جريدة الزمان

تقارير

أشهر قصص فدائية من حرب العزة والكرامة

منى عيسوي -

رسمها أبطال مصريون

لقطات مضيئة على جبهة القتال فى حرب العبور

الجندى فكر خارج الصندوق فى عبور مانع بارليف

ناجى شهود يكشف سر الدقة فى اختيار موعد الحرب

قصة السلالم الخشبية فى اقتحام الحاجز الترابى

"الطيار المجنون" تغلب على 6 طائرات فانتوم بميج 21

الصحفى العسكرى.. جندى حامل للقلم فى ميدان المعركة

ملحمة تاريخية لم يتوقعها اليهود، وصدمتهم قوة الجندي المصري الذي حطم أسطورتهم العسكرية الحصينة، بعد أن فاجأتهم القوات المسلحة بأكبر خدعة عسكرية آثارها ستظل ذكرى أبدية فى عيدهم "الغفران".

ومع الجندي المصري كان هناك مقاتل آخر لم يحمل السلاح ولكنه استخدم القلم فى شن حرب إعلامية ضد العدو الذى أدعى أنه لا يقهر، وذهب أيضا إلى أرض المعركة لينقل الأحداث واللقطات وبعض القصص عن جنودنا البواسل تحت خط النار.

اللواء ناجى شهود أحد أبطال حرب أكتوبر، روى أنه يوم 6 أكتوبر في تمام الساعة التاسعة والنصف، استقبل إشارة تليفونية، لحضور اجتماع مع العقيد فؤاد صالح زكى، قائد اللواء الثامن مشاة، في الجيش الثالث الميداني، وشارك في حضور الاجتماع 6 قادة كتائب، للمشاة والدبابات والمدفعية والدفاع الجوي.

وقال: "اكتشفنا أنه استلم مظروفا فى الساعة 8 صباحاً يحتوى على بعض البيانات التى تقول: "ساعة س 1400"، والمقصود بها ساعة الصفر وتوقيت إطلاق أول طلقة وبدء عبور القوات الجوية في تمام الساعة 2 ظهراً، على أن يتم تلقين القادة الساعة 10 صباحاً، لتأكيد المهام على الحد الأمامي للدفاعات والجنود والضباط".

أضاف اللواء ناجى شهود، أن مجموعته كانت تقوم بتنفيذ المهام فى المقدمة، وهم مجموعة استطلاع فى قارب رقم 173، ومجموعة استطلاع فى قارب 144 ثم عناصر استطلاع مُترجلة كانت تسير على اليمين بقيادة الملازم حسين غباشى وفى اليسار الملازم أول محمد عبدالسلام، ومع كل منهما 4 جنود يمرون مع القوارب مهمتهم تسلق الساتر الترابي.

وأوضح اللواء شهود، أن هذه الجنود كانت تهرول رغم عمق الأرض التي كانوا يسيرون عليها، ولم يكن لهم علاقة بالقتال الجاري فى المناطق القوية، لأن هدفهم الوصول إلى عمق 5 كيلو في سيناء بمنتهى السرعة، لمتابعة الدبابات التى تتحرك لمهاجمة قوات المشاه، قبل أن تتحرك قواتنا، بحيث يكون قائد لواء المشاة على علم بما يدار شرق سيناء بعمق 4 كيلو.

واستكمل:" بعد أن مررت على الجنود لم أستطع أن أسلم عليهم لأنها قد تكون آخر مرة سوف أراهم أو يروننى فيها، فلم نكن نعلم ما ستؤول عليه الأحداث، وهنا عرفت معنى أن يسلم الإنسان على الآخر بعينيه فقط دون يدين، وكيف يحضن الجندي زميله بعينيه قبل أن يتركه ويفارقه".

وأكد أن الجنود قبل حرب أكتوبر كان يملؤهم الملل لدرجة أن جميعهم كانوا يتمنون الوقت الذى سيعبرون فيه خط بارليف، مضيفا أن القوات المسلحة المصرية كانت تعد مفاجأة استراتيجية تكتيكية تعبوية لإسرائيل أبهرت العالم أجمع، وهو أن يحارب الجيش على مواجهة 170 كيلو فى عز النهار.

