جريدة الزمان

تقارير

لصوص «الشاشة الصغيرة» يسرقون الذوق العام

أرشيفية
محمود أبو سالم- آية الشيخ-سامية عبدالقادر-نسيبة حسين-بسمة عبدالحكيم-داليا مسعود -

«أهل الشرور والفتن» يعكرون صفو المصريين عبر المنصات الفضائية

ضيوف يخربون البيوت المصرية بلا استئذان

فنانون: تدنى الذوق العام وإبراز العلاقات الآثمة أساء للمجتمع

قانونيون: مشاهد العرى والإسقاط لبعض المهن أمر مرفوض شكلا وموضوعا

مواطنون: 5 دقائق يومية تكفى لإفساد أحوال الأسرة

أمنيون: مظاهر غريبة تشكل خطورة كبيرة على الأمن القومى

نفسيون: مادة خصبة لتربية جيل إرهابى من خلال الرأى المتشدد والتعصب

إقطاعيون: نرفض فكرة فرعون السينما وقطاع رجال الأعمال فيه الشريف والفاسد

أكاديميون: الإعلام والفن افتقدا المصداقية والمسئولية والمهنية

 

تحولت من نعمة إلى نقمة بعد أن انحرفت عن مسارها الحقيقى وهدفها الأساسى، وباتت ضيفا ثقيلا مخربا للديار وليس معمرا، وضاقت بها الشاشات الصغيرة داخل البيوت المصرية، بعد أن نخر سوس فساد الذوق فى محتلف القوالب المقدمة للمشاهد المصرى سواء كانت درامية أو برامج حوارية أو استعراضية وحتى تاريخية، بما أصاب الجميع بالاضمحلال والتفكك والانهيار بعد أن كانت رمزا للبناء والتشييد والترابط المجتمى.

وأصبح المجتمع يتحمل أخطاء «الضيوف عبر الشاشة الصعيرة» من مقدمى وضيوف البرامج الحوارية والأعمال الفنية، بعد أن كانت تصحح سلوكيات الأفراد من السيئات إلى الحسنات، وهذه رسالة الإعلام والفن المعتدل المختفى عن الشاشة حاليا.

وتنوع الضيوف الذين اقتحموا البيوت عبر شاشات التلفزيون فمنهم من يتخفى فى مظهر المذيع غير الملتزم بالعادات أو التقاليد، ولا يعرف شيئا عن «الإتيكيت الإعلامى»، فتجده يصدر الألفاظ النابية الدخيلة على المجتمع، وكأنه يجلس على «المصطبة»، ويروج الشائعات على الشاشة، قاصدا رفع نسبة المشاهدة، أو أن يظهر هذا الضيف فى مشهد الضيف بالبرامج الحوارية، ويدعى البطولات وفجأة يخرج عن صمته ويلقى بما يقول عرض الحائط ليتحول إلى شبح يلقى بالاتهامات على الآخرين، وأحيانا ما يعبر عن غضبه بالشتائم المحملة بالألفاظ الخادشة للحياء، أو

أن يعبر عن غضبه برفع حذائه فى وجه الآخرين، أو أن يكون الضيف عبارة عن ممثل يظهر فى عمل فنى ويجسد دور بطل شعبى يروج للبلطجة ومشاهد الدماء فى الشارع، وكل هؤلاء الضيوف لا يتقبلهم المجتمع، ويرفضهم رفضا باتا لما يفتقدونه من إتقان لأبجديات الوطنية والعادات والتقاليد الشرقية، أو رعايتهم لحرمانية البيوت التى يقتحمونها دون الالتزام بأدنى حدود الأدب.

«الزمان» تفتح ملف الضيوف التى تؤثر فى المجتمع بصورة سلبية فتزداد نسبة الجريمة، وتعرض الروشتة اللازمة للاستفادة من هؤلاء الضيوف بما يلبى احتياجات المجتمع .

 

دولة القانون

«نرفض بشدة هذا الضيف الذى لا يحترم أصولنا وعاداتنا».. بهذه الكلمات البسيطة، أكد عدد من المواطنين رفضهم التام للأعمال الفنية والبرامج الإعلامية التى يتم عرضها على الشاشة وتقدم الإساءة للمجتمع، وتكون سببا كبيرا فى إفساد أخلاق النشء والشباب بعدما تبيح العنف والمخدرات وتجعل من الانحراف سلوك الحياة.

