جريدة الزمان

حارتنا

«الزخارف القاتلة».. جمال الحجر الفرعوني يشوه أجساد المصريين

مصطفى شاهين -

«السرطان» يسكن صدور العمال.. والجروح القطعية تذبح أعضاءهم

استنشاق الأتربة الناتجة عن تقطيع الأحجار.. والاستعانة بالأطفال

عمال: نعمل تحت أشعة الشمس الحارقة والبرد القارس.. واللبن وسيلتنا الوحيدة لعلاج صدورنا

ظهرت زخرفة واجهات المنازل بالطوب الفرعونى كموضة انتشرت بقوة فى الأقاليم بما أنعش المصانع العاملة فى تقطيع الأحجار بشكل يدوى، ومع ارتفاع الطلبيات على تلك النوعية من الأحجار  الأمر الذى تطلب مزيدا من العمالة ليحقق أصحاب المصانع أرباحا خيالية على حساب صحة العمالة المفتقرة لأدنى مستويات الأمن والسلامة المهنية المتمثلة فى ارتداء كمامة على أنوفهم بما يمنع دخول الأتربة واستيطانها داخل صدورهم.

وعلى مدار سنوات، تمكنت تلك الأتربة من الدخول التوطن بالفعل وانتشار أمراض صدرية بين عشرات العمال، وهو ما رصدته «الزمان» فى ضوء حالات تواصلت معهم لبيان سوء الحالة الصحية التى وصلوا إليها لينتجوا الشكل الجمالى الذى نقوم بلصقه على واجهات العقارات.

«أعيش 3 أيام فى المعهد القومى للأورام وباقى الأسبوع أشتغل فى تشكيل الحجر الفرعونى».. بتلك العبارة بدأ حسام فتحى صاحب الثمانية وثلاثين عامًا حديثه لـ«الزمان»، مؤكدا أنه بدأ العمل فى تلك الصنعة قبل عشرة أعوام،  وحصل وقتها على يومية 20 جنيها، أما اليوم فزادت إلى 150 جنيها وأحيانًا تصل إلى 200 جنيه، وتابع: للأسف لا أشعر بقيمة المال بعدما أصابنى المرض فى صدرى نتيجة استنشاق الهواء السام الذى يحيط بالمنطقة، والناتج عن عملية تكسير الحجارة وتحويلها إلى الشكل الذى تصبح عليه قبل التركيب على واجهات العقارات، وسبق أن طالبنا صاحب العمل بعمل تأمين صحى واجتماعى للعاملين لكن دون فائدة فلا يستمع إلينا أحد.

واستكمل فتحى: أجورنا هزيلة مقارنة بقيمة الدواء الذى نشتريه، وأيام العمل تصل أحيانًا إلى 7 أيام دون إجازة لتلبية الطلبيات، ولأن الصخور التى نقطعها تكون حادة كنصل السكين نتعرض دائمًا وبشكل يومى لجروح بعضها سطحى وأخرى قطعية، ومع عدم وجود قفازات لليد لأنها تعيق العمل تتعرض الجروح لالتهابات ومضاعفات أخرى جعلت أجسادنا هزيلة، ولا يشعر الزبون بحجم المعاناة التى نبذلها حتى تخرج الحجارة الفرعونية بهذا الشكل الجمالى.

ويلتقط محمود مرسى طرف الحديث، قائلا إنه يعمل بمصانع الحجر الفرعونى منذ ثمانى سنوات حتى استقر بى الحال ضيفا دائما لدى المعهد القومى للأورام بعدما أصبت بسرطان الغشاء البلورى، متابعا: «كنت أتمنى الإنصات لنصيحة الأطباء فى البداية حينما أخبرونى بأن مهنتى ستكون سبب نهاية حياتى، إذ بدأت المشكلة الصحية بضيق فى التنفس ثم تضاعف إلى أن وصل الحال كما هو عليه الآن».

وتابع مرسى: «داخل كل مصنع يوجد على أقل تقدير 20 صنايعى وعدد لا بأس به من الأطفال، وهؤلاء يتم الاستعانة بهم لتحميل السيارات بالطوب الفرعونى بعد تقطيعه إذ يكون خفيف الوزن، ونظرًا لأن يومية الطفل الذى لم يتجاوز 13 عاما أقل بكثير من الشاب البالغ 20 عاما يتم الاستعانة بالأطفال، ولا يشغل صاحب المصنع باله بأية مشاكل مع الجهات الحكومية خاصة أن المصنع فى الجبل».

وعن شكل تلك المصانع وطبيعة العمل داخلها، يروى عيد رمضان البالغ من العمر 35 عاما، تجربته قائلا إن المصانع ليست بالشكل المتعارف عليه جدران وأسقف، فما هو إلا مساحة أرض فضاء ليس بها أى خدمات سوى المعدات التى نستعملها فى تقطيع الحجارة إلى أجزاء صغيرة وهى شاكوش وأجنة وقطعة من القماش فوق رؤوس العمال تكون مثبتة بنفس طريقة الخيمة، وهو ما يجعلنا معرضين لضربات الشمس طوال الصيف ولسعات البرد طوال الشتاء، وفى مصانع أخرى يتم عمل هناجر للعمال، وهناك بعض المصانع توفر كوب لبن للعمال يشربونه بعد انتهاء ساعات العمل لضمان تنظيف صدورهم من الأتربة.

وطالب رمضان الحكومة الضغط على أصحاب المصانع لعمل مظلة تأمينية على العاملين سواء كانت صحية أو اجتماعية، مع إجبارهم على وضع حقيبة للإسعافات الأولية، علمًا بأن الكثير منا يتعرض لإصابات عمل بشكل يومى ولا يوجد لدينا أدنى مستويات الأمان.

فيما استنكر الدكتور حمدى الخطيب، استشارى الأمراض الصدرية بالقصر العينى، ما يتعرض له عمال مصانع الحجر الفرعونى، قائلا إن هناك إجراءات أمان لا بد أن يقوم بها هؤلاء العمال لحماية الرئتين ومنها ارتداء ماسك لحماية صدورهم من الأتربة السامة التى تخرج من الحجارة أثناء عملية التقطيع لأنها تضر بالرئتين على المدى البعيد.

ولفت إلى أنه سبق التعامل مع حالات مشابهة ونصحتهم بذلك، خاصة وأن البودرة الناتجة عن عملية التقطيع أشبه بمادة الاسبستوس المسرطنة التى سكنت صدور عمال المواسير قديمًا وقبل إدراج المادة كواحدة من المحظورات دوليًا.

وأشار الخطيب إلى أن التهاب الغشاء البلورى وإصابته بالسرطان واحدة من الأمراض التى تصيب هؤلاء العمال وللأسف يتم اكتشافها متأخرًا، مما يجعل علاج الحالة من أصعب ما يكون، هذا إلى جانب الأمراض الصدرية المتعارف عليها.