فكر جنود حرب أكتوبر "خارج الصندوق"

قال اللواء شهود، إن الجيش المصري فكر خارج الصندوق فى حرب أكتوبر وعالج جميع المشاكل، فالساتر الترابي يتوسط ارتفاعه حوالى 20 مترا، وهى مثل عمارة 7 أدوار، وكان يجب أن يتسلق الجندى الساتر حتى يصل إلى أعلى قمة الأرض المدكوكة من أجل الدبابات.

وتابع: "أحض الجنود حبلا يمينا وأخر يسارا وقاموا بعمل عُقل خشبية بين الحبلين وتم لف هذا الحبل حول بعضه وحمله عسكرى مع سلاحه، وبجواره عسكرى آخر معه زاويتان حديد، وبجواره عسكرى ثالث يحمل "دقماق أو مرزبة" حديد، وصعدت هذه المجموعة الساتر ووضع أول عسكرى الزاوية الحديدية، وقام العسكرى الآخر بالدق عليهم وتثبيتهم فى الأرض أعلى الساتر، ثم قام العسكرى الثالث بوضع أول سلمه خشب ورمى باقى الحبل، وفرد سلماً عبارة عن حبال وسلالم خشبية، وبذلك استطاع باقى الجنود الصعود، وكان هناك مئات السلالم على طول المواجهة تم نصبهم بهذا الشكل

ولفت إلى أنه تم اختيار شهر رمضان، حيث إن طاقة المسلمين تقل أثناء الصيام، وبذلك يكون الموعد غير متوقع للإسرائيليين، وفى شهر نوفمبر اكتشفوا أن الجليد سوف ينزل على هضبة الجولان، وهذا سوف يعاكس حركة الجنزير، لذلك كان الشهر الأنسب هو أكتوبر.

أما اختيار اليوم السادس من أكتوبر، أكد "شهود" أنهم وجدوا أن إسرائيل لديها 8 أعياد على مدار العام، وتحتفل خلال شهر أكتوبر بـ3 أعياد، وهى عيد المظال وعيد التوراة، وعيد الغفران، ووجدوا أن الميزة فى يوم الغفران أنه يوم السكون فى إسرائيل، حيث يستخدمون هذا اليوم فى العبادة والصلاة فقط، ولا يستخدمون التليفزيون أو المواصلات أو الكهرباء.

وأشار إلى أن مصر استغلت هذه الميزة بعد أن تم دراسة العدو بشكل كامل "دينيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا"، رغم أنهم قالوا إن المصريين جهلاء لا يستفيدون من أخطائهم وينسون، ولكنهم كانوا مخطئين، حيث إن القوات المسلحة درست كل خطوة، وعلمت أن الإذاعة الإسرائيلية ستكون ساكنة فى ذلك اليوم.

مناورة الموت الأخيرة وقصة الطيار المجنون "المنصوري":

روى اللواء أحمد المنصوري، قائد تشكيل مقاتلات في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، تفاصيل أطول معركة جوية والتي استغرقت 13 دقيقة، وكان اشتباكًا بين طائرتين ميج-21 و6 طائرات فانتوم إسرائيلية.

وأوضح أن الفانتوم كانت طائرة مجهزة بأحدث التكنولوجية الأمريكية، موضحًا أن قدرة الفانتوم تعادل قيمة 3 طائرات ميج-21.

وأردف: "صدر لنا أمر بالاشتباك، فطائرات فانتوم قالوا دول 2 ميج هنلعب بيهم، لكني نجحت في إسقاط طائرة قائد التشكيل في أول 30 ثانية، واستمرت المعركة 13 دقيقة حتى نفذ الوقود من الطائرة واستشهد قائد الطائرة الأخرى الطيار حسن لطفي وعمره 19 سنة".

وختم:"إسرائيل كان معها أمريكا ومصر معها ربنا، الرئيس الشهيد أنور السادات قال لنا ده اللي موجود وده اللي هنحارب به".

