جريدة الزمان

تقارير

الخبراء يوضحون أسباب قلة الإنتاج السمكي في المصايد المصرية

الإنتاج السمكي
محمد عبدالمنصف -

عبد الحى: التلوث فى البحر المتوسط والسياحة فى الأحمر أهم الأسباب

السعيد: استغلال اللاجونات يحدث طفرة فى عدد الأسماك فى البحرين

أبو لطيعة: انخفاض إنتاجية بحيرة قارون من 4520 طنا عام 2015 إلى 850 طنا

تقدر المسطحات المائية فى مصر بما يتراوح بين ثلاثة عشر إلى خمسة عشر مليون فدان وهى أكبر من كل مساحات الأراضى المزروعة بالمحاصيل والخضار والفاكهة فى مصر، وتتنوع هذه المصادر حسب طبيعتها فمنها البحرية فى البحرين الأبيض المتوسط والأحمر بالإضافة إلى خليجى السويس والعقبة، ومنها البحيرات الواقعة عند التقاء النيل وفروعه مع البحر.

 وتشمل بحيرات المنزلة والبرلس والبردويل وإدكو وقارون ومريوط والبحيرات المرة وملاحة بور فؤاد، بخلاف استحداث المصريين بحيرات صناعية كبرى كبحيرة ناصر بأسوان والريان بالفيوم، إضافة إلى مصادر المياه العذبة وتشمل نهر النيل بفرعيه والترع والمصارف، ومع ذلك فإننا لم نحقق الاكتفاء الذاتى من الأسماك.

«الزمان» تفتح ملف مصايد الأسماك فى مصر للوقوف على أسباب ضعف إنتاجيتها واقتراحات الخبراء للنهوض بها.

فى البداية يقدر الدكتور سيد عبدالحى أستاذ أمراض الأسماك بمركز بحوث الصحراء الإنتاج الكلى لمصر من الثروة السمكية بحوالى 1.87 مليون طن، يستخرج 400 ألف منهم من البحيرات، و49.5 ألف طن من البحر المتوسط، والباقى من المزارع السمكية، وهو إنتاج ضعيف مقارنة بحجم المسطحات المائية المتاحة.

وأوضح لـ«الزمان» أن ضعف إنتاجية الأسماك من البحر المتوسط يرجع إلى ضعف الخصوبة نظرا لأن خصوبة البحر نصف خصوبة المحيطات، لافتقارها إلى التيارات البحرية اللازمة لتنشيط الحياة البيولوجية، وإن وجدت فهى ضعيفة جدا وغير كافية لرفع المحتوى المائى من الأسماك والقشريات كما أنه بحر مغلق، غير منفتح على محيطات، بل ويستقبل العديد من ملوثات الدول المطلة عليه.

وقدّر عبدالحى المساحة الصالحة للصيد فى البحر الأبيض بقرابة 6.8 مليون فدان، نظرا لامتداد شواطئه بطول 1000 كيلو متر بداية من شمال سيناء وانتهاءً بمطروح مرورا بمناطق بورسعيد وعزبة البرج فى دمياط والمكس وأبى قير بالإسكندرية ومطروح والعريش بمحافظة شمال سيناء ورشيد والمعدية فى محافظة البحيرة وبلطيم فى كفر الشيخ، إلا أنها لا تساهم بأكثر من 8.81% من الإنتاج السمكى.

وأضاف أستاذ أمراض الأسماك أن البحر الأحمر وخليج العقبة يعانيان من تدهور مصايدهما نتيجة الاستغلال السيئ للاستثمارات السياحية التى تستغل الخلجان الشاطئية فى إقامة قرى سياحية يقوم روادها بعمليات الغوص والصيد بدلا من استخدامها كمزارع طبيعية لإنتاج الأسماك، لافتا إلى أن التيارات البحرية تنتهى عند سواحله الشرقية والجنوبية حيث شواطئ المملكة العربية السعودية واليمن مما يقلل من فرص الصيد فى شواطئه المصرية، خاصة مع التلوث الكبير فى خليج السويس بسبب موانئ البترول وما يصاحبها من تلوث كبير فى البيئة.

