثالا بقوله: «كان معايا جواب لطالب ثانوى جايب 55% أول ما أمه عرفت نزلت رقصت فى الشارع وملت الدنيا زغاريط عشان ابنها عدى من الثانوية وأخدت عشرة جنيهات إكرامًا لجلبى بشرى سارة لها»، وتذكر موقفا آخر لشاب عشرينى كان ينتظر الموافقة على طلب عمل فى الكويت وكان الجواب يحمل جواز سفر وفيزا العمل واستقبلنه استقبالا باهرا، ويتمنى عم محمد عودة أيام الزمن القديم التى تحمل الود بين الناس وتقدير المهنة.

عم عارف.. بائع النعمة

الخامسة فجرًا ينطلق جرس المنبه ليوقظه لقضاء صلاة الفجر قبل الانطلاق إلى عمله، ومن ثم يرتدى ثياب العمل ليقف بشجاعة أمام نموذج من بركان ثائر مصغر من الحرارة ليلتقط منه رغيف الخبز الذى يتقاتل من أجله العامة فيوفره لهم على قفص من العيش.

إنه عم أحمد عارف البالغ من العمر أربعة وخمسين عاما يعمل فى منطقة دار السلام ويعول ثلاثة أبناء، وعلى الرغم من الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد أبى أن ينحرف إلى مسار الشر والبلطجة، وفضل أن يخدم أبناء منطقته بدلا من أن يفعل كبعض شرزمة قليلة تتجه فكرها نحو الجماعات المتطرفة.

ويقول عارف: «يوميتى بتتراوح ما بين 20 و35 جنيه بعد مشقة يوم طويل فى الشمس، ومش عارف أعيش ولا أصرف على عيالى وملزم بدفع إيجاز 400 جنيه فى الشهر، غير مصاريف العيال»، متابعة: «الزبون دلوقتى بقى بيشترى بأقصى حاجة 5 جنيه بعد ما كان بيشترى بـ10 جنيه وبـ15 جنيه، والعيش أبو شلن غلى وبقى بربع ونصف جنيه وكل حاجة قل خيرها».

وأشار عم عارف إلى أنه يعمل ليلا فى أحد المطاعم فى منطقة وسط البلد من أجل توفير قوت يومه وأولاده الصغار الذين تتراوح مصارفهم الشخصية ما بين 10 و20 جنيها يوميًا بخلاف الأدوات المدرسية ومصاريف الدروس الخصوصية التى أصبحت كالمهل الذى يشربه يوميًا مضطرًا، موضحًا أنه يسعى لتعليم أولاده حتى يحصلون على شهادات جامعية ويتمكنون من الحصول على وظائف مناسبة تكفى متطلبات المعيشة الصعبة حتى ينجون بأنفسهم من الهلاك الذى فرض عليه.

 ويقول: «نفسى الأسعار تنخفض شوية عشان الناس ترجع تشترى تانى وأنا أعرف أسترزق، فكل الأسعار ارتفعت بشكل مبالغ فيه، وكنا بنجيب اللفة بتاعة العيش الـ10 أرغفة بـ20 جنيه دلوقتى بنجيبها بـ25 جنيه، مبقاش فيه خير».

وفى مشهد آخر مرتبط بالحضارة الفرعونية، يستغيث مراقبو الأمن وحراس المواقع الأثرية بالوادى الجديد للمطالبة بتوفير مكان لائق وآمن ليستطيعوا القيام بواجبهم.

يقول محمود سالم حارس أحد المواقع الأثرية بالوادى الجديد: «لا توجد إنارة ولا أسقف لغرفاتنا بالإضافة إلى أن جدران هذه الحجرات بها شقوق وشروخ عميقة تحوى بداخلها الكثير من الثعابين والحشرات السامة إذ يقوم يوميا الحراس بقتل العديد من الأفاعى والعقارب».

وتابع: «هذا كله بالإضافة إلى مرتب لا يتعدى 300 جنيه شهريا والبعض يصاب أو يلسع بالعقارب ويلدغ الأفاعى حتى أن أحد زملائى توفى بالموقع الأثرى نتيجة وقوعه من أعلى الموتوسيكل على رأسه أثناء مروره بالموقع وسط الصحراء، وظل بالموقع يومين حتى توفى نتيجة تجلط الدم بالرأس».