المهندس أحمد مختار، يتهم الأجهزة الرقابية بتجاهل أحوال الإعلام، مشيرا إلى أنه يجب إعلاء دولة القانون والضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه إلحاق الضرر بالوطن أو المواطن.

ويضيف أن كل ما يراه أفراد الأسرة على الشاشة يتسابقون فى محاكاته وكأنه أصبح فرضا وواقعا على الحياة، موضحا أن هناك أجيالا كثيرة وعلاقتها بالتلفزيون كانت وطيدة، فكان هو مصدر إكسابها المهارات والعادات والتقاليد، لكن تبدلت الأمور واختلفت بعد انتشار الأعمال المسيئة للمجتمع.

سمر أنور، موظفة، تقول: حالة الإفلاس التى تعيشها الشاشة حاليا وراء سوء أحوال الأسر المصرية، فكان بالماضى الشارع هو مصدر تعليم الصغار العنف والبلطجة، وكنا نمنعهم من الخروج إلى الشوارع خوفا عليهم من الاندماج فى سوق البلطجة والعنف والجريمة، لكن أصبحت هذه الأمور يتم توريدها عبر شاشات التلفزيون، فتكفى 5 دقائق فقط يوميا لإفساد أحوال الأسر، فيتعلم الصغير أن القوة والعنف هما لغة الحوار الدارجة ويعتاد لسانه على لغة الشارع وما تصدره من بذاءات، كما أنه يتعلم أن الإدمان مصدر السعادة، وعدم احترام الكبير أو صاحب الرأى المخالف أمر طبيعى.

وتضيف سمر، قائلة: «على الأسر أن تواجه هذه المخاطر بسرعة شديدة قبل فوات الأوان، وأن تلتزم بالمتابعة الدقيقة لأبنائها للحفاظ عليهم من السقوط فى طريق الشياطين وأصدقاء السوء، وألا تترك لهم الحبل على الغارب».

 

الرجل الشرير

أعلن قطاع رجال الأعمال عن رفضهم القاطع للمشهد الذى ألصقته الدراما والسينما برجل الأعمال على أنه نصاب ومحتال، لافتين إلى أن هناك الكثير من رجال الأعمال يلتزمون بتقديم الأنشطة الخيرية ولا يعلنون عنها، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منهم بدأت نجاحاتها من أقل ما يمكن أن يتخيله العقل، وجميعهم يشعرون بالمعاناة التى يعيشها العامل والمواطن البسيط، مؤكدين على أن قطاع رجال الأعمال يدرك أنه يقع على عاتقه عبء كبير فى تنمية الاقتصاد وتحقيق درجة أمان معقولة للعامل لديه يتمكن بها من التغلب على الظروف العصيبة التى يعيشها.

جمال بيومى، رئيس اتحاد المستثمرين العرب السابق، يرى أن الأعمال الدرامية والسينمائية تصدر دائما شخصية رجل الأعمال الشرير، الذى يسعى إلى نهب المال العام والسيطرة على موارد الدولة دون وجه حق، بالإضافة إلى ما تقدمه بشأن قيامه باستغلال المساحات الإعلامية المختلفة من أجل تلميع نفسه والسيطرة على ما يتم نشره وخدمة قضاياه والإضرار بمنافسيه سواء بتملك وسائل الإعلام المتنوعة أو التحكم فيما يتم عرضه من خلال الإعلانات التى تخص شركاته.

ويضيف بيومى أن السينما حرصت دائما على الاستعانة بالممثلين المعروفين مثل محمود المليجى، واستيفان روستى، لأداء شخصيات رجل الأعمال بصورة شريرة، بالإضافة إلى أن بعض كبار الكتاب فى الصحف يشوهون صورة رجال الأعمال من خلال مقالاتهم الصحفية، مشيرا إلى أن الحديث الدائم عن التهرب الضريبى لرجال الأعمال غير منطقى، مشيرا إلى أن الدول حريصة على تحصيل مستحقاتها، كما أن هذا وضع طبيعى فى كل دول العالم أن يسعى رجال الأعمال إلى تقليص حجم الضرائب المفروضة عليهم.