وقال الدكتور سيد عبدالحى إن المساحة الصالحة للصيد فى البحر الأحمر 4.4 مليون فدان إذ تمتد شواطئه بطول 1000 كم بداية من حلايب وشرتين وحتى مناطق الطور ودهب بمحافظة جنوب سيناء والغردقة وحلايب وشلاتين بمحافظة البحر الأحمر مرورا بخليج السويس بمحافظة السويس، ولكنها لا تساهم بأكثر من ـ1% من الإنتاج السمكى.

 

السوق الأوروبية تمول عمليات تطوير بحيرة البردويل

وفيما يتعلق بالبحيرات الشمالية أوضح عبدالحى أن بحيرة البردويل، أهم تلك البحيرات نظرا لنقاء مائها وجودة أسماكها من حيث نوعيته، إضافة إلى مساحتها الشاسعة وقربها من الأسواق الأوروبية المستهلك الرئيسى لأسماكها ذات السمعة العالمية، مشيرا إلى معاناة البحيرة من الإطماء.

قدر عبدالحى مساحتها بحوالى 165 ألف فدان، يفصلها عن البحر الأبيض شريط رملى لا يزيد عرضه عن كيلو متر واحد، وطوله إلى 90 كيلو مترا، ويبلغ إجمالى محيطها 650 كيلو مترا وتتركز مناطق مناطق الصيد بها فى بئر العبد والعريش بشمال سيناء.

وأشار أستاذ أمراض الأسماك إلى قيام السوق الأوروبية بتمويل مشروع لتنمية وتطوير مبانى التلول وإغزيوان، بهدف تطوير البحيرة لزيادة إنتاجها وتحسين نوعية المنتج، بإنشاء أرصفة تراكى لرسو السفن، ومبنى لفرز الأسماك وتجهيزه للتسويق المحلى وللتصدير مع تزويده بالمعامل الجافة والرطبة، وتطوير طرق الحفظ للأسماك على المراكب، وإمداد كافة المعامل بالأجهزة العلمية والكيماويات والمعدات والآلات المختلفة المرتبطة بعمليات الصيد والتخزين والنقل والتسويق وخلافه.

ولفت عبدالحى إلى إنشاء ورش لإصلاح وصيانة المراكب والمواتير، ووحدات سعة 2 طن لتجميد الأسماك، وإنشاء مبنى للجمعيات التعاونية لصائدى الأسماك بالبحيرة، وإنشاء مبنى لمخازن ومعدات الصيادين والمضبوطات، مشيرا إلى قيامها كذلك بتنفيذ شبكة داخية لخدمة عمليات الصيد بالبحيرة، وتوريد كراكة قاطعة ماصة ذات قدرة 1200 حصان بكافة ملحقاتها البخرية بخط طرد بحرى وبرى بطول 2 كم وكذلك معداتها المساعدة والمتمثلة فى (لانش قطر بقدرة 350 حصان ولانش خدمة بقدرة 350 حصانا)، وبلدوزر على كابينة – لودر على عجل ليقوم بعمليات التكريك فى بوغازى 1 و2 ومتطلبات داخل البحيرة.

وقال عبدالحى إن هيئة الثروة السمكية قننت عمليات الصيد بالبحيرة بمنع الصيد خلال تكاثر الأسماك فى البحيرة لأصناف الدنيس والقاروص وموسى والوقار والبورى والطوبار لمدة 4 أشهر فى الفترة ما بين أول يناير لنهاية أبريل، وهو ما يعرف بفترات المنع البيولوجى، وذلك لإعطاء الفرصة لنمو الأسماك والمحافظة على الزريعة وإعطائها الفرصة للتكاثر ونمو الأسماك إلى الحجم الاقتصادى المجزى مع حظر الصيد فى مناطق المحميات البحرية داخل البحيرة.

