جريدة الزمان

وا إسلاماه

قارئ من العصر الذهبي.. محمود الطوخي: أخي الأكبر دفعني لدولة التلاوة.. وأمي اشترت راديو لأستمتع بأصوات العظماء

مهدى أبو سالم -

قرأت على موجات الإذاعة والتليفزيون.. فاشتعلت الأزمة بينى واللجنة المسئولة

القارئ الإذاعى الشهير الشيخ محمود الطوخى.. ماركة عالمية مسجلة فى دولة تلاوة القرآن الكريم.. ظهرت موهبته فى الصغر، بدأها بتقليد شقيقه الأكبر.. وتعلم فنون التلاوة بين جدران منزله الريفى.. ارتبط بمدارس تلاوة العظماء.. كان مسجد الفتح برمسيس شاهدا على انطلاقته عبر الأذان الذى أعاد للقلوب خشوع الشيخ محمد رفعت، وجعلته الصدفة قارئا لسورة الجمعة، فارتبطت به الجماهير.. واجه الطوخى، الأزمات التى تهدد دولة التلاوة، ورفض الاندماج فى الألوان الغريبة التى أوجدها أشباه القراء وتمسك بالمدارس الكلاسيكية.. الطوخى قرأ قبل اعتماده بالإذاعة مرتين الأولى أثناء افتتاح أكاديمية الشرطة الجديدة، والثانية خلال احتفالات عيد الشرطة، وعلى الرغم من أنه أصبح معشوقا لسميعة القرآن الكريم فى جميع دول العالم إلا أن لجنة الإذاعة رفضت اعتماده بها.. وبعد عدة أزمات أصبح الطوخى من أهم القراء المتواجدين على الساحة، إذ يميزه الأداء الراقى وإتقان علم المقامات والتفسير النغمى.. «الزمان» حاورت الشيخ الطوخى، ونعرض خلال السطور تفاصيل الحوار بشأن المحطات التى صنعت شهرته .

فى البداية حدثنا عن كيفية التحاقكم بدولة التلاوة؟

كانت البداية مبكرة، فنشأت يتيما إذ رحل والدى وأنا ابن العام الأول، وكان شقيقى الأكبر حامد، رحمه الله، يمتلك صوتا جميلا لكنه لم ينل حظا وافرا فى الشهرة، وألحقتنى والدتى رحمة الله عليها، بكُتَّاب القرية ومنَّ الله علىَّ بحفظ القرآن الكريم، وكنا فى شهر رمضان نلتزم فى بيتنا الريفى بقرية سنديون بالقليوبية، بالسهرة الرمضانية حيث يتم فتح أبواب المضيفة، لمدة 30 يوما لختم المصحف، بحضور أحد القراء، وبدأت موهبتى بمحاكاة أخى، وكانت والدتى –رحمها الله- تشجعنا على الاستمتاع بتلاوات القراء العظماء القدامى –رحمة الله عليهم- وكانت إذاعة القرآن الكريم لا تنقطع عن آذاننا.

قيل إن أول اختبار لكم كان أمام قادة الجيش.. كيف ذلك؟

كنت أستعد وزملائى فى كلية الضباط الاحتياط لحفل التخرج، فى عام 1987، وأثناء قيامى باستبدال ملابسى ليلة حفل التخرج، قرأت آية من سورة النمل، وسأل أحد الضباط عمن كان يقرأ القرآن، فتبادل زملائى النظرات المصحوبة بالخوف، وتقدمت وأخبرته بأننى من قرأ القرآن، فسألنى عن اسمى ولم يعقب وفى اليوم التالى كان نفس الضابط هو المسئول عن تقديم فقرات حفل التخرج، وفوجئت به يردد اسمى بعد عبارة وخير ما نستهل به الاحتفالية آيات من الذكر الحكيم، وكان ذلك هو الاختبار الأول والأكثر صعوبة إذ لم أستعد له، إلا أن القادة وزملائى أشادوا بى كثيرا، وبعدها أصبحت قارئا لمسجد الجيش الثانى الميدانى بالإسماعيلية، وبدأت فى احتراف التلاوة.

