جريدة الزمان

تقارير

«الكاوتش المستعمل» وقود المصانع لدمار البيئة

مصطفى شاهين -

مصانع الطوب والفخار تعتمد عليها لتوفير الوقود

وورش لصهر الكاوتش وإعادة استعماله فى تصنيع الخراطيم والمنتجات الجلدية

خبراء: حرقه ينبعث عنه مواد سامة تسبب سرطان الرئة.. والتخلص منه بشكل آمن وسيلة فعالة لحماية المواطنين

تلوث بيئى جديد يهدد كل ما هو كائن حى يتنفس، بعدما تجسدت الشياطين فى صورة بعض البشر ممن تخلوا وتجردوا من ضمائرهم ومن أجل تحقيق المكسب، إذ لجأت بعض مصانع الطوب والفخار ومصانع أسمنت إلى تشغيل الأفران بالكاوتش المستعمل بدلا من الغاز الطبيعى، وذلك لتقليل النفقات والحصول على هامش ربح أكبر فكانت النتيجة استيطان الأمراض صدور العاملين بتلك المصانع، إلى جانب تلويث البيئة نتيجة الانبعاثات السامة الصادرة من أبراج المصانع، ومع غياب الرقابة انتشرت تلك الوسيلة الجديدة كبديل رخيص للوقود.

ورصدت «الزمان» الى جانب اعتماد المصانع على الكاوتش المستعمل، قيام بعض الورش ومصانع بير السلم الصغيرة بحرق الكاوتش لتصنيع خراطيم المياه، وبالتالى التسبب فى انتشار تلوث الهواء بالمحيط الجغرافى القريب من المنشأة.

«ارتفاع سعر الغاز دفع أصحاب مصانع الطوب لاستعمال الكاوتش، لكن بعضهم راعى ضميره وخاف من ربنا»، بتلك الكلمات وصف محمد شديد حال بعض المصانع التى دفعتها الحاجة والرغبة فى مزيد من الربح للاعتماد على الكاوتش المستعمل، قائلا: «فى محافظة المنوفية تعيش بعض القرى على صناعة الفخار والطوب، وخلال السنوات القليلة الماضية ونتيجة ارتفاع سعر الغاز، لجأ بعض أصحاب المصانع إلى تشغيل الأفران بالكاوتش المستعمل واستوردوا تلك الفكرة من مصانع الأسمنت التى يشتغل بعض أفرانها بالكاوتش المحروق، ويحقق صاحب المصنع منفعتين، الأولى الاستفادة من السلوك التى تخرج من الكاوتش المحروق وبيعه على شكل خردة، والمنفعة الثانية توفير ثمن الغاز».

وتابع شديد والذى عمل بمصنع طوب مدة 10 أعوام: «فى السنوات الأخيرة لاحظت قدوم خمسة إلى عشرة سيارات فى اليوم الواحد محملة بمئات الإطارات المستعملة واستمرت المسألة لفترة ومع مرور لجان البيئة كان صاحب المصنع يخفيها عن اللجنة لأنها ممنوعة، وهو ما عرفته فيما بعد ونتيجة الشعور بضيق شديد بالتنفس نتيجة استنشاق الهواء المنبعث عن حرق الكاوتش المستعمل بدأ العمال يشتكون رغم أن برج الدخان مرتفع، وبالتالى لجأ صاحب المصنع فى البداية إلى توفير كمامة طبية لهم لكن دون جدوى فحاول تعويضهم بزيادة الأجرة 10 جنيهات باليوم.

فيما التقط أحمد زكى طرف الحديث، والذى يعانى من حساسية بالصدر أصيب بها بعد عامين فقط من تشغيل الأفران بالكاوتش بدلا من الغاز، قائلا: «أعمل بمصنع فخار بقرية جريس بالمنوفية، واعتدنا على تشغيل الأفران بالخشب أو الغاز وأحيانًا الفحم، لكن لسوء الحظ تعثر صاحب المصنع واضطررنا لتشغيل الأفران بالكاوتش لتحقيق مكسب من الفخار وكذلك بيع باقى مخلفات الحرق من أسلاك معدنية يشتريها تجار الخردة بالطن، وعلى الجانب الآخر ظهرت علامات الإعياء علينا، مما دفع البعض إلى ترك العمل وآخرين اضطروا للاستمرار بسبب حاجتهم إليه».

وأضاف: «توجهت إلى عيادة طبيب القرية وأخبرنى بأنها حساسية شديدة وربما لو استمر الحال كما هو عليه قد تنقلب الأمور لما هو أسوأ من ذلك، خاصة بعدما عرفت من الطبيب أن أحد العمال فى مصنع بقرية مجاورة أصيب بسرطان الرئة وقد اشتغل المصنع بالكاوتش المستعمل بدلا من الغاز».

