جريدة الزمان

تقارير

شهادتي.. التي سيسألني عنها الله

محمود عبد الحميد -

 

 أجد أنه لا ضرر من الامتناع عن الأحداث السياسية هذه المرة، ليس «بأمر الطبيب» كالمريض ولا «بأمر الحب» كعبدالحليم حافظ ولكن بأمر الأصول والواجب والإنسانية.

يفصلنا أكثر من عام عن حلول انتخابات مجلس النواب القادم 2020، وكلما اقترب موعد إجرائها، كلما ازداد نواب البرلمان ظهورًا بعد خفاء وغياب طويل ومساعي حثيثة لحضور الأفراح والأحزان، بعد أن "فص ملح وداب" خلال السنوات الأربعة الماضية، فمنهم من غير رقم هاتفه، ومنهم من أغلق صفحته على الفيسبوك، ومنهم خرج ولم يعد !!

عُدت بذاكرتي منذ يومي الأول لمجلس النواب، أتذكر نشاط نواب البرلمان، ومن يستحق أن يكون في البرلمان القادم، ومن يستحق أن يترك الفرصة لغيره، بعد أن أخلف العشرات من وعوده، وأصبح وجوده في البرلمان كعدم وجوده !.. لا أبالغ إذا قولت أن هناك نواب لا أعرف عنهم شيئًا، لا اسمًا ولا نشاطًا، مجرد مقعد يشغله في البهو الفرعوني لتناول المشروبات والمأكولات، حتى أبسط المهام الموكلة لهم، وهي متابعة طلبات أبناء دوائرهم في المصالح الحكومية، أمر بالنسبة لهم مُرهق وصعب.. هؤلاء خانوا "الأمانة" التي حملها لهم أبناء دوائرهم.

إلا أنني مُضطرًا أن أقف تقديرًا واحترامًا أمام نموذجًا شهد مجلس النواب، ميلاده، ولجان البرلمان حجم معاركه مع الوزراء والمسؤولين، ومضابط الجلسات العامة، خير شاهدًا على مدى تفاعله مع هموم وقضايا ناخبيه، هذا النموذج هي إمرًاة عصرية، بنت بلد، خير سفيرًا لأبناء دائرتها.

سحر عتمان.. اسمًا له من اسمه نصيب.. لا أعرفها من قريب ولا من بعيد.. جمعتني بها أربعة مواقف، لا أنساها؛ أولى هذه المواقف، كانت الجلسة العامة للبرلمان وصلت إلى الساعة 10 مساءا.. والقاعة خاوية من الأعضاء.. ولم يبق فيها سوى نواب معدودة.. منهم من سافر.. ومنهم من حاول الإلحاق بالقطار.. وسيدة وحيدة موجودة.. اندفعت مهاجمة وزيرة الصحة بسبب تدني مستوى الوحدات الصحية في مشتول السوق، ومع اشتعال حدة المعركة بين النائبة والوزيرة، دخل رئيس المجلس لفض الاشتباك.

ثاني هذه المواقف؛ خلال الشهر الكريم، والجميع نوّام بحكم التعب والصيام.. وجدت نائبة مشتول، والإرهاق والتعب ظاهرًا جليًا عليها حتى سقطت على الأرض، فرد عليها طبيب البرلمان: " غلطانة يافندم.. الناس كلها مريحّة في بيوتها".. فكان ردها:" والأمانة اللي أهل مشتول حملهالي..أسيبها لمين !".

ثالث هذه المواقف؛ في استراحة وزراء الحكومة بالبرلمان، وجدت سيدة وحيدة وسط مجموعة من النواب، تحمل في يديها حزمة من الأوراق والطلبات، للحصول على توقيعاتهم، كان المفاجأة بالنسبة لي أن أغلب الطلبات من أبناء محافظات أخرى غير الشرقية.

رابع هذه المواقف؛ في الوقت الذي تنافس فيه نواب البرلمان، على إقامة حفلات الإفطار الضخمة للوزراء وكبار المسؤولين بملايين الجنيهات، تاركين الفقراء والبسطاء من أبناء دوائرهم جوعى.. فسآلتها عن موعد إفطارها المخصص للوزراء:" كان ردها..أهلي الغلابة والبسطاء أولى منهم".

ربما المساحة، لم تسعفني للكتابة عن هذه الشخصية القديرة، إلا من حق المرأة المصرية بصفة عامة، وأبناء مشتولالسوق  بصفة خاصرة أن يفتخروا بأن لديهم نائبة إنسانة بكل ما تحمله الكلمة، لم تتربح ولم تتكسب، تراعي الله جيدًا، الجميع عندها سواسية، فعلت ما فشل فيه الكثير في فعله، تعي تمامًا أنها "أمانة" ستسأل عنها أمام الله، فالم تدخر جهدًا في صالح أبناء دائرتها..