وأضاف أنها طورت الرؤس الخرسانية وأقامت مفرخا بحريا لإنتاج زريعة الدنيس والقاروص لتدعيم المخزون السمكى للبحيرة مع إنشاء صالتين لتصدير الأسماك الأولى فى منطقة بحيرة البردويل والثانية فى ميناء المعدية بالإسكندرية، وهذه الصالات تشمل صالات وقاعات لإرشاد المصدرين وتوعيتهم بالأسلوب الأمثل لقواعد التصدير.

بحيرة المنزلة: تقلصت من 700 ألف إلى 100 ألف فدان.. و30 ألفا فقط صالحة للصيد

أوضح عبدالحى أن مساحة بحيرة المنزلة تقلصت من 700 ألف فدان إلى 323 ألف فدان ثم إلى 130 ألفا وتبلغ مساحتها حاليا أقل من 100 ألف فدان، لا يصلح منها للصيد سوى 30 ألف فدان فقط وتشمل مناطق صيد (القبوطى) بمحافظة بورسعيد و(غيط النصارى) بمحافظة دمياط.

ولفت أستاذ أمراض الأسماك إلى اضطرار الصيادين إلى هجر البحيرة للصيد فى البحرين الأبيض والأحمر على الرغم من أن فقرهما بالنسبة للثروة السمكية وخروجهم للمياه الدولية ومشاكلهم فى تونس وليبيا والصومال واليمن ليست خافية على أحد وأخبار احتجازهم تملأ شاشات التليفزيون، نتيجة تجفيف مساحات كبيرة منها وتعرضها لتغيرات مناخية وتلوثها من مصرفى بحر حادوس وبحر البقر، وهما كافىان جدا لتلويث مياه البحيرة بالمخلفات الصناعية والصرف الصحى والزراعى بما فيهم من معادن ثقيلة ومبيدات حشرية ومسببات أمراض وغيرها.

الجزر البحرية والشعب المرجانية تعيد الأسماك للبحر

من جانبه طالب الدكتور مصطفى السعيد أستاذ الاستزراع السمكى بمركز بحوث الصحراء، باستغلال اللاجونات الساحلية (المياه الواقعة خلف جزر أو شعب مرجانية) والمنتشرة على امتداد الشواطى، وتعتبر أحواضا طبيعية داخل اليابسة لها فتحة تسمح بتبادل المياه مع البحر، بحيث يقام حواجز على هذه الفتحات تكون ذات اتجاه واحد تعرف باسم (one way barrier) حتى تسمح بدخول الأسماك ولا تسمح بخروجها وهذه اللاجونات يتم استغلالها كمزرعة طبيعية، كما يمكن أن تقام مفرخات الأسماك على حوافها وتنقل إليها زريعة الأسماك إضافة إلى ما يدخل إليها طبيعيا من البحر.

ولفت السعيد إلى أهمية تغذية الأسماك من خلال ضخ كمية من الأملاح الغذائية والتى تساعد على نمو الغذاء الطبيعى للأسماك من فيتوبلانكتون وزوبلانكتون، كما توضع بها الغذايات الأتوماتيكية فى المناطق الفقيرة فى الغذاء الطبيعى، بحيث تحصل الأسماك على غذائها منها عند الحاجة بتحرك مؤشر حساس يتدلى منها ويفتح الغذاية بمجرد تحريكه.

وقال أستاذ الاستزراع السمكى إن العلماء فى اليابان قاموا بجمع الأسماك الناضجة المحملة بالبيض ووضعه تحت ظروف التحكم حتى يفقس وتنمو اليرقات ورعايتها فى حضانات حتى تصبح قادرة على مواجهة الظروف البيئية بما يسمح بزيادة معدل حياة هذه اليرقات إلى أكثر من عشرة أضعاف فيما لو تركت للظروف الطبيعية.

وأشار السعيد إلى وجود العديد من هذه اللاجونات بمصر، حيث يوجد لاجونا مطارمة والأكمة بجنوب سيناء، ولاجون العلمين واللاجون الشرقى والغربى بمطروح إضافة إلى لاجون السلوم فى الساحل الشمالى الغربى، أما ساحل البحر الأحمر فهو غنى بالشعب المرجانية التى تمتد بطول شواطئه التى تبلغ أكثر من 1000 كيلو متر.