وأرجع السبب فى انتشار هذه الصورة النمطية السلبية إلى الأجواء السياسية التى عاشتها الدولة فى فترات مختلفة والتى نادت بمساواة الفقراء برجال الأعمال دون مراعاة لطبيعة الفروق الفردية بين الأشخاص وقدرتهم على تحقيق الثراء، ودون الوضع فى الاعتبار طبيعة اختلاف طبقات المجتمع، خاصة بعد انتهاء عهد الملكية، وتابع قائلا: هناك العديد من رجال الأعمال يؤدون دورهم فى المسؤولية الاجتماعية من خلال توفير معاشات للأسر المحتاجة ودعم الطلاب بالمنح الدراسية وتشغيل عدد كبير من العمالة.

 

فرعون السينما

الدكتور أحمد عامر الخولى، رئيس شعبة الاستثمار العقارى، يرى أن المجتمع نفسه لا يتقبل فكرة تقديم رجل الأعمال خلال الدراما والسينما على أنه فرعون، يتلاعب بأحلام الآخرين ويرتكب من الجرائم ما يجعله الأول والأوحد فى السوق، إذ يوجد رجال أعمال كثيرون يهتمون بالعمل المجتمعى والإنسانى، ويفعلون ذلك فى صمت، مشيرا إلى أهمية أن تتنوع الأعمال الدرامية والسينمائية وتقدم نموذجا لرجل الأعمال الفاسد، وتقدم نماذج أخرى تعتمد على الوطنية والالتزام وتعتبرهما عنوانا للحياة، محذرا من أن تكون الفكرة السائدة هى فساد كل رجال الأعمال وهو ما تنتج عنه حالة عدائية بين أفراد المجتمع ورجال الأعمال وقد تظهر دوافع الانتقام منهم بالسرقة والاستيلاء على أموالهم لإشفاء الغليل بسبب الفكرة التى نشرتها الأعمال الفنية، والبرامج الإعلامية التى قد تدار فى العلن على أنها حملة ضد الفساد، لكن تختفى وراءها حملات تشويهية ممنهجة لبعض الشخصيات الناجحة.

ويشير الخولى، إلى أنه يجب على الجهات الرقابية أن تتحرك قبل فوات الأوان، قائلا: من الممكن أن يتسبب المحتوى الذى تعرضه الشاشات فى الإضرار بالأمن القومى، فى ظل زيادة عدد القنوات التلفزيونية، وتباين وسائل الإعلام والميديا التى تخترق البيوت المصرية دون استئذان، مشددا على أهمية إعادة تأهيل العاملين فى المجال الإعلامى وصناع الأعمال الفنية بما يتناسب والتطورات المجتمعية، والاتفاق على لغة حوارية محترمة يتقبلها المجتمع وتتناسب مع عاداته وتقاليده.

 

الإعلام المهنى

الدكتورة هالة نوفل، عميدة كلية إعلام جنوب الوادى، تقول إن الإعلام أصبح يفتقد من يقدمه بشكل صحيح ومهنى، فنجد الإعلامى يردد الألفاظ البذيئة التى لا تليق بالمجتمع ولا علاقة لها بالمهنية، لكن يلجؤون إليها أحيانا لزيادة نسبة المشاهدة، بالإضافة إلى أن البعض الآخر يلجأ إلى استضافة ضيوف لإجراء الحوارات والمناظرات الجدلية التى يتم استخدامها فى إحداث ضجة إعلامية جماهيرية.

وتضيف نوفل أن الإعلام مهنة تتعلق بالمبادئ والمعايير الأخلاقية التى تتمازج مع بعضها البعض لتكوين الفكر اللازم لتوعية أفراد المجتمع، موضحة أنه يجب على يمتهن الإعلام أن تتوافر فيه عدة معايير كالدراسة وأن يتمتع بالموهبة والمصداقية وتكون لديه رغبة فى العمل المهنى الذى يُعمل من خلاله الضمير اليقظ.

وتشير نوفل إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل فى طبيعة البرامج المقدمة وأهدافها ومدى التزامها بالوظائف الساسية للإعلام وهى التوجيه والإرشاد ونقل التراث والأخبار والمعلومات والتثقيف.

