جريدة الزمان

تقارير

الإسراء والمعراج.. شبهات وردود

الأزهر
علي السعيد -

جرت سنة الله أن يؤيد رُسله بمعجزات خارجة عن إطار المعتاد في مجتمعاتهم، لتكون بمثابة التأييد والتصديق والإثبات لدعوى الرُسل عليهم السلام أنهم مبلِّغون عن ربهم، واقتضت حكمته سبحانه أن يكون بعض هذه المعجزات أمورًا حسّيّة، تتعلّق بالزمان الذي بُعث فيه النبي، ومن ذلك معجزتا الإسراء والمعراج الواقعتين لنبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، والمقصود بالإسراء هو السير ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بفلسطين، قال تعالى:«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

والمقصود بالمعراج هو العروج بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماء الدنيا ثم إلى السماوات العلى، ومنه إلى سدرة المنتهى، وفي ذلك عبّر القرآن الكريم في مفتتح سورة «النّجم» بقوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى».

وقد تأكد قبول صحة هذه الحادثة ثبوتًا وإيمانًا من خلال ما قرره القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع من يعتدّ بهم من علماء الأمة الإسلامية عبر العصور المتلاحقة، غير أن بعض الطاعنين في ثبوتها اعترض على كونها حادثة في اليقظة، فادعوا أنها كانت رؤيا منامية، أو أنها رحلة روحية فقط وليست جسدية، ومنهم من اعترض على بعض التفصيلات الحادثة فيها، لنحيل الأمر إلى مركز الأزهر العالمي للفتوي  للرد على كافة الشبهات التي دارت حول هذه المعجزة الخالدة.

وهنا يوضح الدكتور أسامة أمين، أستاذ الحديث المساعد بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الإجابة الشافية للمشككين في تلك المعجزة الباقية.

الرد على منكري الإسراء والمعراج

هنا يجيب «أمين» أن إنكار هذه الحادثة افتراءٌ على نصّ القرآن الكريم الذي أثبتها ونسب الفعل بما اقتضاه من قوّةٍ وإعجازٍ إلى الإرادة الإلهية التي لا تعجزها شيء!

حيث إن فاعل الإعجاز في الحادثة هو الله سبحان الذي أسرى بعبده، والعبد هو مجموع الروح والجسد، فالله هو الذي أسرى بعبده صلى الله عليه وسلم، والله خالق الزمان والمكان وقادر سبحانه على طيّهما وتسخيرهما لعباده، وليس ذلك بعزيز عليه!

الرد على من يقولون أن الإسراء والمعراج رؤيا منامية

كما رد عضو العالمي للفتوى الإلكترونية بالأزهر، أنه لو كانت حادثتي الإسراء والمعراج مجرد رؤيا منامية لكان أمر التسبيح في قوله (سبحان الذي أسرى بعبده) لا قيمة له، فالتسبيح يكون عند الأمور العظيمة، وكونها رؤيا منامية يتعارض مع كونها أمرًا عظيمًا.

ولو كانت رؤيا منامية كذلك فما كان لتكذيب قريش لها أي معنى، فأي اعتراض من أي إنسان عاقل كان سيعترض على النبي صلى الله عليه وسلم لو أنها كانت رؤيا منامية!!.

ردًّا على من نسب الحادثة للروح فقط دون الجسد

في دقة وصف النبي صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس حينما طلبت منه قريش ذلك، وتصديقهم إياهم على ما عندهم من خلفية معرفية بهذا المكان وتفصيلاته، وفي إخباره صلى الله عليه وسلم عن القافلة التي ستقدم عليهم من الشام يتقدمها جمل أورق، فهو أكبر دليل على وقوع تلك المعجزة وقوعًا حقيقيًّا بجسد النبي وروحه صلى الله عليه وسلم، يقظة وليس منامًا. قال الإمام النووي في شرحه مسلم (2/209): (وَالْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَمُعْظَمُ السَّلَفِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ طَالَعَهَا وَبَحَثَ عَنْهَا وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي حَمْلِهَا عَلَيْهِ فَيُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ).

وقال الحافظ ابن حجر ردًّا على من نسب الحادثة للروح فقط دون الجسد: (وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ تَأْبَى الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ –أي الروح فقط- بَلْ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَعُرِجَ بِهِمَا حَقِيقَةً فِي الْيَقَظَةِ، لَا مَنَامًا وَلَا اسْتِغْرَاقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

الإسراء والمعراج كان مستغربًا ولم يكن منكرًا

حدوث مثل هذه الظاهرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمرًا مستغربًا وليس أمرًا محالًا، لكن المشككين لم يفرقوا بين ما يستحيل عقلًا وما يُستغرب عقلًا، والإسراء لم يكن مستحيلًا بدليل أن الإنسان في زماننا سُخّرت له من أنواع المواصلات الحديثة ما يجعله يقطع المسافات البعيدة في الأوقات القليلة جدا!! وما كان العقل قديمًا يقبل بهذا قبل ظهور هذا التطور العلمي والتقني ، لكن عدم قبوله يعني استغراب حدوثه وليس استحالة حدوثه!.

أحاديث الإسراء والمعراج اشتهرت في الكتب الصحاح

اشتهرت أحاديث الإسراء والمعراج في الكتب الصحاح بداية من أصح الكتب كالبخاري ومسلم رحمهما الله، ثم كتب السنن والمصنفات الحديثية المختلفة، بل قد تواترت روايات الحديث عن هذه المعجزة الإلهية عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقل الحافظ ابن كثير (ت774هـ) في تفسيره (5/45) عن الإمام ابن دحية قوله: (وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْط، وَأَبِي حَبَّةَ وَأَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب، وَأَبِي الْحَمْرَاءِ، وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ، فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَاعْتَرَضَ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُلْحِدُونَ، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصَّفِّ: 8]).

فإذا ثبتت هذه الحادثة وصحّ النقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق، ثبوتًا لا مجال فيه للشك ولا للاجتهاد، ولا تعارض فيه للمنقول أو المعقول، فإن واجب المسلم هو التسليم والإذعان، فهو من مقتضيات التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأمّا ما لم يثبت صحته، أو وَهِمَ فيه رواته فقد كشفه الأئمة وأظهروا ضعفه، قال الإمام النووي: (وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ أَوْهَامٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَقَدْ نَبَّهَ مُسْلِمٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ مِنْهَا).

نجى إبراهيم من الحرق ..وموسى من البطش.. ويونس من الغرق..أفيعجزه أن يسري بحبيبه؟!

وختامًا: فإن قدرة الله تعالى التي حفظت إبراهيم عليه السلام من الحرق، وأنبعت الماء من بين أصابع إسماعيل عليه السلام، وشقت البحر لموسى عليه السلام وفلقت له الحجر، وأنزلت المائدة على عيسى عليه السلام، وتهيّأ له من الإنعام ما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله، هي قدرة الله سبحان التي شقّت القمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأسرت به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرجت به إلى السماوات العلى، ليرى من آيات ربه ما رأى، هذا بجانب ما حققته هذه الرحلة من مكاسب نفسيه وروحيه ودينية، فصلى الله على النبي محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.