وإلى جانب تشغيل أفران المصانع بالكاوتش المستعمل، يوضح محمود عادل ابن قرية ميت الحارون بالغربية، أن عشرات الورش بالقرية اشتغلت فى السنوات الأخيرة بصناعة خراطيم المياه من الكاوتش المستعمل من خلال حرق الكاوتش واستخدام المطاط السائل ووضعه داخل أنابيب لتأخذ شكل الخرطوم.

وأضاف عادل أن معظم سكان القرية وخاصة الشباب يعملون فى صناعة تدوير إطارات الكاوتش الخاصة بالسيارات بأنواعها والجرارات الزراعية والأتوبيسات بعد أن هجروا العمل بالزراعة وفلاحة الأرض، إذ أن هذه الصناعة أصبحت تحقق لهم أرباحا طائلة كما أنها قضت على البطالة ووفرت فرص عمل لجميع أبناء وسكان القرية من الرجال أو الشباب والذين أصبحوا يحققون دخولا مادية كبيرة حققت لهم الاكتفاء الذاتى وساعدتهم على توفير نفقات الزواج والعيشة الكريمة، ولم يعد الأمر يقتصر على أهالى وسكان قرية كفر ميت الحارون فقط بل امتد لسكان القرى المجاورة لها بعد أن جذبتهم هذه الصناعة المربحة جدا.

وعن الصناعات التى يقومون بها، يؤكد أن خراطيم المياه وسحب الأسلاك والكرات المطاطية من أهم الصناعات، ونصف تلك الصناعة بالذهب الأسود الذى حول حالنا من حال إلى حال، ولكن بعد فترة يؤكد عادل أن الأمراض الصدرية انتشرت بقوة مع استمرار غيامة سوداء تظلل القرية طوال العام وما نحصل عليه من أرباح ننفقه على العلاج.

وبسؤاله عن مصادر الحصول على الكاوتش، أكد المهندس صالح البنا صاحب شركة إطارات وبطاريات أن الكاوتش المستعمل يباع بالطن لمصانع فى الجيزة والبعيدة عن الكتلة السكانية وتقوم بحرق الكاوتش وإعادة تدوير الأسلاك التى تم استخلاصها من الإطارات وذلك بصهرها وإعادة تشكيلها لتدخل فى صناعة معدات فولاذية جديدة، ولكن للأسف نتيجة غياب الضمير يقوم بعض أصحاب تلك المصانع بتسريب كميات كبيرة منها إلى المصانع التى تعمل بالغاز ومنها مصانع الأسمنت والطوب.

واستطرد البنا بأن إعادة تدوير الكاوتش فى الصناعات صديقة البيئة مفيد ومربح لكن يحتاج إلى خطوط إنتاج غير متوافرة فى كثير من مصانع إعادة التدوير، وبالتالى يتم تصريفها للمصانع بدلا من إعادة تدويرها، فتكون النتيجة كوارث بيئية خاصة أن الدخان الناتج عن حرق الكاوتش أسود لأنه مشبع بالمادة المطاطية التى تضر بصحة المواطن والعامل بالمصنع على حد سواء.

على الجانب الآخر، يصف الدكتور أحمد شعبان استشارى الأمراض الصدرية الأمر بالكارثة، قائلا: العامل داخل المصنع الذى يقوم بحرق الكاوتش يتنفس سرطان وحياته مهددة وعليه أن يرحل عن تلك الصناعة فورًا مهما كانت ظروفه المعيشية، فلن تكون أصعب من الإصابة بسرطان الرئة، خاصة أن الدخان المنبعث عن حرق الكاوتش مشبع بالمواد السامة ويجب أن تتدخل أعلى جهة رقابية لمنع هذا التصرف العشوائى حماية للبيئة التى تعانى من مئات المسببات للتلوث، خاصة أن تلك المصانع واقعة داخل كتل سكانية.

وحول الطريقة الآمنه للتخلص من هذا المصدر المسبب لتلوث البيئة وقتل الإنسان على المدى القصير، يوضح شعبان أن هناك دولا تصدر الكاوتش المستعمل إلى الدول النامية خوفًا على مناخها وبيئتها وصحة مواطنيها ونحن لسنا أقل من تلك الدول وربما لدى المسئولين الحل من خلال استغلال المساحات الشاسعة خارج الكتلة السكانية فى إنشاء مصانع ذات كفاءة عالية، لكن على مستوى تحقيق درجات أمن وسلامة لصحة الإنسان من انبعاثات الكاوتش المحترق فلا يوجد علاج لها.