 

الإعلام المحايد

الدكتورة سهير عثمان، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، تقول إن أكثر من 80% من مقدمى البرامج ليسوا مؤهلين للتعامل بشكل مهنى ومحايد لأنهم يخترقون أبسط قواعد المهنية للإعلام، إذ يروجون لآرائهم على الشاشة وهو ما يفقدهم الموضوعية، بالإضافة إلى أن قنواتهم تستضيف ضيوفا معينين للترويج لآراء وسياسة القناة.

وتؤكد عثمان، أن ما نشاهده على الشاشات عبارة عن رسائل موجهة، فليس هناك من يدافع عن قيم أو أخلاقيات الجماهير، فنجد بعض الإعلاميين يتلفظون بألفاظ خارجة ويتهكمون على دول أجنبية ورؤسائها وهم ليسوا خبراء فى السياسة الخارجية، وتضيف: ومن يشاهد البرامج سوف يتبنى وجهة نظر البرنامج من الآراء المعلبة وهى تبنى وجهة النظر دون فهمها، لكن الشباب الواعى فقط من يحمى نفسه من مثل هذه الأفكار.

وتشير عثمان إلى أن هذه الظاهرة لا علاج لها لأن إعلامييها يعبرون عن سياسة القنوات التى يعملون بها، مؤكدة أن الحل يكمن فى تربية جيل جديد يعى تماما وظائف الإعلام وأهدافه وتكون لديه القدرة على تلبية احتياجات الجمهور.

الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، يقول: ما يحدث فى العمل الإعلامى والفنى، مهزلة كبيرة، فأصبحت هوجة كل من يرغب فى شيء يقدم على تنفيذه دون أى رادع أو رقابة وكأننا نعيش فى كباريه، إذ تتفاقم الألفاظ البذيئة سواء فى البرامج أو الأعمال الفنية، وهو ما جعل المشاهد يقاطع هذه الأعمال التى تسيء إلى المجتمع ووصف العالم، المشاهد بالمجنى عليه، وصانع العمل الفنى والبطل والإعلامى والضيف المتهم بالإساءة للمجتمع بالجانى والمتهم.

الكاتب مصطفى محرم، يتهم الكثير من الأعمال الفنية بالإساءة إلى المجتمع من خلال تزييف الحقائق، وتقديم الشخصيات السيئة فى صورة جيدة ومفيدة للمجتمع والعكس بتقديم الشخصيات السوية على أنها مسيئة للمجتمع، مشيرا إلى ضرورة أن يتحرى صناع الفن الدقة، قائلا: لا مانع من تقديم الشخصيات السيئة والجيدة لكن بشرط أن يكون هناك تنوع فيتم تقديم الصالح والطالح، وألا يتم التركيز والاهتمام بشخصية دون الأخرى، وكأنه يتم فرضها على المجتمع برغبة ورؤية من صانع العمل، إذ إن المشاهد لن يتقبل ذلك أبدا.

 

الواقع المرير

الناقد الفنى طارق الشناوى، يرى أن الدراما المصرية تنقل الواقع الذى يعيشه المصريون، مشيرا إلى أنه فى فترة أحداث يناير 2011 شهد المجتمع تغييرا جذريا بطريقة كبيرة، إذ شاعت البلطجة وأبيحت الألفاظ البذيئة فى الشوارع والميادين، وهو ما طغى على الكثير من الأعمال الفنية التى تم عرضها فى تلك الفترة، وتحولت جميعها إلى صراعات تبيح للبطل أن يتشاجر بلغة البلطجية دون روابط، وهذه كارثة إذ إن الكثير من الشتائم أصبحت لا تجف منها ألسنة الصغار قبل الكبار فى البيوت، بالإضافة إلى مشاهد الإدمان والرقص، وأظهرت هذه الأعمال المواطنين مدمنين، والمرأة راقصة عارية، وكأن الرقص والإدمان والبلطجة أصبحت سمة رئيسية تميز المصريين فى تلك الحقبة عن غيرهم .

ويطالب العالم صناع هذه الأعمال الإعلامية والفنية التى يرفضها المجتمع بإعمال ضمائرهم، والعمل على تقديم أعمال تليق بقيمة ومكانة مصر.