قيل إن مسجد الفتح صنع شهرتكم الكبرى.. كيف كانت؟

بعدما أنهيت فترة تجنيدى سافرت إلى السعودية، وبعودتى لمصر فى عام 2000، بدأت ومجموعة من أصدقائى فى إعداد مكتب للترجمة والنشر برمسيس، وشاءت لى الظروف أن أصلى بمسجد الفتح، وأصابتنى الصدمة عندما وجدته بلا قارئ لسورة الجمعة، وحزنت كثيرا إلى أن جمعتنى الصدفة بإمام المسجد فى مترو الأنفاق، وعاتبته فأخبرنى أنه يوجد قارئ بالمسجد وهو فضيلة الشيخ على حجاج السويسى، لكنه مريض، وعرضت عليه أن أقرأ السورة فرحب جيدا، وكانت الانطلاقة والتوفيق من عند الله.

قرأت أمام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بحضور قيادات الدولة دون اعتمادك بالإذاعة وهذه من النوادر.. حدثنا عن هذا؟

أتذكر أنه فى يناير 2007، استضافنى المذيع محمود سعد، فى برنامجه الأكثر شهرة حينها «البيت بيتك»، وكانت الحلقة التى أذيعت من داخل مسجد سيدنا الحسين، بمناسبة المولد النبوى الشريف، بحضور الدكتور جمال الغيطانى، المؤرخ الإسلامى رحمه الله، والشيخ محمد الطبلاوى، والشيخ هشام عبدالباسط، نجل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وعلاء حسانين، حفيد الشيخ مصطفى إسماعيل، وعلى الرغم من أن الغيطانى تحدى أن يتمكن أحد من محاكاة أذان الشيخ رفعت منذ وفاته فى 1950، إلا أنه تعجب بمحاكاتى له فى الأذان والتلاوة.

وفى اليوم التالى تلقيت اتصالا هاتفيا من مساعد وزير الداخلية للإعلام، وأخبرنى بأن اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، ينتظرنى فى مكتبه، وبالفعل توجهت إليه وخلال لقائى به أثنى على أدائى بالحلقة ومحاكاتى للشيخ رفعت، إذ كان من عشاقه، وأخبرنى بأنه يريدنى أن أتلو فى حفل افتتاح أكاديمية مبارك للأمن بالتجمع الخامس، وسألنى وزير الداخلية: «هتخاف تقرأ أمام الرئيس يا شيخ محمود ولا إيه؟»، فكان ردى عليه: «لا طبعا يا معالى الوزير، ده قرآن وممكن أقرأه أمام العالم كله»، وكانت التلاوة جيدة جدا، وهنأنى كبار رجال الدولة الأداء الراقى، منهم كمال الشاذلى، ود. أسامة الباز، ويسرى الجمل وزير التعليم وقتها، وبعدها قدمنى اللواء حبيب العادلى، مرة أخرى لتلاوة سورة الجمعة فى مسجد الشرطة بالدراسة فى احتفالات أعياد الشرطة، وقرأت لمدة 25 دقيقة، وأثنى على أدائى فضيلة شيخ الأزهر الشريف السابق الشيخ سيد طنطاوى، ووزير الأوقاف الدكتور زقزوق، ومنذ هذه اللحظة بدأت أزمتى مع لجنة اعتماد القراء ورئيسها، إذ اعترضوا علىّ وحاولوا منعى من التلاوة، وكان تقرير اللجنة عدم صلاحيتى بحجة أننى «مقلد للشيخ رفعت».

وماذا تقول فيمن يتطاول على أهل القرآن من الجيل القديم؟

أرفض وبشدة التطاول على جيل العظماء، فجميعهم كانوا مدارس ننهل منها، وتعلمنا منذ الصغر أن كلا من أسيادنا القراء القدامى عالم جليل وله مدرسته، وأقصد بالمدرسة أنه كان يقرأ بعلم وتدبر وخشوع.

