جريدة الزمان

تقارير

نكشف أسلوب ومنهج التنظيمات الإرهابية لتجنيد مقاتلين جدد

حازم أبو دومة -

إخضاع الفرد لجلسات استماع فى الزوايا وتلقينه بجرعة من مظاهر التشدد وتغذيته بالأفكار التكفيرية للمجتمع وإقناعه بتغيره بالقوة والسلاح

١٠ صفات مطلوبة فى شخصية الإرهابى أبرزها  التمتع بالأمية الدينية والعزلة والانقياد والطاعة والصحة واللياقة البدنية

اللواء محمد الغبارى فى دراسة :أجهزة مخابراتية وعملاء وخونة يقومون

بانتقاء أفراد العملية وتدريبهم قبل تنفيذ المهمة ما بين 5-10 سنوات

 

تعد ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب واحدة من أخطر ظواهر الحياة الإنسانية بأشكالها وأطوارها المختلفة، وهى ظاهرة متأصلة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى والدينى، وهى أيضا قديمة قدم الإنسان ذاته ومرافقة له ومتطورة مع تطوره عبر العصور، لكن ما يجعل هذه الظاهرة فى وقتنا الحاضر والمعاصر هذا أكثر خطورة وأكبر تأثيرًا هو تحولها من الإرهاب الفردى والإرهاب المحدود إلى الإرهاب الجماعى المنظم والذى تخطط له وتنفذه تنظيمات إرهابية مدعومة ماديًا ومعنويًا وإعلاميًا بل وترعاها رعاية كاملة دول إقليمية ودولية وأجهزة مخابرات دول إقليمية وأجنبية كبرى وفاعلة فى النظام العالمى وتسعى لتحقيق أهداف وأغراض سياسية ضمن مصالحها القومية على حساب أمن واستقرار ومصالح الدول المستهدفة وشعوبها، خاصة ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الجديد/الكبير هذا هو مدخل للدراسة التى أعدها اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق  بأكاديمية ناصر العسكرية العليا والخبيرالعسكرى، عن منهج الإرهاب وأسلوب تجنيد الإرهابى سواء كان إرهابًا عقائديًا أى دينيًا أو سياسيًا

فى البداية يقول اللواء الغبارى: إنه عندما ننظر إلى تلك الظاهرة فيجب أن ننظر إلى التطور والتصعيد فى مفهومها أى تدرجها من التطرف إلى العنف ثم إلى الإرهاب باعتبارها الظاهرة الأخطر تأثيرًا فى عالمنا المعاصر والحاضر حتى يمكن وضع الحلول المناسبة لكل مرحلة لضمان النجاح عن طريق القضاء عليه، وذلك لأننا ندرك خطورته وأثاره الخطيرة والمدمرة على الأمن القومى والعربى فى كل مجالاته ومستوياته وعلى حياة البشرية والإنسانية عامة، حيث يمثل الإرهاب بعملياته الغادرة وأفكاره تهديدًا لسلطة الدولة وكيانها وقدرة مؤسساتها على العمل أو البقاء، شأنه فى ذلك شأن الحروب ببشاعتها والكوارث الكبرى فهى المؤثرة تأثيرًا مباشرًا على العمل من أجل الإنتاج والتنمية لتحقيق قدر ما من المعيشة الحالية والمستقبلية، حيث تكون معطلة لعجلة التنمية الضرورية لتحقيق الرفاهية والرخاء للأجيال القادمة.

ويضيف الغبارى، أنه عندما نقوم بالبحوث والدراسات التفصيلية عن نشأت الإرهاب وتطوره وأهدافه وارتباطه بتحقيق مصالح دول كبرى أى استخداماته، خاصة السياسية فإننا يجب أن نقوم بدراسة أول العناصرالمكونة له ألا وهو العنصر البشرى المقاتل من أى البلدان والجنسيات والعقائد يجندون؟ وكيف يتم التجنيد؟ وعلى أى مراحل يمرون بها؟ وعلى أى عقائد يتم تجنيد الإرهابى سواء كان إرهابًا عقائديًا أى دينيًا أو سياسيًا، مثل: اليمين المتطرف العنصرى واليسار المتطرف العنصرى أيضًا وهذه النماذج موجودة على الصعيد السياسى الدولى وأشكالها كثيرة.