واقعة أخرى أكثر خطورة يرويها حارس الآثار محسن حسن والذى يعمل بالمركز العلمى لآثار شمال سيناء، قائلا: ذات يوم حوالى الساعة 12 إلا ربع ليلا هجم علينا فجأة حوالى 20 رجلا ملثما ويحملون بنادق آلية قاموا بضربنا وتوثيقنا بالحبال وسألونا (فين المقبرة اللى هنا)، ثم جاءت أربع سيارات ثلاثة ملاكى وواحدة ربع نقل بيضاء تويوتا بدون لوحات معدنية، وبدأوا المرور فى التل وعثروا على المقبرة وبدأوا يفحرون فيها، وكان معهم أدوات حفر ومبالغ مالية، وهددونا بالقتل حال التحرك أو محاولة الهروب وظلوا هكذا لمدة ساعتين .

ويستكمل: كل هذا وأنا وزميلى موثقين بالحبال وغير مسلحين ولم نستطع الدفاع عن الموقع أو أنفسنا وأسلحتهم فوق رؤوسنا وأبطحونا أرضا، وبعدما أنهوا الحفر فى المقبرة حوالى الساعة 2 صباحا أحضروا سيارة بيضاء ربع نقل دون لوحات معدنية عادت بظهرها حتى وصلت المقبرة وحملوا عليها لوحتين طول الواحدة حوالى مترين، وكان كل لوحة يحملها حوالى 16 رجلا والباقى كان مراقب الطريق ومعهم أشخاص يتابعون آخرين بالهاتف، وبعددما أخذوا اللوحتين رحلت السيارة المحملة بالآثار وبعدها باقى السيارات ما عدا سيارة واحدة ظلت موجودة حتى رحل الجميع وقاموا بفك الأربطة وغادروا المنطقة بسرعة .

غطاس المجارى.. الضرورات تبيح المحظورات

«غطاس المجارى» مهمة شاقة لا تعرف إلا الخطر، فحياة أصحابها مهددة بالموت أو بالمرض، يعملون فى بيئة لا تصلح لحياة بشر، ويفتقدون أدنى أنواع الحماية والوقاية من الأمراض التى قد يتعرضون لها أثناء ممارستهم للعمل، كما لا يحصلون على أقل حقوقهم مع أهمية وحساسية عملهم، وهو الاحترام من قبل أفراد المجتمع، ورغم ذلك لا تمنعهم تقلبات الطقس من حرارة الجو أو الأمطار عن القيام بدورهم فى حماية الناس، إذ تتلخص طبيعة عملهم فى قضاء معظم أوقاتهم فى صيانة وتطهير بالوعات ومواسير الصرف الصحى من الرواسب والمخلفات التى يمكن أن تتسبب فى انسدادها، فهم يؤدون لكل مواطن خدمة كبيرة ولا يجدون التقدير الاجتماعى أو المادى الذى يليق بهم، ويتحملون ذلك من أجل لقمة العيش وتلبية متطلبات الحياة، فعملية الغطس داخل المجارى، يجب أن تخضع لبعض الضوابط، لأنها فى الأساس مهنة قائمة على الدراسة، إذ يتم ربط الغواص بأحد الأحبال السميكة، بعد ارتداء بدلة الغطس، ثم يتم وضع النظارة بعناية على عينيه وجهاز التنفس، لما قد يتم مواجهته من خطر.

يروى محمد أحمد عبدالوهاب حاصل على ليسانس حقوق حكايته لـ«الزمان»، قائلا: إنه التحق بالعمل داخل شركة الصرف منذ عام 2009، وكان أول من يعمل فى مجال الغوص داخل المجارى، فعمله فى مجال الغطس بالإسكندرية مكنه من الالتحاق بالعمل كأول غواص فى الشركة، يعمل بأدوات مجهزة وتدريب على الغطس فى أعماق كبيرة تحت الأرض، حتى أنه عمل بعد ذلك على تدريب بعض زملائه الذين التحقوا بالعمل معه فيما بعد.