وما هى الشروط الواجب توافرها فى قارئ القرآن من وجهة نظرك؟

يجب أن يكون صاحب قلب خاشع لله، ويعى تمامًا أنه يتلو آيات الله العزيز الذى قال «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله»، وعليه أن يحافظ على أحكام التجويد ووقار كلام الله.

ومن هم أبرز القراء الذين تأثرت بهم فى حياتك؟

أتمنى بالأكثر إلى مدرستى الشيخين رفعت ومصطفى إسماعيل، وبالطبع تأثرت بالكثير من القراء وهم المشايخ محمد رفعت ومصطفى إسماعيل ومحمود على البنا وعبدالفتاح الشعشاعى ومحمود محمد رمضان ومحمد صديق المنشاوى.

وكيف ترى لجوء الكثير من القراء الشباب لتقليد بعض الكبار؟

لا أؤيد التقليد الأعمى، لكن لا مانع من المحاكاة، ولا أخفيك سرا أننى لا أقلد أذان الشيخ رفعت لكننى أحاكى خشوعه وهو ما يسهم فى أن يصل الأذان إلى القلب كما يتمناه المستمع، وهناك من يسيئون إلى الشيخ رفعت عندما يحاولون تقليده، كما أن التقليد لا يصح لأن الطبقة الصوتية تختلف من شخص لآخر، كما هى الحالة فى بصمة الإصبع.

وبم تقيم النظام الحالى المتبع لاعتماد القراء بالإذاعة؟

لا يصلح وعفا عليه الزمان، لأنه يعانى من الروتين، ويجب أن نقضى عليه.

وكيف نقضى عليه؟

أرى ضرورة أن تعدل هذه اللجان من إستراتيجيتها وألا تنتظر القارئ، بينما تفاجئه فى المساجد الكبرى والصغرى وخاصة فى الأرياف لأن بها قراء على مستوى احترافى كبير لكن رهبة الاختبارات تجعلهم لا يفكرون فى خوض تجربة الاعتماد بالإذاعة، وأرى أنه إذا تم التعامل بهذه الفكرة وهى فكرة اكتشاف المواهب ستفرز بأصحاب المهارات التى تثرى دولة التلاوة.

حدثنا عن ظروف اعتمادك بالإذاعة؟

تقدمت واللجنة تضعنى على قائمة المرفوضين بحجة «أننى مقلد»، على الرغم من أنى قرأت بصوتى والذى أذهل أعضاء اللجنة، لكن الرفض كان ملازما لرئيس اللجنة، وأبدى الشيخ أبوالعينين شعيشع، إعجابه بى وقتها، واتصل بى وهنأنى وأخبرنى بأنه كان تلميذا للشيخ رفعت، وكان يحاكيه فى تلاواته، واستدعتنى اللجنة مرة أخرى وأخضعتنى للاختبار، وعلى الرغم من علمى بالقرار مسبقا، لكننى قرأت بصوتى، ولكن كان القرار أنى مقلد، واستدعتنى الراحلة إيناس جوهر، رئيسة الإذاعة فى ذلك الوقت فى حضور رئيس اللجنة والملحن محمد على سليمان، والد المطربة أنغام، وطلبت منى التلاوة لمدة 15 دقيقة، وعلى الرغم من أن الإعجاب كان لسان حال الجميع إلا أن رئيس اللجنة بدَّل موقفه فى اليوم التالى، وكتب فى تقريره «مقلد»، وهنا ضاقت الدنيا أمامى واضطررت إلى السفر لأمريكا ومكثت بها حتى عام 2012، وقررت العودة إلى وطنى الذى تربطنى بها أواصر وجذور تزيد كثيرا عن حجم المكاسب التى يسعى إليها الإنسان، ومارست بأمريكا تلاوة القرآن الكريم فى كبرى المراكز الإسلامية وكان هناك دعم كبير من قبل الجالية الإسلامية.