أكد الدكتور مصطفى السعيد أن الاستزراع السمكى البحرى هو أمل مصر لإحداث طفرة فى الإنتاج السمكى من الأنواع البحرية المتميزة ذات القيمة التصديرية العالية التى يمكن أن تجعل من الأسماك مصدرا هاما للحصول على العملات الصعبة وتوفير العديد من فرص العمل للشباب خاصة أننا نمتلك الشواطئ التى تحوى أفضل مواقع الاستزراع السمكى وتتفوق على العديد من دول العالم التى سبقتنا فى هذا المجال.

ولفت الدكتور مصطفى السعيد إلى إقامة عدة مزارع سمكية فى المنطقة من دمياط حتى بورسعيد مستغلة وقوعها بين البحر الأبيض ومياه بحيرة المنزلة، إذ تساهم البحيرة فى تخفيف ملوحة الأحواض وتعمل على جذب زريعة الأسماك البحرية من البحر إليها، كما تساعد الملوحة المنخفضة لمياه البحيرة على نمو الغذاء الطبيعى من طحالب وكائنات نباتية وحيوانية دقيقة لازمة لنمو الأسماك.

انتشار البطالة بالفيوم بسبب تلوث بحيرة قارون

فى سياق متصل أوضح ربيع صالح أبو لطيعة عضو مجلس النواب عن الفيوم، أن إنتاجية بحيرة قارون انخفضت من 4520 طنا عام 2015 إلى 850 طنا فقط حاليا، نتيجة تلوث مياه البحيرة، ممثلة خسارة كبيرة للمواطنين حيث يوجد بها 605 مراكب لصيد الأسماك يعمل بكل واحدة نحو 9 أفراد، بخلاف مصانع الثلج والسيارات التى تقوم بنقل الأسماك للأسواق، وصناع المراكب، مما أدى إلى انتشار البطالة بالفيوم.

وأضاف أبولطيعة لـ«الزمان» أن التلوث ساعد على ظهور حشرة «الأيزوبودا» التى تتغذى على خياشيم الأسماك، مما نتج عنه استقبال الشاطئ لآلاف الأسماك النافقة، وتعتمد المحافظة فى مقاومتها على الجمبرى على اعتبار أنه دون خياشيم، لافتًا إلى تميز البحيرة بعشرة أنواع من الأسماك منها: «البلطى - بورى - موسى طوبار – دنيس - قاروص - جمبرى - ثعبان الماء - القرموط».

وقدّر أبو لعيطة مساحة البحيرة بحوالى 55 ألف فدان، يمكن أن تصبح المزرعة الرئيسية لإنتاج الأسماك فى مصر، مشيرًا إلى أن مشروع بركة غليون بمحافظة كفرالشيخ يقع على مساحة 4 آلاف فدان فقط ومع ذلك أحدث طفرة فى إنتاج الأسماك، فما هو حجم الإنتاجية المتوقعة من بحيرة قارون إذا تم تنميتها.

ولفت عضو مجلس النواب إلى  معاناة البحيرة من مشاكل تجريف الزريعة التى يتم إلقاؤها فى البحيرة مع بداية كل موسم، إذ يتم صيدها بشباك خاصة وبيعها بعد ذلك بأقل كثيرًا من قيمتها الحقيقية بدلًا من استخدامها كغذاء للحيوانات.

وأكد أبولطيعة على خطورة استمرار عمليات الصيد الجائر بالبحيرة على كمية الأسماك بها، خاصة أن الزريعة التى تلقى بها تحتوى على أنواع كثيرة ومميزة من الأسماك والقشريات مثل: «الجمبرى، والبلطى.. وغيرها»، مبينًا أن استخدام بعض الصيادين الحطاطات وهى من أدوات الصيد التى تتسبب فى قتل آلاف الجمبرى التى تتجمع فى أماكن معينة من البحيرة.