وأشار إلى أنه بعد انتهاء ذخيرته كانت الطائرات الصهيوينة لا تزال تهاجمهم، فسألنى زميلى الشهيد الطيار، حسن لطفى: «اعمل إيه؟» فرددت عليه «اللى يدخل عليك إخبط فيه»، لأن هدفنا كان تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وبالفعل اصطدم زميلى بأحد الطائرات التى هاجمته فاستشهد، ودمر طائرة العدو.و

ولفت إلى أنه فى ذلك الوقت كان يتبقى لدى 100 لتر وقود تكفينى لمدة 30 ثانية فقط، ودعوت الله حينها أن يتم نعمته وأنقذ طائرتى، وبالفعل نزلت بالطائرة على طريق مدق لا يتجاوز عرضه 8 أمتار، وطوله 150 مترا، على بعد 60 مترا من شاطئ البحر عند فنار الزعفرانة، والطائرة لمست الأرض وسرعتها 400 كيلو متر فى الساعة، ودخلت بالطائرة فى الرمل وأوقفت عجلاتها، ونزلت منها خارا ساجدا، بينما كانت طائرة اسرائيلية تحوم بحثا عن ضحاياهم من المعركة، إلا أننى اختبأت ووصلت فى نفس الوقت كتيبة تابعة للواء مشاة ميكانيكى، أطلقت نيرانها صوب طائرة العدو فابتعدت، فهللت للجنود المصريين، وبمجرد أن شاهدونى اعتقدوا أننى إسرائيلى، فانهالوا علىّ ضربا وكسروا عمودى الفقرى بدبشك بندقية أخ عزيز مصرى، والحمد لله على كل حال.

مجموعة 39 قتال

سميت فى البداية بالقوات الخاصة، ثم الكومندس المصريين، ثم مجموعة 39 وهى مجموعة مقاتلة شرسة، مختارة من الصاعقة ومن الصاعقة البحرية وبعد الأسلحة المعاونة الأخرى، وكان يقود هذه المجموعة فى ذلك الوقت الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى، والذى استشهد يوم 19 أكتوبر 1973، فوق أحد المواقع الرئيسية، حيث كان الجيش المصرى يقاتل للدفاع عن مدينة الإسماعيلية.

وكان اللواء محي نوح أحد أبطال تلك المجموعة، قد خدم فى جنوب سيناء بعد العودة من اليمن، وتم تكليفه بعد نكسة 5 يونيو 1967، بإنقاذ الجنود العائدين من سيناء، ثم كان التكليف الثانى بالتوجه مع مجموعة من الضباط إلى رأس العش لوقف تقدم القوات الإسرائيلية المدعومة بدبابات ومدرعات وأسلحة ثقيلة وجرت مواجهة بين نوح وزملائه المسلحين بسلاح خفيف مستعينين بالحفر البرميلية والعبوات اللاصقة، وحققوا انتصاراً تحدث عنه العالم وقتئذ وساهم فى رفع معنويات القوات المسلحة.

وروى اللواء محى نوح بطل الصاعقة، قائلا إنه مع بدء حرب الاستنزاف زاد حجم العمليات التى تنفذها المجموعة 39، قتال خلف خطوط القوات الإسرائيلية فى عمق إسرائيل نفسها وعبر أفرادها القناة عشرات المرات ونفذوا عمليات رصد وتسلل وإعداد الكمائن وتفخيخ المواقع واستهداف الأهداف الحيوية للعدو، ومنها تدمير مطار حربى فى سيناء كانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، جولدا مائير، على وشك افتتاحه، وكانت هذه العملية بمثابة الصدمة لتل أبيب. وفى 6 أكتوبر 1973 جاءت لحظة الكرامة ونفذت المجموعة عمليات نوعية خلف خطوط العدو وفى قلب إسرائيل وخلال الحرب تم تكليف القوة بالتصدى لمجموعات من العدو فى منطقة «الدفرسوار» ما أجبر الإسرائيليين على التراجع، ولذا كرم الرئيس الراحل محمد أنور السادات المجموعة وأشاد ببطولاتهم ووصفهم بـ«الأشاوس».

الأذان.. الطائرة الفانتوم.. رسائل صحفيين فى حرب أكتوبر

فاروق الشاذلى، كان أحد محررى مؤسسة أخبار اليوم، ومن الذين وثقوا بأقلامهم وصورهم تفاصيل الملحمة الكبرى وروى عن يوم 6 أكتوبر، قائلا إن المحررين لم يتمكنوا فى التواصل مع الجهات العسكرية لسحب بعض الخطوط لصالح التحركات، بسبب السرية فى العمليات مع تكرار بيانات عسكرية مقتضبة، ثم جاء البيان الذى يحلم به كل المصريين بأن الجيش عبر قناة السويس ورفع العلم خفاقا على الشاطئ الشرقى فوق رمال سيناء".