وأكد الغبارى أن الاستعمار الحديث أصبح لا يغزو بقواته أو يحتل كالنموذج القديم ولكن يتم الربط إما تحالفًا اقتصادًيا أوعسكريًا ولكن عندما تصطدم مصالح الدول الكبرى الفاعلة وتحتاج لتقسيم منطقة المصالح  فإنها تلجأ إلى تقسيم تلك المنطقة فإنها تستخدم الأسلوب الجديد فى الحروب فيما يسمى الحرب من الجيل الرابع ولها عناصرها الأساسية أولها الحرب بالوكالة عن جيوشها فتعمل على انقسام وتفتيت جيش الدولة المستهدفة مع زرع الإرهاب الدولى بين المنقسمين لتصفية بعضهم مع العمل على إسقاط الدولة من الداخل حتى تصبح الدولة بائسة والتى يستغرق التحضير لها ما بين 15-20 سنة، أى إن اتخاذ قرار الحرب وتنفيذه يكون قبل إعلان الحرب بتلك المدة الزمنية ولذا فإن القوى الدولية المستخدمة له تقوم أجهزة مخابراتها وعملاؤها وأعوانها من المغيبين الخونة والمتدربين على المنظمات الدولية العميلة باختيار وتجهيز والتحضير لعملية خلق وإعداد الأفراد الذين سيتم تجنيدهم لذلك قبل بدء تنفيذ المهمة بوقت طويل وللعمليات الإرهابية من 5-10 سنوات حيث تبدأ عملية التجنيد  للعملاء من النشطاء السياسيين والخونة أو المتطرفين العقائديين (أمراء الجماعات) باختيار وانتقاء للشخص وتحديد سماته ومواصفاته وبيئته التى يعيش فيها وتحديد ما يلزم من مراحل التجنيد ثم بدء التعارف وبث الثقة المتبادلة فالتدريب الخاص بكل مرحلة ثم زرع الولاء للتنظيم المنضم إليه والتأكد من ذلك الولاء.

صفات مطلوبة فى شخصية الإرهابى

وأشار الغبارى إلى أن اختيار الفرد للعمل فى مهام الإرهاب يتم من خلال بعض الصفات والمميزات فى الشخصية المطلوبة والتى تساعد على تجنيده واستمراره فى المهمة الإرهابية وتزيد من شدة ولائه للتنظيم ويمكن إجمال أهمها فى أنه يتصف بالأمية الدينية أو معلوماته الدينية محدودة ويميل إلى العزلة وأن يكون من بيئة معيشية فقيرة (مناطق عشوائية- الأكثر فقرا- أسرة كبيرة العدد/النسل) وأن يتمتع بالعصبية الدينية والرغبة المحمومة للدفاع عنها وكثرة الجدل وأن يكون متمتعا بصحة جيدة ولياقة بدنية مرتفعة كما يتصف بالوداعة الخادعة والتى تخفى وراءها شخصية أقرب إلى العدوانية وأن يكون شخصية صبورة وتتحمل الضغط والعمل الشاق المستمر وأن يكون سهل الانقياد والطاعة وأن يكون من البلد المستهدف من الحرب .

 

طرق تجنيد الإرهابى

ويقول الغبارى إن تجنيد الفرد الذى وقع عليه الاختيار يبدأ بضمه الى جلسات الاستماع فى بعض المساجد الصغيرة والتى يطلق عليها الزوايا أو الدروس الدينية وتحفيظ القرآن وذلك لتحويله إلى شخص متطرف أى يشذ عن سلوك ووسطية الأسرة والعائلة وهى أولى خطوات التجنيد، حيث تبدأ بتلقينه بضرورة العمل على حفظ شكل الدين أولا، مثل: فرض الحجاب على أسرته وعدم خروج البنات أو السيدات فرادى ولا بد من وجود محرم معها وإطلاق اللحية ولبس الجلباب وما شابه ذلك وبإصراره على التنفيذ مع أسرته وعائلته مع عدم الاستجابة له يلقن بجرعة زائدة من مظاهر التشدد فى الدين وشرح النماذج المتشددة والتى لم يعتاد عليها المجتمع المصرى الوسطى لتحويله إلى شخص عنيف وهى الخطوة الثانية إذ يستخدم العنف اللفظى والتهديد بالقطيعة مع الأهل والإصرار على اتباعه فإن فشل معهم ومع أصحابه ومحيطيه يلجأ إلى العزلة ويتم تغذيته بالأفكار التكفيرية للمجتمع وباقتناعه بها يتم تحويله إلى مرحلة التنفيذ لتغيير المجتمع الكافر بالقوة وهى الخطوة الثالثة فى التحول إلى الإرهاب أى يصبح شخصا إرهابيا بمفهومه الشامل فكريا وسلوكيا وظاهر أفعاله العنف والعبوس حتى يلتحق بالتدريب العسكرى البدنى والقتالى بالأسلحة الشخصية (البندقية والمسدس) ثم باستخدام المفرقعات وتنفيذ العمليات الإرهابية من تفجير المنشآت أو نفسه أو الاغتيالات للشخصيات العامة وعامة الشعب فى الميادين والمواصلات العامة بالإضافة إلى الهدف الأكبر وهم أفراد الجيش والشرطة وهما عنوان الأمن والأمان فى الدولة .