أسامة عبدالفتاح، الناقد الفنى، يرى أن الدولة أنشأت العديد من الجهات الرقابية لمتابعة إنتاج الأعمال الفنية والإعلامية، وأقرت قوانين لمعاقبة المخطئين وهى إجراءات كافية للحفاظ على الذوق العام، موضحا أنه يجب على المنتجين أن يقوموا بواجباتهم تجاه وطنهم بمنع نشر أى أعمال تسيء للمجتمع.

ويشير عبدالفتاح إلى قيام المجلس الأعلى للإعلام بوقف العديد من البرامج للتجاوز فى السلوكيات المقبولة مجتمعيا، كما حذر المجلس من وقف قنوات فضائية بأكملها إذا لم تلتزم فى تقديم برامجها بالأخلاقيات المتعارف عليها.

 

العلاقات الآثمة

أحداث العنف التى شهدها الشارع المصرى أبعدت جيل الفن الجميل عن الساحة، وأوردت جيلا جديدا أشاع العنف والبلطجة وجعل منهما عنوان الحياة.. هذا ما اتفق عليه عدد من الفنانين الذين أكدوا رفضهم لما تقدمه الشاشات اليوم من بذاءات تسيء للمجتمع.

الفنان الكبير أحمد بدير، يقول: «هناك تغيرات طرأت على الدراما ونشهد ظواهر غريبة على المجتمع الفنى، فحاليا تشيع الألفاظ النابية التى يعف عن ذكرها اللسان، كما أنه يتم عرض الكثير من العلاقات الآثمة على الشاشة، وهذا غير مطلوب لأن التلفزيون له خصوصيته بالإضافة إلى أن جمهوره من الأسر البسيطة التى تحافظ على العادات والتقاليد، وبالتالى هذه الألفاظ شيء غير مناسب على الإطلاق، ولا بد من الحد منها تماما، خاصة أن الدراما التلفزيونية هى أكثر محتوى فنى يتعرض له المشاهد المصرى، لأن ليس كل الفئات تتوجه للمسرح والسينما أو تشاهد الإنترنت».

سعيد الشيمى، مدير التصوير السينمائى، يقول: «كسل المؤلفين والمخرجين تسبب فى تشويه مهن بعينها، ويجب الاعتراف بأن الفن فى مصر يعانى من النمطية، فدائما نجد الفقير صاحب مبادئ والثرى يظهر بشكل سيئ، والطبيب النفسى يظهر مجنون هذا مثال بسيط جدا».

ويتابع الشيمى: «النمطية ليست شيئا جديدا على السينما فنجد فى كل فيلم رقصة وأغنية وأصبحت عادة، ولكن الوصول لحد التشويه أمر آخر ولا بد من مواجهته من جانب المنتج والمخرج القائمين على الأعمال الفنية».

الفنانة رانيا محمود ياسين، تبرر تدنى مستوى الأعمال الفنية بقولها: «بعد أحداث يناير تم التعامل مع الفن على أنه صفحة قديمة وتم إغفالها وفتح أخرى جديدة وشهدت تلك الفترة ظهور شخصيات جديدة فيما التزم جيل كامل بالجلوس فى بيته دون عمل، ولا يمكن وصف الجيل الجديد (اللى ظهر علينا إلا بأنه جيل ما يعلم بيه إلا ربنا وحده)».

 

التفكير الناقد

اتفق خبراء علم النفس والتربية على أن ما تعرضه وسائل الإعلام من برامج وأعمال فنية تحمل بين طياتها المخاطر التى قد تضر ببناء النشء وتربيته وتعديل سلوكياته من السلوكيات السوية إلى الخاطئة، وأشاروا إلى أن بعض المواد التى يتم عرضها قد تساهم بما لا يدع مجالا للشك فى تشكيل وجدان الإرهاب من خلال الفكر المتعصب والتوحد فى الرأى.

الدكتورة أسماء عبدالعظيم، استشارى الصحة النفسية، ترى أن وسائل الإعلام تعد الوسيلة الأكثر خطورة من وسائل تقويم السلوك والتربية، لأنها تدخل كل البيوت، والكثير من الناس يعتقدون أن من يظهر على شاشة التلفزيون هو بالضرورة قدوة، ويتواجد إحساس نفسى بأنها أشخاص لها ثقل فى المجتمع ويكون لدى المجتمع احتمالية كبيرة لتصديق حديث هؤلاء.