وأضاف عبدالوهاب أنه أصر على مزاولة مهنة غواص المجارى عندما كان مقدما على السفر إلى إحدى دول الخليج، ولكنه رأى الخليجى يقوم بسبه والسخرية من المصريين حينذاك قرر أن يعمل داخل بلاده ويتميز ويقوم بتدريب العاملين.

 ولفت عبدالوهاب إلى أن «هذه المهنة من أصعب المهن لما قد نتعرض له من خطر فى سبيل إنقاذ الأشخاص أو صيانة البلاعات، ومن أحد أصعب المواقف التى خضتها خلال سنوات عملى الماضية، عندما جاءنى اتصال من القاهرة لإنقاذ عامل المياه جذبته وقامت بفصل رأسه عن جسمه، وقمت بالغوص للبحث عنه حتى وجدته بداخل ماسورة مياه، وهذا حدث نتيجه جهل عمال المقاولات بسرعة التيار، إلى جانب وفاة أحد زملائى داخل إحدى البالوعات «عندما كان يحاول إنقاذ أحد المواطنين، فنزل إلى البالوعة دون جهاز التنفس أو بدلة الغطس، فلقى مصرعه، نتيجة عمق البالوعة، فى هذا الوقت كلمونى وجئت لمحاولة إنقاذه ولكن للأسف خرجت به ميتا من داخل البلاعة».

وقال عبدالوهاب إن مهنة الغواص هى التطهير والتكسير تحت الماء فى حالة البناء، ويقوم الغواص كذلك بالأعمال التى تفشل فى تنفيذها المعدات وفى حالات الهبوط للمبانى يتم تآكل التربة وكسر أدوات الصرف الصحى فيقوم الغواص بالنزول تحت المياه لغلق الخط المتسبب فى جريان المياه .

وتمنى أن تقوم الشركة بتوسعة إدارة الغوص التى تم إنشاؤها فى 2014، على أن تشمل كافة محافظات مصر، إذ أن هناك عددا كبيرا من مناطق القاهرة والمحافظات لديها مشاكل فى مواسير الصرف، التى تم تأسيسها منذ زمن بعيد، ولا تتحمل الضغط السكانى الحالى، موضحا أن المناطق الراقية والقديمة فى مصر تم تأسيس الصرف فيها بصورة تستوعب عددا كبيرا من السكان، وواصل: «كان هناك تخطيط جيد، لكن الشبكات اللى اتعملت من سنوات قليلة مفيش فيها تخطيط سليم».

 ولفت عبدالوهاب إلى أن مشاكل عمال الغطس فى المجارى ليست فى الرواتب، لكنها تتمثل فى عدم توفير تأمين صحى شامل لهم، لأن غواص المجارى معرض فى أى وقت للإصابة أو المرض، نتيجة تعامله مع كافة المواد الموجودة داخل البالوعات، فالخطأ قد يسبب شللا أو نزيفا أو وفاة إضافة إلى التعامل مع المواد السامة المنبعثة كغاز الميثان السام .

رجال حرس الحدود.. عيون لا تنام

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لن تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله».. بشرى عظيمة يزفها رسولنا الكريم لكل من وهب حياته ونفسه فى سبيل الله وفى سبيل الوطن، ففى ظل متاع الحياة التى ينغمس فيها الجميع، من خروجات وتنزه ومشاهدة الأفلام السينمائية هناك رجال آخرون لا يعرفهم إلا من نال شرف الخدمة فى صفوف القوات المسلحة، ولا سيما فى قوات حرس الحدود، عيون مصر الساهرة التى لا تنام طوال الـ 24 ساعة، هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هؤلاء الأبطال خير من أنجبتهم مصر، الذين يقومون بخدمات جليلة ومهام سامية، ويواجهون العديد من الصعاب والعقاب والتى بلغت ذروتها فى السنوات الخمسة الأخيرة، فى ظل التحديات الراهنة التى تشهدها مصر، والاضطرابات والتهديدات التى تُحيط بدول المنطقة.