ويتابع الغبارى أنه عند تحليل الخطوات الثلاثة لتحويل الشخص العادى إلى إرهابى نجد أن الخطوتين الأولى والثانية تمثل مرحلة الشخص "المتطرف والعنيف" من منظور الأمن القومى ويندرجان تحت ما يسمى التحدى وهو الذى يواجه ويعالج بالإجراءات السلمية وعدم استخدام القوة، مثل: التوعية العكسية لما لقن به وتعليمه صحيح الدين والوسطية التى نادى بها رسولنا -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بالإضافة إلى ما يسمى بتعديل الخطاب الدينى أو إصدار القوانين المنظمة لعمل المساجد والرقابة عليها وتعيين الدعاة المعتمدين لها ويكون أمل العودة والهداية والعلاج كبير والعودة إلى شخصية المواطن الوسطى الرشيد أما إذا ما وصل للخطوة الثالثة وهو تحوله إلى إرهابى فهى من منظور الأمن القومى تهديد لأمن وأمان واستقرار الدولة وهنا العلاج بالتهديد باستخدام القوة ضده أو استخدامها فعلا حيث إنه فى هذه الحالة أمل العودة فيه مقطوع تماما لأن من حمل السلاح وقتل ودمر لا مكانة له بين المجتمع ولا حتى أسرته أو عائلته، حيث اقتناعه بكفرهم جميعا وخروجهم من الدين.

ويشير الغبارى إلى أنه يلى ما سبق مرحلة التريب العملى للأفراد المختارين فى معسكرات معزولة (أراضى صحراوية أو جبلية أو مناطق مهجورة) على يد مجموعة من المحاربين القدماء أجانب ومحليين من نفس الدولة الهدف لهم خبرات سابقة فى جيوش دولهم أو فى تنظيمات إرهابية أخرى (تنظيم القاعدة) وتقوم باستقدامهم أجهزة المخابرات بعملائها فى تلك البلاد والعمل من أجل الوصول بمستوى الأفراد المجندين فى التنظيمات الإرهابية إلى أعلى مستوى تدريبى يصل لحد الاحترافية فى أعمال القتل والتعذيب وما يلزم ذلك من أعمال الكر والفر والاختباء بين أبناء المجتمع .

وإذا نظرنا للرسم التوضيحى للدراسة نجد أنه يوضح باختصار مراحل التجنيد وبالتدقيق فيه يمكن لكل فرد فى المجتمع أن يتحقق من موضعه هو الآن أين يقف هو أو عزيز عليه حتى يقرر دعمه للرجوع إلى الحياة الطبيعية أو لا عودة. حفظنا الله ومن نحب من هذا الخطر الداهم اللهم أمين

 

الخلاصة

ويرى الغبارى فى النهاية أن الإرهاب الدولى يشكل فى منطقتنا العربية والإسلامية تهديدا كبيرا ومباشرا يستظل بأفكار متطرفة زورا وبهتانا باسم الدين وشريعته السمحة فأساء إلى الإسلام وشوه صورة المسلمين فى العالم, ورغم خطورة الظاهرة فإن المعنيين بالشأن الإرهابى ما زالوا مختلفين حول مدلولات الإرهاب وسماته وبواعثه وذلك لدواعى وأهداف كل منهم السياسية وبالتالى اختلافهم على الفترة الزمنية التى تؤرخ لنشوء هذه الظاهرة وانتشارها واستفحال مخاطرها, وتباينت التوجهات والرؤى السياسية فى تعريف جامع وشامل للإرهاب والتنظيمات الإرهابية. مؤكدا أنه من العجيب حتى الآن ألا يتفق المجتمع الدولى على تعريف جامع للإرهاب أو حتى اعتباره جريمة دولية فى ظل استخدام الدول الكبرى الفاعلة فى العالم للإرهاب كعنصر من عناصر حروب الجيل الرابع.