وتضيف عبدالعظيم قائلة: يظن البعض أن من يظهر على الشاشة له مصداقية، وبالتالى فإن سلوكه يتقبله الفرد بنسبة 50% على الأقل، وفى المقابل لا بد من أن يتحلى المشاهد بالتفكير الناقد، وليس كل ما يبث يُؤخذ بمحمل الجدية، ولا بد من تنقية السلوك والحديث الذى يتم عرضه على الشاشة.

وتشير «عبدالعظيم» إلى أن القرآن الكريم دائما ما كان يؤكد على السمع والبصر وأهميتهما فى هذا الشأن، موضحة أن كل ما يراه الفرد وما يسمعه يكون له تأثيره على النفس، قائلة: «من كتر ما المشاهد بيسمع ألفاظ خارجة بيحصله زى برمجة بأن ده يكون السلوك العام.. وللأسف المادة بتأثر فينا ككبار فمبالنا بالأطفال الصغار».

وتؤكد عبدالعظيم أن الأطفال عند مشاهدتهم التلفزيون يحدث لهم «نمذجة»، أى أنهم يتعاملون مع المشاهد على أنها نموذج، ويتعاملون بناءً على ذلك، لذلك فإن الطفل يتلقى مشاهد العنف بأنها مجردة، ولن يفهم المغزى أو الهدف النهائى من الفيلم، موضحة أنه من الضرورى تنمية التفكير النقدى لدينا ولدى أطفالنا، وهو ما يشجع على الاتجاه إلى برامج الوعى الدينى من خلال التعامل الصحيح والحديث اللائق، والتركيز على الدور الإيجابى لخطب الجامع والمدارس والبرامج التى تحث على الفضيلة.

الدكتورة صفا سيد أبوالعزم، استشارى نفسى للأطفال وتعديل السلوك، تقول: وسائل الإعلام لها تأثير كبير على سلوكيات الإنسان، والأطفال بوجه خاص، ومرحلة الطفولة هى العمر الذهبى، ويكون خلالها الطفل بنيته المعرفية، إذ يزود بكل ما يدور حوله خبراته ولغته وحركاته وأفكاره.

وتضيفت أبوالعزم: التكنولوجيا والتطور السريع فى الإعلام أثرا بصورة أكبر على الأسرة كلها، خاصة مع انتشار أجهزة التابلت والهواتف الحديثة، كما أنها تجعل من الرقابة والتحكم فى المدخلات التى تصل إلى عقل الطفل صعوبة بالغة، مؤكدة ضرورة أن يتعرض الأطفال إلى مواد تلفزيونية تولد عنده الطاقة الإيجابية وتجعل منه طفل بناء، وتزيد من ثقته بنفسه، قائلة: الإعلام له تأثيره الإيجابى الكبير طلما كان هناك وعى لدى الأسر وأولياء الأمور.

ونصحت أولياء الأمور بالإحسان فى التعامل مع أبنائهم وما يناسبهم، موضحة أن لكل مرحلة عمرية طريقة تعامل ومهارات ومدخلات يجب تنميتها.

وأعربت عن أسفها أن تكون بعض الإعلانات التى تعرض فى صورة كوميدية لها التأثير الأكبر والسيئ على المدى البعيد، وينتج عنه سلوك غير مقبول من الطفل فيما بعد، مستشهدة بأحد الإعلانات التى عُرضت لأحد الأطفال يجمع أخواته ويهرب من البيت.

ولفتت إلى أن الأطفال لديهم قوة ملاحظة شديدة لما يدور حولهم بالإضافة إلى قدرتهم البالغة على تقليد ومحاكاة نفس السلوك، موضحة وجود طفرة وزيادة كبيرة فى عدد الأفلام التى تقوم بعرض مشاهد للعنف والدماء والاعتداءات، مشيرة إلى أن الوقت الراهن يحتاج إلى نوعية أفلام تشبه مسلسل «يوميات ونيس»، التى اهتمت بعرض المشكلات وطرق التعامل مع الأطفال بصورة صحيحة.

وتشير إلى أن تأثير انتشار أفلام العنف بدأ يظهر على جيل المراهقين الذى تأصل لديه فكرة «أنا قوى وميهمنيش من حد وأقدر أعمل كل حاجة»، مؤكدة أنه يجب أن يكون هناك تنوع فى المعروض فى السنيما بشكل أكبر، وتناول للسلوكيات الخاطئة بصورة أقل حدة.