ومتى تم اعتمادك قارئا بالإذاعة؟

بعد عودتى من الخارج استدعانى أحد أصدقائى للتلاوة فى عزاء والدة الإعلامى عصام الأمير، رئيس التليفزيون، وقرأت يومها من سورة العنكبوت قوله تعالى: «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، ففوجئت بأحد القساوسة يردد الله أكبر، وكان بصحبتى يومها الدكتور نعينع، والشيخ الطبلاوى، وسألنى بعض قيادات وزارة الإعلام، لماذا لا تقرأ بالإذاعة؟ فأجبتهم أنتم لا تريدوننى! فتعجبوا وطلب منى رئيس الإذاعة إسماعيل الششتاوى، الذى كان متواجدا، التقدم للاختبار، وهذه المرة كانت هناك لجنة جديدة ووافقت على اعتمادى بالإذاعة.

تسببت تلاوتك فى عيد الشرطة قبل اعتمادك فى أزمة لإذاعة القرآن الكريم.. ما تفاصيل ذلك؟

أخبرنى أحد مسئولى الإذاعة بأن اتصالات المستمعين انهالت عليهم والكثيرون أبدوا انزعاجهم وغصبهم ظنا منهم بأنه تم إذاعة قرآن الجمعة يومها بصوت الشيخ رفعت، وهنا أدركت أننى سأحقق نجاحا محمودا.

انتشرت مؤخرا فيديوهات لأحد المطربين وهو يقرأ القرآن الكريم بصورة خاطئة.. ماذا تقول له؟

أقول له من تكون أنت أمام موسيقار الأجيال عبدالوهاب، والعندليب عبدالحليم حافظ، فهما لم يستطيعا تلاوة القرآن الكريم، وإن كنت تريد التعلم فلا تتكبر، فالقرآن له آداب وتعاليم.

وما هى ذكرياتك خلال زياراتك الخارجية؟

قرأت فى المساجد العثمانية بتركيا التى تضم نحو 100 ألف مصلى، وفى مدينة تارسوس اصطحبنى المفتى لزيارة أهل الكهف وطلب منى تلاوة 5 آيات من سورة الكهف، وفى أمريكا طلب منى المصلون رفع الأذان بصوت الشيخ رفعت، وانهالت علىّ العروض للإقامة الدائمة بالخارج لكن عشقى لمصر دفعنى للرفض والعودة.

أنت أب لثلاث بنات.. هل بينهن من تمتلك صوتا جميلا فى تلاوة كتاب الله؟

الثلاثة ولله الحمد يمتلكن الصوت الجميل، وهن أميرة بكلية التجارة، ومنى بكلية علاج طبيعى، ومها بكلية الحقوق، لكن أكثرهن إتقانا وإبداعا عند التلاوة هى الوسطى مها.

وفى النهاية ماذا يتمنى الشيخ الطوخى لدولة التلاوة؟

أتمنى أن تعود لما كانت عليه من قبل، بدءا بالخشوع والتدبر والتأدب فى التلاوة، وصولا إلى التألق.

هل ترى أن اختفاء السميعة له دوره فى ظهور أشباه القراء على الساحة؟

أصادقك فى قولك، فغياب السميعة ووجود سميعة مودرن يميلون بآذانهم إلى الموسيقى الرائجة حاليا مع الأسف وينتظرون المهرج وليس القارئ، ونحن سنواجه ذلك بكل حزم، والقارئ أصبح أجرا وليس أداءً.

وكيف نواجه أزمات دولة التلاوة؟

أطالب الدولة بالاهتمام بالقراء والوضع فى الاعتبار أنهم القوى الناعمة، التى مكنها المساهمة فى رفع قيمة مصر دينينا وثقافيا وحضاريا.