ولفتت إلى أن صالة التحرير تحولت إلى مكان للاحتفال وعبر الجميع عن سعادته، وتم إلغاء المواد المعدة للنشر وإصدار أكثر من طبعة تحمل متابعة فورية لكل جديد، ثم يتم اختيار فاروق الشاذلى والفنان المصور مكرم جاد الكريم، للانطلاق مع قافلة إعلامية إلى السويس مع أول ضوء يوم 7 أكتوبر وتم صرف أفرول لكل محرر عسكرى.

ولفت إلى أن القافلة تعرضت لغارة جوية معادية بمجرد وصولهم إلى البر الغربى، فقاموا بالاختباء فى أحد الدكاكين، ومع انتهاء الغارة تحركت القافلة إلى مكان آخر حتى يتمكنوا من رصد انطلاق قواتنا المسلحة وهم مندفعين بكل بطولة إلى البر الشرقى من أحد المعابر لدعم المجموعات التى عبرت ومعاونتهم فى تحطيم خط بارليف.

وأشار إلى أن المسئولين رفضوا عبورهم لأن الأولوية للقوات والمعدات المشاركة فى القتال فينتقلون، ثم انطلقوا إلى مكان آخر تعرضوا خلال سيرهم لغارة جوية أخرى ولكن تصدت لها وسائل دفاعنا الجوى وتسقط طائرة فانتوم إسرائيلية، وفى هذه اللحظة يتمكن مكرم جاد الكريم من التقاط صورة لها.

وكانت طائرة أخرى تحاول الهروب فتغمرهم بالرمال، ثم يقوم فاروق الشاذلى بالذهاب والتسلق على سلم لورى عسكرى حتى يصل إلى قيادة الجيش الثالث الميدانى ليبلغ الجريدة باللقطة.

وعندما عاد الشاذلى إلى مكتب موسى صبرى رئيس التحرير فى ذلك الوقت، التقط الأخير له صورة بالأفرول الذى حضر به ووضع انفراد مكرم جاد الكريم بصورة الطائرة الإسرائيلية المحطمة بالصفحة الأولى ويترك له الأخيرة ليكتب فاروق الشاذلى أول رسالة له من الجبهة.

وروى فاروق الشاذلى لحظة عبوره قناة السويس يوم الثامن من أكتوبر، وكيف انسابت دموعه وهو يقبل ويتوضأ برمال سيناء، كما كشف قصة دخوله إلى مدينة القنطرة شرق بعد تطهيرها من دنس الاحتلال الإسرائيلى وتجول فى مركز القيادة المتقدم للعدو بعد أن حرره أبطالنا فى معركة ضارية استخدموا فيها السلاح الأبيض والقتال المتلاحم.

وكشف الشاذلى كيف سارع الجنود فى ترميم مسجد المدينة بعد أن حاول العدو تدميره لينطلق صوت أحد الجنود بأذان الظهر "الله أكبر.. الله أكبر"، وكانت هذه رسالته الثانية من الجبهة عن معركة القنطرة شرق التى قام أبطال الفرقة 18 فى بطولة فذة كان يعتقد الكثيرون أن مكانها الأساطير فأصبحت واقعا وحقيقة بسواعد المصريين من رجال الجيش الثانى الميدانى الذين لا يعرفون المستحيل.

وعمل جمال الغيطانى، مراسلا صحفيا حربيا لجريدة أخبار اليوم، وروى العديد من القصص عن الحرب، وكيف كان للطيار المصرى دور عظيم فى حرب 1973، كما تحدث عن بطولات قوات الدفاع الجوى فى إسقاط طائرة استطلاع متقدمة بمقاييس الوقت، كان اسمها ستراتو كورز، ورغم صعوبة إسقاطها لما تحمله من إمكانات متقدمة، إلا أن الجندى المصرى تغلب عليها، بقاعدة أبو صوير واعتبرت هذه اللحظة محطة فارقة فى تاريخ الحرب.

وكشف عن قصة حصار منطقة كبريت، والتى أظهرت بسالة وجدية المقاتل المصرى أثناء حرب أكتوبر، وظهر خلالها قوة الجنود المصريين أمام الحصار والذى استمر 134 يومًا مات خلالها الناس جوعًا، ورغم ذلك لم يسقط علم مصر عنها، واستشهد الجندى الذى ظل على جبل عتاقة طوال هذه الفترة، وكان يتغذى على ورق الشجر.