وأشادت بدور الجهات الرقابية مؤخرًا، بعدما ألزمت المسلسلات تحديد الفئة العمرية المسموح لها بالمشاهدة، بما يمنع على الأطفال مشاهدة أى لقطات للعلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة، مشيرة إلى أن الجهات الرقابية أدت دورها ويأتى دور الأسرة فى منعه من العرض على الأطفال.

الدكتور مصطفى كمال، الخبير النفسى ورئيس مجلس أمناء مؤسسة ابتسم لتأهيل ذوى القدرات الخاصة، يؤكد أن الشاشة بما تعرضه خلال برامج «التوك شو» تمثل سلاحا ذا حدين، إما أن يساهم فى إعداد النشء الجديد بصورة جادة تكسبهم الخبرة وتزيد من فرص التعبير عن مدى الوطنية والانتماء والسلوك الهادئ والوسطى الذى تم استخلاصه من هذه البرامج أو الأعمال الفنية، أو أن تكون تعمل على إرساء مبدأ البلطجة والعنف لديهم من خلال مشاهد العنف الممزوجة بالألفاظ الخادشة للحياء، بالإضافة إلى مشاهد الإدمان.

ويضيف كمال أن عقلية الطفل تلتقط المشاهد وتعكس صورتها فى ذهنه بل وينتظر اللحظة التى يعيد فيها المشهد بطريقته فتجد الطفل ينتظر اللحظة التى يشعل فيها السجائر ليشعر برجولته بين الأدخنة التى تتصاعد من فمه، فيما ينتظر آخر اللحظة التى يتمكن فيها من حمل السنجة أو المطواة والمبارزة بها ليشعر بأنه أصبح بطلا، وهذه هى مكتسباته من خلال شاشة التلفزيون.

ويشير كمال إلى أنه يجب على الجهات الرقابية متابعة المحتويات الخاصة بالبرامج والمسلسلات والأفلام، ووضع المعايير اللازمة وتطبيقها عند اختيار ضيوف البرامج ومشاهد الأعمال الفنية، مشددا على ضرورة أن يتم معالجة مشاهد العنف والمخدرات بصورة تمثل الحجب والمنع وليس الجذب والحث عليها.

الدكتور حسين عبدالرحمن، خبير الطفولة، يرى أن الأعمال الفنية التى يتم عرضها على شاشة التلفزيون تؤثر بصور ونسب مختلفة فى المشاهدين، فبعضها يحث المشاهد -أيا كانت فئته العمرية- على ارتكاب العنف وتفعيل مبدأ الغابات بأن البقاء للأقوى، وهو ما يتنافى مع العادات والتقاليد الإنسانية، فيما تؤسس مشاهد أخرى مبادئ المشاركة المجتمعية، وأهدافها فى حماية الأمن القومى للبلاد، إذ تعمل على نشر نفاهيم الدين الوسطى وتؤكد على نبذ فكرة التطرف والتشدد الدينى الذى يولد الفكر الإرهابى.

ويطالب عبدالرحمن أجهزة الدولة الرقابية بوضع كل ما يتعلق بالإعلام والفن تحت الرقابة المشددة لضمان خروج منتج طيب يساهم فى تشكيل وجدان الأجيال القادمة بصورة جيدة، وألا يكون الخروج عن العادات والتقاليد هو عرف سائد وكأنه ثوابت يرضى عنها ويتقبلها المجتمع.

 

دور عظيم

تفعيل القانون، وتوقيع أقصى العقوبات على المخالفين والمسيئين.. بهذه الرؤية عبر خبراء الأمن والقانون عن الطرق الواجب اتباعها لتصحيح مسار الإعلام والفن، ومعالجة التشوهات التى أصابت المجتمع بسبب ما وصل إليه الإعلام والفن حاليا، وجعل منهما شيئا مسيئا دون المستوى.

الخبير الأمنى اللواء فاروق المقرحى، مساعد أول وزير الداخلية الأسبق، يرى أن دور الإعلام عظيم جدا، خاصة فى الفترة الحالية التى تعيشها مصر من تطور فى شتى المجالات، إذ إن هناك ضرورة أن يتمتع الإعلام بالوطنية والمهنية، وأن يحقق هدفه الرئيسى فى توفير مزيد من التوعية لدى المواطن المصرى الشريف، وأن يحجب الإعلام عن نشر الألفاظ البذيئة التى تتناولها –للأسف الشديد- نسبة كبيرة من البرامج المتنوعة عبر الشاشة المصرية.

ويضيف المقرحى: الإعلام المضلل الذى ينشر البذاءات داخل البيوت المصرية يلحق الأضرار بالأمن القومى المصرى، موضحا أنه يعتبر من أخطر أنواع الحروب التى تخوضها مصر على مدار التاريخ فهى حرب الفتنة وتغيير المفاهيم، مشيرا إلى أهمية إصدار أحكام قضائية بمصادرة المعدات وغلق البرامج التى تنشر حلقات منافية للآداب العامة.

الحقوقى والمحامى أيمن محفوظ، يقول: الفن من أسمى الرسائل الإنسانية نحو السمو بأخلاقيات الناس وخلق مجتمع إنسانى سوى لأن الفن لغة عالمية يتذوقها كل البشر بغض النظر عن اللغة أو العرق أو الاختلاف فى الدين.

ويوضح محفوظ أن الإعلام هو توأم الفن ولهما نفس الهدف ولكن هناك من يستغل الفن لإهدار كل القيم الإنسانية من أجل مكسب رخيص ويتاجر بالعرى والابتذال وإهانة الشخصيات العامة، وبعض المهن التى لا بد أن يكون لها كل الوقار لطبيعة عملها مثل الشرطة والمحامين والقيادات السياسية، وغيرها، مشيرا إلى أن هناك إجراءات قانونية تم اتخاذها بشأن مشاهد العرى وإهانة المهن من قبل الفنانين وأبرزهم زناتى أمين الشرطة والمحامى فى مسلسل أيوب، ومشاهد العنف والعرى فى أفلام وحفلات محمد رمضان، موضحا أن مثل هذه الإجراءات ليست كافية للتخلص من تلك الظاهرة التى يبررها البعض بحرية الإبداع.

ويضيف محفوظ أن بعض البرامج الإعلامية تعمل على الإثارة من أجل رفع نسبة المشاهدة فى خلق حرب بين الضيوف لتصل فيها لاستخدام الأحذية بدلا من الحوار، وهذا أمر مرفوض، متابعا بقوله: لا يمكن لأى عقل أن يوافق على ما تشهده الكثير من البرامج الإعلامية المتنوعة من تطاول وخروج على حدود الأدب الأخلاقى والمجتمعى، وعلينا أن نستبدل لغة الأحذية بلغة الحوار بين ضيوف البرامج على أن يحكمها العقل وليس العنف.

المستشار حسن عبدالسلام، المحامى بالنقض، يرى أنه يجب تفعيل ميثاق الشرف الإعلامى لضمان خروج إعلام جيد يتميز بالحيادية ويسعى لنشر الفضائل والتأكيد عليها بين المواطنين، ويساهم مع أجهزة الدولة فى نبذ الفتن، مشيرا إلى أهمية تنظيم الدورات التدريبية للعاملين فى المجال الإعلامى، لإصقال مهاراتهم المهنية والتأكيد على الوسطية فى مناقشة القضايا والهموم المختلفة، وألا يظهر الإعلامى رأيه الشخصى على الشاشة فى القضية موضوع المناقشة حتى لا يؤثر على آراء الضيوف.

ويرى عبدالسلام ضرورة أن يتمتع الإعلامى بالخبرة القانونية والعقوبات المفروضة على الإعلاميين، لتفادى الوقوع فيها، مشددا على ضرورة أن يتحرك المجلس الأعلى للإعلام نحو معاقبة الخارجين على حدود الأدب على الشاشة وإصدار العقوبات الرادعة لهم ليكونوا عبرة لغيرهم ممن لا يعتبروا.

ويكشف عبدالسلام أنه يجب الوضع فى الاعتبار أن الألفاظ والمواقف المختلفة التى يشاهدها المواطن عبر الشاشات التلفزيونية تؤثر بصور متنوعة فى سلوكياته، فمنها ما يزيد حجم الجريمة فى الشارع المصرى، ومنها ما يحمل الرسالة القوية للمواطن وتجعله يتراجع مرات عن ارتكاب الجرائم.